كتبت صحيفة “النهار” تقول: مع أن الأنظار لا تزال ترصد أي تحرك أو تطور يتصل بأزمة الاستحقاق الحكومي العالق منذ استقالة الرئيس سعد الحريري عند مسألة تكليف رئيس الحكومة الجديدة، فإن استحقاقاً آخر حرف الأنظار نسبياً عن الاستحقاق الأول وتمثّل في حبس الأنفاس الذي بدأ منذ مساء أمس حيال انعقاد جلسة مجلس النواب اليوم ضمن ظروف ضاغطة ومشدودة. ذلك أن هذه الجلسة المرجأة من الأسبوع الماضي بدت كأنها مشروع مبارزة بين النواب ومعظم الكتل النيابية ورئاسة مجلس النواب من جهة وانتفاضة 17 تشرين الأول من جهة أخرى، علماً أن فئة من النواب المقاطعين للجلسة انضمت الى المنتفضين في رفضهم لانعقاد الجلسة.
واتضح من المعطيات السياسية والنيابية والأمنية مساء أمس أن ثمة سباقاً جدياً وحقيقياً بين القرار السياسي الثابت الذي تمسّك عبره رئيس المجلس نبيه بري تدعمه كتل عدّة بالاصرار على عقد الجلسة منعاً لتكريس مسار تعطيلي للمجلس اذا تواصلت وتيرة التأجيل وسط تصاعد الأزمة الحكومية الراهنة ونجاح الانتفاضة الشعبية في منع انعقاد الجلسات النيابية العامة. واقترن هذا القرار بإجراءات أمنية مشدّدة وكثيفة لعزل محيط مبنى مجلس النواب في ساحة النجمة وكل المداخل والشوارع المؤدية اليه منعاً لدخول المتظاهرين الدائرة الامنية التي بدأت اقامتها ليلاً وخصّصت لها وحدات كثيفة من قوى الأمن الداخلي بالتنسيق مع الجيش لحماية محيط المجلس وتأمين انعقاد الجلسة.
وفي المقابل، رسمت الانتفاضة خطّة تحرك واسعة لقطع الطرق المؤدية الى مجلس النواب واستعدت لتصعيد تحركاتها الاحتجاجية في ساعة مبكرة من صباح اليوم من أجل تعطيل الجلسة اعتراضاً على مشروع قانون العفو العام المدرج على جدول أعمالها كما رفضاً لإدراج مشاريع لا تندرج تحت خانة مكافحة الفساد. ومعلوم أن المجلس مدعوا الى عقد جلستين متعاقبتين، الأولى مخصّصة لإعادة انتخاب اللجان النيابية، تليها الجلسة التشريعية. ونفت الأوساط القريبة من رئيس المجلس ما تردّد عن أن الجلسة ستكون سرية وستمنع خلالها التغطية الاعلامية والصحافية وأكدت ان الجلسة قائمة في موعدها وستكون عادية وستكون التغطية الاعلامية مؤمنة كالعادة ولكن معلوم أن الجلسات التشريعية لا تنقل مباشرة عبر المحطات التلفزيونية.
وعلم أن الرئيس بري تلقّى كتاباً من مجموعات ناشطة في الانتفاضة تضمّن جملة اقتراحات وأفكار في موضوع انشاء محكمة الفساد. وقال بري إن الملاحظات التي وصلته تحتوي على مجموعة من النقاط الايجابية.
ولكن يبدو أن الجلسة التشريعية تواجه عقبات جدية لمرورها ومناقشة جدول أعمالها سواء أمكن عقد الجلسة وتجاوز الصعوبات الأمنية أم لا. ذلك أن عدد النواب المقاطعين أو المتحفظين عن بنود في جدول الأعمال ولا سيما منها مشروع قانون العفو مرشح للازدياد الأمر الذي يبقي مصير الجلسة في مهبّ المفاجآت حتى اللحظة الأخيرة. وعلمت “النهار” في هذا السياق أن كتلة “المستقبل” قرّرت المشاركة في جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس ورؤساء اللجان وأعضائها على أن تنسحب قبل بدء الجلسة التشريعية. وكان الرئيس الحريري رأس بعد ظهر أمس في “بيت الوسط” اجتماعاً للمكتبين السياسي والتنفيذي لـ”تيار المستقبل”، تمحور النقاش خلاله على مجمل الأوضاع السياسية العامة ولا سيما منها الظروف المتعلقة بعملية تشكيل الحكومة الجديدة.
ومع أن كتلة “اللقاء الديموقراطي” لم تعلن موقفاً، فإن معلومات رجّحت ليلاً عدم مشاركتها في الجلسة كما برزت معطيات تثير شكوكاً في هذه الجلسة في ظل إعلان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل مقاطعة الكتلة للجلسة الى جانب مقاطعة نواب مستقلين. وعزا الجميل المقاطعة الى أسباب عدّة منها أن “جدول أعمال الجلسة لا يشمل أي قانون مما يطالب به اللبنانيون على سبيل المثال: قانون استقلالية القضاء، استعادة الأموال المنهوبة الذي تقدّمنا به، رفع السرية المصرفية الذي تقدّمنا به نحن أيضًا، كذلك قانون تقصير ولاية مجلس النواب الذي تقدّمنا به، قانون إلغاء معاشات النواب السابقين الذي تقدمنا يه وقانون التصويت الالكتروني الذي تقدّمنا به لتأمين الشفافية لكي تعرف الناس ماذا يحصل في الجلسات ومن صوّت على القانون”.
وأفاد الرئيس نجيب ميقاتي أن كتلته ستشارك في جلسة انتخاب اللجان وستقاطع الجلسة التشريعية.
كذلك أعلن رئيس “تكتل الجمهورية القوية” سمير جعجع ليلاً بعد اجتماع للتكتل عدم المشاركة في الجلسة التشريعية لمجلس النواب اليوم.
وأسف لغياب أي دعوة الى استشارات نيابية ولغياب أي عمل على تشكيل حكومة على رغم كل الصعوبات، معتبراً “أن وضعنا في حاجة إلى حكومة إنقاذ وأخصائيين مستقلّين لأن الأكثرية الحاكمة أوصلتنا إلى هنا”.
وقال: “لأسف البعض يتمسّك بمصالحهم ونحن في حاجة إلى كل دقيقة لوقف النزف الحاصل والمعنيون بالأمر لا يعملون شيئا إلا للإحتفاظ بالكراسي”.
ورأى جعجع أن “الحل الوحيد هو تكليف رئيس حكومة وإقامة استشارات وتأليف حكومة اخصائيين مستقلين لأن الرأي العام لن يقبل إلا بهذا الحل”، مشيراً الى أن البعض يريد التحايل بحكومة تقنيين تختارهم الكتل السياسية وهذا الخيار سيىء”.
ودعا المؤسسات الدستورية الى وضع كل جهودها اليوم قبل الغد لانقاذ الوضع اليوم قبل غد”.
بين بعبدا والحريري
وسط هذه الاجواء، بدت المعطيات المتصلة بالاستحقاق الحكومي الى مزيد من التعقيد بدليل ان كل “المحركات” السياسية اخمدت دفعة واحدة عقب انفجار السجالات الاعلامية والخلافات غداة سقوط ترشيح الوزير السابق محمد الصفدي. وبينما بدأ الكلام يتصاعد جدياً عن احتمال سقوط التسوية السياسية -الرئاسية التي استولدت العهد العوني استناداً الى انفجار الخلاف بين “التيار الوطني الحر” والرئيس الحريري، لم تظهر اي مؤشرات تراجع لدى الحريري للقبول بتركيبة حكومية مختلطة تكنوسياسية شرطاً لقبوله باعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة. وفي المقابل، أفادت معلومات ان موعد الاستشارات لا يزال ينتظر اتصالات كثيفة تجري بعيداً من الاعلام للاتفاق مع الحريري على تكليفه تأليف حكومة تكنوسياسية يصر عليها رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي او لتسمية شخص آخر. وتحدث زوار بعبدا امس بوضوح عن ان البحث يجري عن شخص آخر غير الحريري، خصوصاً مع اصرار الاخير على حكومة تكنوقراط كاملة ودعوته الى التفتيش عن شخص آخر غيره.
عودة المصارف
الى ذلك، يعود القطاع المصرفي اليوم الى الانتظام، مع فك الموظفين إضرابهم بعد الضمانات الامنية لتأمين سلامة كل المستخدمين في القطاع المصرفي والمودعين، والإجراءات التي ستنفذها إدارات المصارف لأول يوم عمل.
وفيما أفضت الخطة الأمنية التي وضعتها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى وضع عنصرين أمام كل مصرف وتعزيز وحدة شرطة بيروت بـ100 عنصر إضافي، وسرية قوى أمن سيّارة أمام مصرف لبنان، وأخرى أمام شارع المصارف، وتشكيل دورية لحماية المجموعة في الشارع الواحد، وغيرها من الاجراءات، اتخذت جمعية مصارف لبنان “إجراءات احترازية موقتة وضرورية “أثارت ردود فعل ساخطة، لكنها بررت بالحفاظ على ملاءة القطاع المصرفي.