كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : بين ليلة وضحاها من كان رافضاً صار قابلاً، ومن كان مرشّحاً صار مستبعداً، رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري يعود عن عزوفه ويقبل التكليف، والمهندس سمير الخطيب ينسحب بـ”راحة ضمير” من ترشيحه لهذا التكليف، وتولّى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الإخراج مبلغاً الى الخطيب الذي زاره “اننا اتفقنا على تسمية الرئيس سعد الحريري” لرئاسة الحكومة، بما يقطع الطريق على احتمال وجود أي مرشح آخر يطرح نفسه عضواً جديداً من نادي المرشحين لرئاسة الحكومة. وتأسيساً على هذه الخطوة تقرر تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كان سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم لتسمية من سيكلّفه رئاسة الحكومة الجديدة الى الاثنين المقبل “إفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة، ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة”، على حدّ ما ورد في بيان التأجيل الذي أصدرته رئاسة الجمهورية مساء أمس. وجاء هذا الموعد معاكساً لرغبة أبداها الحريري لعون في أن يكون الخميس المقبل.
فقد صدر مساء أمس عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية البيان الآتي:
”في ضوء التطورات المستجدة في الشأن الحكومي، ولاسيما ما طرأ منها بعد ظهر اليوم، وبناء على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، وإفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة، قرّر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كانت مقررة غداً الاثنين 9 كانون الاول 2019 الى يوم الاثنين 16 كانون الاول الجاري وفق التوقيت والبرنامج والمواعيد التي نشرت سابقاً”.
قصة
وكانت سلسلة الاتصالات التي حصلت، وبعد إعلان الخطيب اعتذاره عن الاستمرار في الترشح لرئاسة الحكومة، تمحورت بين الحريري وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الوزير علي حسن خليل.
وبحسب المعلومات، فإنّ الحديث تناول مسألة تأجيل الاستشارات الملزمة، بعد تواتر أنباء من القصر الجمهوري عن توجّه لدى رئيس الجمهورية الى هذا التأجيل.
وعكست المعلومات ما وصفته “ارتياحاً” لدى الحريري لاعتذار الخطيب، وقالت مصادر عاملة على خط الاتصالات لـ”الجمهورية” انّ “الامور من بدايتها كانت واضحة لجهة الوصول الى اعتذار الخطيب، على رغم من كل الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي بلغته من الحريري”.
ورداً على سؤال قالت هذه المصادر: “لا شيء يمنع على الاطلاق انطلاق الاستشارات خلال ايام قليلة مع تحديد موعدها، على ان تتخلل هذه الايام حركة اتصالات متجددة ومكثفة بين الاطراف، وتحديداً مع الحريري كونه الوحيد المرشّح لرئاسة الحكومة، على ان تحمل الاستشارات المنتظرة تكليفاً له تشكيل الحكومة”.
ورداً على سؤال آخر، قالت المصادر نفسها: “خروج الخطيب وعودة الحريري مجدداً كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة، معناه عودة الى المربّع الاول الخلافي حول معادلة الحريري ـ باسيل. هذه المسألة قد تكون العقدة الاساسية امام تشكيل الحكومة المقبلة”.
مرجع مسؤول
وتعليقاً على ما آلت اليه الامور لجهة التعثّر في طريق الخطيب، قال مرجع سياسي مسؤول لـ”الجمهورية”: “كان من الافضل لو انّ موعد الاستشارات لم يكن بهذا البعد الزمني بين الاعلان عنه وبين موعده، فلو كان تحدد هذا الموعد الخميس الماضي لكان التكليف قد حصل، ولَما كنّا وصلنا الى ما وصلنا إليه من تعقيد”.
وأضاف المرجع: “أمّا وقد حصل ذلك، فلم يبقَ سوى الحريري كمرشح لرئاسة الحكومة الجديدة. ومعنى ذلك انّ الاستشارات الجديدة يجب ان تحصل في أسرع وقت، على ان يتم التأليف في وقت أسرع منه وعدم إضاعة أشهر مثلما كان يحصل في السابق. وهذا المستجد يطرح المسؤولية في أيدي الجميع، وقد سبق لنا أن حذّرنا من أنّ وضعنا لا يتحمّل مزيداً من الهدر في الوقت والتسبّب بالاهتراء السياسي والاقتصادي والمالي، وهذا الكلام نكرره اليوم خصوصاً أننا نلقى حرصاً خارجياً على لبنان وتحديداً من الجانب الاوروبي اكثر من حرص اللبنانيين على بلدهم، وها هم يحذروننا ويحضّوننا على الاسراع في تأليف حكومة لأنّ كل تأخير له ثمن سلبي يدفعه الناس، وبالتالي قد يؤدي الى سقوط البلد في ما هو أبعد من الجوع”.
ورداً على سؤال، قال المرجع: “مع الأسف علّتنا تكمن في الطائفية التي انتعشت في الآونة الاخيرة، فهذه الطائفية خربت لبنان سياسياً وها هي تخربه اقتصادياً ومالياً”.
مرحلة أخرى
وفي هذه الأجواء قالت مصادر “بيت الوسط” لـ”الجمهورية” انّ ما جرى أنهى مرحلة وفتح التطورات على مرحلة أخرى.
وعن سبب إلغاء اجتماع كتلة “المستقبل” الذي كان متوقعاً عشيّة الإستشارات النيابية، قالت المصادر نفسها: “انّ من تحدث عن اجتماع للكتلة كان يترقّب خطوة تقليدية لا بد منها، وانّ ما قيل في هذا الأمر كان استنتاجاً. ولكن الحقيقة تقول انّ الدعوة لم توجه أصلاً الى اجتماع ليتم التراجع عنه او إلغاؤه. ولذلك، فإنّ كل ما قيل في هذا الموضوع كان مجرد توقعات لم تكن واردة في ذهننا”.
وعن هوية المجموعات التي قصدت “بيت الوسط ” للتعبير عن رفضها تكليف الحريري، قالت المصادر “انها مجموعة من شبّان الحزب الشيوعي، ولا نعرف مدى العلاقة بينهم وبين الحراك القائم في البلاد”.
سفر الحريري؟
وفي جانب آخر رجّحت مصادر سياسية، ولكن بلا تأكيد، إمكان سفر الحريري الى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي دعت اليه فرنسا حول لبنان بعد غد الاربعاء.
وعلمت “الجمهورية” انّ الحريري كان يفضّل أن يشارك لبنان في هذا المؤتمر عبر وفد يترأسه وزير المال علي حسن خليل، الّا انّ الاخير آثَر عدم الذهاب، وتقرر بالتالي أن يشكّل وفد لبناني للمشاركة في هذا الاجتماع، ويضم كلّاً من المدير العام في القصر الجمهوري انطوان شقير والمدير العام لوزارة المال الان بيفاني، إضافة الى موظف كبير في وزارة الخارجية يرجّح ان يكون الامين العام للوزارة هاني شميطلي.
وفي هذا الصدد قالت مصادر “بيت الوسط”، رداً على سؤال عمّن سيمثّل لبنان في مؤتمر باريس بعد غد، انّ “الترتيبات اتخذت على اساس ان يمثّل لبنان الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، تأسيساً على أنّ مستوى المشاركين في الاجتماع هو على مستوى وزراء الخارجية”.
وقيل للمصادر: أليس من المنطقي ان يمثّل الحريري لبنان بعد الرسائل التي وجّهها الى قادة الدول المدعوة الى المؤتمر طالباً الدعم؟ فأجابت: “إنّ الدعوة الى المؤتمر لا علاقة لها بمضمون الرسائل التي وجهها الحريري، وإنها كانت خطوة مقررة سابقاً، وبالتالي لا علاقة تربط بين الخطوتين”.
رسائل
ومن جهة ثانية، أكدت مصادر مالية لـ”الجمهورية” انّ بعض المستويات الرسمية اللبنانية تلقّت رسائل مباشرة من ممثلين للبنك الدولي تعبّر عن الاستعداد لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته، إلّا انّ تأكيد هؤلاء كان مشروطاً بأن تؤلّف حكومة في لبنان في أسرع وقت بمعزل عمّن سيكون رئيسها وتوحي بالثقة للبنانيين، وبدرجة مهمة تحظى بثقة المجتمع.
قلق مالي مُبرَّر
الى ذلك، يُفتتح الاسبوع الطالع على مجموعة تطورات اقتصادية ومالية تؤكد ما هو مؤكد، لجهة دقة الأزمة وخطورتها.
على المستوى الحياتي، برزت أزمة تأمين الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان لضمان استمرار توليد الطاقة. وعلى رغم انه تمّت معالجة المشكلة من خلال الاتصالات مع دولتي الجزائر والكويت، إلّا أنّ تداعيات المشكلة بَدت أعمق من مجرد حل إشكالية وصول الفيول، وصولاً الى خطورة ما جرى لجهة رفض مصارف عالمية فتح اعتماد عبر مصرف لبنان، بسبب ارتفاع المخاطر الائتمانية.
وفي الموازاة، يتم التركيز حالياً على النتائج التي قد يخرج بها اجتماع دول مجموعة الدعم التي ستلتقي في باريس في 11 الجاري، لبحث الاوضاع المالية في لبنان، والنظر في سبل مساعدته.
لكن، وبصرف النظر عن النتائج التي قد يخرج بها الاجتماع، يسود شعور بالقلق العام في الداخل، بسبب اضطرار لبنان الى طلب المساعدة للتمكّن من استيراد المواد الأولية الضرورية. ومجرد التمعّن في نوعية طلب المساعدة الذي قدّمه لبنان بواسطة الحريري، يمكن الاستنتاج أنّ البلد وصل الى مرحلة متقدمة في أزمته المالية، وانّ الوقت بات ضاغطاً اكثر مما يظنّ البعض. 0
عودة
من جهة ثانية، لفت متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في ذكرى استشهاد جبران تويني الى أنّ “ما أخاف المسؤولين ولا يزال يخيفهم، هو صوت الحق والحقيقة، صوت الشعب الجائع والمتألم، صوت كلّ محبّ للوطن”.
وقال: “اليوم، هذا البلد يُحكم من شخص تعرفونه جميعاً، ولا أحد يتفوّه بكلمة، ويُحكم من جماعة تحتمي بالسلاح”، سائلاً: “أين الثقافة؟ أين العلم؟ أين المستوى اللبناني الذي نفتخر به؟ شخص لا نعرف ماذا يَعرف، يحكمنا”.
وتساءل: “ألا تسمعون ما يُطالب به أبناؤنا في الشارع اليوم؟ يُطالبون بأن يلتفت المسؤولون إلى مطالبهم المحقة، يصرخون قائلين إنّ احتجاجاتهم سلميّة وستبقى كذلك، ولكن هناك من يحاول تشويه سلميّة احتجاجاتهم”.