كتبت صحيفة “النهار”:
بدا المشهد الداخلي أمس موزعاً على ثلاثة عوامل أساسية تحمل الكثير من التناقضات والغموض. العامل الأول يتسم بإيجابية مضيئة على مزيد من الآمال والطموحات التي تحملها انتفاضة 17 تشرين الأول وتمثّل في مسيرة السلم والوحدة ورفض افتعال عوامل الاستدراج، الى الفتنة والحرب في مناطق عين الرمانة والشياح وطرابلس وجل الديب رداً على هجمات الشغب الليلية التي حصلت في الأيام السابقة. والعامل الثاني عكس جدّية تصاعدية للأخطار المحدقة بالقطاعات الاقتصادية والمصرفية ترجمها قرار الهيئات الاقتصادية تعليق الاضراب الذي كان مقرراً اليوم وغداً والسبت، في حين بدأ سعر صرف الدولار في السوق الموازية “يحلق” فوق سقف الـ2000 ليرة للمرة الأولى. أما العامل الثالث، فبدا صادماً بحق ويتصل باستمرار الانسداد السياسي وعدم صدور أي إشارة عملية الى إمكان تحديد الموعد الذي طال انتظاره للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة ولم تظهر أي معطيات من شأنها فتح باب الآمال الواقعية في كسر أزمة التكليف، وقت تصاعدت بقوة مؤشرات الدفع نحو تفعيل تصريف الأعمال على يد الحكومة المستقيلة الأمر الذي يلامس إمكان ممارسة تصريف الأعمال بمفهوم توسيع اطارها الى أقصى حدود الاجتهاد الدستوري لتصريف الأعمال في حالات الأزمات الاستثنائية.
ويبدو واضحاً أن كل التوقعات التي تردّدت عن استعجال موعد الاستشارات ذهبت أدراج الرياح أمس، مع انكفاء بعبدا عن أي مبادرة واستمرار التبريرات غير المقنعة للتأخير في الاستشارات بما يؤكّد أن إسم المرشح الأخير الذي تسرّب أول من أمس أي سمير الخطيب لم يرس على بر جدّي بعد، أقلّه حتى الساعات الأخيرة. ولذا بدا لافتاً ما كشفه رئيس مجلس النواب نبيه بري للنواب، من بعض جوانب مفاوضات التأليف والتكليف و”كيف يتم حرق أسماء المرشحين المحتملين” لرئاسة الحكومة، وقال لهم: “استروا ما سمعتوا منا”. ومما نقل عنه أن بهيج طباره اتُفق عليه ثم ضُرب. وسمير الخطيب عندما زاره في عين التينة، قال له: “أنا صحبة مع الحريري”، فأجابه الرئيس بري: “هذا الكلام لا ينفع، روح تفاهم معه”.
وشدّد بري على أن “أمل” و”حزب الله” قدّما فعلاً لبن العصفور للحريري ليرأس الحكومة”، قائلا: “تمت الموافقة للحريري على صيغة حكومة من 20 وزيراً بينها فقط ستة سياسيين ضمنهم الحريري ويكونون وزراء دولة في مقابل 14 وزيراً تكنوقراط يحملون الحقائب”.
وأبلغ رئيس المجلس النواب أنه لا يمكن حماية الحكومة وتأمين الغطاء السياسي لها ما لم تكن ممثلة في مجلس النواب، والله بينتفوها بالمجلس، فالأمثلة كثيرة ومنها “حكومة الشباب” التي شكّلها الرئيس الراحل صائب سلام وطار منها وزيران عالطريق قبل وصولها الى المجلس”.
واستغرب الرئيس بري “انكفاء حكومة تصريف الأعمال ورئيسها” معتبراً أنه يجب عليها أن تقوم بدورها في معالجة أوضاع البلد ويمكنها دستورياً ممارسة السلطة في الحدود الضيقة الا في حالة الطوارئ التي نعيشها، فعليها أن تعقد اجتماعات وتتخذ اجراءات سريعة في مواجهة الأزمة وتداعياتها، بدلاً من ترك البلد معلّقاً في مهب الريح.
وجاء الردّ على تفعيل حكومة تصريف الأعمال من مصدر وزاري قريب من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، فأكد أن الحل هو في قيام حكومة جديدة بأسرع وقت ممكن. أما تعويم حكومة تصريف الأعمال فلا ينفع مع وضع البلد الذي يحتاج الى أربعة أو خمسة مليارات دولار مساعدات مالية من الخارج للنهوض. ومثل هذه المساعدات لا يمكن حكومة تصريف الأعمال أن تأتي بها.
وسئل مصدر مقرّب من الرئيس الحريري استغراب الرئيس بري عدم قيام الحكومة المستقيلة بواجباتها، فأجاب: “حكومة تصريف الأعمال تقوم بواجباتها بمتابعة الملفات الاقتصادية والأمنية وإحصاء الأضرار التي نجمت عن حوادث بيروت وطرابلس وسواهما وفقاً لما ينص عليه الدستور وبعيداً من الضجيج الإعلامي ومحاولات استفزاز التحركات الشعبية وكأن شيئا لم يكن في البلاد منذ 17 تشرين. وما هو أهم من كل ذلك عدم تعليق الوضع الحكومي بالهواء الى ما لانهاية وبدء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس وتشكيل حكومة جديدة تتصدّى للمشكلات التي تتفاقم يوماً بعد يوم والوضع يتحسن، كما قال الرئيس بري، بمجرد وجود حكومة “.
السفير البابوي
واسترعى الانتباه في التحركات الديبلوماسية، زيارة السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتري لرئيس الجمهورية، بعد استغراب أبداه أطراف مختلفون لاحتجاب السفير البابوي عن التطورات مع أن الفاتيكان معني بخصوصية لبنان ووقف دائماً إلى جانبه. وعُلم أن المونسنيور سبيتري نقل إلى الرئيس ميشال عون قلق البابا الشديد على الوضع اللبناني من كل النواحي، وتخوفه من انزلاق لبنان في مشاكل أمنية ذات تأثير على نموذجه التاريخي. وأكد السفير أنه طوال هذه المرحلة كان على تواصل وتنسيق مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وسائر رؤساء الكنائس وأن الفاتيكان ينظر بمحبة وعطف إلى ديناميكية الشعب اللبناني وتعبيره السلمي عن أوجاعه الحقيقية.
وذكّر السفير أمام رئيس الجمهورية بالنداء الذي وجهه البابا فرنسيس تأييدًا للشعب اللبناني الباحث عن التغيير في إطار الدستور. وعُلم أيضًا أنه شدّد في على القضايا التالية: ضرورة ضمان أمن المتظاهرين وتولي المؤسسات العسكرية حمايتهم، ضرورة الإسراع في تأليف حكومة إصلاحية توحي بالثقة للبنانيين والمجتمع الدولي، إطلاق حوار وطني لتحصين عمل الحكومة الجديدة، وأخيرًا أطلع السفير رئيس الجمهوريّة على الاتصالات الديبلوماسية التي قامت بها دوائر الفاتيكان وبعثاتها من أجل لبنان، ولا سيما مع فرنسا وأميركا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
شينكر
في غضون ذلك، برز موقف أميركي جديد من الوضع في لبنان عكسه مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد شنكر الذي رأى أن أهم شيء في التظاهرات التي لا تزال مستمرة في العراق ولبنان وإيران أنها نابعة من عوامل داخلية “وتعكس رغبات المواطنين القوية في ممارسة حقهم بالتجمع السلمي وحقهم بحرية التعبير”. وأضاف في لقاء مع الصحافيين أنه خلال زيارته الأخيرة لباريس، ناقش مع نظيريه الفرنسي والبريطاني الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان “واتفقنا على الضرورة الملحّة لقيام القيادات السياسية بسرعة بتشكيل حكومة فعالة يدعمها الشعب اللبناني وأن تلتزم إجراء الإصلاحات التي تنهي الفساد المزمن” في البلاد.
وعن أسباب استمرار تعليق مساعدات عسكرية للبنان بقيمة 105 ملايين دولار، قال شنكر أن المسألة لا تزال قيد “المراجعة البيروقراطية” بين الأجهزة الاميركية المعنية، وأكد أن هذه المراجعة لم تؤد الى تأخير وصول أي معدات أو أسلحة أو ذخائر الى الجيش اللبناني. وامتنع عن مناقشة أسباب تعليق المساعدات، لكنه أعرب عن أمله في حل هذه المسالة “في القريب العاجل”.
وسُئل عن قيام عناصر من “حزب الله” و”أمل” بمحاولة قمع التظاهرات السلمية في بيروت والبقاع والجنوب فأجاب: “موقفنا هو أنه يجب ألا يقدم أي طرف على استخدام العنف ضد أي منأطراف آخرين، ونحن نؤيّد المطالب الشرعية للشعب اللبناني بتشكيل حكومة تجري الإصلاحات الاقتصادية وتكافح الفساد.” وأضاف: “سوف نراقب ما اذا كان الشعب اللبناني سيقبل بحكومة مماثلة للحكومة التي تظاهر ضدّها. أعتقد أن الشعب اللبناني قد أوضح أن صبره قد نفد، وأنه يريد حكومة مختلفة. ولكن هذه مسألة متروكة لهم كلياً. وسوف نراقب ما سيحصل، لكن الحكومة الاميركية لن تتخذ أي موقف في شأن الشخصيات والأفراد، لأن هذه المسألة متروكة للشعب اللبناني”.
إضراب ولا إضراب
وسط هذه الأجواء،قرّرت الهيئات الاقتصادية تعليق الإضراب العام الذي كان مقرراً اليوم وغدًا وبعد غد، على أن تعقد اجتماعاً مطلع الأسبوع المقبل لاتخاذ الخطوات المناسبة بعد المراجعات الكثيرة التي تلقتها في شأن حاجة المؤسسات الخاصة الى كل يوم عمل لتغطية مصاريفها التشغيلية بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها والتي تهدد وجودها، وتجنباً لحصول نتائج معاكسة للأهداف المرسومة للاضراب، وحفاظاً على استمرار المؤسسات الخاصة وموظفيها. كما أن المصارف ستعمل طبيعياً.
في المقابل، تجدّدت أزمة المحروقات مع أعلان نقابة اصحاب محطات المحروقات انها ستنفذ الإضراب المفتوح ابتداء من صباح اليوم على كامل الأراضي اللبنانية نظراً الى حجم الخسائر المتمادية التي لحقت بالقطاع نتيجة وجود دولارين في السوق اللبنانية وعدم التزام طرفي الإتفاق مصرف لبنان والشركات المستوردة للمشتقات النفطية ما قال به الإتفاق فكان أصحاب محطات المحروقات من أولى الضحايا. وبدأت الأزمة مساء أمام المحطات في معظم المناطق