كتبت صحيفة “النهار” تقول: وسط معطيات رجّحت أن تكون الأيام المقبلة الفاصلة عن نهاية الأسبوع الجاري مهلة مفصلية لبت الاتجاهات التي ستتخذها الاتصالات والمشاورات الناشطة في كواليس الأزمة السياسية المتعاظمة وفي ظل المخاوف الكبيرة من الانهيار، بدا في الساعات الاخيرة أن المواجهة بلغت ذروتها بين تعبئة متواصلة ومتسعة للانتفاضة الشعبية التي تكتسب زخماً تصاعدياً كبيراً بعد مرور اليوم الـ26 على انطلاقتها واستنفار سياسي غير مسبوق ترجم أمس في حركة لقاءات ومواقف كثيفة شملت معظم القوى السياسية.
واذا كانت الانتفاضة في اتجاهها الى اضراب واقفال وقطع طرق اليوم قد تسببت بارجاء انعقاد جلسة مجلس النواب الى الأسبوع المقبل وتعليق مصير الجلسة في انتظار ما ستسفر عنه تطورات الاستحقاق الحكومي العالق، فإن الانظار التي اتجهت أمس الى مواقف الأفرقاء السياسيين وقادتهم ولا سيما منهم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي تريّث في إعطاء أي إشارة واضحة حيال مآل المفاوضات الجارية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وممثلي “أمل” و”حزب الله”، فإن الأنظار ستتجه الى مقابلة تلفزيونية مفاجئة تقرّر أن يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الثامنة والنصف مساء اليوم وينتظر أن يتحدث خلالها عن موقفه من الانتفاضة الشعبية والتطورات الداخلية والاستحقاق الحكومي، من غير أن يتأكد ما إذا كان سيحدّد الموعد المحتمل أو المؤكد للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة. ذلك أن المشاورات الجارية لم تتوصل بعد الى أي خرق للأزمة إذ يتمسّك الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” بحكومة تكنو – سياسية مختلطة، فيما يتمسك الحريري بحكومة اختصاصيين من دون وجوه سياسية.
والحال أن التوتر السياسي بدا الى تصعيد كبير في ظل اضطرار رئيس مجلس النواب نبيه بري الى ارجاء الجلسة التشريعية التي كانت مقررة اليوم “بسبب الوضع الامني المضطرب” كما قال. وعبّر عن استيائه الواضح بقوله “إن الحملة ضد الجلسة التشريعية تهدف الى إبقاء الفراغ السياسي القائم حالياً أولاً، وثانياً فهي ليست من مصلحة مخطّطي الفراغ هؤلاء، إذا ما أقرت قوانين ضد الفساد وإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية تشمل صلاحياتها الرؤساء والوزراء والنواب ومجالس الإدارة والبلديات، سواء كانوا في الخدمة الفعلية أم من السابقين وغيرهم، و(ضمان) الشيخوخة وغيرها، لكي تبقى المتاجرة بهم قائمة وذريعة لمن يريدون خطف المطالب المحقة”.
وفيما يصرّ بري على بقاء الحريري على رأس الحكومة نقل عنه ما مفاده أنه “إذا بقي سعد على موقفه ورفض تسلم الحكومة، فسأكون على عداء معه الى الأبد. المصلحة تقتضي تعاوننا جميعنا للخروج من هذه الأزمة”.
نصرالله
أما نصرالله فلم يتطرق في كلمته أمس الى الشأن الحكومي “لأن اللقاءات متواصلة والاستشارات قائمة ثلاثياً وثنائياً، والأبواب مفتوحة لنصل الى أفضل نتيجة ممكنة لبلدنا”. ومع ذلك بدا لافتاً أنه تحدث طويلاً عن الملف الاقتصادي من باب اتهامه الولايات المتحدة بالتسبّب بالأزمة الاقتصادية في لبنان لينبري من خلال ذلك الى تسويغ إلحاق لبنان بمحور ممانعة اقتصادي يبدأ بايران والعراق وسوريا ويتمدّد الى الصين في ما فسّره البعض بأنه دفتر شروط ضمني ومسبق للحكومة العتيدة. وقال إن “الشركات الصينية تريد أن تستثمر مليارات الدولارات في لبنان وتقوم بمشاريع مهمّة وبأسعار مناسبة، لكن الولايات المتحدة ستمنع هذه الشركات من العمل في لبنان. وأحد أسباب الغضب الأميركي على رئيس الحكومة العراقية هو ذهابه الى الصين وعقد اتفاقات بما قيمته 400 مليار دولار”. وأكد أن “الشركات الايرانية الرسمية والخاصة قادرة على أن تستثمر في لبنان وتؤمن فرص عمل، لكن الأميركي يمنع ذلك”.
ورأى أن “الحل هو أن تتواصل الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية لإيصال المنتجات اللبنانية الى العراق عبر معبر البوكمال ولو أنّ الحكومة كانت حكومة حزب الله لكانت اتّخذت قراراً بزيارة سوريا”.
وفي المقابل، لقي طرح حكومة الاختصاصيين المستقلين دعماً قوياً من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي أعلن بعد ترؤسه اجتماع كتلة “الجمهورية القوية” مساء أن “المقصود بحكومة جديدة هو أن تتألف من أخصائيين وإنما مستقلين أيضاً ولب القضيّة هو أن يكونوا مستقلين باعتبار أن البعض يحاول اللعب على مطلب حكومة من أخصائيين من أجل الإتيان بأزلامهم من أصحاب الإختصاص والذين قرارهم السياسي مربوط بهم، إلا أن ليس هذا هو المطلوب في الوقت الراهن وإنما أخصائيين مستقلين وخصوصاً عن القوى السياسيّة الموجودة في السلطة”. وأضاف: “من غير المقبول في الظروف التي نمرّ بها أن نصل إلى اليوم الـ14 ما بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ولم يتم تعيين موعد للإستشارات النيابيّة الملزمة، ففي عز دين أيام الخير في لبنان كان يتم ذلك في اليوم التالي أو اليوم الذي بعده وفي أسوأ الحالات إن طال هذا الأمر فذلك لم يتعد يوماً الأسبوع الواحد وفقط في ظل أزمة سياسيّة، فهل من المقبول أن يطول تعيين الإستشارات إلى هذا الحد في خضم كل ما تمرّ به البلاد وإلى جانب ذلك كلّه فهل من المقبول أيضاً ألا نطبّق حداً أدنى من الإجراءات الدستوريّة بشكلها الطبيعي؟”.
سلامة والتطمينات
غير ان الحدث الابرز أمس تمثل في الاطلالة الاعلامية المسهبة والاولى لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتي على رغم انها حصلت على وقع تظاهرة صاخبة احتجاجا على السياسات المالية أمام مبنى المصرف، اتخذت دلالات مهمة وبارزة خصوصاً لجهة رسائل التطمينات التي اطلقها سلامة تجاه المودعين والتي قرنها بالتحدث تفصيلا عن الخطوات المتخذة تجنباً لأي مسّ بالودائع كما من خلال شرحه للملاءة المالية للمصرف المركزي بما يبدد المخاوف المتعاظمة من الانهيار المالي. ويمكن اختصار أبرز ما اعلنه سلامة في مؤتمره الصحافي بان مدخرات اللبنانيين في أمان. وأبرز ما تضمنه كلامه عن ماهية دور مصرف لبنان في حماية النقد الوطني وادارة العمليات المصرفية وفق قانون النقد والتسليف، وليس اتخاذ قرارات بصرف المال العام واعتماد ذلك في الموازنات السنوية الذي هو من مسؤولية الحكومة ومجلس النواب حصراً. وطمأن اللبنانيين عموما والمودعين خصوصا الى سلامة ودائعهم، وحضهم على عدم التهافت على سحبها إذ لا خطر يتهددها، والأهم ان لا نية لإجراء الـ Hair cut (اي اقتطاع جزء من الودائع ورفض مصرف لبنان وضع قيود على الودائع والتحويلات بما يعرف بالـ Capital control. وفي خطوة توحي بأن المركزي سيضخ مزيداً من السيولة للمصارف، حض الحاكم اداراتها على العودة عن قرارها وقف التسهيلات التي كانت تمنحها لعملائها، وطالبها بإعادة تفعيل بطاقات الائتمان والاعتماد وابقاء السقف نفسه، وقبض سندات الدين الصادرة بالدولار بالليرة اللبنانية وتسهيل حصول المودعين والتجار والمؤسسات على حاجاتهم من السيولة الضرورية.
و لمح سلامة الى ان المشكلة تكمن في السياسة وليس في النقد، وفي الفراغ الحكومي والتأخر في سبل معالجة الوضع الاقتصادي وليس في نقص السيولة.
الى ذلك، وبعد قرار اتحاد موظفي المصارف الاضراب المفتوح بدءاً من اليوم، اكدت جمعية المصارف بعد اجتماع طارئ عقدته مساء أمس أنها ستعمل مع المسؤولين على إيجاد اطار للعمل الطبيعي لحفظ كرامة الموظفين وتأمين حماية لهم باعتبارها أولوية للمصارف. وعلم أن المصارف ستقفل ابوابها اليوم فقط، على أن تعاود العمل غداً بعد التواصل مع اتحاد الموظفين، وتجري الجمعية اتصالات مع المعنيّين لتأمين الحماية الامنية لهم. أما بالنسبة الى الاضراب العام الذي دعت اليه الانتفاضة الشعبية فإن مواقف متعارضة برزت حياله ليلاً ويبدو ان الاضراب التربوي سيكون شاملا المدارس الرسمية فيما المدارس الكاثوليكية قررت فتح ابوابها.