خرقت سفينة أبحاث تعمل لحساب العدو الإسرائيلي المياه الإقليمية اللبنانية في البلوك 9 الجنوبي وبقيت تقوم باستكشافاتها مدة 7 ساعات من دون أن يحرّك أحد ساكناً
لا يضيّع العدوّ الإسرائيلي وقتاً في الإعداد لقضم ثروة لبنان النفطية والغازية الكامنة في البحر، تحديداً في البلوك 9 الجنوبي. وبلا شكّ، يتصرّف العدو مع الأحداث التي تعصف بالبلاد كأنها فرصةً مناسبة لانتهاك السيادة اللبنانية، والقيام ببحوث علمية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، لتقدير حجم الثروة تمهيداً لسرقتها.
قبل نحو أسبوعين، خرقت سفينة أبحاث علميّة متخصصة في تقصّي أعماق البحر والثروات الكامنة في البواطن، مملوكة من قبل يونانيين وتحمل علم باناما، عمق المياه البحرية اللبنانية، وبقيت فيها ما يزيد على 7 ساعات، ثمّ غادرت من دون أي عوائق تذكر.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن السفينة med surveyor، بدأت عملها في خدمة الاحتلال للبحث عن النفط والغاز في حقول فلسطين المحتلة في 1 نيسان من العام الماضي، وهي مزوّدة بتكنولوجيا متطورة لمسح قاع البحر، مع طاقم مؤلف من 21 تقنياً، اخترقت المياه اللبنانية يوم 27 تشرين الثاني الماضي حوالى الساعة الواحدة فجراً، ووصلت إلى عمق أقصى يبلغ 5.6 أميال بحرية، لتعود وتخرج عند الثامنة والنصف صباحاً، أي إن السفينة المعادية لم تكتفِ بالدخول إلى ما تسميه الأمم المتحدة «المنطقة المتنازع عليها» والتي تبلغ نحو 860 كلم مربعاً، بين لبنان وكيان الاحتلال، بل دخلت إلى عمق المياه اللبنانية، قاطعة مسافة 0.6 من الميل في «منطقة التحفّظ»، وخمسة أميال في عمق البلوك رقم 9.
طبعاً، يرتبط تحرّك العدو في هذا التوقيت بانقطاع أي اتصال أميركي مع لبنان في ما خصّ مسألة الحدود البحرية، بعد سنوات من الضغط على لبنان للقبول بالتسوية الأميركية التي تعمل دائماً على تأمين المصلحة الإسرائيلية على حساب لبنان. فالزيارة المفترضة التي كان من المقرّر أن يجريها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، الذي حلّ مكان سلفه دايفيد ساترفيلد، ألغيت مع بدء التحركات الشعبية في الشارع في النصف الثاني من تشرين الأول الماضي، بعدما سبقتها زيارة لشينكر سمع فيها من الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي الكلام نفسه عن تمسّك لبنان بكامل حقوقه البحرية.
الإدارة الأميركية كانت طلبت، وتحديداً مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير، من الرئيس سعد الحريري التحرّك بنفسه للقبول بالحل الأميركي خلال اجتماع غير علني جمعهما، واعداً إياه بـ«المن والسلوى»، فعاد الأخير إلى بيروت محاولاً التفرّد بهذا الملفّ (راجع «الأخبار» عدد الثلاثاء 10 أيلول 2019، «شينكر بعد ساترفيلد في بيروت: عن الحدود والنفط»). إلّا أن الحريري فشل في تليين موقف بري وحزب الله وعون وقتها، ثم خرج شينكر بالنتيجة ذاتها، لتنقطع المتابعة الأميركية الحثيثة سابقاً، مع بدء التحركات الشعبية.
الخرق الفادح للسيادة اللبنانية يعيد الأسئلة الدائمة عن دور قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب الونيفيل، وهل هي فعلاً في خدمة الحفاظ على الاستقرار في الجنوب ومساعدة الجيش اللبناني ومنع العدو الإسرائيلي من الاعتداء على لبنان، أم أنها تعمل في خدمة العدوّ الإسرائيلي؟
فتلك القوات التي تحصي الأنفاس في الجنوب وباتت تضيّق على الأهالي على كامل الشريط الحدودي، وتزعجهم وتمنع عنهم حرية الحركة والتنقل قرب الشريط الشائك في داخل أراضيهم، لم تتحرّك لإجبار السفينة المعادية على الخروج من المياه اللبنانية. أليست هي المسؤولة بموجب القرار 1701 عن أمن تلك المنطقة ومنع الخروقات فيها؟
مدّة الخرق وخطورته تضعان دور القوات الدولية في خانة صعبة. تقنياً، إن آلية الرصد والتبليغ والاتصال والردّ بين «اليونيفيل» والعدو الإسرائيلي لا تحتاج إلى أكثر من ساعة على أبعد تقدير، خصوصاً مع وجود خطوط اتصال ساخنة بين الطرفين. وهذا يعني أن السفن البرازيلية والألمانية واليونانية والتركية، المعنيّة بحماية المياه اللبنانية، لم تحرّك ساكناً لأكثر من ست ساعات. فالقوات الدولية إما لم تتدخّل وتطلب من السفينة الانسحاب، وإما أن العدو لم يتجاوب، وفي كلا الحالتين، بات السؤال عن الجدوى من وجود هذه القوات مشروعاً، ما دامت لا تقوم بأي من واجباتها تجاه لبنان. وهذا الأمر أيضاً يفتح الأسئلة عن سبب الزيارات المتكرّرة التي يقوم بها الجنرال ستيفانو ديل كول لفلسطين المحتلة، تحديداً في الشهر الأخير، مع كل الأجواء غير الإيجابية التي يبثّها سلوك «اليونيفيل» في الجنوب.
فالمقارنة بين السماح للعدو الإسرائيلي بخرق من هذا النوع والتعتيم عليه، والمعلومات التي تضمّنها التقرير الأخير الذي صدر قبل نحو أسبوعين عن الأمين العام للأمم المتحّدة، بشأن تطبيق القرار 1701، تضع التحيّز الأممي من اليونيفيل واضحاً لمصلحة العدو الإسرائيلي. فهو تضمّن على سبيل المثال 30 ألف نشاط للقوات الدولية، وحصول 10 عمليات اعتراض على التحركات في الجنوب من قبل الأهالي أو الجيش اللبناني، ومع ذلك يخوض التقرير في حملة دعائية للدفاع عمّا يسمّيه «حريّة الحركة» للقوات الدولية، بينما يتحدّث عن 500 خرقٍ للقرار 1701 من الجانب اللبناني، بحالات حمل سلاح غير مرخّص، تتضمّن فقط أربع حالات لسلاح حربي، و496 حالة حمل سلاح صيد، مع بدء موسم الصيد!
وفيما تعاملت «اليونيفيل» مع الخرق بالكتمان لأسباب معروفة، مارس الجيش اللبناني الكتمان أيضاً، لأسباب مجهولة، ولم يعلن في أي بيان رسمي عن هذا الخرق الخطير. ولم تتمكّن «الأخبار» من التأكّد ممّا إذا كانت وزارة الخارجية قد علمت بالخرق، ولم تبادر إلى إرسال احتجاج رسمي إلى الأمم المتحدّة، أم أنها لم تعلم، علماً بأن السفينة med surveyor انطلقت في رحلتها الحالية يوم 2 كانون الأول الحالي من قبرص باتجاه سواحل فلسطين المحتلّة، ولا تزال تعمل في المياه المقابلة لمدينة حيفا منذ نحو أسبوع، وتتنقّل بين المياه المحتلة والمياه القبرصية. وتشير معلومات «الأخبار» إلى أنها قد تكرّر خرق المياه اللبنانية مرة جديدة لاستكمال أبحاثها.
فراس الشوفي – الاخبار