كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: أكثرية 69 صوتاً كلّف الوزير السابق حسان دياب تأليف الحكومة الجديدة، في ظل تساؤلات كثيرة عمّا إذا كان سينجح في هذه المهمة بعدما بدأت أصوات ترتفع مشكّكة بـ”ميثاقية” هذا التكليف، وفي ظل تساؤلات عمّا عدا ممّا بَدا حتى حصل التكليف بهذا الهدوء والسلاسة على رغم اعتراض المعترضين، وهل أنّ شيئاً ما في الأفق الاقليمي والدولي قد تبدّل لمصلحة الإستحقاق الحكومي في لبنان الذي يبدأ إنجازه قبل ساعات من وصول الموفد الاميركي ديفيد هيل الى بيروت مساء أمس في مهمة متنوعة الملفات، ومن بينها الملف الحكومي والتطورات التي يشهدها.
كما كان تكليف دياب تشكيل الحكومة الجديدة، متوقعاً، كذلك كانت ردود الفعل الاعتراضية عليه، سواء من جهة الحراك الشعبي، الذي وجدت فيه بعض مكوناته عنصراً استفزازياً له، ولا يلبّي ما طالب به، او من جهة مناصري تيار “المستقبل” الذين عبّروا عن تمسّكهم بالرئيس سعد الحريري، بتحركات شاركت فيها مكونات أخرى من الحراك، في طرابلس والبقاع وتمّ إقفال طرق خصوصاً في بيروت، بالتزامن مع تجمّع محتجّين أمام منزل الرئيس المكلف في تلة الخياط.
واذا كان تكليف دياب، يشكّل في نظر القوى السياسية التي سَمّته في الاستشارات الملزمة، جسر العبور الى حل الازمة القائمة، سواء في شقها الاقتصادي والمالي، او في شقها المتصل بمراعاة مطالب الحراك الشعبي المستمر منذ 17 تشرين الاول الماضي، فإنّ ما شاب هذا التكليف من ثغرات أفقدته من جهة التغطية السنية المحصّنة له مذهبياً وسياسياً، ومن جهة ثانية، المظلّة السياسية الواسعة التي لم تتوافر في ظل الانقسام السياسي الواضح حول اسم الرئيس المكلف، بحيث بَدا تكليفه وكأنه تكليف من لون سياسي واحد، يذهب تلقائياً نحو تشكيل حكومة من وَحيه، وتكمّله، اي حكومة لون واحد.
وعلى رغم من انّ الرئيس المكلف، في البيان الذي تلاه بعد قبوله مهمة التكليف، قد سعى الى توجيه ما بَدا انها رسالة تطمين للمعترضين عليه، بأنه شخصية مستقلة، تستمد قوتها من الحراك الشعبي وتركن الى مطالباته وتسعى الى تحقيق طموحاته، فإنّ بيانه المسبوك لبيان وزاري مسبق، لم يُغر مضمونه المحتجّين، ولا استطاع ان يلغي الحكم المسبق، ليس فقط عليه والذي عَلا في أصوات المحتجّين، بل على حكومته، اذا تمكن من تشكيلها وإحاطتها بصفات تبدأ باعتبارها “حكومة حزب الله” او “حكومة مواجهة” مع الداخل والمجتمع الدولي، ولا تنتهي باعتبارها حكومة السياسيين المرتزقين القافزين فوق حراك الشعب ووجعه.
وبمعزل عن نسبة الاصوات النيابية التي حملت دياب الى عرش الرئاسة الثالثة، فإنّ العبرة لم تكن في إمرار التكليف، الذي صيغ إخراجه بين القوى السياسية التي سمّته، وكانت سائر القوى الاخرى في جوّه منذ امس الاول، بل انّ العبرة تكمن في التأليف.
وبحسب الاجواء المحيطة بهذا الاستحقاق الحكومي، فإنّ الرئيس المكلف أمام مهمة شاقة وطريقه مزروعة بمجموعة ألغام معقّدة التفكيك:
أولها، اللغم السنّي ومحاولة انتزاع ثقة الطائفة التي بَدا جلياً انها محجوبة عنه في غالبيتها العظمى امس.
ثانيها، لغم الحكومة نفسها، الكامن في شكلها، وما اذا كان الرئيس المكلف قادراً على تشكيل حكومة اختصاصيين، لا سياسية، أو انه “مُكره أخاك لا بطل” على تشكيل حكومة تكنو- سياسية، يشكل اسمها استفزازاً للحراك الشعبي، والذهاب اليها، أشبه بعود ثقاب لإشعال تحركاته الاحتجاجية وبنحو أعنف ممّا كان عليه الحراك قبل التكليف.
ثالثها، لغم الثقة وما إذا كان الرئيس المكلف قادراً على تقديم نفسه كشخصية موثوقة للداخل، وكذلك للخارج. وما اذا كان يخبّئ في جعبته صيغة حكومية موثوقة وتوحي بالصدقية والثقة، تُحاكي المواصفات التي نصح بها المجتمع الدولي.
رابعها، “لغم الصمود”، وما اذا كانت “الجرأة” التي تمتع بها دياب بقبوله “التكليف”، متجاوزاً بذلك الموقف السني العام، وشرعية واسعة من القوى السياسية المعترضة عليه، ستثبت أمام ما تبدو انها هجمة مرتدة عليه في الشارع او على مستوى الطائفة، وسيستمر ماضياً نحو تأليف حكومة حَدّد روحيتها في بيانه من بعبدا بعد تكليفه، أم انّ هذه “الجرأة” ستذوب أمام الضغط، فيتحوّل مساره من التأليف الى اعتذار؟
الأكيد انّ الصورة ستبدأ بالوضوح اكثر في الايام المقبلة، وسترتسم حتماً من حركة الشارع، وايضاً ما سيستخلصه الرئيس المكلف من استشاراته النيابية التي ستنطلق غداً السبت في المجلس النيابي.
التكليف
وكان رئيس الجمهورية كلّف دياب تأليف الحكومة الجديدة في حتام يوم الاستشارات الطويل الذي سارت وقائعه في القصر الجمهوري، وانتهى بلقاء بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إستدعي اليه دياب ليبلّغ نتيجة الاستشارات التي فاز فيها بأكثرية 69 صوتاً.
وقد حصل دياب على أصوات كتل: “الوفاء للمقاومة”، “التيّار الوطنيّ الحرّ”، “التنمية والتحرير”، “اللقاء التشاوري”، “التكتل الوطني”، “ضمانة الجبل”، وكتلة نواب الأرمن، ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي والنائب جميل السيّد. وامتنع 42 نائباً عن التسمية، وهم نوّاب كتل: “المستقبل”، “الوسطيّة المستقلة”، “الجمهورية القوية”، إضافة الى الرئيسين نجيب ميقاتي وتمّام سلام، والنواب: نعمة افرام، أسامة سعد، فؤاد مخزومي وشامل روكز. فيما حصل السفير نواف سلام على 14 صوتاً من كتلة الكتائب اللبنانية، “اللقاء الديمقراطي”، النائب نهاد المشنوق ورئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوّض، فيما سمّت النائب بولا يعقوبيان حليمة قعقور.
ولم تحتسب الدوائر المختصة في القصر الجمهوري صوت النائب بلال عبد الله في عداد نواب “اللقاء الديمقراطي” التسعة، لأنّه لم يبرّر غيابه، واحتسبت صوت النائب طوني فرنجية الذي اعتذر لوجوده خارج البلاد، وكذلك صوت النائب فايز غصن الذي أرسل كتاباً يوضِح فيه تغيّبه لعذر صحي.
دياب يتعهّد
وتعهّد دياب في بيان تلاه بعد تكليفه “تشكيل الحكومة في أسرع وقت من خلال التواصل مع رؤساء الحكومات السابقين ومع الكتل النيابية وسائر النواب اضافة الى القوى والأحزاب والحراك الشعبي”. واصفاً المرحلة بأنها “دقيقة وحساسة وتتطلب تضافر جهود القوى، فنحن نواجه أزمة وطنية لا تسمح بترف المعارك السياسية والشخصية بل تحتاج الى وحدة وطنية تحصّن الوطن”. وقال: “من موقعي كمستقل أتوجه الى اللبنانيين الذين عبّروا عن وجعهم لأؤكد انّ انتفاضتكم أعادت تصويب الحياة السياسية في لبنان وأنتم مصدر السلطات فعلاً لا قولاً”.
واعلن انه سيعمل “بالاتفاق مع رئيس الجمهورية ميشال عون واستناداً الى الدستور لتكون حكومة على مستوى تطلعات اللبنانيين تحقق مطالبهم وتطمئنهم الى مستقبلهم، وتنقل البلد من حالة عدم التوازن الى حالة الاستقرار عبر خطة إصلاحية واقعية تأخذ طريقها الى التنفيذ سريعاً”. وشدد على أنّ “جهودنا جميعاً يجب أن تتركز على وقف الانهيار وصون الوحدة الوطنية وحماية أرضنا وثروات الوطن”.
ولفت إلى أن “اللبنانيين لن يسمحوا بعد اليوم بالعودة الى ما قبل 17 تشرين الأول، وبناء المستقبل لا يكون الّا بالتفاعل مع مطالب الشعب وجهودنا جميعاً يجب ان تتركز على وقف الانهيار”.
وقال: “التمسّك بالحريات العامة صمام أمان لحماية ورشة الانقاذ، وأي سلطة لا تحتكم للشعب هي سلطة منفصلة عن الواقع ولن تستطيع حماية البلد، وأدعو اللبنانيين في كل الساحات الى أن يكونوا شركاء في إطلاق ورشة الانقاذ”.
وأشار دياب إلى أنّ “الاستقرار السياسي والاقتصادي ضرورة قصوى”. وأضاف: “اليوم نحن في صدد العمل وليس الكلام، وأنا شخص اختصاصي والأولوية للاختصاصيين، وطلبت بدء الاستشارات يوم السبت”.
ووصل دياب إلى منزله في تلة الخياط، حيث تتخذ الإجراءات الأمنية المكثفة للجيش وقوى الأمن الداخلي ويتجمّع عشرات الأشخاص.
ورداً على أسئلة الصحافيين، قال دياب: “إنّ المعترضين على تكليفي الموجودين في الشوارع يحق لهم إبداء آرائهم، خصوصاً أنهم موجودون في الشارع منذ 60 يوماً، رفضاً للاوضاع المعيشية السيئة”. وأكد أنّ حكومته “لن تكون حكومة مواجهة أبداً”.
“القوات”
وفي ردود الفعل على تكليف دياب قالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية”: “انّ “القوات” تأسف لتشكيل الحكومة من لون واحد بعيدة كل البعد عن الحكومة المطلوبة اليوم التي هي حكومة اختصاصيين مستقلين، وترى أنّ هذا الاصرار على تشكيل هذه الحكومة له أهداف وخلفيات سلطوية في ظل ذهنية لا تريد إنقاذ لبنان”.
وأضافت: “إنّ حكومة من هذا النوع لا تستوفي شروط المرحلة المالية والاقتصادية، وتؤدي الى مزيد من انزلاق لبنان نحو مزيد من الانهيار الشامل. وتؤكد “القوات اللبنانية” المزيد من التمسّك بموقفها الثابت المتعلّق بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، وتعتبر انّ ما يحصل هو مزيد من هدر الوقت ومزيد من إدخال لبنان في متاهات سياسية غير مقبولة”.
ورأت المصادر “أن الازمة اليوم هي أزمة اقتصادية ومالية، ويجب إيجاد المخارج من اجل مواجهتها. وما يحصل اليوم هو انّ البعض يتعاطى وكأنّ الازمة هي أزمة سياسية والمطلوب إخراجها. والحكومة في حال تشكلت ستكون حكومة تكنوقراط مغلفة ووهمية وغير حقيقية وغير فعلية، لأنّ وزراءها ستسمّيهم قوى سياسية ولا يؤدون الغرض المطلوب. والشارع لن يقبل هذه الحكومة والمجتمع الدولي لن يعطيها الثقة لأنها مؤلفة من فريق سياسي، بينما القوى السياسية الاخرى رفضت الانضمام اليها لأنها حكومة فاشلة منذ اللحظة الاولى. ولذك فإنّ الثقة هي عنوان المرحلة، وللأسف نحن امام مرحلة لا ثقة في الداخل ولا ثقة مع الخارج، وبالتالي مؤسف هذا الاصرار فقط على الاحتفاظ بمواقع سلطوية”.
الحراك
الى ذلك، وبعد هدوء ساد طوال نهار أمس، عادت مشهدية قطع الطرق فور انتهاء الاستشارات النيابية إحتجاجاً على تكليف دياب تأليف الحكومة. إذ تجمّع عدد من المحتجّين على دراجات نارية أمام منزل دياب في محلة تلة الخياط في بيروت، وأطلقوا شعارات رافضة تكليفه تشكيل الحكومة ومؤيدة للرئيس سعد الحريري، وسط انتشار أمنيّ كثيف. فيما أقفلت شوارع بالعوائق والاطارات المشتعلة في عدد من أحياء العاصمة.
وفي طرابلس، عبّر أبناء المدينة عن غضبهم من خلال قطع معظم الطرق في المدينة بالإطارات المشتعلة وغير المشتعلة، من بينها أوتوستراد البداوي، وعند نقطة البالما حيث تم قطع الاوتوستراد بالاتجاهين، مردّدين الهتافات المندّدة بموقف النائب فيصل كرامي وكتلته النيابية لجهة تسمية دياب، خلال الاعتصام أمام منزله في طرابلس، والذي كان شهد انتشاراً كثيفاً للجيش اللبناني الذي أغلق كل الطرق المؤدية اليه.
كذلك، قطعت طرق عدّة في عكّار، والأوتوستراد الساحلي نحو الجنوب، وفي صيدا، وفي ضهر البيدر وزحلة والبقاع الاوسط والهرمل، وغيرها، إحتجاجاً على تسمية دياب.
ترحيب إسرائيلي بقرار الماني
من جهة ثانية رحّبت إسرائيل أمس بقرار اتخذه البرلمان الألماني، وقضى باعتبار “حزب الله” اللبناني “منظمة إرهابية” تدعمها إيران.
ونقلت القناة العبرية “13” عن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أنّ قرار البرلمان الألماني “هو خطوة مهمة في الكفاح الدولي المشترك ضد الإرهاب، وخصوصاً ضد حزب الله وإيران”. وقال: “على المجتمع الدولي الاتحاد ضد “حزب الله” وإعلانه منظمة إرهابية”.
وطالبَ بتوقيع عقوبات أو فرض عقوبات على “حزب الله” حتى لا يقوم بعمليات ادّعى أنها “إرهابية” بدعم إيراني. وكان البرلمان الألماني أقرّ اقتراحاً أمس يَحضّ حكومة المستشارة أنجيلا ميركل على حظر كل أنشطة “حزب الله” اللبناني على الأراضي الألمانية، مشيراً إلى ما وصفه بـ”أنشطته الإرهابية” خصوصاً في سوريا.
وأفادت وكالة “رويترز” أنّ المحافظين من حزب ميركل أيّدوا الاقتراح إلى جانب “الحزب الاجتماعي الديموقراطي” المشارك في الائتلاف الحاكم و”حزب الديموقراطيين الأحرار” المعارض.
وهذا الاقتراح غير مُلزم لكنه سيزيد الضغوط على الحكومة لاتخاذ موقف، ويدعوها الى التخلّي عن سياساتها الراهنة، التي تفرّق بين الجناح السياسي والوحدات العسكرية لـ”حزب الله” التي قاتلت إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد.