كتبت صحيفة “النهار” تقول: وقت انهالت على لبنان تحذيرات دولية غير مسبوقة في خطورتها من التدهور الاقتصادي الذي يتخذ طابعاً سريعاً متدحرجاً وخصوصاً من مجموعة الدعم الدولية للبنان ووزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو، بدا الوضع الداخلي أمس موغلاً في تأزم تصاعدي بات يصعب معه تصور القصور الهائل الذي يثبته المسؤولون الكبار والسياسيون المعنيون بالخروج من الأزمة الحكومية في ظل الوقائع المتسارعة للكارثة المالية والاقتصادية والاجتماعية.
ذلك أن المعطيات السياسية المتجمعة من مختلف المرجعيات الرسمية والأوساط العاملة على تذليل العقبات التي تحول دون رسم خريطة طريق واضحة للاستحقاق الحكومي، كانت حتى ليل أمس تشير الى شبه استعصاء للتوافق على الخروج من الأزمة الحكومية تكليفاً وتأليفاً قبل أيام قليلة من الموعد المرجأ للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة الاثنين المقبل. ولعل ما يثير أقصى الغرابة والمخاوف في آن واحد هو أن الأيام الأخيرة أثبتت بما لا يقبل جدلاً أن المسؤولين الكبار يبدون قابلية مرضية لإقامة متاريس سياسية في المعارك الذاتية وتصفيات الحسابات السياسية والشخصية الصغيرة وعدم استعداد لاتباع منطق التنازلات الحتمية للتوصل الى أي تسوية سريعة توجبها أسوأ كارثة حلّت بلبنان منذ الحرب. وترجم هذا الواقع القاتم في مشهد الانسداد السياسي الذي طبع الأيام الأخيرة، في حين تشهد باقي القطاعات اللبنانية من دون أي تمييز سوء المصير الذي يتهدّد الوف الشركات والمؤسسات وعشرات آلاف العاملين في القطاع الخاص.
وبذلك بات الكثير من المراقبين يطرحون تساؤلات تتجاوز الدلالات المحلية الصرفة لحال استعصاء التوافق السياسي على المخرج الحتمي من الأزمة الحكومية، فيما يضغط العالم على المسؤولين لاستعجال تأليف حكومة اصلاحية تشكل الممر الأول والأخير لمدّ لبنان بالدعم السريع الانقاذي تجنباً لانهيار اقتصاده تماماً. ومن التساؤلات المثارة بكثافة في الأيام الأخيرة، هل انزلق المسؤولون اللبنانيون الى الارتباط واقعياً بصراعات المحاور الدولية والاقليمية بما يخشى معه أن تصح تقديرات متشائمة لربط الأزمات من بيروت الى بغداد الى طهران؟ وإذا كان هذا التقدير المتشائم في غير مكانه وإذا كان إطار الأزمة ومضمونها ملبننين تماماً، فأي تفسير لاستحالة الوصل بين ثلاثة رؤساء وعدد أصابع اليد من الزعماء لا يتجاوز عدد الأصابع الواحدة للاتفاق على استراتيجية من شأنها الحدّ ما أمكن من الانزلاق السريع بالبلاد نحو الانهيار الكبير، أم ترى بعضهم يرغب في ذلك لغايات دفينة؟
الاستشارات: أي اتجاه؟
مجمل هذه المخاوف والتساؤلات لا يجد أي أجوبة واضحة بعد في حين تكشفت المعطيات السياسية عن اتجاهات شديدة الالتباس والغموض في شأن تكليف رئيس الحكومة الجديدة الذي يفترض أن تسفر عنه الاستشارات النيابية الملزمة المقررة مبدئياً في قصر بعبدا الاثنين المقبل. وإذ لم تظهر أي مؤشرات لإمكان إرجاء الاستشارات مرة جديدة وتردّد أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مصمم على عدم إرجائها تكراراً، فإن هذه المعطيات لم تقترن بأي مؤشرات إيجابية لسيناريو الحل الحكومي المحتمل، بل ثمّة مصدر سياسي بارز قال لـ”النهار” أمس بصراحة انه يستبعد أي حكومة في وقت قريب وإن كان من الممكن تصور الذهاب الاثنين المقبل الى تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة العتيدة من دون ضمانات لتأليفها بسهولة بحيث يصبح الحريري رئيساً مكلفاً ورئيساً لحكومة تصريف الأعمال لفترة يصعب تقديرها سلفاً.
وبينما قدّرت أوساط عدّة أن يجري تكليف الحريري بأكثرية تتجاوز الـ75 نائباً، تركزت الاهتمامات على العلاقة المتراجعة بقوة بين الرئيسين عون والحريري في ظل ما أشاعه “التيار الوطني الحر” في اليومين السابقين عن اتجاهه الى اتخاذ موقف مغاير لكل المسار الذي سلكته علاقته بالحريري و”تيار المستقبل” منذ سريان التسوية الرئاسية السياسية قبل أكثر من ثلاث سنوات، أي منذ انتخاب الرئيس عون اذ كان الفريقان حليفين دائمين في حكومتي الرئيس الحريري. وروّجت أوساط “التيار” لإمكان إعلان موقف بعد اجتماع “تكتل لبنان القوي” اليوم برئاسة الوزير جبران باسيل بأن يمتنع “التيار” عن المشاركة في الحكومة المقبلة وأن يتحوّل الى دور معارض، علماً أن الشق الثاني من القرار مشكوك فيه لكون “التيار” هو تيار رئيس الجمهورية ولا تنطبق عليه بأي شكّل صفة المعارضة حتى لو لم يتمثل في الحكومة. لكن أوساطاً سياسية معنية تتحدث عن إيجابية للاعلان المحتمل لرئيس “التيار” عن عزوفه عن المشاركة في الحكومة المقبلة من حيث أن ذلك سيؤدي الى تسهيل الولادة الحكومية وعدم مشاركة أي من أعضاء “تكتل لبنان القوي” والاكتفاء باقتراح أسماء تكنوقراط في الحكومة. وفي السياق يلقي الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كلمة مساء غد الجمعة يتناول فيها التطورات الداخلية وينتظر أن يتطرق الى الملف الحكومي.
الحريري
وبدا لافتاً في هذا السياق الموقف الذي اتخذه الرئيس الحريري مساء أمس من بيان مجموعة الدعم الدولية للبنان اذ توجه “بالشكر الى فرنسا والأمم المتحدة على دعوتهما مجموعة الدعم الدولية للبنان للاجتماع في باريس كما الى كل أصدقاء لبنان وأشقائه وممثلي المؤسسات الدولية الذين شاركوا في الاجتماع وعبروا عن حرصهم على مساعدة لبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يواجهها”.
وقال إنه “أخذ علماً بالبيان الختامي الذي صدر عن المجموعة”، مضيفاً أنه “يرى أن الخروج من الأزمة يستوجب:
1 – الإسراع في تأليف حكومة اختصاصيين تشكل فريق عمل متجانساً وذا صدقية مؤهلاً لتقديم إجابات عن تطلعات اللبنانيين بعد 17 تشرين الاول.
2 – إعداد خطة إنقاذية على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والنقدية والمالية والانتاجية.
3 – تطبيق هذه الخطة بالدعم الكامل من اشقاء لبنان وأصدقائه في المجتمع الدولي، ومن المؤسسات المالية الدولية، والصناديق العربية”.
القمع الشارعي!
في غضون ذلك، برزت مجددًا ليل أمس ممارسات قمعية خطيرة مع احراق “خيمة الملتقى” في وسط بيروت التي كانت تعرضت أول من أمس لمحاصرة من أفراد يساريين وآخرين مؤيدين لـ”حزب الله”. كما أن الاعتداءات التي طاولت فجراً متظاهرين على أيدي شرطة مجلس النواب قرب عين التينة أثارت أجواء استياء عارمة على رغم البيان الذي اصدرته الشرطة وتحدثت فيه عن اعتداءات طاولتها. ذلك أن الاعتداءات بالضرب التي طاولت صحافية ومتظاهرين أثارت الشك في وجود مخطط دائم لاستهداف المتظاهرين، علماً أن تكرار الاعتداءات في أماكن عدّة على أيدي فئات معروفة بات ينذر بتداعيات سلبية للغاية وقت يؤخذ على القوى الأمنية والعسكرية عدم توقيف المعتدين في هذا الجانب فيما تجري توقيفات دائمة في اماكن اخرى على خلفية قطع الطرق.