كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: ما ان تهبّ نسمة إيجابية على الخط الحكومي، حتى تهب عاصفة من السلبية تطيحها، وتزرع حقلاً واسعاً من الشكوك حول هذا الاستحقاق، فتطوّق الاستشارات النيابية الملزمة المحددة الاثنين المقبل بزنار من التساؤلات عما اذا كانت ستحصل ام لا، وتجعل بالتالي من مسألة تأليف الحكومة الجديدة، أمراً، تحقيقه من سابع المستحيلات، في ظل واقع سياسي منقسم على نفسه، يتقاذف الشروط التعجيزية المانعة للوصول الى الحد الادنى من التوافق حتى على البديهيات.
أمام هذا الجو الداخلي تتجدد النصائح الدولية بإخراج لبنان من أزمته، وهو ما صدر عن مجموعة الدعم الدولية التي استضافتها باريس امس، التي أكدت في بيانها الختامي “أنّ لبنان يواجه أزمة تضعه على شفا انهيار فوضوي للاقتصاد، وزعزعة أكبر للاستقرار. ومن أجل وقف هذا التردّي المالي والاقتصادي، واستعادة الثقة في الاقتصاد، وتناول التحديات الاجتماعية والاقتصادية على نحو مستدام، ثمّة حاجة ملحّة لإقرار حزمة سياسات كبيرة موثوق بها وشاملة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية تعيد للبنان استقراره المالي، وتتناوَل أوجه القصور الهيكلية طويلة الأمد في نموذج الاقتصاد اللبناني. وتحمل هذه الإجراءات أهمية كبرى لقدرتها على تقديم إجابات عن التطلعات التي أعرب عنها اللبنانيون منذ 17 تشرين الأول”.
أضاف البيان “انه بالنظر إلى أنّ لبنان هو اليوم من دون حكومة منذ استقالة سعد الحريري في 29 تشرين الأول، يرى أعضاء المجموعة أنّ الحفاظ على استقرار لبنان ووحدته وأمنه وسيادته واستقلاله وسلامته ووحدة أراضيه، يتطلب التشكيل السريع لحكومة تملك القدرات والمصداقية اللازمة لتنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية الضرورية من أجل النأي بالبلاد عن التوترات والأزمات الإقليمية”.
واشنطن
الّا انّ اللافت للانتباه في موازاة ذلك، كان الموقف الاميركي، الذي عبّر عنه وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، وقال فيه انّ واشنطن “تقف صفاً واحداً مع الشعب اللبناني من أجل مساعدته على إصلاح اقتصاده، وتأمل في أن ينجح اللبنانيون في هذا المجال”.
وأضاف: “قلنا إنّ “حزب الله” منظمة إرهابية، وهناك مسؤولية على الشعب اللبناني في المحافظة على سيادته وإصلاح اقتصاده”.
وإذ اشار الى انّ واشنطن تعمل على إنجاح اجتماعات باريس، قال: “ندرك أنّ هناك مسائل مالية كبيرة جداً في لبنان، ونعرف أنّ المصرف المركزي تحت ضغط كبير، كذلك الشعب اللبناني الذي فقد القدرة على الوصول إلى مدّخراته المالية”، داعياً الحكومة اللبنانية إلى “معالجة هذه المسائل”.
الّا انّ الموقف الاميركي البالغ الدلالة، عَكسته المندوبة الاميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت أمس، بقولها “إنّ الإضطرابات ستتواصل في لبنان وسوريا واليمن وفي أي مكان توجد فيه إيران، ما لم تؤتِ حملة الضغط الأقصى الأميركية ثمارها”.
مفاجأة “موديز”
وفيما كانت الأنظار مركّزة على اجتماع باريس لاستطلاع ما قد يصدر من مقررات قد توحي بالأمل في موضوع الدعم الاقتصادي، جاءت الضربة القاصمة من وكالة “موديز” للتصنيف، التي أصدرت امس قراراً بخفض التصنيف الائتماني الأساسي للبنوك اللبنانية الثلاثة الكبيرة، عوده وبلوم وبيبلوس الى درجة (ca). وهذه الدرجة وفق تصنيفات “موديز” تعني “تعثّراً واضحاً، واحتمالاً ضئيلاً للتعافي”.
يأتي هذا الخفض الجديد للبنوك اللبنانية الثلاثة في توقيت دقيق، بما من شأنه زيادة الضغوطات على الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وبررت “موديز” الخفض بصدور تعميم عن مصرف لبنان يقضي بدفع قسم من الفوائد على الايداعات بالعملات الاجنبية بالعملة الوطنية (الليرة).
لكنّ مصادر مطلعة ذكرت لـ”الجمهورية” انّ لغطاً يحوط بقرار وكالة التصنيف لأنّ تعميم مصرف لبنان لا يشمل الودائع الجديدة، أي انّ كل وديعة توضع في مصرف لبناني بعد التعميم، تسري عليها الاجراءات المعتمدة سابقاً، لجهة دفع الفائدة بالعملة الاجنبية بالكامل.
بالاضافة الى ذلك، توضح المصادر انّ تَقاضي المودع 50% من الفوائد على وديعته الدولارية بالعملة الوطنية لا يعرّضه للخسارة، لأنّ في مقدوره تحويل المبلغ الذي يتقاضاه بالليرة الى الدولار في المصرف نفسه، وبالسعر الرسمي لليرة اللبنانية. كذلك في مقدور المقترض اللبناني بالدولار سداد سنداته بالليرة، وبالسعر الرسمي أيضاً.
هذا الواقع يلغي فرضية اقتطاع أي أموال من المودعين ومن الفوائد التي يتقاضونها على ودائعهم. كذلك، فإنّ مفعول التعميم يمتد لـ6 اشهر فقط، وهو إجراء استثنائي ومؤقت.
لغة الشروط
سياسياً، في ظاهر كلام السياسيين تأكيدات بأنّ الاستشارات ستجري في موعدها الاثنين وفق البرنامج المحدد لها، أمّا على أرض الواقع فأجواء الاطراف المعنية بالملف الحكومي لا توحي بإمكان بلوغ تفاهم في ما بينها، على مخارج وسط، ذلك أنها ما زالت متمترسة خلف الشروط ذاتها التي كانت السبب الاساس في تعميق المأزق الراهن. وتبعاً لذلك، فإنه مع استمرار لغة الشروط هذه، لن يكون مفاجئاً أبداً إذا تعثرت استشارات الاثنين، على غرار جولة الاستشارات السابقة.
مشاورات الساعات الاخيرة، وبحسب ما أورد مشاركون فيها، ما زالت تدور في الحلقة ذاتها، وما زالت قاصرة على إحداث تبدّل نوعي في المواقف، بل انّ الأصح القول انّ هذه المشاورات تعتريها صعوبة اكثر مما كانت عليه الامور قبل تأجيل موعد الاستشارات الى الاثنين المقبل، وبروز اسم رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري كمرشح وحيد لهذا المنصب، وانّ تكليفه تشكيل الحكومة مضمون، في حال اجراء استشارات الاثنين.
وبحسب هؤلاء، فإنّ الرئيس الحريري، ومن موقع إدراكه ان لا بديل عنه في رئاسة الحكومة الجديدة، يبدو أنه ترك أمر البَت بالامور الاخرى المتعلقة بتأليف الحكومة الى ما بعد استشارات التكليف، مع إصرار معلن من قبله على مضيّه في تشكيل حكومة اختصاصيين، وهو ما عاد وأكد عليه بالأمس في بيان الشكر الذي وجّهه لمجموعة الدعم، حيث شدّد على الاسراع بتأليف حكومة اختصاصيين تشكّل فريق عمل متجانساً وذات مصداقية مؤهل لتقديم إجابات عن تطلعات اللبنانيين بعد 17 تشرين الأول”.
تفهّم… ولكن؟
واذا كانت مصادر الاطراف المشاركة في حركة المشاورات تُبدي نوعاً من التفهّم لرغبة الحريري في تأجيل البت بالامور المتعلقة بتأليف الحكومة الى ما بعد التكليف، ربما لأنه يحاول تجنّب تسجيل مآخذ عليه من قبل فريق السياسيين الذين اعترضوا قبل ايام قليلة على ما سمّوه التأليف قبل التكليف، وتجاوز المشاورات الجارية آنذاك بعض الاطراف صلاحيات رئيس الحكومة، وهو ما عَبّر عنه صراحة رؤساء الحكومات السابقون، الّا انّ المصادر نفسها لفتت الى انّ الحريري نفسه كان شريكا اساسياً في تلك المشاورات، التي دارت قبل اسابيع أثناء طرح مجموعة الاسماء البديلة له لرئاسة الحكومة، قبل ان يتم حرقها جميعها.
وتبعاً لذلك، لا تستطيع أن ترسم المصادر صورة ما سيكون عليه الحال من الآن وحتى موعد الاستشارات الاثنين، مع انها ما زالت ترجّح حتى الآن إعادة تكليف الحريري، الا انها تُبدي خشيتها من ان تنقل البلد بعد استشارات الاثنين من مرحلة “تسهيل التكليف” الى مرحلة “تصعيب التأليف”، خصوصاً انّ صفحة خلافية حادة وواحدة هي التي قد تعترض مسار التأليف وتضعه في دائرة الاحتمالات السلبية والتأخيرية له لفترة غير محدودة، وهذه الصفحة من شقين:
– الأول يتعلق بشكل الحكومة، التي ما يزال الحريري يصرّ على تشكيلة اختصاصية لا سياسية، وهو الامر الذي يلقى اعتراضاً واضحاً من قبل المكوّنات السياسية الاخرى وفي مقدمها “حزب الله” وحركة “أمل”، اضافة الى “التيار الوطني الحر” ومن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
– الثاني، كيفية تمثيل “التيار الوطني الحر” في الحكومة الجديدة، مع إصرار غير مخفي من قبل الحريري على استبعاد رئيس التيار الوزير جبران باسيل عن هذه الحكومة. وهو الامر الذي لا يستفزّ فقط باسيل و”التيار الوطني الحر”، بل يستفزّ رئيس الجمهورية، الذي يؤكد العارفون انه لا يمكن ان يقبل بأن تتم التضحية برئيس تيار سياسي وبرئيس اكبر كتلة نيابية، هكذا بشحطة قلم وتبعاً لمزاجيات بعض السياسيين.
معركة صعبة
من هنا، تؤكد المصادر انّ مرحلة التأليف امام معركة صعبة، بدأت نذرها تطلّ من الآن، سواء عبر التسريبات عن موقف الحريري، او عبر التلويح من قبل “التيار الوطني الحر” بعزوفه عن المشاركة في الحكومة والانتقال الى المعارضة.
وتشير المصادر الى انّ العقدة الاساس الماثلة في طريق الحل الحكومي كامنة في معادلة: الحريري – باسيل، بحيث انّ الحريري لا يريد باسيل من جهة، مقابل ان منطق التيار متمسّك بثابتة اساسية لديه: إمّا الاثنان معاً في الحكومة وامّا الاثنان خارجها.
من هنا، تقول المصادر انّ المعركة السياسية محتدمة بينهما، يطيب لبعض الاطراف السياسيين ان يصفها بـ”معركة تكسير رؤوس”، فيما يصفها البعض الآخر بأنها معركة “لَيّ أذرعة”، الّا انها بمعزل عن الوصفين تُضفي على الواقع الداخلي مزيداً من عناصر التشنج التي من شأنها ان تعمّق الأزمة القائمة اكثر وتزيد الامور تعقيداً، والوضع العام اهتراءاً متزايداً على كل المستويات السياسية والاقتصادية والمالية.
رسالة بري
وكانت لافتة للانتباه امس، الرسالة التي بعث بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى “التيار الوطني الحر”، ومضمونها الذي يؤكد فيه انه لا يرضى بغياب التيار عن الحكومة. وقد جاءت رسالة بري بعد الكلام الصادر من أجواء التيار بأنّ خيار الذهاب الى المعارضة، وكذلك عدم تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، هو أمر مرجّح. وهذا الكلام، بما تضمّنه من تلويح بخيار الانتقال وعدم تسمية الحريري، قد لا يكون بعيداً عن موقف رئيس الجمهورية.
وربطاً بذلك، فإنّ رسالة بري، وكما تقول مصادر معنية بالملف الحكومي، بقدر ما هي موجّهة الى رئيس “التيار الوطني الحر”، فهي موجّهة ايضاً الى رئيس الجمهورية، وهي ايضاً موجّهة الى الرئيس سعد الحريري للتأكيد ان لا إمكانية لتشكيل حكومة بلا “التيار الوطني الحر”. وإنّ خروج التيار سيدفع حلفاءه الى التضامن معه، إن بربط مشاركتهم بالحكومة بمشاركة التيار فيها، أو بالتلويح بعدم مشاركتهم ايضاً.
وعندها، ستقطع الطريق على تأليف الحكومة بالكامل… وأيّاً كان الشخص المكلف تشكيل الحكومة، الحريري او غيره، سيصطدم بالفشل ويصبح التكليف كحال “المعلّق والمطلّق”.
كباش بين منطقين
الى ذلك، قالت مصادر سياسية لـ”الجمهورية” انّ الكباش الدائر على الحلبة الحكومية، يدور بين منطقين:
– الأول يقول إنّ الحريري قد ربح بالنقاط على خط الاستشارات من خلال تطيير كل البدائل عنه التي طرحت لرئاسة الحكومة، وفرض نفسه كشخصية لا بديل عنها، ولا يمكن تجاوزها. وبالتالي، سيأخذ التكليف بناء على هذا الربح، ويفاوض على هذا الاساس ووفق شروطه في عملية تأليف الحكومة.
– الثاني، يقول إنّ الحريري إذا كان قد ربح، فقد ربح جولة، إنما لم يربح المعركة. ومقابل شروطه التفاوضية، هناك شروط مقابلة تقول ما مفاده: “إحتفظ بالتكليف”، لكنك لن تستطيع ان تشكل حكومة من دوننا”، ومن هنا يأتي موقف “التيار الوطني الحر”، والتلويح بعدم تسمية الحريري وعدم المشاركة في الحكومة.
تشاطر!
الى ذلك، عبّر مرجع مسؤول عن عدم ارتياحه للاجواء السائدة، وقال لـ”الجمهورية”: المخرج الاساس للأزمة الحكومية الراهنة، ليس بالتكليف الذي باتَ شبه محسوم بأنه من نصيب الحريري، بل بالعقلانية التي يتبغي ان تحكم مرحلة التأليف، والتي لا بدّ ان تتمخّض عنها معادلة “رابح – رابح” وليس معادلة “رابح – خاسر”، أو طرح فيتوات واشتراطات فوق التعجيز.
أضاف المرجع: إنّ ما نراه من عدم شعور بالمسؤولية يبعث على الخجل من هذا الانحدار، الوقت ليس لشَخصنة الامور، ولا وقت تسجيل نقاط ولا وقت محاولات التشاطر لتحقيق مكاسب على الحلبة الحكومية. فليطمئن الجميع، لم يبق في البلد ما يمكن أن يؤخذ منه بعد، فقد جَفّ بالكامل وتداعى كل شيء، ولنعترف اننا جميعاً وَضَعنا بلدنا على طريق الجلجلة، التي ستؤدي حتماً الى الكارثة. فالتكليف أمامنا، والتأليف لا بد ان يأتي سريعاً، وهي الفرصة الاخيرة لنا بين ان نختار بين إعادة انقاذ البلد، وبين ان نستمر في هذا الجو الصدامي، الذي يقود الى مكان واحد، أي الى السقوط في أزمة كبرى أبعد من السياسة والاقتصاد وأبعد من الطائف والدستور والنظام.
نصرالله
في جانب متصل بالازمة الحكومية، يطل الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمة متلفزة عصر يوم غد الجمعة، يتناول فيها آخر التطورات المحلية وخصوصاً تلك المتعلقة بالازمة الحكومية القائمة، وما يتصل بالاوضاع التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الاول الماضي.
سلام
الى ذلك، اعتبر الرئيس تمام سلام أنه يجب اليوم تشكيل حكومة تكنوقراط منتجة، لوقف الانهيار، مشيراً الى انّ المشاركة السياسية بحدود معينة في الحكومة ممكنة، لإعطاء نوع من الاطمئنان الى طبيعة القرارات التي ستتخذ في الحكومة، لكنّ موضوع استلام القوى السياسية للحقائب يجب ان يكون خطاً أحمر لا يتجاوزه احد، وأنا أنصح ان تتشكّل الحكومة من وجوه جديدة، تضيف أملاً بإمكان نجاحها، ناصحاً بأن لا يكون عدد الوزراء في اي حكومة أكثر من 20 وزيراً.
وقال لـ”الجمهورية”: “انّ حكومة التكنوقراط ممر إجباري لاستعادة الثقة في الداخل والخارج”.
واعتبر انّ مشاركة “حزب الله” في الحكومة وإمكان ان تؤدي الى حجب المساعدات الدولية لم تكن عائقاً في الماضي ولا اعتقد انها عائق اليوم، لكنّ الحكومة يجب ان تكون حكومة اختصاصيين، مع تمثيل سياسي مدروس.
تأجيل
الى ذلك، وربطاً بمسار الإستشارات النيابية الملزمة ومستجدات الأوضاع في لبنان، علمت “الجمهورية” انّ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ألغى زيارة كانت مقررة الأسبوع المقبل ليومين (ما بين 16 و17 كانون الأول الجاري) الى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس حكومته ديمتري ميدفيديف، بناء لمواعيد حددت قبل استقالته في 29 تشرين الأول الماضي.
وقالت مصادر دبلوماسية روسية انّ السفارة الروسية في بيروت أبرقت الى وزارة الخارجية مطلع الأسبوع الجاري طالبة اتخاذ الترتيبات الضرورية لإلغاء الموعد، على ان تجري الإتصالات من اجل تحديد الموعد الجديد في وقت لاحق، وسط توقّعات باحتمال القيام بها منتصف كانون الثاني المقبل حسب مواعيد الرئيس بوتين.