كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: قذفت التطورات السياسية والامنية التي برزت ليلاً إستشارات التكليف الحكومي بعيداً، وأعادت الوضع مجدداً الى مزيد من التعقيد، وذلك على رغم ايحاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال مقابلته التلفزيونية انه سيدعو الى تلك الإستشارات غداً او بعد غد الجمعة، وقد تتأخر اياماً في حال لم يتلق “بعض الاجوبة من المعنيين”. وتبين انّ رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري لم يحسم موقفه بعد قبولاً بتكليفه او تسمية مرشح آخر غيره لرئاسة الحكومة، حيث انّ نقطة الخلاف المركزية هي طبيعة الحكومة الجديدة، فهو وحلفاؤه يريدونها حكومة تكنوقراط خالية من السياسيين فيما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري و”التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحركة “أمل” مع حلفائهم يريدونها حكومة “تكنوسياسية”، لأنهم يعتبرون أنّ حكومة التكنوقراط تخالف “اتفاق الطائف”. في وقت بّدا انّ هذا الموقف الدولي منقسم ايضاً، فالولايات المتحدة الاميركية تؤيد التكنوقراط فيما روسيا تعارضها وتعتبرها غير واقعية.
قالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات “انّ عون لم يقدم في مقابلته التلفزيونية جديداً وكان من الأفضل لو لم يدل بها في هذه الظروف، لأنها جاءت تصعيدية، ولم تشكل مفتاح حلول، إذ جاء تلقفها السلبي وكأنه معدّ سلفاً، بدليل أنّ الحراك كان جاهزاً برده السلبي عليها بالتظاهرات وقطع الطرق ليلاً”.
ولاحظت هذه المصادر أن استشارات التكليف “إبتعدت أكثر مما اقتربت، وأنّ الأمور عادت الى مربع التعقيد، وباتت بحاجة الى قدرات خارقة لحلها، قد لا تملكها السلطة وقد لا يملكها الحراك، فعون رمى الكرة في ملعب الحريري، وحمى الوزير باسيل بتأكيده أن لا أحد يستطيع أن يمنعه ديموقراطياً من أن يكون موجوداً في الحكومة الجديدة، وأمّن للحراك، في الوقت نفسه وقوداً للتحرك الإضافي”.
واشارت المصادر الى أنّ “البلد ربما يكون قد دخل في وضع اشتباكي، حيث اشتعل فتيل الإشتباك الذي قد يفتح الوضع على ألوان متعددة من الصدام، بدليل أنه بعد المقابلة مباشرة برزت حركة الإعتراض في مناطق تيار “المستقبل” ما فسّر أنه اعتراض الحريري على مضمون ما قاله عون، والذي تبيّن ليلاً أنّ صداه كان سلبياً في “بيت الوسط”، خصوصاً أنّ القريبين من الحريري قالوا أنّه ليس متردداً أبداً في موضوع تولّي رئاسة الحكومة من عدمها، وأنه يدرس الخيارات المفتوحة على كلّ الإحتمالات”.
واعتبرت المصادر نفسها “أنّ الصورة بدت غير مطمئنة، وان الوضع بات يتطلّب اتصالات في منتهى الدقة والإلحاح لبلورة مخرج، وبالتالي الكرة في ملعب كل القوى السياسية، خصوصاً أنّ هناك خوفاً من تدخل “الأشباح” لتتلاعب بالحراك”.
لذلك تعتقد المصادر أنّ “لبنان دخل في مرحلة ما فوق الخطر، لأنّ المواقف التي أعلنها رئيس الجمهورية ربما تكون قطعت خط التواصل بين الحريري والتيار الوطني الحرّ، إذ انّ عون كشف كل الموقف وخلاصته: لا لحكومة تكنوقراط ولا فيتو على توزير أحد، ونأى بنفسه عن مسؤولية الأزمة التي تتحمّلها الطبقة السياسية بكاملها، لكنّ الخشية هي أن يأتي رد الفعل من الحريري على شاكلة إرجاء الكرة الى ملعب رئيس الجمهورية وإعلان عزوفه عن الترشح لرئاسة الحكومة.
وكان عون قال خلال المقابلة انّ “الحراك بدأ تحت عنوان المطالب الاقتصادية بسبب الضرائب التي فرضت على المجتمع اللبناني، ثم تحولت المطالب سياسية، ولم أتلق أي جواب عندما دعوت الحراك الى الحوار”.
وعن موعد استشارات التكليف قال ان تحديد هذا الموعد “يرتكز على بعض الأجوبة التي ننتظرها من المعنيين، وإذا لم تصلنا الإجابات سننتظر أياما قليلة أخرى. وأضاف: “قابلت الحريري ورأيت أنّه متردّد في شأن العودة الى رئاسة الحكومة، ولم يعط أي إجابة حتى الآن”.
وردّاً على سؤال آخر عما إذا اتفق على أنّ الحريري سيكون رئيساً للحكومة، أجاب عون “قبل ما تمرق الاستشارات ما فيّي قول” وهذا أمر لا أستطيع تحديده، للحريري أسباب شخصية لرفضه العودة الى رئاسة مجلس الوزراء”.
وردّاً على سؤال عن اعادة توزير باسيل من عدمها في الحكومة الجديدة، قال عون: “باسيل هو من يقرر إذا كان يريد أن يكون موجوداً في الحكومة من عدمه، ولا أحد يستطيع أن يمنعه في النظام الديموقراطي من أن يكون وزيراً خصوصاً انه رئيس أكبر كتلة نيابية”.
وجزم عون بأنّ “حكومة التكنوقراط لا يمكنها تحديد سياسة البلد” وقال: “إذا لم تكن تكنوسياسية فلن يكون لها أي غطاء، وأفضّل أن لا يكون الوزراء من داخل البرلمان”. وردّ عون على مطالبة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بحكومة مستقلين، قائلاً: “من وين بدي فتّش علين من القمر؟”. وأضاف “أطمئن الجميع وأقول لهم لا تركضوا الى البنوك و”ما تكبّروا المشكلة”، فالأموال مضمونة وستصل الى الجميع وسنعالج الأزمة”. وقال انّ “حاكم مصرف لبنان يعبّر عن نفسه “هوّي عم بيقلّي هيك أنا عم صدّق هيك”، ولقد اجتمعتُ مع المصارف واتخذنا تدابير للأزمة، لكن نحن بحاجة الى مساعدة اللبنانيين”.
وتوجه اليهم قائلاً: “ما تهجموا على المصارف إذا مش عايزين”. وشدّد على أنّ “الدولار غير مفقود من لبنان، إنما تمّ سحبه من المصارف وحفظه في المنازل وهذا الأمر لا يساعد الاقتصاد اللبناني”.
ولم تحمل ساعات ما قبل المقابلة الرئاسية اي جديد عملي على مستوى السعي لإنجاز الاستحقاق الحكومي، وتبددت آمال علّقت على كلام عن فتح “ثغرة” في جدار الازمة المسدود خلال لقاء انعقد ليل امس الاول بين الحريري والوزير جبران باسيل.
وقالت مصادر “القوات اللبنانية” انها “تتمسك بموقفها الداعي الى تأليف حكومة اختصاصيين، وتعتبر ان هذا الطرح هو الوحيد الذي يشكل مخرجاً من الازمة الاقتصادية المالية ويجسّد الارتياح لدى الناس المنتفضين والسائرين في الشارع، وأي خيارات أُخرى ستبقي الازمة قائمة وتحول دون معالجة الحالة الاقتصادية”. واعتبرت “أن الأزمة التي وصلت اليها البلاد لا يمكن حلّها بأساليب تقليدية، إنما تتطلب معالجة مختلفة نوعية جوهرية. وبالتالي الحكومات التي هي من الطبيعة نفسها سياسية او تكنوسياسية ستضاعف الازمة القائمة وتسرّع في الانهيار. ولذلك نحن في حاجة الى حكومة مختلفة انطلاقاً من نمط تفكير مختلف، وبالتالي تعتقد “القوات” أنّ رفض هذا النوع من الحكومات، اي حكومة اختصاصيين مستقلين سيعقّد الازمة ويسرّع عقارب الانهيار”.
خلاف دولي
في غضون ذلك تبيّن انه يكمن خلف المشهد الخلافي الداخلي حول الاستحقاق الحكومي مشهد خلافي خارجي، حيث ان الولايات المتحدة الاميركية تضغط في الاتصالات التي تجريها عبر أقنيتها الخاصة والمباشرة مع حلفائها والقوى المؤيدة لسياستها في اتجاه فرض تأليف حكومة من التكنوقراط خالية من تمثيل القوى السياسية وعلى رأسها “حزب الله”، الامر الذي تبيّن انّ عواصم دولية أخرى تعارضه وتشتبك سياسياً مع واشنطن عليه، ومنها موسكو التي اعتبرت ان حكومة التكنوقراط في لبنان امر غير واقعي.
واعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تأييد موسكو لمحاولات الحريري تشكيل الحكومة، “لكن فكرة تشكيل حكومة تكنوقرط هي أمر غير واقعي”. وقال خلال “منتدى السلام” في باريس: “بالنسبة الى لبنان، ندعم محاولات الحريري تشكيل الحكومة، وحسبما أفهم، فإنّ الفكرة تتمحور في تشكيل حكومة تكنوقراط، أعتقد أن هذا أمر غير واقعي في لبنان”…
واللافت في هذا الصدد انه بعد ساعات على وصول الموفد الفرنسي كريستوف فارنو الى لبنان انطلقت تظاهرة الى مقر السفارة الفرنسية في بيروت تحت عنوان رفض التدخلات الخارجية في الازمة اللبنانية.
وعلمت “الجمهورية” انّ فارنو التقى فور وصوله رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجمّيل، ثم التقى مجموعة من ممثلي الإنتفاضة. وينتظر ان يلتقي اليوم الرؤساء عون ونبيه بري والحريري والوزير باسيل وقائد الجيش العماد جوزف عون. كذلك سيلتقي رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
مجموعة الدعم
وكان البارز أمس اجتماع عون مع المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان والسفراء الذين يمثلون أعضاء مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، حيث اطلعهم على الوضع السياسي والاقتصادي الحالي في لبنان واسبابه الجذرية. وحدّد الطريق المتوخى للمضي قدماً، خصوصا في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة قريباً، وطلب دعم المجتمع الدولي في التعامل مع الوضع الاقتصادي والإصلاحات بالإضافة الى عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم.
وفي بيان وزّعه مكتبه الاعلامي، دعا كوبيش “القيادة اللبنانية الى تكليف رئيس مجلس الوزراء بصورة عاجلة والبدء بعملية الاستشارات النيابية الملزمة، والاسراع الى أقصى حد في عملية تشكيل حكومة جديدة من شخصيات معروفة بكفايتها ونزاهتها وتحظى بثقة الناس. تلك الحكومة التي ستتشكل تماشياً مع تطلعات الشعب وبدعم من أوسع مجموعة من القوى السياسية من خلال التصويت على الثقة في مجلس النواب، ستكون ايضاً بوضع أفضل لطلب الدعم من شركاء لبنان الدوليين”. وأشار الى “ضرورة أن تعطي السلطات الأولوية لتدابير عاجلة للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي للبلد، وكذلك وضع الإصلاحات الضرورية والحكم الرشيد وإنهاء الفساد والمساءلة دون الإفلات من العقاب على المسار الصحيح والسريع بطريقة شفافة”. وقال: “إنّ الوضع المالي والاقتصادي حرج ولا يمكن للحكومة والسلطات الأخرى الانتظار لفترة أطول لبدء معالجته، بدءاً من الإجراءات التي ستمنح الناس الثقة وتضمن أن مدّخراتهم المشروعة لمدى الحياة آمنة وبحيث يمكنهم مواصلة حياتهم الطبيعية”. واكد ان الأمم المتحدة مستعدة لتقديم الدعم العاجل والخطوات والإجراءات الطويلة الأمد التي تساهم في مكافحة ومنع الفساد وتعزيز الحكم الرشيد والمحاسبة، وتساهم في النمو الشامل وخلق فرص عمل للتوصّل الى النمو المستدام والاستقرار في لبنان الذي يعطي الأولوية لحاجات الناس وهمومهم ولسكانه الشباب ولنسائه”.
المصارف مغلقة
ويستمر الوضع المالي موضع قلق مع استمرار إغلاق المصارف ابوابها، بسبب الاضراب المفتوح الذي اعلنه موظفو القطاع المصرفي، يوم الاثنين الفائت، بالتزامن مع المؤتمر الصحافي الذي عقده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وقد طالب الموظفون امس مجلس ادارة جمعية المصارف، بإجراءات تضمن مناخاً ملائماً للعمل ليتمكنوا من العودة عن الاضراب. وطالبوا “بضمان الامن في كل فروع المصارف حفاظاً على سلامة المودعين والمستخدمين”. وأبدى رئيس وأعضاء مجلس ادارة جمعية المصارف كل استعداد للتعاون وإجراء ما يلزم من اتصالات لتأمين أجواء آمنة وطبيعية للعاملين في القطاع المصرفي، واستمرار العمل على إيجاد آلية تُتبع في هذه الظروف الاستثنائية من شأنها إزالة التشنجات المتزايدة لدى المودعين بهدف تفادي أي صدامات في المصارف بين االمستخدمين والمودعين.
وأوحى هذا الوضع بأنّ فترة إغلاق المصارف قد تطول. وقد لمّح النائب ميشال ضاهر الى وجود تفاهم ضمني بين ادارات المصارف والموظفين لمواصلة الاغلاق. واعتبر انّ “إقفال المصارف هو ضرب للاقتصاد وللنظام المصرفي. واذا كان من داعٍ لـ”الكابيتل كونترول” (القيود على الرساميل)، فليتمّ الإعلان عنه من دون مواربة”، حفاظاً على ما تبقى من ثقة. وفي هذا الكلام تلميح واضح الى وجود قرار غير معلن لدى المصارف بالاستمرار في الاقفال.
تداعيات اقتصادية
الى ذلك، بدأت الأزمة المالية ترخي بثقلها على كل القطاعات الاقتصادية في البلد. وبعد صرخات القطاعات التجارية والسياحية، أطلق الصناعيون امس ما يشبه صرخة الاستغاثة بسبب تعذر فتح اعتمادات لاستيراد المواد الاولية الضرورية لاستمرار التصنيع.
وحذّرت جمعية الصناعيين اللبنانيين من “أننا نقترب من دائرة الخطر، وانّ التأخّر في المعالجة سيؤدي الى الانهيار الشامل”. وإذ رحّبت بالاجراءات التي حدّدها حاكم مصرف لبنان أمس الأول، طالبت الجمعية المصارف “بوضعها موضع التنفيذ منعاً لإقفال المصانع بما يرتّب أزمة اجتماعية حادة”.
الى ذلك، علمت “الجمهورية” انّ وفداً من جمعية تجار بيروت أعد ورقة مطالب حملها الى حاكم مصرف لبنان، وحذرت من أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي الى توقف الاعمال نهائياً في عدد كبير من المؤسسات، والى بدء صرف الموظفين والعمال تدريجاً، بما يُنذر بكارثة اقتصادية واجتماعية في آن.
تظاهرات وإقفال طرق
وإثر انتهاء مقابلة عون التلفزيونية، توافد عدد كبير من المتظاهرين إلى الساحات التي كانت رئيسية في بيروت والمناطق خلال بداية الحراك وأقفلوا كثيراً من الطرق والأوتوسترادات، من بينها جسر الرينغ في وسط بيروت، حيث افترشه المتظاهرون. كذلك أغلقوا أوتوستراد نهر الكلب وزوق مصبح، وعند المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس، وبرجا على الطريق الساحلية الى الجنوب، وقبّ الياس ـ شتورة بقاعاً ومناطق أُخرى.
قتيل في خلدة
وخلال التجمعات في خلدة سقط قتيل متأثراً بجروحه تبين لاحقاً انه احد المسؤولين في الحزب التقدمي الاشتراكي في المنطقة.
وأعلنت صحيفة “الأنباء” الالكترونية التابعة للحزب “استشهاد الشاب علاء أبو فخر، أمين سر وكالة داخلية الشويفات في الحزب” خلال التحرك أمس عند مثلث خلدة، ونقل فوراً إلى مستشفى كمال جنبلاط.
على الأثر، صدر عن قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه بيان أوضحت فيه أنّه “أثناء مرور آلية عسكرية تابعة للجيش في محلة خلدة، صادفت مجموعة من المتظاهرين تقوم بقطع الطريق فحصل تلاسن وتدافع مع العسكريين ما اضطرّ أحد العناصر إلى إطلاق النار لتفريقهم ما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص. وقد باشرت قيادة الجيش تحقيقاً بالموضوع بإشارة القضاء المختص”.
ومن جهته، قال رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط من مستشفى كمال جنبلاط: “رغم خسارتنا الكبيرة اليوم الملجأ الوحيد هو الدولة. إتصلتُ بقائد الجيش ورئيس الاركان وسيتم التحقيق في الحادث”. وأضاف: “إتخذت القرار بالانضمام رسمياً الى الحراك الشعبي”.