كتبت صحيفة “النهار” تقول: هل باتت أزمة تكليف رئيس الحكومة الجديدة تسير على إيقاع تطورات الشارع أم العكس هو الصحيح؟ والى متى سيسمح “أركان الدولة” والسلطة ولو ضمن ظروف الخلافات المستعرة حول الاستحقاق الحكومي بأن تستباح ساحات بيروت وسواها من مدن وبلدات بعراضات الشغب والغوغائية والتخريب والترويع كأن لا سلطات شرعية سياسية وأمنية في لبنان ولا من يحكمون؟
هذه التساؤلات الغاضبة تقدمت أمس كل الأولويات بما فيها الهموم المتصاعدة حول الواقع المالي والاقتصادي في ظل ما أثاره ليل الشغب الطويل في وسط بيروت أول من أمس والذي شهد ممارسات متمادية لشلل الشغب المعروفة المصدر والهوية والأهداف مهدّدة بإشعال اضطرابات قد تؤدي الى فتنة مذهبية. وإذا كان المشهد الفوضوي الذي خلفته شراذم الشغب كافياً وحده لمضاعفة الضغوط على أهل السلطة والسياسيين للخروج من التعقيدات المستعصية لإطلاق مسار التكليف والتأليف الحكوميين، فإن هاجس تهديد الأمن والاستقرار سيبقى ماثلاً بقوة ما دام ثمّة من يستهين بتوظيف الاستفزازات المذهبية والطائفية ويعمل بقوة من أجل إجهاض الجهود الآيلة الى اعادة الوضع الطبيعي من طريق تأليف حكومة ترضي الانتقاضة وتفتح الطريق أمام طلب المساعدات الفورية من المجتمع الدولي تجنبا لبلوغ لبنان مرحلة الانهيار الحقيقي.
وفي هذا السياق كشفت أوساط معنية بالاتصالات والمشاورات السياسية والأمنية التي جرت في الساعات الأخيرة أن مشهد فلتان الشغب الذي حصل في ساعات متقدمة من ليل الإثنين وفجر الثلثاء في وسط بيروت وتمدّد الى صيدا ومناطق أخرى أثار حالة استنفار واسعة غير معلنة على المستويات الرسمية والسياسية والحزبية، وسط مخاوف واسعة عبّر عنها معظم المسؤولين والقيادات الحزبية والدينية من أن يتسبّب التساهل مع هذا الفلتان بإثارة فتنة ذات طابع مذهبي. وأشارت الى أن حصيلة هذه المشاورات لم تتبلور بعد نهائيا ولكن ثمّة مؤشرات لاتخاذ خطوات ومبادرات نوعية لمنع انزلاق البلاد الى خطر زعزعة الاستقرار وأن في أساس هذه الخطوات التشدّد الأمني والعسكري مع كل مظاهر الفلتان والشغب والتسيّب وإطلاق يد القوى والأجهزة الأمنية في منع كل محاولات إثارة الاضطرابات والفتنة من أي جهة أتت. كما أن الأوساط نفسها أكدت أن المسار السياسي لتطويق تداعيات ما حصل في الأيام الاخيرة اتخذ بعداً بارزاً مع اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بعد ظهر أمس في عين التينة، إذ تبيّن أن الجانب الأكبر من هذا اللقاء خُصّص لمعالجة المناخات والأجواء السلبية التي تسبّبت بها أحداث ليل الاثنين في بيروت. الرئيسان بري والحريري مرة أخرى نبذهما المذهبية مع تشديدهما على منع الفتنة وعلى أن العلاقات بين السُنّة والشيعة هي علاقات أبناء الدين الواحد. وتوقّفا عند ما حصل في الأيام الأخيرة في وسط بيروت ودخول مجموعات على الحراك الشعبي تحركها أصابع سياسية بإدارة غرفة عملية تهدف الى الفتنة والإيقاع بين السُنّة والشيعة. وجرى الحديث عن تأمين ناقلات جاءت بالمئات من الشبان من مناطق عدّة الى العاصمة لأهداف بعيدة من الحراك ومطالبه ولا تهدف سوى الى زرع الفتنة من خلال إطلاق موشّحات وشعارات مذهبية مدروسة، وكيف أن فيديو من “شاب معتوه” يُحرّك كل هذه الجماهير. واتفق بري والحريري على أن مصلحة البلد يجب أن تكون فوق كل الاعتبارات.
وصدر بيان مشترك جاء فيه أن “الحاجة ملحّة لتأليف الحكومة ضمن أجواء تتقدّم فيها مصلحة الوطن على أي مصلحة أخرى”. وشدّد على “وجوب تحلّي اللبنانيين بالوعي واليقظة وعدم الانجرار الى الفتنة التي يدأب البعض على العمل جاهداً نحو جرّ البلاد للوقوع فيها”، داعياً الى “إفساح المجال أمام القوى الأمنية والجيش لتنفيذ مهامها في حفظ الأمن وحماية الممتلكات العامة والخاصة”.
ولفت في هذا السياق ما أعلنته قيادة الجيش أمس رداً على ما يتداوله بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن ضغوط وتدخلات سياسية يتعرض لها الجيش لإطلاق موقوفين لديه، فوصفت ذلك بأنه “كلام عارٍ من الصحة جملةً وتفصيلاً، وأنَّ القانون هو المعيار الأوحد الذي تستند إليه المؤسسة العسكرية في عملها، حيث أنّ أيّ شخص يتمّ توقيفه يخضع للتحقيق والاستجواب وفق الأصول القانونية”.
وجدّدت قيادة الجيش “دعوتها إلى عدم اختلاق ونشر أخبار تتناول عمل المؤسسة العسكرية تحت طائلة المساءلة القانونية”.
التكليف
أما في الملف الحكومي، فبدا واضحاً أن مأزق التكليف لا يزال عالقاً قبل 24 ساعة من الموعد المرجأ للاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا غداً مبدئياً. وكشفت مصادر سياسية مطلعة لـ”النهار” أن لقاء عين التينة أظهر أن الرئيس بري لا يزال على رغم كل التداعيات التي واكبت إرجاء الاستشارات والسجالات التي نشأت بسبب هذا الإرجاء، مؤيّداً لتكليف الرئيس الحريري تأليف الحكومة من المنطلقات نفسها التي دفعته من الأساس الى تأييده في ظل وضع البلاد والعلاقات الدولية التي يتمتع بها. كما أن الرئيس الحريري نفسه لم يوح الى الرئيس بري بأنه طوى صفحة القبول بتكليفه على رغم ما تردّد عن اتجاهه الى إعلان عزوفه عن التكليف والدعوة الى تكليف سواه قبل إجراء الاستشارات غداً. وأوضحت المصادر أن النقاش بين بري والحريري تناول الموضوع الميثاقي وأن لا مشكلة لدى الحريري إذا نال تصويت 19 نائباً مسيحياً إذ أن الرئيس نجيب ميقاتي نال تصويت عدد ضئيل من النواب السنة عام 2012 ولم يشكل ذلك انتقاصاً من الميثاقية.
وتوقعت المصادر أن تتبلور الأمور بوضوح أكبر في الساعات المقبلة سواء بالنسبة الى تكليف الحريري أو امكان الاتجاه الى بلورة بدائل، علماً أن ثمّة من تحدث عن أسماء طرحت في الكواليس في الساعات الأخيرة ولم يجر تظهيرها بقوة خشية “حرقها” في انتظار اتضاح الموقف الحاسم للرئيس الحريري سلباً أو ايجاباً من تكليفه. وبينما ذكر أن ثمة إحتمالاً لإرجاء ثالث للاستشارات، أفادت الأوساط المعنية أن أي معطيات لم تظهر بعد في شأن الإرجاء ويفترض رصد التطورات في الساعات المقبلة.
وأجرى الحريري أمس اتصالاً هاتفيًا برئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية وعرض معه الصعوبات التي تعترض الاستشارات وتداعياتها على فرص معالجة الأزمة الاجتماعية. وأوضح الرئيس الحريري خلال الاتصال “أن كلامه أول من أمس عن غياب الكتل المسيحية الوازنة عن عملية تسمية الرئيس المكلف لم يقصد منه اطلاقاً أي إنقاص من احترامه الكامل لتمثيل “التكتل الوطني” أو أي من النواب المنضوين في كتل أخرى أو النواب المسيحيين المستقلين واعتباره كل الأصوات وازنة في المسار الدستوري الضامن لنظامنا الديموقراطي الفريد”.
وسط هذه الأجواء برز على الصعيد المالي ما أعلنه رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان من “أننا سندعو الى جلسة مغلقة لاستيضاح رئيس جمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان ووزير المال حول الآليات وتطمين الناس حول ودائعهم”. وأوضح أنه كان يفترض أن تكون الجلسة الختامية أمس للجنة المال في مناقشة مشروع الموازنة “لكن ما وصلنا من وزارة المال الاسبوع الماضي من تعديل في الإيرادات لموازنة 2020 سجّل انخفاضاً بنسبة 35% أي 4 مليار دولار”. وأضاف: “أنجزنا كل المواد العالقة في موازنة 2020 وتبقى المادة 22 التي لها علاقة بالوضع المصرفي وتعهد إيفاء 5000 مليار لخفض العجز وهو ما سيبحث بهدوء ومسؤولية مع الجهات المعنية”.