كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: “الجمهورية الثانية ماتت”… حقيقة فجّة وواقعية قالها على طريقته وليد جنبلاط في معرض انتقاده “انفصام دوائر القرار العليا التي لا تستطيع أن تتنازل وتتنحى عن السلطة مقابل بديل عصري وصولاً إلى الجمهورية الثالثة”. نعم هذه هي مرآة الحقيقة التي يهرب أهل الحكم من الوقوف أمامها ويتنكرون لمواجهتها، فكيف لجمهورية لا تزال على قيد الحياة ألا يكون بمقدورها الاحتفال بذكرى استقلالها في الشارع والاحتماء خلف أسوار ثكنة عسكرية خشية الالتحام المباشر مع الناس؟ هكذا جمهورية “ماتت وشبعت موتاً” ولا قيامة لها مهما أنعشوا أنفاسها الأخيرة وحاولوا إعادة إحياء تركيبتها التحاصصية على أنقاض طموح الشعب بإقامة جمهورية مدنية منزّهة من الفاسدين ومصاصي المال العام. لكن ولأنها أدمنت الإمعان في تجاهل الواقع، تواصل السلطة اللف والدوران على ضفاف الأزمة من دون امتلاك جرأة الغوص في أعماق الحلول المطلوبة منها، وقد آثرت تحويل “ساحة النجمة” إلى ما يشبه الثكنة المسيّجة بالأسلاك الشائكة والعوائق الحديدية لتأمين انعقاد الهيئة العامة وقطع الطريق أمام أي محاولة لتصدي الناس لانعقادها.
لكن وبخلاف ما تشتهي “الثنائية الشيعية” و”التيار الوطني الحر”، أجهض وهج السلاح المطلبي الشعبي مناورة التشريع في زمن الاستقالة الحكومية فطار النصاب الضامن لانعقاد الجلسة التشريعية تحت وطأة إعلان الكتل النيابية المعارضة لها وعدد من النواب المستقلين مقاطعة الجلسة مقابل التشديد على وجوب تصدّر الملف الحكومي، تكليفاً وتأليفاً، سلّم أولويات المرحلة الراهنة.
وكشفت أوساط واسعة الإطلاع لـ”نداء الوطن” أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد أعرب حتى ساعات المساء الأولى أمس عن إصراره كل الإصرار على عقد الجلسة التشريعية اليوم وطلب من قائد الجيش العماد جوزيف عون اتخاذ التدابير اللازمة بالتنسيق مع قوى الأمن الداخلي، فتقرر اتخاذ إجراءات غير مسبوقة في محيط المجلس، بالتوازي مع تدابير وجهوزية عالية في بيروت والمناطق لتأمين وصول النواب إلى المجلس. لكن وإزاء تصاعد وتيرة المواقف النيابية المعارضة للتشريع في ظل الوضع القائم، عادت البوصلة لتتجه نحو اقتصار انعقاد المجلس على جلسته الإدارية الأولى المخصصة لانتخاب رؤساء اللجان وأعضائها إضافة إلى أعضاء هيئة مكتب المجلس ربطاً بكون القانون يفرض انتخابهم في أول ثلثاء بعد 15 تشرين الأول، على أن يطير النصاب بعدها في حال أصر بري على افتتاح الجلسة التشريعية.
وفي هذا الإطار، لا يزال المشهد على مراوحته بين جبهة المتمسكين بالتمثيل السياسي في الحكومة العتيدة وفي طليعتهم رئيس الجمهورية ميشال عون و”حزب الله”، وبين جبهة المصممين على ضرورة النأي بالتشكيلة المرتقبة عن أي شكل من أشكال المحاصصة السياسية تماشياً مع مطالب الناس وفي طليعتهم رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “التقدمي الاشتراكي”. فعلى الجبهة الأولى، أكدت مصادر بعبدا لـ”نداء الوطن” أن لا موعد بعد للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة، مشيرةً إلى أنّ “الأمور عادت إلى نقطة الصفر وتحتاج إلى المزيد من التشاور” وأردفت: “حتى أنّ الصورة لم تتضح بعد ما إذا كانت الحكومة ستكون برئاسة الحريري أم لا”. في حين أنّ مصدراً مطلعاً في قوى 8 آذار أكد لـ”نداء الوطن” أنه “وإذا كان صحيحاً أنّ هناك رغبة بوجود الحريري على رأس الحكومة الجديدة ولكنّ أداءه الأخير أثار حفيظة الأطراف التي قد تضطر مع مرور الوقت إلى أن تغيّر في تكتيكها”.
أما على الجبهة المقابلة، ففي المعلومات المتوافرة لـ”نداء الوطن” أنّ الحريري عازم على المضي قدماً ولن يتراجع عن مطالبته باحترام الآليات الدستورية الآيلة إلى تحديد موعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة والذي بدوره يقع على عاتقه تحديد شكل وطبيعة حكومته، وذلك بالتوازي مع بقاء الحريري على موقفه الداعي إلى تشكيل حكومة اختصاصيين تحاكي تطلعات اللبنانيين المنتفضين في حال وقع خيار التكليف عليه بنتيجة الاستشارات الملزمة.
وليلاً، عقد رئيس “القوات اللبنانية” مؤتمراً صحافياً في معراب أعلن خلاله عدم مشاركة تكتل “الجمهورية القوية” في الجلسة التشريعية اليوم، وأبدى استغرابه لتأخير الاستشارات النيابية الملزمة مشيراً إلى أنّ “التأخير الحاصل اليوم هو بسبب تمسك البعض بمناصبه ومكتسباته”، ومشدداً على أنّ البلد “بحاجة لكل دقيقة لوقف النزف والحل الوحيد هو تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين”.