كتبت صحيفة “الديار ” تقول : يحيط رئيس الحكومة المكلف حسان دياب اتصالاته لتشكيل الحكومة بالكثير من الكتمان، هذا ”الغموض” البناء سمح بانطلاق حرب “شائعات” واخبار مفبركة تقاطعت مع استمرار قطع عدد من شوارع بيروت والمناطق، في ظل حملة ضغوط متزايدة على رئيس تصريف الاعمال سعد الحريري “المغضوب” عليه سعوديا، لاجباره على الخروج بموقف سلبي من تكليف دياب، فيما بات واضحا ان ثمة فرصة دولية واقليمية قد منحت لولادة الحكومة وعندها سيبنى على الشيء مقتضاه في الداخل والخارج.
وقبل ساعات من دخول البلاد اجواء عطلة عيد الميلاد، جهدت ماكينات اعلامية وسياسية على محاولة ابراز التباين بين رئيس الحكومة المكلف وحزب الله على خلفية الخلاف حول نوعية الوزراء في الحكومة المقبلة، وهو ما يشير بوضوح بحسب مصادر مقربة من الحزب الى وجود حالة تخبط لدى فريق سياسي يراكم الاخطاء تلو الاخرى ويعيش حالة من الضياع حيث روج لساعات وايام بان دياب هو “صنيعة” الحزب فيما تعود هذه الجهات نفسها الى الحديث عن خلاف بين الطرفين على نوعية الحكومة، وهذا الامر جيد ولا يشكل اي ازعاج على الرغم من عدم صحته لان دياب لم يلتق منذ الاستشارات مع اي ممثل لحزب الله ولم تبدا بعد النقاشات حول طبيعة الحكومة المقبلة، لكن ما يتم تداوله يمنحه “صك براءة” عن كل الاتهامات التي سيقت ضده سابقا.
اما عن طبيعة موقف الحزب فتؤكد اوساط مطلعة على الاتصالات انه سيتم تقديم كل ما يسهل تشكيل الحكومة العتيدة في اسرع وقت ممكن، اما الرئيس المكلف فقد وضع خطة لعملية التأليف، وهو ملتزم بحكومة مصغرة من 20 وزيراً او اقل او اكثر بقليل، من اختصاصيين ومستقلين وهو سيعمل على التفاهم مع القوى السياسية على هذا الامر بعد عطلة الميلاد ويأمل بحسب زواره ان يصل الى نتائج ايجابية في الفترة الفاصلة بين عيدي رأس السنة والميلاد حيث يفترض ان يكون الشكل الاولي للحكومة قد اصبح واضحا.
حرب الشائعات
وكانت “حرب الشائعات” المنظمة وصلت بالامس الى حد بدء الحديث عن تباين بين الثنائي الشيعي ودياب حول شكل الحكومة، وقد نفى الرئيس المكلف ما جرى فبركته عبر حساب نسب اليه في موقع “تويتر”، قال فيه ان “الحكومة الجديدة ستكون وجه لبنان ولن تكون حكومة فئة سياسية من هنا وهناك.. وستكون حكومة اختصاصيين بامتياز”، مضيفا ” عشت مستقلا وسأبقى مستقلا، أما التصنيفات فلا تعني لي شيئا، القضية الرئيسية تتمثل في تحقيق نهضة لبنان والوصول إلى النتيجة التي يتمناها اللبنانيون. وقال “ستعمل الحكومة المقبلة على الإستجابة للمطالب الحقيقية للبنانيين بعيدا عن أي إصطدامات وستقدم برامج تحقق إرادة الشعب”… وقد اكد دياب انه لم ”يغرد” بالامس ولم يطلق اي موقف، داعيا الى متابعته على حسابه الرسمي…اما حزب الله فلا يزال عند موقفه المسهل للرئيس المكلف من خلال الدعوة الى اكبر مشاركة سياسية لتحمل الجميع المسؤولية الوطنية، ومد يد العون للرئيس المكلف، لأنه لا بديل عن تشكيل حكومة.
الحريري “ملتزم”… ولكن؟
في هذا الوقت، تحدثت مصادر مطلعة ان رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري لا يزال ينتظر التشكيل لتبديد المخاوف الناجمة عن التكليف الملتبس، لكنه ملتزم بعدم الانجرار الى اي ”فتنة” في الشارع، ولذلك فهو لن يرضخ لضغط بعد “الرؤوس الحامية” في تيار المستقبل والتي تدعوه الى اصدار اعلان صريح وواضح عن رفضه تكليف حسان دياب لرئاسة الحكومة، وهو لا يزال ملتزما التفاهم الضمني مع “الثنائي الشيعي” حيال ضبط “الشارع” مع تشديده على ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة علها تحدث صدمة ايجابية تساهم في “تنفيس” الاعتراضات.
تململ الحريري
وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط الى وجود “تململ” لدى الحريري من بعض تصريحات وزراء في حزب الله يتحدثون فيها عن تفاهم حصل معه مسبقا على دياب ما يشكل له احراجا امام جمهوره، كما عبر عن “سخطه” من تغريدات “مسيئة” صادرة عن بعض النواب في التيار الوطني الحر والتي تؤجج الشارع ولا تساهم في تهدئته.
ووفقا لهذه المعطيات، فان الحريري بدأ في الساعات القليلة الماضية ارسال “اشارات” مقلقة عن عدم قدرته على السيطرة طويلا على “غضب” انصاره الذين بدأوا يستمعون الى وجهات نظر اكثر تطرفا بفعل حملة “شائعات” تجعل منه “خائنا” لا “مظلوما”، ولذلك ثمة قلق جدي من ”استدارة” جديدة من قبل رئيس حكومة تصريف الاعمال اذا ما اخفق في مقاومة “الضغوط” التي تمارس عليه من جهات سياسية ودينية داخل الطائفة السنية، في ظل كلام جدي عن موقف صريح وواضح قد تضطر الى اصداره دار الفتوى ينزع “الشرعية” عن دياب، ما يشكل ايضا مخرجا للحريري عن تفاهماته “الضمنية” مع “الثنائي الشيعي”، وهذا ما سيؤدي الى احراج الرئيس المكلف الذي سيكون في موقف صعب… وحتى الان لا تبدو الاجواء مهيئة لزيارة دياب الى دار الفتوى وهو ما يزال يردد امام زواره بأن هذه الزيارة ستأتي في وقتها.
“المستقبل” لن يشارك في الحكومة
من جهتها تؤكد اوساط تيار المستقبل ان الرئيس الحريري لم يعط موافقته على تسمية حسان دياب لترؤس الحكومة ولو حصل ذلك لكانت كتلته النيابية سمته في الاستشارات، لكن في المقابل لم يتخذ الحريري موقفا سلبيا لانه حريص على الاستقرار الداخلي، وهو ما يزال عند موقفه “الله يوفقه”لكن لن يشارك في الحكومة لا بشكل مباشر او غير مباشر.
المشنوق يحاول “حشر” الحريري
وفي هذا السياق، جاء بيان النائب نهاد المشنوق الذي اختار “حشر” الحريري من خلال دعوته الى اعلان موقف صريح من تكليف دياب رافضا أن “يسمّي التيار الوطني الحرّ والثنائي الشيعي رئيس الحكومة وأن يعتبرا الأمر طبيعياً وميثاقياً”.
وقال “لا يجوز أن تصبح الميثاقية مسألة فيها نظر، ليس هناك ميثاقية بزيت وأخرى بسمنة. هذا ليس مقبولاً. ودعا رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى “إعلان موقف سياسي صريح لإزالة الالتباس من تكليف الدكتور حسّان دياب تشكيل الحكومة الجديدة”، وطالبه “بأن يخرج ويخاطب هذا الشارع لتحديد الموقف النهائي من مسألة تكليف دياب، لأنّ ترك الأمر على هذا الالتباس قد يؤدّي إلى خلل ميثاقي وخلل أمني وخلل في الانتفاضة نفسها، وأكّد أنّ “هذه القضية لا تُقضى بقوله “الله يوفّقه” ولا بالامتناع عن المشاركة في الحكومة. ربما يدعو إلى إعطائه فرصة درءاً للفتنة أو يطلب الانتظار ليرى شكل الحكومة، لكن عليه مسؤولية مخاطبة هؤلاء الناس الغاضبين في الشارع، وتحديد الموقف بشكل دقيق ومباشر منعاً للفتنة، ومنعاً لانقسام الانتفاضة”…
السعودية “غاضبة”
وفيما لا يزال الموقف السعودي “سلبيا” ازاء التطورات السياسية والامنية على الساحة اللبنانية، مع تسريبات من قصر بعبدا عن انفتاح سعودي مرتقب على الوضع الجديد، زادت “النقمة” في المملكة على رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الذي تتهمه بتسهيل وصول مرشح ”حزب الله” الى السراي الكبير، ووفقا لاوساط دبلوماسية عربية فان الرياض لم تتوقع ان يكون رد الحريري على “سحب البساط” من “تحت اقدامه” على هذا النحو السلبي، وكانت تترقب منه موقفا اكثر “عقلانية” بعدما وصلته “الرسالة” عبر حلفائه في الداخل، لكن الحريري اختار ”الحرد” مرة جديدة بدل اعادة “قنوات” الاتصال مع المملكة من خلال عدم تبنيه لترشيح نواف سلام وترك موقع الرئاسة الثالثة بين يدي الفريق الاخر، وهذا ما يزيد من صعوبة العلاقة مع ”بيت الوسط” حيث اختار الحريري الرد على التخلي عنه بالانسحاب “التكتيكي” من المشهد راميا “كرة النار” في حضن من خذله واتخذ القرار بتنحيته سواء في الداخل او الخارج، وهو اراد افهام هؤلاء انه “رقم” صعب لا يمكن التخلي عنه دون حصول اضرار جسيمة سواء في التداعيات السياسية او في الشارع.
وفيما لم تبد المملكة ايضا اي اشارة على انفتاحها على الرئيس المكلف، الا ان سفارتها في بيروت اعلنت في بيان ان ” فهد الركف الذي أجرى مداخلة هاتفية عبر احدى القنوات اللبنانية مساء الأحد 22 كانون الأول 2019 وقدم نفسه كمختص في الملف اللبناني ووصفته وسائل اعلامية بأنه مسؤول حكومي هو في الحقيقة شخص لا يحمل أي صفة رسمية وآراؤه تمثله شخصياً ولا تعكس موقف المملكة.
مصر تدعو للتهدئة
في المقابل يبدو الموقف المصري اكثر ليونة وواقعية، وفي تباين مع الموقف السعودي المتشنج، اكد السفير المصري ياسر علوي بعد زيارة النائب بهية الحريري دعم لبنان، داعيا الى التعجيل في تشكيل حكومة تلبي طموح الشارع اللبناني لكي يتمكن المجتمع الدولي والعربي من تقديم الدعم المطلوب.. ووفقا لاوساط مطلعة فان السفير المصري دعا الى التهدئة في الشارع وعدم اخذ البلاد الى توترات امنية، مطالبا بانتظار شكل الحكومة الذي سيكون مهما جدا بالنسبة الى القاهرة.
ايران تتهم السعودية واسرائيل
في المقابل وفي اول موقف ايراني من التطورات اكد مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، ان التظاهرات المتواصلة في لبنان بعد تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة تتم بتحريض من قبل السعودية وإسرائيل.وأعرب ولايتي عن ترحيب طهران بتكليف دياب، مضيفا: “نحترم أي قرار يتخذه الشعب”، وعبّر عن قناعته بأن التظاهرات في لبنان ستتضاءل وتنتهي مع تشكيل الحكومة وتحقيق مطالب الشعب.
لا رهان على الاميركيين
وفي السياق نفسه يبدو الحريري اكثر ارتياحا وتصالحا مع موقفه، ووفقا لزوار “بيت الوسط”، فان رئيس الحكومة الذي يستعد لتمضية عطلة الاعياد في باريس، لم يتفاجأ من حجم “البرودة” الاميركية في التعامل مع التطورات المتلاحقة على الساحة اللبنانية، وهو كان يدرك مسبقا بان اي قرار في المواجهة لن يحصل على الدعم المطلوب اميركيا، وهو ربما للمرة الاولى يحسن ”قراءة” المشهد افضل من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين ظنا بان ديفيد هيل سيحمل الدعم المطلوب لموقفهما السلبي بعدما لعبا دورا في الاطاحة به، وكانا يريدان منه تحمل اكلاف المواجهة وحده من خلال تسمية نواف سلام الذي لم يقاتل الاميركيين من اجله.
هذه اهتمامات واشنطن
وبحسب تلك الاوساط، فان هيل لم يكن مهتما بكل ما حصل في الشان الحكومي، وكانت محادثاته متصلة بملف النفط والوساطة الاميركية مع اسرائيل، ومساهمة الشركات الاميركية في عملية التنقيب عن النفط والغاز، في المناقصة الثانية… وكان مهتما بحكومة تقود الاصلاحات وتنفيذ تعهدات لبنان امام مؤتمر سيدر خصوصا ان المبلغ الاكبر المرصود هو لاصلاح البنى التحتية وقطاع الكهرباء، حيث ان احدى الشركات الاميركية مهتمة ايضا بالاستثمار في قطاع الكهرباء.
وهو لم يتحدث لا من قريب او بعيد عن مشاركة حزب الله في الحكومة او عن فرض عقوبات على الحزب، واوحى ان الحصول على المساعدات الدولية ستقدم بعد تشكيل الحكومة المقبلة خصوصا اذا كانت من الاختصاصيين. كما جدد الثقة بالجيش اللبناني مؤكدا على شراكة الولايات المتحدة الطويلة الأمد مع لبنان بما في ذلك المساعدات العسكرية.
وازاء ما تقدم، ترى تلك الاوساط، ان من يستمر بالرهان على موقف اميركي “رجعي” من الاحداث “واهم” ولا يزال يطارد “طواحين الهواء”، لان اولويات المتحدة في مكان وحسابات بعض اللبنانيين في مكان آخر.
جنبلاط ينتقد جعجع والحريري
من جهة ثانية، انتشر تسجيل صوتي يعود لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط، مع ابناء الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة: وقال فيه “اتّخذنا موقفاً من عدم المشاركة لا في هذه الحكومة ولا في غيرها”، واستغرب كيف أنّ الرئيس سعد الحريري لم يسمّ السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، كما استغرب موقف حزب “القوات اللبنانية” من عدم تأييد سلام، وقال إنّ الجبل ولبنان على “مشارف الجوع”، لافتاً الى ان الاقتصاد على باب الانهيار إن لم يكن قد انهار، ولبنان لا يمكن أن يستمر كبلد خدمات وسياحة وفنادق ومطاعم ومصارف بدون انتاج. كما اشار الى ان موضوع حزب الله “اكبر” من الجميع وهو مرتبط بالملفات الاقليمية.