كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: لا تشبه السلطة في سلوكها إلا من يطلق النار على قدمه. فالإمعان في ضرب الأسس التي تقوم عليها الدولة فسخ العقد الاجتماعي الذي يشرّع سلطتها على الأفراد والمجتمع. العقد الضمني الذي يفرض على المواطنين فعل دفع الضرائب بوصفه حقاً سيادياً من حقوق الدولة، أجبر السلطة على القيام بما يتوجب عليها من مهام الحماية وصون الاستقرار وحفظ الحريات وتأمين الأمنين الإقتصادي والإجتماعي وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن، من ماء وكهرباء وبيئة نظيفة وطرقات… غير أنّ فشل الدولة في تأمين أبسط الخدمات الأساسية، وعجزها عن إعطاء المواطنين أقل حقوقهم، وتركهم يموتون حريقاً وغريقاً، واستقتالها للحفاظ على مؤسسات خاسرة، من اتصالات وكهرباء وغيرها الكثير من المرافق العامة، حمّلها مسؤولية فسخ العقد الإجتماعي وما يترتب عليه من نتائج ظهرت باتخاذ الكثير من الشركات قرار “العصيان الضريبي”.
تحت قبة مبنى البيضة في ساحة الثورة، أعلنت مئات الشركات الخاصة البارحة، عن توقفها عن دفع الضرائب وتجيير قيمتها للعمال للمحافظة على لقمة عيشهم. مليارات الدولارات يدفعها القطاع الخاص من شركات وأفراد سنوياً، كضرائب ورسوم، اتضح أنّ قسماً كبيراً منها يذهب إلى جيوب بعض المنتفعين، وقسماً آخر لتمويل قطاع عام متضخّم مليء بالمحسوبيات، وما يتبقى يضيع في زواريب الهدر والفساد.
العمال أحق بهذه الأموال. فهم يتحمّلون نتائج هدر الدولة وفسادها الذي أوصل شركاتهم إلى الإقفال، أو اضطرارها إلى دفع نسب مئوية من رواتبهم لا تتجاوز الـ50 في المئة، بعدما جفف العجز العام أموال المصارف، وترك الشركات في مهب “كابيتال كونترول” مقنّع. العجز عن الإستيراد ووقف الإعتمادات وتقنين السحوبات والإمتناع عن الإقراض، يترافق مع فوائد مرتفعة أصبحت في ظل هذه الظروف تشكل عبئاً إضافياً، دفع بجزء من المؤسسات والأفراد إلى إعلان التوقف عن سداد الأقساط المصرفية أيضاً ومطالبة المعنيين بوقف الغرامات على الدفعات المتأخرة، ريثما تتشكل حكومة موثوقة تُسهّل أمور المواطنين وتضع خريطة طريق للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية… وها هي وكالة “موديز” تعيد بالأمس تخفيض التصنيفات الائتمانية الأساسية المستقلة لثلاثة مصارف لبنانية هي “عودة” و”بلوم” و”بيبلوس” من درجة caa2 إلى ca، في حين لا تزال تصنيفات الودائع بالعملة المحلية للبنوك Caa3 وCaa2 قيد المراجعة للتخفيض.
وفي خضمّ استفحال الأزمة، جاء اجتماع باريس أمس ليضع الإصبع على الجرح الاقتصادي النازف ويؤشر إلى تحمل السلطة مسؤولية التأخير في تشكيل حكومة ذات مصداقية موثوقة تستجيب لتطلعات شعبها وتمضي فوراً نحو تنفيذ الإصلاحات المحورية والبنيوية المطلوبة لإنقاذ الوضع وانتشاله من بين براثن الانهيار. فرصة تلقفها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لتوجيه الشكر إلى مجموعة الدعم وفرنسا والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ولرسم معالم “خريطة تأليف” ثلاثية الأبعاد لحكومة يراها الأصلح لمهمة الإصلاح والخروج من الأزمة عبر “1-الإسراع بتأليف حكومة اختصاصيين تشكل فريق عمل متجانساً وذا مصداقية مؤهلاً لتقديم إجابات على تطلعات اللبنانيين بعد 17تشرين الاول، 2-إعداد خطة إنقاذية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والنقدية والمالية والانتاجية، 3-تطبيق هذه الخطة بالدعم الكامل من أشقاء لبنان وأصدقائه في المجتمع الدولي ومن المؤسسات المالية الدولية والصناديق العربية”.
وبينما أكدت مصادر مواكبة للاتصالات الآيلة إلى تعبيد الطريق أمام إعادة تكليف الحريري أنه لا يزال متمسكاً بترؤس حكومة اختصاصيين، أعربت المصادر في الوقت عينه عن عدم استبعادها “تضمين التشكيلة الاختصاصية تمثيلاً سياسياً منخفض المستوى”، كاشفةً أنّ هذا ما ستتم بلورته وبحثه من الآن وحتى موعد الاستشارات الملزمة نهار الاثنين المقبل.
وبانتظار إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء الغد، والتي أكدت قناة “المنار” أنها ستحمل “في السياسة الكثير…”، أوضحت مصادر مطلعة على موقف الثنائي الشيعي لـ”نداء الوطن” أنّ مسألة الرسالة التي أوفدها رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل حول رفض عدم مشاركة التيار في الحكومة لا تعني رفض عدم مشاركة باسيل شخصياً بل المقصود منها عدم القبول بخروج تكتل “لبنان القوي” من الحكومة، لافتةً في هذا الإطار إلى أنّ المطلوب راهناً “إدارة الرئيس الحريري محركاته باتجاه قصر بعبدا ومختلف الأطراف المعنية لوضع الصيغة المناسبة لتكليفه تشكيل الحكومة على أن تلقى هذه الصيغة فور التوصل إليها دعم “حزب الله” والرئيس بري”.
توازياً، كشفت مصادر ديبلوماسية عربية لـ”نداء الوطن” عن دور روسي داعم لتشجيع الأفرقاء اللبنانيين على التوافق حول الملف الحكومي، مشيرةً في هذا الإطار إلى أنّ “الجانب الروسي أبلغ أكثر من سفير دولة عربية موقفه المرحّب بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة وتشكيله حكومة من الاختصاصيين وتقديم كامل الدعم للبنان وله”، مبديةً ثقتها بأنّ هذا الموقف الروسي من شأنه “أن يعزّز فرص ولادة حكومة اختصاصيين” باعتبارها كفيلة وحدها بإنقاذ الواقع اللبناني المنهار.