كتبت صحيفة “النهار” تقول: ليس غريباً ان “تحظى” السيول وحدها بامتياز اختراق الازمة السياسية والمالية والاقتصادية التي تطبق على انفاس اللبنانيين وتحاصرهم بالمخاوف المتعاظمة؟ باعتبار ان السيول التي تغرق معظم المناطق اللبنانية في معظم مواسم الامطار الغزيرة تعيد لبنان الى مقدم لائحة الدول الفاشلة وتبرز أسوأ ما يواكب ازمته الحالية لجهة تعميم صورة الفساد المتسبب أساساً بالاهمال والتقصير والاهتراء الاداري والمؤسساتي الذي يكمن وراء هذه الفضائح المتكررة. ذلك ان وصف الفضيحة بات مملاً ورتيباً ومبتذلاً وغيرمجدٍ لفرط ما تكررت مأساة المواطنين في مناطق المداخل الجنوبية لبيروت ولا سيما منها الاوزاعي وخلدة وحي السلم ومعظم مناطق الضاحية الجنوبية والانفاق المؤدية الى مطار رفيق الحريري الدولي والتي تحولت أمس الى بحيرات عائمة لساعات وساعات امتدت طوال النهار والمساء وشهدت انسدادات احتجزت معها طوابير السيارات في الانفاق و”سبح” المواطنون في البحيرات.
ولعل المأساة الفضائحية ان الاسباب الكامنة وراء تكرار الفضيحة غالباً ما تكون هي نفسها وتتصل بعدم قدرة البنى التحتية على استيعاب سيول غزيرة تتسبب بها امطار كثيفة نظرا الى افتقار هذه البنى الى الصيانة المنتظمة السليمة وتزايد المخالفات القانونية في المناطق “المنكوبة”. والانكى من ذلك ان البلاد تمر بوضع سياسي كارثي بين حكومة تصريف أعمال وأزمة تكليف وتأليف واختلال كل آليات الانتظام المؤسساتي، فكيف بالامر مع انعدام أي محاسبة أو مساءلة من شأنهما ان يحدا من تكرار الفضائح ؟
أسوأ الاضرار اصابت مناطق الشويفات – خلدة – حي السلم – كفرشيما – الليلكي والجناح والاوزاعي واوتوستراد السيد هادي ومحيط مار مخايل الشياح، بعدما غمرتها الأمطار الغزيرة، فيما بدت منطقة الاوزاعي منطقة منكوبة بحق مع تجمع للمياه عند دوار السلطان ابراهيم حتى آخر منطقة الاوزاعي. وغمرت المياه كل الشوارع. وعملت البلدية بمساعدة بعض السكان وعناصر الدفاع المدني على سحبها. وطافت الطرق في حي السلم والجامعة ومنطقة الليلكي، ومحيط كنيسة مار مخايل في الشياح، ودخلت المحال والبيوت من جراء السيول. وشهد نفق الاوزاعي – الكوستابرافا ساعات من الطوفان اختنقت معها حركة السير والعبور واحتجز الوف المواطنين في جحيم الزحمة.
وسط هذه الاجواء، بدا المشهد السياسي كأنه أصيب بشلل تام غداة ارجاء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة الى الاثنين المقبل. وتحدثت أوساط سياسية بارزة ومعنية بالاتصالات والمشاورات المتعلقة بالمأزق الحكومي عن عودة الانسداد السياسي الى ما كان عليه غداة استقالة الحكومة وربما أكثر خطورة لان مرور مزيد من حرق الوقت يرتب على البلاد مزيداً من التداعيات المالية والاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً لجهة تفاقم غير مسبوق لاقفال مؤسسات التجارة والسياحة والانتاج في القطاع الخاص، الامر الذي ينذر بكارثة في نهاية السنة الجارية. وقالت الاوساط ان ما يثير المخاوف هو ان يترسخ القصور السياسي عن ايجاد مخرج يخترق جدار التعقيدات التي تتكرر مع كل “هبة” لتكليف شخصية تأليف الحكومة بما بات يعكس معطيات تتجاوز الابعاد الداخلية للازمة الى الخارج الاقليمي والدولي وهو أمر ليس لمصلحة البلاد اطلاقاً ويهدد بربط الازمة باستحقاقات وصراعات اقليمية.
لذا تتساءل الاوساط عما اذا كانت التزكية الواسعة لرئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري داخل طائفته ستستتبع محاولات متقدمة للتوصل الى تسوية عاجلة بينه وبين العهد و”التيار الوطني الحر” والثنائي الشيعي على حكومة تطلق فيها يده الى حد بعيد في التاأيف أم يعود الامر ليصطدم بالشروط التي وضعها التيار والثنائي ولم يقبل بها الحريري؟ وفي رأي الاوساط ان هذا الامر لن يتبلور بسهولة في الايام القريبة وربما تأخرت بلورة أي مخرج ممكن للازمة الى ما بعد عيد الميلاد اذا ظلت الامور على حالها ولم تسجل مفاجآت على صعيد تقديم تنازلات سياسية متبادلة وجذرية لاثبات صدقية الافرقاء في تسهيل تأليف حكومة باتت مطلب العالم الخارجي لتقديم الدعم والاسناد السريع منعاً لانزلاق البلاد نحو الاسوأ.
اجتماع مجموعة الدعم
وفي هذا السياق، ستتجه الانظار والآمال اللبنانية غداً الى اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي دعت فرنسا الدول المشاركة في المجموعة وكذلك المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة الى المشاركة فيه. ويبدو الفارق ملحوظاً بين الرهانات اللبنانية على ان يشكل هذا الاجتماع جرعة انعاش للواقع اللبناني أقله بما يمنع انهياراً مالياً واقتصادياً تتنامى احتمالاته بسرعة، والمعطيات التي تتحدث عن استبعاد تقديم دعم مالي فوري للبنان ما لم تحصل مفاجآت ترافق هذا الاجتماع.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الفرنسية أمس ان اجتماع مجموعة الدعم الدولي للبنان الذي تتشارك في رئاسته فرنسا والأمم المتحدة، “يجب ان يتيح للمجتمع الدولي الدعوة إلى تشكيل حكومة فعالة وذات صدقية سريعاً، لتتخذ القرارات اللازمة لانعاش الوضع الاقتصادي وتلبية التطلعات التي يعبر عنها اللبنانيون”. وأضاف: “إنها مسألة تحديد المطالب والإصلاحات التي لا غنى عنها والمتوقعة من جانب السلطات اللبنانية حتى يتمكن المجتمع الدولي من مرافقة لبنان”.
ونقل مراسل “النهار” في باريس عن أوساط معنية بالاجتماع ان هذا الاجتماع سيتيح للمشاركين فيه التشديد على عزم الاسرة الدولية على منع ان تؤدي الازمة السياسية والاقتصادية التي يعانيها لبنان الى تهديد الاستقرار والامن في لبنان والمنطقة.
وسيؤدي الاجتماع الى تحديد الالتزامات المنتظرة من السلطات اللبنانية من أجل القيام بالاصلاحات الضرورية على المديين المتوسط والطويل لاخراج البلد من أزمته واعادة تموضعه داخل دينامية صالحة وفاعلة، وعلى هذا الاساس يمكن تحديد شروط الدعم المرجوة للاقتصاد اللبناني ووضعها موضع التنفيذ. غير ان هذا الاجتماع الدولي لن يقدم الى السلطات اللبنانية “شيكاً على بياض” لان المساعدات ستكون مشروطة بتنفيذ لبنان الاصلاحات الضرورية والاستجابة لمطالب الشعب اللبناني وأخيراً تشكيل حكومة فاعلة وذات صدقية.، وبمعنى آخر، تشكيل حكومة مختلفة عن الحكومات السابقة ومن دون وجوه سياسية استفزازية. وسيحدد البيان الختامي سبل توجه المجموعة الدولية للتعامل مع الحاجات اللبنانية في المديين القصير والمتوسط ووضع حد للتدهور المالي والتزام المجموعة مقررارات مؤتمر “سيدر” وعدم المماطلة في تنفيذ الاصلاحات الضرورية لتفعيل مقررات هذا المؤتمر.
وفي اطار الاتصالات والمراسلات التي يجريها الرئيس الحريري مع زعماء ورؤساء دول وحكومات لمساعدة لبنان، أفاد مكتبه الاعلامي أمس انه أجرى اتصالًا هاتفيًا بأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، و”عرض معه المصاعب السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان وشكره على وقوف الكويت الدائم إلى جانب لبنان واللبنانيين”.