كتبت “النهار” تقول:يبدو ان العامل الاكثر وضوحاً واثارة للقلق والمخاوف المتعاظمة في آن واحد في مشهد الازمة السياسية والحكومية على وقع تصاعد الانتفاضة الشعبية المتدحرجة منذ 22 يوماً هو هاجس الانهيار المالي والاقتصادي الذي استلزم في الساعات الاخيرة استنفاراً غير معلن في الاتصالات بين المراجع والمسؤولين السياسيين والماليين للاتفاق على اجراءات اضافية من شأنها لجم الاتجاهات المتسارعة نحو الانهيار. أما المفارقة الاشد غرابة في التطورات التي حصلت على خلفية المساعي لاستعجال تحقيق اختراق سياسي يفضي الى تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة، فتمثلت في ان جميع المراجع والمسؤولين والقوى السياسية ايضا باتوا يتحدثون عن الانهيار باعتباره أمراً واقعاً وحاصلاً لا محالة، في حين ان الوصفة الناجعة الوحيدة التي يمتلكون ابتداعها والتي تقع على عاتقهم وضمن واجبهم للجم الاندفاعات الحادة للازمة والاسباب الدافعة الى الانهيار وهي التعجيل في المساعي لتشكيل حكومة انقاذية، فظلت محاصرة بالشروط والشروط المضادة والاجواء الغامضة والسلبية حتى الساعة.
واذا كانت الساعات الاخيرة اتسمت بحركة سياسية ناشطة على طريق المساعي الحثيثة لاستعجال عملية الاستشارات للتكليف، فان المعلومات المتجمعة من مصادر مختلفة عكست اخفاق هذه المساعي في التوصل الى توافق سياسي يطلق عملية التكليف والتأليف، الامر الذي بات يخشى معه ان تكون البلاد عرضة لتجربة قاسية للغاية تديرها خلالها حكومة تصريف اعمال لا تملك الزخم ولا الصلاحيات لمواجهة احدى اخطر الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفها لبنان بما يفاقم اخطار الانهيار المحدقة بالبلاد. ومع ذلك لم ينقطع حبل الرهانات والآمال المعقودة على مزيد من المساعي والجهود المبذولة، علما ان لا خيار أمام المعنيين سوى استعجال اطلاق الاستحقاق الحكومي كآخر فرصة متاحة ضمن وقت قصير جداً لتلافي الخطر الداهم.
في سياق هذه الجهود، جاء اللقاء الذي ضمَّ بعد ظهر أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري بطلب من الرئيس عون وذلك في اطار التشاور الذي يقوم به رئيس الجمهورية مع جميع الافرقاء كما قالت الاوساط القريبة من قصر بعبدا. وأوضحت أنه تخلّل اللقاء عرض لكل النقاط المتعلقة بالحكومة وشكلها والاوضاع الاقتصادية والوضع المالي. وأضافت ان الرئيسين عون والحريري اتفقا على ان يبقيا على تشاور في المرحلة المقبلة وان اللقاء كان وديا وساده اتفاق على نقاط عدة. ولفتت هذه الاوساط الى ان مرحلة التشاور تحتاج الى وقتها لاننا امام تشكيل حكومة في ظرف استثنائي.
وبعد اللقاء، اكتفى الرئيس الحريري بالقول: “حضرت إلى القصر الجمهوري للتشاور مع فخامة الرئيس، وسنكمل المشاورات مع الافرقاء الآخرين، وهذا الامر الوحيد الذي أود أن أقوله”.
بري و”حزب الله”
وعلمت “النهار” ان اللقاء لم يفض الى أي نتائج ايجابية بدليل عدم بروز أي مؤشر لتحديد موعد الاستشارات النيابية، كما ان الانطباعات السائدة لدى جهات اطلعت على اجواء اللقاء بدت سلبية استناداً الى معطيات تحدثت عن استبعاد قبول الحريري باعادة تكليفه سواء لرغبته في عدم تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة في المرحلة المقبلة، او لوجود خلافات بينه وبين الافرقاء الذين يفاوضونه على تركيبة الحكومة ونوعية الوزراء الذين ستضمهم. وما عزز صدقية هذه الانطباعات برز من خلال اجواء تبلغها مساء رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لوحظ انه انبرى علناً أمس للتشديد على التمسك بالحريري رئيسا للحكومة من دون أي منازع. وتشير هذه الاجواء الى ان الرئيس عون اراد معرفة موقف الحريري من اعادة تكليفه وان الاخير افصح له انه لا يرغب بهذه العودة في هذه الظروف. لكن بري ابلغ زواره انه يشدد على الحريري لثنيه عن هذا الخيار وانه على تواصل يومي معه لهذه الغاية وانه يبلغه حرفيا “انني معك غصباً عنك” وقد أوفد اليه الوزير علي حسن خليل خمس مرات لهذه الغاية.
وكشفت معلومات أيضاً ان “حزب الله” يتمسك بدوره بعودة الحريري وقد زاره امس المعاون السياسي للامين العام للحزب حسين الخليل وألحّ عليه للعودة الى رئاسة الحكومة. واستناداً الى هذه المعلومات، طرح الحريري مجموعة مواصفات واسماء لحكومة تكنوقراط كاملة تنسجم مع مطالب الحراك الشعبي والمجتمع الدولي، ولكن هذه المواصفات رفضها الثنائي الشيعي كما لم يقبلها رئيس الجمهورية. وتشير المعلومات نفسها الى ان الرئيس عون كان يفكر في تكليف شخصية أخرى غير الحريري، لكن “حزب الله” نصحه بالاصرار على الحريري. وفي ظل هذه المعطيات، أعلن بري أمس “انا مع تكليف سعد الحريري على رأس السطح أياً كانت الظروف لان ذلك لمصلحة لبنان وحتى لو رفض تسميته فسنصر عليها غصباً عنه وأنا ضد ان يسمي شخصاً آخر سواه”. وقالت الاوساط القريبة من الثنائي الشيعي إنه على رغم ان الحريري لا يريد تحمل المسؤولية، فستبقى ثمة كوة يمكن الدخول منها لاقناعه بالعودة عن موقفه.
السنيورة
اما في الجانب الاخر من المشهد الداخلي، فبرزت أمس افادة الرئيس فؤاد السنيورة أمام المدعي العام المالي القاضي علي ابرهيم “على سبيل المعلومات وكمستمع اليه” في دعوى عليه في ملف انفاق 11 مليار دولار كانفاق اضافي خلال ولايته الحكومية. وأفاد مكتب الرئيس السنيورة انه عمد إلى تفنيد تلك المبالغ بكاملها للمدعي العام المالي، وكونها أنفقت لتلبية حاجات الدولة اللبنانية، ولتسديد مبالغ متوجبة عليها، وذلك تجنباً للمخاطر التي قد تقع على الدولة، وعلى المواطنين اللبنانيين، في حال عدم تسديد تلك الموجبات، فضلاً عن أنّ إنفاق تلك المبالغ استند إلى القوانين والأصول المرعية الإجراء في “قانون المحاسبة العمومية” المعتمد لدى الدولة اللبنانية، وهي مسجلة بالكامل في حسابات وزارة المال والوزارات الأخرى المعنية. ومساء أمس تجمهرت مجموعات من المتظاهرين قرب منزل السنيورة في شارع بلس كما قرب منزله في صيدا، فيما تظاهرت مجموعات اخرى قرب منزل النائب نهاد المشنوق في بيروت.
تصنيفات سلبية
على صعيد الازمة المالية، برز تطور سلبي جديد أوردته “رويترز” وتمثل في خفض وكالة “موديز انفستورز سيرفيس” أمس التصنيف الائتماني لأكبر ثلاثة مصارف في لبنان من حيث الأصول إلى مستويات أعلى للمخاطر، وهو ما يعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة اللبنانية بينما تتضرر البلاد من الاضطراب السياسي.
وتأتي تلك الخطوة بعدما خفضت “موديز” الثلثاء تصنيف لبنان الائتماني إلى Caa2، مشيرة إلى تنامي احتمالات إعادة جدولة ديون ستصنفها على أنها تخلف عن السداد.
وقالت “موديز” إنها خفضت تصنيف الودائع بالعملة المحلية لدى مصارف عوده وبلوم وبيبلوس إلى Caa2، من Caa1. وخفضت أيضا تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية إلى Caa3، من Caa1، مشيرة إلى محدودية الدعم السيادي لمثل تلك الودائع.
وبقيت تصنيفات المصارف قيد المراجعة لمزيد من الخفض.
وقالت “موديز”: “ينعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة اللبنانية على الجدارة الائتمانية للبنوك الثلاثة، نظراً الى انكشافها الكبير على الدين السيادي اللبناني وهو المصدر الرئيسي للمخاطر التي تتهددها”.
ويعكس أيضا محدودية تمويل منتظم وأوضاع السيولة في ضوء تنامي الضبابية السياسية وتدهور في البيئة التشغيلية للبنوك، كما قالت “موديز”.