كتبت صحيفة “النهار” تقول: حركة الشارع لا تهدأ، ولم تنجح السلطة حتى اليوم، في وضع شارع في مقابل شارع، فنساء الانتفاضة رفضن الامر وتحدين التحدي. وبعد مسيرة سلمية جامعة على “محور” الشياح – عين الرمانة، كانت تظاهرة مماثلة انطلقت من التباريس في اتجاه الخندق الغميق، الى عقر دار بعض الذين اعتدوا على المتظاهرين، ولم ينفع حاجز بشري في وقف انطلاقتهن، بعدما انضمت اليهن سيدات من الجهة الأخرى، ليرفعن معاً العلم اللبناني والورود البيضاء، ويرفعن الصوت معاً “لا للحرب”.
لكن المطالب الحياتية تزداد يوماً بعد آخر، ولا تنفع أموال حزبية في الحد من الحاجات التي تزداد على مساحة الوطن، مهددة بتفعيل الانتفاضة، بل بتحويلها ثورة جياع تنقض على السلطة المصرة الى اليوم، على البقاء في حالة رفض مطالب الناس، والتي لم تعد تقتصر على الحراك، بعدما تمددت الازمة الاجتماعية وطاولت كل القطاعات.
واذا كان اجتماع بعبدا حاول ان يضفي مهدئاً على الوضع، فإن اتساع رقعة الأزمة الحياتية، معطوفا على قلة مسؤولية السياسيين وتكابرهم واصرارهم على المضي والعمل وفق المنظومة السابقة، ستعجّل في الانهيار شبه المحتوم على كل المستويات. فالسلطة التي كانت لمحت الى تنازلات في الاسبوعين الاولين من الانتفاضة، عادت لتظهر تصلباً كبيراً حيال ملف التأليف الحكومي. فبعدما نقل في وقت سابق عن مقربين من الرئيس ميشال عون انه واقع ما بين شروط الرئيس سعد الحريري، وتمسك “حزب الله” بالحريري من دون شروط، بدا ان الحزب زاد تصلباً بدليل ما ذهب اليه رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد قائلاً إن “هذه الأزمة لا تحل إلا بتشكيل حكومة وحدة وطنية وفق صيغة إتفاق الطائف، وغير هذا سيبقى البلد في ظلّ حكومة تصريف أعمال، وسنلاحقهم لكي يقوموا بواجبهم والذي لا يقوم بواجباته سنحاسبه”. وأكد “أن الأزمة ليست بسيطة ويمكن أن تطول، والسلاح الذي يستخدمونه ضدكم وضدنا هو سلاح النقد والمصارف وفرق سعر العملة والضغط الإقتصادي والمعيشي، ونحن بهمتكم وتفهمكم ووعيكم قادرون أن نتجاوز هذه الأزمة، ولا أحد يستطيع أن يلوي ذراعنا”.
بدوره، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة “أمل” النائب هاني قبيسي أن “علينا احياء المؤسسات التي استقالت، لأنها لن تقدر على المواجهة من دون حكومة، وكل من يماطل في تشكيل الحكومة موقفه مستغرب مشبوه، فمن يريد حماية الوطن عليه أن يبادر فوراً الى تشكيل حكومة لا السير بركب من يحرق الأسماء اسماً تلو الآخر ويتجنب ويماطل وبالتالي يغش الناس، فهذا يدمر البلد ولا يمكن من خلاله احياء اقتصاد ولا محاربة الفساد. بقاء البلد من دون حكومة هو جزء من المؤامرة، وعلى كل مسؤول مخلص ان يبادر لاجراء اتصالات كي نشكل حكومة وطنية ليس كما يقولون من اختصاصيين، فهم لا يريدون رجال سياسة في الحكومة أي لا يريدون مقاومين في الحكومة، وهذا هو هدفهم في الأساس. لا يريدون حزب الله وحركة امل والاحزاب الوطنية الاخرى”.
في الجهة المقابلة، يستمر المرشح “الاوفر حظاً” سمير الخطيب في عقد لقاءات والاستماع الى مطالب وشروط كي يبني على الشيء مقتضاه. وفي هذا الاطار، علمت “النهار” من مصادر قصر بعبدا، ان الرئيس عون لا يزال ينتظر الجواب الحاسم من الخطيب ليعين موعد الاستشارات النيابية. وأوضحت مصادر متابعة أن بعض العقد حول توزيع الحقائب لا تزال عالقة. ويمكن ان تظهر مؤشرات ايجابية في اليومين المقبلين، على ان تتألف الحكومة من 18 الى 24 وزيراً، ولا يزال الخلاف على تولي وزراء سياسيين الحقائب الاساسية أو من يمثلهم، كما توزيع الحقائب الاساسية بعد اجراء تغيير يكون تمهيداً لمداورة فيها.
على صعيد آخر، جزم وزير سابق متابع للملف لـ”النهار” بأن الامور لا تزال في بداياتها، وان ما حكي عنه لدى مسؤولي “حزب الله” عن اشارات خارجية وصلت الى لبنان وهي تهدف الى تسهيل تشكيل الحكومة، صحيح في الجزء الاول منه ضمناً، أي ان لبنان ينتظر الاشارة الخارجية التي لم تصل بعد. وان باريس مهتمة كثيراً بعقد لقاءات لدعم لبنان خوفا من انهيار اقتصادي يطيح كل الانجازات السابقة. وهي تسعى الى تحديد موعد لاجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان، ولقاءات أخرى، وافيد في هذا الاطار ان الموفد الفرنسي الذي زار لبنان أخيراً التقى نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، وكذلك مسؤولين أمميين في لبنان، للمساعدة في تقريب وجهات النظر.
ونقلت وكالة “المركزية” عن مصادر ديبلوماسيّة ان الاجتماع الثلاثي الفرنسي – الأميركي – البريطاني الذي انعقد في 19 تشرين الثاني في باريس على مستوى رؤساء دوائر الشرق الأوسط في وزارات الخارجيّة الثلاث وجمع الفرنسي كريستوف فارنو والأميركي ديفيد شينكر والبريطانية ستيفاني القاق، سيعقد مجدّداً في بريطانيا الأسبوع المقبل لاستكمال البحث في الأزمة التي يمر فيها لبنان وكيفية المساعدة في اجتراح حل يُنهي تداعياتها الخطيرة.
وأفادت المصادر أن المجتمعين سيؤكّدون وجوب الإسراع في تشكيل حكومة تُرضي الشعب لإخراجه من الشارع وتوحي بالثقة إلى المجتمع الدولي لمدّ لبنان بالدعم الكفيل بمساعدته على تجاوز المطبّات التي تواجه استعادة عافيته سريعاً.