المنطقة العربية عالقة في فخ اللامساواة، بحسب تقرير صدر اليوم في بيروت عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) ومنتدى البحوث الاقتصادية تحت عنوان “إعادة التفكير في اللامساواة في البلدان العربية”.
يواجه صانعو السياسات في المنطقة العربية قصوراً في المعرفة إزاء قضايا عدم المساواة، كما يذكر التقرير.
وإدراكًا لأهمية معالجة هذه الفجوة المعرفية، تعاونت الإسكوا مع منتدى البحوث الاقتصادية لإعادة التفكير في “حقائق” اللامساواة في البلدان العربية، بهدف تقديم تحليلٍ شاملِ لمحدداتها الرئيسية وما ينتج عنه من توصيات على مستوى السياسات.
ويكشف التقرير، الذي يُعدّ أكبر المشاريع البحثية حول اللامساواة في البلدان العربية حتى تاريخه، أن المنطقة حققت مكاسب كبيرة في مواردها البشرية. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب لم ترتبط بانخفاض اللامساواة في الفرص.
تزايد اللامساواة في مناطق النزاعات
يوضح التقرير أن المنطقة العربية حققت تقدمًا في مجالات الصحة والتعليم والظروف المعيشية. وينعكس هذا التقدم في التحسينات التي تُظهرها المؤشرات الأساسية، مثل وفيات الرضّع، والتعليم الابتدائي والثانوي، وإمدادات المياه والصرف الصحي المحسنة. فمنذ عام 2000، انخفض معدل وفيات الرضّع إلى 20.1 لكل 1000 ولادات حية، في حين ارتفعت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة لدى البالغين إلى 74% من السكان.
ومع ذلك، كانت هناك نكسات في العديد من مؤشرات الصحة والتعليم بسبب النزاعات، خاصة في الجمهورية العربية السورية واليمن، منذ عام 2010. وتُظهر أحدث البيانات انخفاضًا كبيرًا في معدلات الالتحاق الإجمالية لدى الأطفال من جميع الأعمار، وخاصة الفتيات.
اللامساواة داخل البلدان
وفقًا للتقرير، فإن المكاسب التي تحققت في مجالي الصحة والتعليم في البلدان العربية كانت مصحوبة، بشكل عام، بانخفاض في اللامساواة داخل البلدان، سواءً بين الأغنياء والفقراء، أم بين المناطق الريفية والحضرية، كما بين الرجال والنساء، حتى في الدول الأقل نموًا. ومع ذلك، ووفقًا لتحليل دقيق لبيانات بعض البلدان، فإن الفجوات الصحية والتعليمية بين الأغنياء والفقراء في ازدياد مجددًا، كما هو الحال في معدلات إتمام التعليم الثانوي في العراق ونسب التقزّم في اليمن.
اللامساواة المرتفعة في الفرص
يسلط التقرير الضوء على المستويات العالية والمتزايدة للامساواة في الفرص والمرتبطة مثلاً بالتعليم الثانوي، فالعوامل المؤثرة كثروة الأسرة وتعليم الوالدين تفسّر أكثر من 60% من اللامساواة الملحوظة في النتائج في هذا المجال. واللامساواة في الفرص الصحية كانت عمومًا أقلّ، لكن مستوياتها ارتفعت منذ عام 2000.
طبقة وسطى متقلصة
يبين التقرير أن مكاسب رأس المال البشري تبقى مورداً غير مُستغل بسبب ضعف السياسات الاقتصادية والحوكمة. والازدياد في الدخل القومي لا تؤدي بالضرورة إلى ارفاع دخل الأسر. وعلى الرغم من النمو المرتفع على المستوى الإجمالي، فقد شهد العديد من البلدان العربية ارتفاعاً في معدلات الفقر إلى أكثر من 25% في عام 2018، بسبب النزاعات والركود الاقتصادي. وأدى ذلك أيضًا إلى ضغط على الطبقة الوسطى، فانخفض حجمها إلى أقل من 40% من السكان في البلدان العربية غير الخليجية.
انخفاض فرص العمل
تميل الاقتصاديات العربية إلى التركيز بشكل غير متناسب على القطاعات غير المنتجة وذات القيمة المنخفضة. ويتجلى ذلك في عدم رسمية سوق العمل، وانخفاض الإنتاجية وضعف نواتج العمل، خاصة بالنسبة للشباب والنساء. وتسجل المنطقة معدلات مشاركة في القوى العاملة منخفضة للغاية ومعدلات بطالة مرتفعة جداً لدى الشباب. وبلغت نسبة مشاركة الإناث في القوة العاملة حوالي 21% في العام 2018، في واحدة من أدنى النسب في العالم.
توصيات
يقترح التقرير أن تأخذ السياسة الضريبية منحىً تصاعدياً، ما قد يزيد العائدات بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان، ويعزز العدالة بين الأغنياء والفقراء. كما يدعو التقرير البلدان العربية إلى عكس تركّز الأنشطة الاقتصادية في القطاعات الأقل قيمة أو في المنطق الحضرية المركزية.
ووفقًا للتقرير، على صانعي السياسات العرب اعتماد سياسات اقتصادية تساعد على تنويع الاقتصادات بعيدًا عن القطاعات التي تعتمد على الموارد الطبيعية أو الرساميل الضخمة، بهدف تشجيع قطاعات أعلى إنتاجية وزيادة الإنتاجية بشكل عام وتوليد فرص عمل عن طريق إعطاء الأولوية للتنمية الصناعية، التي يسهلها الابتكار ونقل التكنولوجيا.
إن معالجة المشاكل المرتبطة بالقطاع غير النظامي وتوليد فرص العمل للشباب الوافدين إلى القوى العاملة أمر حيوي للحد من اللامساواة. فخطط ضمان التوظيف يمكن ان تساعد في سد الفجوة في الأجور بين القطاعين النظامي وغير النظامي، وهذا من شأنه تسهيل إضفاء الطابع النظامي على القطاع الأخير.
علاوة على ذلك، تحتاج الدول العربية إلى استعادة المصداقية والثقة بمؤسساتها العامة. ويجب أن تبدأ الإصلاحات بتمكين تلك المؤسسات لتحسين تقديم الخدمات. ويشمل ذلك ضمان سيادة القانون، والحكم الرشيد والشفافية في حشد الموارد وإنفاقها، واعتماد الحوار الاجتماعي كوسيلة أساسية لتعزيز التواصل بين الحكومة والشعب.
ويوصي التقرير بالاستفادة من الشباب وتحسين السياسات لاستهداف الفئات المحرومة بشكل فعّال، والحد من الفقر واللامساواة، وضمان اقتصاد مزدهر وتنافسي في آن. فمن شأن كل هذا تعزيز الاستقرار السياسي، زيادة النمو الاقتصادي وتحسين التنمية البشرية.