كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : التأجيل الثاني لاستشارات التكليف أثار في الاجواء الداخلية سؤالاً حول مصير الاستحقاق الحكومي برمّته، وعما اذا كانت الامكانية متاحة بعد لإتمامه في هذا الطقس العاصف سياسياً وفي الشارع؟ وفي الوقت نفسه، رسم علامات قلق كبرى في أوساط الناس جرّاء معركة هي في حقيقتها صراع مصالح سياسية وحسابات ومكايدات تجرّ البلد وأهله الى هاوية لا خلاص منها، تترافق مع تحرّكات في الشارع على ما جرى في اليومين الماضيين في وسط بيروت، وليل أمس أيضاً، الذي شهد تصعيداً كبيراً ومواجهات عنيفة مع القوى الأمنية على جسر الرينغ ومحيطه. هذه الفوضى مثيرة للشبهات، ولتساؤلات حول الجهة او الجهات او المصادر التي توحي بها.
بالتأكيد، انّ مهلة الـ 72 ساعة الفاصلة عن الموعد الثالث لهذه الاستشارات، المحدد بعد غد الخميس، ستحدد وجهة السير التي سيسلكها الاستحقاق الحكومي، في اتجاه من اثنين، الأول بقاء الرئيس سعد الحريري وحيداً في نادي المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، والثاني، عزوفه، بما يفتح المجال لدخول شخصية بديلة الى هذا النادي، أكان عبر إعادة تعويم بعض الاسماء التي تم حرقها سابقاً، او الذهاب الى طرح اسم واحد من رؤساء الحكومات السابقين. وكل ذلك رهن بالموقف المنتظر من رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري.
الواضح في طيّات التأجيل الثاني انّ استشارات الخميس المقبل عالقة في حقل ألغام، والمأزق الحكومي أمام حائط مسدود وتعمّق الى حد تبدو فيه كل نوافذ انفراجه مقفلة، وانّ الحلبة الحكومية محكومة بلعبة تصفية حسابات، على خطوط سياسية متعددة، ولاسيما بين “التيار الوطني الحر” والرئيس الحريري، وايضاً بين الحريري و”القوات اللبنانية” التي رفعت بعد “التيار الوطني الحر”، ومن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، البطاقة الحمراء في وجه الحريري، بقرارها عدم تسميته في استشارات الأمس المؤجلة.
واذا كان موقف “التيار الوطني الحر” معلوماً قبل الاستشارات لجهة رفض تسمية الحريري، ربطاً بالتباين الحاد بينهما، إن على مبدأ استقالة الحريري او على شكل الحكومة وما يتصل بما سمّيت “معادلة الحريري – باسيل”، وهذا الموقف تَكيّف معه الحريري، الّا انّ موقف “القوات”، التي تعتبر انه ينسجم مع قناعاتها التي اكدتها منذ الايام الاولى للحراك الشعبي وقبله في استقالة وزرائها في الحكومة، كان دويّه ثقيلاً جداً في اوساط المستقبل، وصادماً للحريري نفسه، الذي ظل يراهن لآخر لحظة على موقف قوّاتي ايجابي، يترجم بتسميته في استشارات التكليف، ربطاً بأجواء اللقاء السابق لاستشارات الاثنين بين موفده الى معراب الوزير السابق غطاس خوري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الّا انّ رياح معراب جرت بما لا تشتهيه سفينة الحريري.
ماذا بعد؟
اللافت للانتباه في هذا الجو المعقد، هو انّ رئيس الجمهورية أصرّ على تأجيل محدود للاستشارات، في مواجهة الرغبات التي أبديت، خصوصاً من قبل الرئيس الحريري، بمنح هذا التأجيل فرصة أسبوع حتى الاثنين المقبل، تكون كافية لإجراء جولة مشاورات ومفاوضات مكثفة على الخطوط السياسية كلها لكي تأتي الاستشارات المقبلة على أرضية اكثر توافقة من الاستشارات التي تأجّلت.
وبحسب مطّلعين على الاجواء الرئاسية، فإنّ عون لم يكن في وارد التأجيل من الاساس، الا انه نزل عند الرغبة في التأجيل، ذلك انّ استشارات الامس، لو بقيت في موعدها، لكانت أحدثت إرباكاً من نتائجه الفورية تعطيل الاستشارات، خصوصاً انّ مقاطعة كتلة تيار “المستقبل” للاستشارات كانت واردة جداً تبعاً للموقف القواتي الذي فاجأها، ومن شأن هذا التعطيل أن يرخي على الواقع السياسي العام، والحكومي بشكل خاص، تعقيدات يصعب احتواؤها.
لكنّ رئيس الجمهورية، بحسب المطلعين على الاجواء الرئاسية، لم يحبذ التأجيل لأسبوع، بل أصرّ على التأجيل لـ3 ايام كافية في رأيه لحسم المواقف، ويوم الخميس المقبل هو الموعد النهائي للاستشارات، وليكلّف من يكلّف في نهايتها.
وفيما بَدا للمراقبين انّ رئيس الجمهورية، وبهذا التأجيل القصير الامد، يسعى الى حشر الجميع في زاوية الوقت، وفي مقدمهم الرئيس الحريري، بما يؤدي بهم الى تليين المواقف المتصلبة حيال الحكومة الجديدة لناحية شكلها ومضمونها. قالت مصادر قريبة من بيت الوسط لـ”الجمهورية”: “انّ الرئيس الحريري لن يدخل في لعبة الابتزاز، فضلاً عن انه لا يخضع لها”.
بعبدا
وأوضحت مصادر بعبدا لـ”الجمهورية” ان “ليس لدى رئيس الجمهورية أي خطط غير معلنة، وانّ تأجيل الإستشارات الى الخميس المقبل هو آخر المهل التي يمكن إعطاؤها لطَي مرحلة التكليف”.
ولفتت المصادر الى انّ ما نسج من روايات حول وضع كتلة لبنان القوي اسم الرئيس المكلّف في عهدة رئيس الجمهورية، واستذكار ما جرى في بداية عهد الرئيس اميل لحود مع والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو سيناريو لا وجود له، وهو كلام مختلق لا أساس له من الصحة.
ولفتت المصادر الى انّ عون، الذي تمنّى على بري ان يزور الحريري بعبدا، فله أوّل موعد في الاستشارات وعندها يناقشان طلب التأجيل. ولمّا اتصل به أبلغه بالتأجيل الى يوم الخميس المقبل كحد اقصى، لأنّ يومين هما كافيان للتواصل مع تكتل “لبنان القوي” وتكتل “الجمهورية القوية” لتسوية الوضع قبل يوم الخميس المقبل، إن كانت المشكلة قد توقّفت عن المشاركة المسيحية في تسميته مكلفاً لتأليف الحكومة.
بيت الوسط
وفي بيت الوسط، الذي سُيِّرت في اتجاهه امس تظاهرات لمناصرين للرئيس سعد الحريري، بدأت عملية جوجلة لِما حمله يوم الإستشارات المُرجَأة وما يمكن القيام به في الأيام الفاصلة عن موعد الخميس المقبل حتى الجولة الجديدة منها. وقالت أوساطه لـ”الجمهورية”: الساعات الـ72 المقبلة حاسمة، وسيكون للرئيس الحريري خلالها موقف ممّا جرى في ضوء سلسلة من الاتصالات التي تقرر القيام بها في المرحلة المقبلة.
وأضافت انّ الرئيس الحريري دعا وما زال يدعو الى وقف تقاذف كرة النار بين أيدي المسؤولين اللبنانيين. فالوضع الاقتصادي والنقدي ومعه الوضع السياسي لم يعد يحتمل بعدما تجاوز كل الخطوط الحمر، ولا بد من اتخاذ الخطوات اللازمة لوضع حدّ لِما هو متوقّع من مصاعب ومطبّات تشكل خطراً جدياً، وليس من الحكمة الاستمرار بإخفائه.
التأجيل
وكان الحريري قد اتصل صباح امس برئيس المجلس النيابي نبيه بري معبّراً عن رغبته في تأجيل الاستشارات، وطالباً ان يبلغ رئيس الجمهورية بهذه الرغبة، الّا انّ بري، الذي وافَقه على الطلب، طلب اليه ان يبادر الى طلب التأجيل شخصياً من رئيس الجمهورية، وهذا ما حصل بالفعل، عبر اتصالين أجراهما كلّ من بري والحريري برئيس الجمهورية، تلاهما اتصال من عون وبري حول موعد استشارات الخميس.
وفهم من الاجواء المحيطة بهذا التأجيل، انّ مطالبة الحريري به، مردّها الى شعور بخيبة الأمل من موقف “القوات” بعدم تسميته، ما يعني انّ نسبة الاصوات التي سيحصل عليها الحريري نتيجة للاستشارات لن تزيد عن 59 صوتاً، وهي نسبة هزيلة جداً، ولا تشكّل ربحاً بل خسارة معنوية كبرى، خصوصاً انّ هذه النسبة تقارب نصف عدد النواب الذين سمّوه في الاستشارات السابقة وبلغ عددهم آنذاك 112 صوتاً، فضلاً عن انّ نسبة الاصوات المسيحية التي كانت ستسمّيه في استشارات الامس لا تزيد عن 18 صوتاً من اصل 64 نائباً، ما يعني انّ التكليف إذا حصل سيأتي بغطاء سني، ونصف غطاء شيعي نظراً لعدم تسمية “حزب الله” له، وغطاء درزي، وبأقل من ربع غطاء مسيحي.
حرب بيانات
وعلى حافة التأجيل، اندلعت حرب بيانات بين “التيار الوطني الحر” وتيار ”المستقبل”، وكذلك بين الرئاستين الأولى والثالثة، بدأت مع إصدار بيان للمكتب الاعلامي للرئيس الحريري، ردّ فيه طلب تأجيل الاستشارات الى “أنّ كتلة التيار الوطني الحر كانت بصدد إيداع أصواتها فخامة رئيس الجمهورية ليتصرّف بها كما يشاء. وهذه مناسبة للتنبيه من تكرار الخرق الدستوري الذي سبق أن واجَهه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في عهد الرئيس اميل لحود”.
كما رد الطلب الى انّ الحريري تبلّغ فجر امس، بقرار حزب “القوات اللبنانية” الامتناع عن التسمية أو المشاركة في تسمية أحد في الاستشارات النيابية التي كانت مقررة أمس، الأمر الذي كان من شأنه أن ينتج تسمية من دون مشاركة أي كتلة مسيحية وازنة فيها”.
”التيار”
ولم يمض وقت قصير الّا وأصدر “التيار الوطني الحر” بياناً بمضمون حاد حيال الحريري، مترافقاً مع هجومية من قبل بعض نوابه ووزرائه ومقرّبين من رئيس الجمهورية، على الحريري، تدعوه الى أن “يزيح من الدرب”، وتتحدث عن عدم قبول داخلي وخارجي لعودة تكليف الحريري تشكيل الحكومة.
وبرزَ ما قاله في هذا السياق مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق بيار رفول: إستشارات الخميس في موعدها ولن تتأجل، وليسمِّ النواب رئيساً جديداً للحكومة، إن لم يصل الحريري الى حل من الآن وحتى الخميس”.
ودعا التيار في بيانه إلى “التوقّف عن إضاعة الوقت”، وجَدّد طرحه بأن يقدم الرئيس الحريري على العمل سريعاً لاختيار اسم يتوافق على جدارته وموثوقيّته لتولّي رئاسة الحكومة.
”المستقبل”
وردّ تيار “المستقبل” ببيان عنيف على التيار، أشار فيه الى تقاطع للمصالح في موقفي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”.
وأعلن انّ تيار “المستقبل” وبكل وضوح لا ينتظر تكليفاً من “التيار الوطني” ولا من ”القوات” للرئيس الحريري، ولا يقبل ان يتحوّل موقع رئاسة الحكومة الى طابة تتقاذفها بعض التيارات والأحزاب. إنّ موقع رئاسة الحكومة أكبر من كل هذه الهرطقات، ولن يكون رهينة عند أحد مهما علا كعبه”.
… و”التيّار” يرد
ورَدّ التيار ببيان اتّهم فيه تيار المستقبل ورئيسه “بالتعامي عن الحقائق السياسية والدستورية”، معلناً تمسّكه بحقه في ايداع الاصوات و”للرئيس ان يتصرّف، بحسب ائتمانه على المصلحة العامة وعلى الدستور الذي يعود للمجلس النيابي وحده ومن دون غيره تفسيره”.
رئاسة الجمهورية
وردّت رئاسة الجمهورية على بيان الحريري، معتبرة انّ الحديث عن “خرق دستوري” مردود لمُطلقيه. ولفتت في بيان لمكتب الاعلام في الرئاسة الى “انّ الحديث عن ايداع اصوات كتلة “التيار الوطني الحر” فخامة رئيس الجمهورية هو محض اختلاق واستباق للاستشارات. وبالتالي، فإنّ التذرّع به للتمني على رئيس الجمهورية تأجيلها، هو حكم على النوايا لا يصحّ في العمل السياسي السليم، ومحاولة مكشوفة لتبرير هذا التمني وتجاهل أسباب أخرى له”.
”القوات”
وقالت مصادر القوات لـ”الجمهورية” انّ ما أملى عليها قرارها بعدم تسمية الحريري، هو تعلّقها والتزامها بحكومة اختصاصيين مستقلين، باعتبارها الصيغة الوحيدة القادرة على إخراج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية.
وأكدت “بالنسبة الى القوات، لا شيء يعلو على حكومة الاختصاصيين المستقلين. ومن هذا المنطلق قررت ان تمنح ثقتها للتأليف بدل ان تمنح ثقتها للتكليف، وهي بذلك لم توجّه رسالة سلبيّة ضد الحريري، بل اشارة ايجابية، فهي مع الحريري اذا نجح في تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّين، اي انها سمنح ثقتها له، ولكن في حال لم ينجح ذلك، فهي لا تريد ان تسقط من يدها ورقة مهمة هي ورقة الاختصاصيين المستقلين في حال كلّفت الحريري، ونتيجة الصعوبات الداخلية والضغوطات الداخلية، انتقلنا الى حكومة تكنو-سياسية، فتكون القوات قد خسرت ورقة ضغط، وخسرت حكومة الاختصاصيين المستقلّين، وساهمت في ضرب الشارع الذي يريد حكومة من هذا النوع”.
ولفتت الى انّ القوات لو كانت متأكدة من انّ مسار التكليف سيوصِل الى تأليف انطلاقاً من رؤيتها، لكانت بالتأكيد ذهبت في هذا الاتجاه، ولكنها تخشى انطلاقاً من تجارب سابقة بأنّ مسار التكليف يختلف عن مسار التأليف لجهة ان يتم التنازل عن بعض العناوين والثوابت والمنطلقات. وبالتالي، نفتقد الهدف الاساس بالوصول الى
حكومة اختصاصيين مستقلين.
واشارت الى انه “في موازاة كل ذلك، لا يجب إهمال وجود رأي عام أكان في داخل القوات، او على المستوى اللبناني، يريد حكومة اختصاصيين مستقلين. والقوات لا تريد ان تكون في موقع المساهم في ضرب الدينامية الشعبية التي تشكّل مصلحة عليا للبنان من أجل الوصول الى دولة قانون قادرة على فرض مساءلة ومحاسبة ومكافحة الفساد”.
”موديز” والمساعدة الدولية
إقتصادياً، أعلنت وكالة موديز أنّ “مسعى لبنان للحصول على مساعدة محتملة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي له تأثير إيجابي على تصنيفه الائتماني، ويقلّل خطر اضطراب شديد في الاقتصاد الكلي”.
وقالت وكالة التصنيفات الائتمانية انه “من دون دعم فني ومالي من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومانحين دوليين، تزداد احتمالات سيناريو انعدام شديد في استقرار الاقتصاد الكلي، يتضمن حدوث إعادة هيكلة للديون مع فقدان حاد لاستقرار ربط العملة، وهو ما تنتج عنه خسائر كبيرة للغاية لمستثمري القطاع الخاص”.
وقد جرى تقديم كلام “موديز” في بعض وسائل الاعلام، وكأنّ هناك احتمالاً لتقديم مساعدة مالية من قبل البنك والصندوق، في حين انّ تقرير “موديز” يعني انّ الوكالة تشجع لبنان على طلب المساعدة ضمن خطة إنقاذ. وبالتالي، لا يمكن البناء على كلام الوكالة للتفاؤل باحتمال حصول مفاجآت سارّة