كتبت صحيفة “النهار ” تقول : اذا كان اليوم التاسع عشر من انتفاضة 17 تشرين الاول الشعبية سجل عودة قوية لتشدد المتظاهرين والمعتصمين في مختلف المناطق اللبنانية في قطع الطرق وتصعيد تحركاتهم على سبيل زيادة الضغط على السلطة استعجالا للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة وتأليفها، فان السمة اللافتة الموازية لهذه العودة تمثلت في عنوانين اساسيين: الاول ان أي جديد بارز لم يسجل بعد في اذابة الجليد الذي لا تفسير منطقيا له في التأخير المتمادي في تحديد موعد الاستشارات في قصر بعبدا والذي لم تعد تستره التبريرات التي تطلق على نحو شبه يومي. والثاني ان التداعيات المتصاعدة لقطع الطرق والاضراب باتت تسابق تداعيات الازمة السياسية من حيث اثارتها القلق والمخاوف من الاضطرابات الاهلية التي تتكاثر على الاوتوسترادات والطرق المقطوعة، على غرار عشرات المواجهات التي توزعت أمس بين بيروت والمناطق.
هذا المشهد المثير للقلق تعزز ليل أمس في عدم صدور أي اشارة واضحة الى الخروج من حال المراوحة التي تطبع المشاورات والمساعي السياسية لاحداث ثغرة في جدار الجمود وتحديد موعد الاستشارات، وذلك على رغم التطور البارز الذي حصل بانعقاد اللقاء الاول منذ ما قبل استقالة الحكومة بين رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل في “بيت الوسط”. كما تعزز على صعيد التحركات الاحتجاجية من خلال التصعيد النوعي الجديد الذي اعتمده المتظاهرون من خلال ما بدا انه “اسقاط للمهل” في قطع الطرق وفتحها واللجوء الى تمديد اقفالها منذ فجر أمس وطوال الليل وابقائها مقفلة اليوم أيضاً.
وبرزت معالم التصعيد وتداعياته بقوة في مناطق عدة ولا سيما منها مناطق جل الديب التي شهدت ليلاً زحمة خانقة على الطريق الرئيسية ومتفرعاتها، الامر الذي تسبب بمواجهات بين المتظاهرين والمحتجزين في سياراتهم، قبل ان يفتح مسرب جانبي لتخفيف الازمة. كما حصلت اشكالات عدة مماثلة في مناطق أخرى، فيما شهدت الطريق البحرية بين بيروت وجونية ارباكات واسعة اذ تحولت المسلك الوحيد للحركة وسط زحمة خيالية.
أما على الصعيد السياسي ووسط تمادي الجمود المتحكم بالواقع المتأزم منذ استقالة الحكومة، لم يطرأ أي جديد علني على الاقل في حركة قصر بعبدا ينبئ بالخروج من الازمة، على رغم تعاظم الاخطار المتصلة بالواقع المالي والاقتصادي في البلاد وحتمية وقف استنزاف الوقت في ظل معطيات تفرض استنفاراً استثنائياً لانجاز مراحل الاستحقاق الحكومي باقصى سرعة. وفي اطار تبرير هذا الواقع المتمادي قالت أمس مصادر سياسية متابعة إن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يؤيد أي صيغة سياسية لحكومة تؤمن توافقاً وطنياً، موضحة ان المشاورات التي تجرى في شأن تشكيل الحكومة هدفها في الدرجة الاولى تهيئة المناخات السياسية لشكل الحكومة المقبلة. واضافت ان ما من نص دستوري يلزم رئيس الجمهورية تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة، كما ان ما من نص دستوري يلزم رئيس الحكومة المكلف مهلة لتاليف الحكومة وذكرت بالسابقة التي حصلت في عهد الرئيس ميشال سليمان عندما استقال الرئيس الحريري ولم يحدد في حينه موعد للاستشارات الا بعد مرور ثلاثة اسابيع. وقالت المصادر إن الشخصية التي ستكلف ستمثل مؤشراً لشكل الحكومة العتيدة وان المشاورات جارية كي لا يستغرق تشكيل الحكومة وقتاً اضافياً.
الحريري وباسيل
في غضون ذلك، عقد لقاء طويل بين الحريري وباسيل في “بيت الوسط” لم تتسرب عنه اي تفاصيل، خصوصاً ان أوساط الحريري لم تفصح عن شيء في شأنه. لكن المصادر القريبة من باسيل قالت إن اللقاء كان ايجابياً جداً وانه استمر نحو أربع ساعات واتفق خلاله على الكثير من الامور على غرار ما كان يحصل سابقاً بين الرجلين.
ويبدو ان أي نتائج محتملة للقاء الحريري وباسيل لن تظهر قبل ان يكون وزير الخارجية اطلع عليها الرئيس عون وان يتشاور في شأنها مع “حزب الله” وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه من حيث التكليف المرجح مبدئياً للحريري، علما أن اجواء “بيت الوسط” تتسم بتحفظ شديد عن أمر يتعلق لهذا التكليف.
وأعلن “تيار المستقبل” أمس “ان كل ما يُنشر ويُعمّم لتحميل التيار مسؤولية اقفال الطرق في عدد من المناطق واعتباره أمر عمليات لمناصري التيار بالنزول الى الشارع للمشاركة في معركة شدّ الحبال حول الاستشارات النيابية ودعم تكليف الرئيس سعد الحريري، هو من صنع الأدوات والأقلام التي تعمل على خط الفتنة وتأليب النفوس ويضيق صدرها بمشاعر التضامن مع الرئيس الحريري الذي لن يضع نفسه تحت أي ظرف في حلبة السباق الاعلامي على رئاسة الحكومة، ويعتبر التكليف مسألة دستورية تخضع للاستشارات النيابية المُلزمة وليس لتمنيات الباحثين عن الشحن الطائفي على مواقع التواصل”.
كذلك أفاد الحزب التقدمي الإشتراكي أن “لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بقطع الطرق على الخط الساحلي أو في أي من المناطق، لا مباشرة ولا بالتنسيق مع قوى أخرى”. وذكر بـ”أنه من الأساس أعلن موقفاً رافضاً لقطع الطرق لما لذلك من تداعيات سلبية على مختلف المستويات”. وإذ أكد مجدداً أنه “يحترم التحركات الشعبية وصرخة الناس عن آلامها ورغبتها الحقيقية بالتغيير وهو ما اكدته مواقفه السياسية المتتالية”، حذر “من إستمرار الحملة المبرمجة في هذا الإطار والمعروفة الأهداف والمرامي”.
ارتفاع السندات وتعميم
في غضون ذلك وعلى الصعيد المالي، أفادت وكالة “رويترز” أمس ان سندات لبنان السيادية الدولارية ارتفعت بعد أسبوعين تقريبا من الخسائر الفادحة في ظل مواجهة البلاد كبرى أزماتها الاقتصادية في عقود، وذلك على رغم أنه لا مؤشرات تذكر خفوت الاحتجاجات.
الى ذلك، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً جديداً طلب فيه من المصارف رفع رساميلها من خلال السماح للمساهمين بضخ مزيد من السيولة بنسبة تصل الى 20% من رأسمالها الحالي بدءا من نهاية 2019 الى نهاية 2020، بما يعزز رسلمة المصارف بقيمة تقارب أربعة مليارات دولار، تضاف الى رسملة تصل الى أكثر من 20 مليار دولار، وهو ما يعزز قدرتها المالية لمواجهة الأوضاع الراهنة وأي تطورات مستقبلية، خصوصاً على صعيد أي خفض محتمل للتصنيف الائتماني والبقاء عند مستويات كافية لرأسمال فوق المستوى المطلوب بحسب معايير بازل 3 التي تلتزمها المصارف اللبنانية