كتبت صحيفة “اللواء” تقول: هل تدخل الطبقة السياسية بصدام مع الإنتفاضة، بدءاً من الاثنين المقبل، إذا رست الإستشارات على مرشّح لا يقبل به الحراك المدني، الذي اتخذ من “جسر الرينغ” لليوم الثاني على التوالي متراساً بوجه ما يُمكن وصفه بلغة الإنتفاضة تجاوز مطالب الحركة الإحتجاجية التي اندفعت إلى الشارع في 17ت1 (اكتوبر)، احتجاجاً على ضريبة “الواتسآب” ثم توسع الموقف تباعاً، ليتحول إلى ظاهرة اعتراض على حكم الطبقة السياسية؟
المؤشرات توحي بمخاطر الوضع، بالتزامن مع تمسك رؤساء الحكومات السابقين بالرئيس سعد الحريري لإدارة المرحلة المقبلة، انطلاقاً من حكومة يقتنع بها، ويرضى بها الحراك.
أين تبرز التباينات؟
– فريق التيار الوطني الحر، مازال يضع رأسه في الرمل، ويتحدث عن تمثيل الكتل البرلمانية، التابعة لأحزاب أو تيارات بشخصيات هي تختارها.
– فريق رئيس حكومة تصريف الأعمال يتمسك بكسر القاعدة، وتمثيل التوازنات بشخصيات من خارج نادي التمثيل الحزبي، بصرف النظر عن التسهيلات..
– فريق الحراك المدني – الانتفاضة – أو الشارع، يتحدث عن وجهة أخرى، اختيار رئيس للحكومة من خارج النادي السياسي المتحكم بالقرار اليوم، على ان يتولى تأليف حكومة خارج تمثيل الكتل والتيارات من اخصائيين، بهدف معلن، لإنقاذ الاقتصاد، خارج أي دور للطبقة السياسية الحاكمة والمتهمة من قبل الحراك بالفساد والفشل، والتأسيس للانهيار المالي والعام..
وتجتمع كتلة المستقبل النيابية في الساعات المقبلة لتجديد الموقف من تسمية المرشح سمير الخطيب لترؤس الحكومة باعتباره الأوفر حظاً.
الا ان أوساط الحراك، والبيانات التي تعمم تباعاً على مواقع التواصل، تُشير إلى أجواء تصعيد في الأيام المقبلة، عشية الاستشارات النيابية الملزمة، التي من شأنها ان تضع البلد امام حالة انفراج، أو العكس تماماً، تعمّق الأزمة باتجاه انفراجها أو تفاقمها..
“اللعبة” انتهت
وإذا كانت المرحلة الأولى من مراحل تشكيل الحكومة قد انفرجت رسمياً عبر تحديد دوائر رئاسة الجمهورية مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة يوم الاثنين المقبل، تاركة مهلة 4 أيام للكتل النيابية المعنية للتوافق بشكل نهائي على تسمية الرئيس المكلف للحكومة، فإن هذه الأيام الأربعة ستكون شديدة الأهمية لحسم مسألة التكليف والتأليف، خصوصاً وأن الأجواء الإيجابية التي كانت القوى المعنية قد اشاعتها بنتيجة المشاورات التي جرت أمس الأوّل والمواقف المعلنة، تبددت ليلاً بعد نزول الحراك الشعبي مجدداً إلى الشارع وقطع المتظاهرين لجسر “الرينغ”، وصدور بيان عنيف اللهجة عن رؤساء الحكومة السابقين، استتبع برد من رئاسة الجمهورية، اعقبه ردّ آخر من رؤساء الحكومة، مما أعطى انطباعاً بأن الأوضاع بلغت حداً لا يمكن لأي جهة سياسية استمرار التوغل فيها، وهو ما عجل في تحديد مواعيد الاستشارات، في رسالة واضحة لكل الأطراف، بأن مهلة السماح والتي استمرت أكثر من شهر، ومنذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري في 30 تشرين الأوّل الماضي، قد انتهت، ومعها انتهت اللعبة، وعلى الجميع ان يتحمل مسؤوليته حيال مسألة التكليف والتأليف، سواء كان هناك اتفاق على تسمية المهندس سمير الخطيب للتكليف أو لم يكن، وسواء كانت الخطوط العريضة للتركيبة الحكومية قد اكتملت أو لم تكتمل.
وقالت مصادر مطلعة ان هناك اكثر من سبب دفع الرئيس ميشال عون تحديد يوم الاثنين للاستشارات الا وهو اعطاء فرص اضافية للشاور بين الكتل تسهيلا لعملية التكليف وقيام الوضوح في مواقف كل الأطراف من التكليف والتأليف.
مواقف الكتل
وكانت مصادر وزارية مطلعة على الاتصالات، قد لاحظت ان التوافق على توزيع الحقائب للسياسيين والتكنوقراط لم يحصل بعد بشكل نهائي حيث لا زال النقاش يدور حول حقائب الخارجية والداخلية والطاقة بشكل اساسي. فيما ينتظرمعرفة موقف “القوات اللبنانية” التي ستجتمع اليوم ما اذا كانت ستشارك او لا في الحكومة عبر وزراء تكنوقراط التزاماً بمواقفها المعلنة بأن تكون الحكومة مختلفة عن الحكومات التقليدية.
أكثرية للخطيب
الى ذلك، قالت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية لـ”اللواء” ان خطوة الدعوة الى الاستشارات النيابية تمت ولا كلام قبل الاستشارات وبعدها نرى حيث سيكون هناك كلام اخر، مشيرة الى انه بعدما استجمع رئيس الجمهورية عناصر اكثرية معينة للمرشح سمير الخطيب حدد موعد الاستشارات وادى قسطه للعلى للدستور وللميثاق والمصلحة الوطنية العليا ومن هنا وحتى الاثنين وما بعده نرى والرهان على استمرار الخطيب لانه استجمع اكثرية مريحة له كي يؤلف حكومة ولكن العبرة تبقى في التأليف.
وسألت مصادر وزارية ما اذا كانت هذه المهلة ستخدم الخطيب ام ستكون ضده؟ وقالت انه لا بد من انتظار الموقف المعلن لكتلة المستقبل اليوم ولفتت الى ان لا بد أيضا من معرفة مسار ضغط الشارع الذي عاد إلى قطع الطرقات والتصعيد.
اما عن تحديد الموعد يوم الأثنين المقبل فإن المصادر اكدت ان المدة الفاصلة عن هذا النهار ستكون مخصصة للاتصالات تمهيدا للوصول الى قواسم مشتركة تساعد في عملية تأليف الحكومة مع العلم ان هناك مهمة تتصل بتدوير الزوايا وشكل الحكومة والحقائب.
وفهم من المصادر ان الكلام عن عدد الحكومة لجهة الـ24 وزيرا هو اقرب الى المنطق الا اذا تقرر عكس ذلك, وكذلك العدد المخصص للوزراء السياسيين بين الـ4 والـ6 وزراء، ولفتت الى ان الحراك سيمثل وان الرئيس عون التقى اول من امس ممثلين عن الحراك المدني.
ولاحظت المصادر تقسيم المواعيد في جدول الاستشارات وادراج كتلتي التنمية والتحرير ولبنان القوي قي فترة بعد الظهر من الاستشارات التي تجري ليوم واحد فقط، بحيث ترجح الكتلتان مجتمعتين (36 نائباً)، كفة المرشح للتكليف، في حال حصلت مفاجآت في فترة قبل الظهر في الاستشارات، لا تصب في مصلحة الخطيب، علماً انه يمكن إضافة كتلة نواب الأرمن (3 نواب) وكتلة “ضمانة الجبل” (4 نواب) إلى مجموع أصوات كتلتي الرئيس نبيه برّي والوزير جبران باسيل.
ولوحظ ادراج اسم النائب ميشال معوض مستقلاً في خارج تكتل “لبنان القوي” في نهاية جدول المواعيد، وكذلك النائب شامل روكز ونعمة افرام. كما لوحظ ادراج اسم النائب نهاد المشنوق مستقلاً من خارج كتلة “المستقبل” التي حدّد موعدها في الحادي عشرة والنصف قبل الظهر، بعد الاستماع إلى رأي الرؤساء سعد الحريري (10،30) ونجيب ميقاتي (10،45) وتمام سلام (11.00) ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي (11.15)، في حين لم يُحدّد للرئيس برّي أي موعد لوحده في بداية الاستشارات، مثلما جرت العادة، بل حدّد موعده من ضمن الموعد المحدد لكتلته عندما الخامسة عصراً، ويليه تكتل “لبنان القوي”.
ولوحظ أيضاً وضع اسم عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” الوليد سكرية في عداد نواب كتلة “اللقاء التشاوري” (5 نواب) التي حدّد موعدها في بداية فترة بعد الظهر، عند الساعة الثالثة، تليها كتلة “الجمهورية القوية” (3.15)، في حين ظل موعد كتلة “الوفاء للمقاومة” (في الساعة 11،45) ظهراً، تليها كتلة “التكتل الوطني” (5 نواب بعد خروج النائب فيصل كرامي منها)، وكتلة الحزب التقدمي الاشتراكي (الساعة 12.15).
سجال رئاسي
وجاءت خطوة تحديد مواعيد الاستشارات الملزمة، في نهاية يوم طويل من السجالات دارت وقائعها بين رئاسة الجمهورية ورؤساء الحكومة السابقين، وبشكل غير مألوف، ساهمت في تقدير مصادر سياسية في التعجيل بتحديد مواعيد الاستشارات، لا سيما وان المشاورات التي سبقت تحديد الموعد، لم تكن قد توصلت إلى توافقات نهائية على تسمية المهندس الخطيب، وساهم في تكوين هذا الانطباع، دخول الحراك الشعبي طرفاً في معادل لا ترجح كفته، وكذلك بيان رؤساء الحكومة السابقين، على الرغم من انه لم يقل صراحة ان الرؤساء ضد تسميته، بل جاء اعتراضاً على “استباق الاستشارات الملزمة بابتداع ما يسمى الرئيس المحتمل للحكومة”، وهو أمر يُشكّل خرقاً خطيراً لاتفاق الطائف والدستور نصاً وروحاً، فضلاً عن انه “اعتداء سافر على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلف، كما هو اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة عندما يتم تكليفه”.
ورأى الرؤساء الثلاثة: فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، في ما وصف “بالفيتو” على الخطيب أو رسالة له بأن أي “مرشح لرئاسة الحكومة يوافق على الخوض في استشارات حول شكل الحكومة واعضائها قبل تكليفه ويقبل بالخضوع لاختبار من قبل لجنة فاحصة غير مؤهلة ولا مخولة دستورياً يساهم أيضاً في خرق الدستور وفي اضعاف وضرب موقع رئيس مجلس الوزراء، لذلك يجب وقف هذه المهزلة فوراً والمبادرة إلى العودة إلى احترام الدستور، معلنين ان اجتماعاتهم ستبقى مفتوحة لمتابعة المستجدات”.
ورد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية على البيان ببيان، نفى ان تكون المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية تشكّل خرقاً للدستور أو انتهاكاً لاتفاق الطائف، مشيرا إلى ان هدفها كان إفساح المجال امام المشاورات بين الكتل النيابية، لتأمين تأييد واسع للرئيس المكلف ما يسهل عليه تشكيل الحكومة، مذكراً بالتجارب المؤلمة التي حصلت في أيام الرؤساء الثلاثة، الذين ردوا على بيان رئاسة الجمهورية مستهجنين صدوره، لا سيما وان هناك اتصالات جارية لتحديد شكل ومكونات الحكومة العتيدة تتضمن اجراء امتحانات بعضها استعراضي وبعضها الآخر يجري في غرف مظلمة من أجل اختيار رئيس الحكومة المكلف قبل اجراء الاستشارات الملزمة، وهذا يعني مخالفة صريحة للدستور والأعراف الميثاقية.
وأهاب الرؤساء بالجميع تقدير الظروف الدقيقة والصعبة التي تمر بها البلاد، وبالتالي المسارعة إلى وقف السجالات التي لا طائل منها والتوجه إلى العمل الجدي والمنتج لإنقاذ لبنان وإخراجه من المحنة التي أصبح في خضمها.
وقبل صدور البيان الثاني، كان وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، دخل على خط السجال مدافعاً عن الرئيس عون، واصفاً ما اسماه “نادي رؤساء الحكومات السابقين” بالمشبوه الذي يتوسل الغرائز والشعبوية.
عودة إلى الشارع
في هذا الوقت بقي ناشطو الحراك الشعبي متمسكين بقطع طريق جسر “الرينغ” باتجاه الأشرفية قرب بناية الغزال، احتجاجاً على طريقة تشكيل الحكومة وطرح اسم المهندس الخطيب، على الرغم من قطع الجسر انتهى ليل أمس الأوّل بالقنابل المسيلة للدموع من قبل عناصر مكافحة الشغب.
وابتداءً من الخامسة عصراً عاد المتظاهرون إلى قطع “الرينغ” مجدداً، ورفعوا الإعلام اللبنانية، ثم أضاؤا الشموع حداداً على حياة المواطنين الثلاثة الذين فضلوا وضع حدّ لحياتهم نتجية سوء أوضاعهم المعيشية، بالتزامن مع مسيرة شموع راجلة سارت باللباس الأسود من امام كنيسة مار الياس انطلياس باتجاه الزلقا وجل الديب حداداً على الشباب الثلاثة داني أبو حيدر في النبعة، انطونيوس طنوس في عكار، ومحمّد م. الذي حاول الانتحار في صيدا، رفعت شعار: “كم انتحار بدكن بعد”، وحمل المحتجون 3 نعوش رمزية ملفوفة بالعلم اللبناني، وقطعوا اوتوستراد الزلقا بشكل جزئي مع ترك مسرب للسيارات على المسلكين وسط انتشار للجيش.
كما سجل تجمع لعدد من المتظاهرين في شارع الحمراء استعداداً للانطلاق في مسيرة في بعض شوارع بيروت وصولاً إلى رياض الصلح، وعبر المتظاهرون خلال هتفاتهم واللافتات التي رفعوها عن غضبهم تجاه تزايد حالات الانتحار بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وتوقف هؤلاء لبعض الوقت اما مبنى وزارة الداخلية.
كذلك سجل قطع طريق قصقص باتجاه شاتيلا بمستوعبات النفايات التي وضعت في وسط الطريق من قبل عدد من الشبان، وتم أيضاً قطع الطريق الدولية في صوفر بالاطارات المشتعلة، وطريق المصنع بالسواتر الترابية، وطريق الأوّلي في صيدا، مع مسيرة وتعليق مشانق رمزية في ساحة ايليا، واوتوستراد عكار – طرابلس.
إجراءات مصرفية
مصرفياً، أعلنت جمعية المصارف في بيان مساء امس التزامها بتطبيق التعميم الذي صدر عن مصرف لبنان، والمتعلق بوضع سقوف للفوائد الدائنة، ولكن بشكل تدريجي، مع استحقاق آجال الودائع، معتبرة ان من شأن هذا التعميم لن ينعكس حكماً على معدلات الفوائد المدينة، كما على احتساب معدل الفوائد المرجعية لسوق بيروت BRR الذي تنشره الجمعية بصورة دورية. وجددت الجمعية يقينها بأن بداية الخروج من الأزمة الراهنة تكمن في عودة الإنتظام الكامل الى عمل المؤسّسات الدستورية.
وكان حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة أصدر تعميماً وسيطاً حمل الرقم 536 طلب فيه من المصارف “التقيّد بالحدّ الأقصى لمعدّل الفائدة الدائنة على الودائع التي تتلقاها أو تقوم بتجديدها بعد تاريخ 4 كانون الاوّل 2019 بنسبة 5 في المئة على الودائع بالعملة الأجنبية و8,5 في المئة على الودائع بالليرة اللبنانية”.
وقال خبراء اقتصاديون إن القرارات تهدف إلى مساعدة الاقتصاد عن طريق خفض أسعار الفائدة للمقترضين، التي ارتفعت مع سعي لبنان إلى إنعاش تدفقات رؤوس الأموال من الخارج، ولتخفيف الضغط على احتياطيات العملات الأجنبية.
وتفرض البنوك قيودا مشددة على الوصول إلى العملة الصعبة والتحويلات إلى الخارج منذ أكثر من شهر خشية هروب رؤوس الأموال بينما يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.