كتبت صحيفة “اللواء ” تقول : في أحد الضغط، عادت الساحات تمتلئ بجموع الشعب، التي قررت أخذ مصيرها بيدها، في معرض البحث عن مخارج للأزمة التي دفعت الطبقة السياسية البلاد إليها، جراء السياسات الرعناء، ومحاولات الاستئثار، واستباحة المال العام، وتفقير المواطنين، والدفع إلى حافة الانهيار، من دون النظر إلى العواقب..
ولعلَّ ما ميّز احتجاجات الأحد الثالث، الذي أطلق عليه منظموه اسم “أحد الضغط” ان الحركة الشعبية وجدت نفسها بدءاً من وسط بيروت، من ساحتي رياض الصلح والشهداء إلى طرابلس التي لم تُطفئ جذوة التحركات، وصيدا التي احسنت التمييز بين الحق بالحياة الحرة الكريمة، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وسائر المناطق، ان تظاهرة الدعم التي نظمها التيار الوطني الحر امام قصر بعبدا، دعماً لرئيس الجمهورية.. كانت من أبرز محركات الاحتجاجات، فضلاً عن المماطلة بتحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتأليف حكومة جديدة.
على ان الأخطر في ضوء المكابرات السياسية والشروط والشروط المضادة الوضع المالي والمصرفي، المرتبط بالأزمة السياسية.
وفي هذا السياق، أعربت أوساط مصرفية مطلعة عن إرتياحها لأوضاع القطاع المصرفي المتماسك رغم الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، ومرور “قطوع” يومي العمل في المصارف بشكل طبيعي، ودون ضغوط تُذكر، كما كان متوقعاً.
وحذرت هذه الأوساط من مغبة التأخر في تأليف الحكومة العتيدة، وإنعكاساتها السلبية على القطاع المصرفي ومختلف القطاعات الإقتصادية الأخرى، بما في ذلك سعر صرف الليرة، حيث البلد بأمس الحاجة إلى الخطوات الجدية التي من شأنها إعادة الثقة بالدولة وقدرة السياسيين على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر من الخسائر.
ولفتت الأوساط المصرفية المطلعة إلى أن الأزمات السياسية المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة، تركت آثاراً سلبية موجعة على أوضاع المصارف، لا سيما التدهور الحاصل هذا العام في الأوضاع الإقتصادية، وتراجع معدل النمو إلى الصفر تقريباً، وتأثيره المدمر على الأوضاع المالية والنقدية.
وإذ أبدت ثقتها بقدرة القطاع المصرفي اللبناني بالتعاون مع البنك المركزي، على تجاوز الأزمة النقدية، وماأفرزته من شح بالدولار في الأسواق اللبنانية وتراجع حجم السيولة، إعتبرت هذه الأوساط ان المصارف اللبنانية أصبحت بحاجة لزيادة رساميلها الخاصة في الفترة الراهنة، للحفاظ على نسبة ملاءة مناسبة من جهة، وتعزيزاً للثقة الداخلية والخارجية بهذا القطاع الحيوي، والمميز في أدائه إقليمياً وعالمياً.
على صعيد آخر، ورداً على سؤال لـ”اللواء” أكدت هذه الأوساط أن فكرة إقتطاع نسب معينة من الودائع الموجودة في المصارف اللبنانية، سواء بالليرة أو بالدولار، غير واردة مطلقاً، وأن ما جرى إعتماده في قبرص واليونان في ظروف مماثلة قبل سنوات، من تحميل المودعين في مصارف البلدين مسؤولية سد بعض الدين العام والعجز في الميزان التجاري، لا ينفع في معالجة الأزمة الراهنة في لبنان.
عودة إلى الصفر
ولعل النتيجة السريعة لما حصل أمس الأحد للمفارقة الصاعقة بين “احد الوحدة” لانتفاضة الحراك الشعبي، و”أحد أهل الوفاء” لجمع انصار “التيار الوطني الحر” امام قصر بعبدا، دعماً لرئيس الجمهورية غداة الذكرى الثالثة لانتخابه، انها أعادت الأمور إلى النقطة التي انتهى إليها الحراك قبل استقالة الرئيس سعد الحريري، وبالتالي وضعت الأزمة امام مفصل جديد، عنوانه المباشر انقسام البلد بين شارعين، وكأن استقالة الحكومة وموضوع الاستشارات الملزمة للتكليف والتأليف باتت وراءنا، الأمر الذي من شأنه ان لا يسهم في معالجة الأوضاع، بل ان يزيدها تعقيداً، خصوصاً بعد عودة الأمور إلى التصعيد عبر قطع الطرقات وإعلان الإضراب العام اليوم حتى تشكيل الحكومة.
وفي تقدير مصادر سياسية مطلعة، ان التصعيد الذي حصل الأحد، كان بسبب سوء إدارة ما يحصل على صعيد الانتفاضة الشعبية، منذ انطلاقتها قبل 18 يوماً، إذ من غير المعقول ان يلجأ العهد إلى التظاهر ضد شعبه، حسب ما يقول المتظاهرون، ولا ان يقوم حزب رئيس الجمهورية باظهار قوته امام انتفاضة شعبية تطالب بنفس ما كان يطالب به التيار العوني عندما كان خارج السلطة، الا إذا كان يريد استدراج الشارع الآخر الى النزول لإيصال الأمور إلى الصفر.
لكن المصادر استبعدت هذا الأمر، على اعتبار ان الرئيس عون، في كلمته امام أنصاره الذين تجمعوا في الطريق إلى قصر بعبدا، لم يكن يرغب في ان يرى ساحة ضد ساحة أخرى، معتبراً ان تحقيق أهداف محاربة الفساد والنهوض بالاقتصاد وإرساء الدولة المدنية يحتاج إلى تعاون الجميع وتوحيد الساحات، وهذه الإشارة وحدها كافية لتؤكد ان الرئيس عون لم يكن راضياً على التظاهر امام قصر بعبدا، لكنه رضخ امام ضغوط قيادة التيار، التي يتزعمها الوزير جبران باسيل، وان كان رئيس الجمهورية خاطب جمهوره بعبارة: “يا شعب لبنان العظيم”، والتي فهمها المتظاهرون في ساحة الشهداء انها لم تكن تعني سوى أنصار التيار الحر وليس الشعب اللبناني كلّه، وبشارعيه، وختم كلمته بأنه يرى شعب لبنان كلّه، وقال “كلكن يعني كلكن”.
اما الوزير باسيل الذي كانت له كلمة مطولة، فقد لوحظ ان معظم كلامه وجهه إلى المتظاهرين في غير ساحة بعبدا للدفاع عن نفسه في وجه الاتهامات المساقة ضده بالفساد، مؤكداً انه ظلم مرتين، مرّة من رموز الفساد ومرة من ضحايا الفساد، معلناً استعداده ليكون تحت المحاسبة، إذا كان فاسداً، لكنه قال “لسنا كلنا فاسدين وزعران، فالفاسدون هم من عمروا قصورهم من مال الدولة والناس والزعران هم من ركبوا الحواجز واخذوا الخوات وذكرونا بالميليشيات وأيام الحرب”.
ورفع باسيل شعار: “سرية، حصانة، استرداد وطالب بإلزام كل المسؤولين والموظفين الحاليين والسابقين بقانون أو من دون قانون، ومن دون حكم قضائي بكشف حركة حساباتهم من أوّل توليهم مسؤولياتهم امام هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان، أو امام هيئة قضائية خاصة برئاسة قاض”.
امتلاء الساحات
ولوحظ، انه ما ان انتهى باسيل من كلمته، حتى تدفق الألوف من المواطنين إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح، تلبية للدعوة إلى “أحد الوحدة” وما هي الا بضع ساعات حتى امتلأت الساحتين على الآخر بالمتظاهرين الذين اطلقوا هتافات موحدة تدعو إلى التغيير وتنفيذ المطالب، فيما علقت امام كنيسة مار جرجس في وسط بيروت، ثلاث مشانق ترمر إلى رفض الطائفية والعودة إلى الحرب الأهلية والسرقة والتجويع، كما صدرت دعوات في كل من بيروت وطرابلس وصيدا إلى الإضراب العام اليوم، واقفال الطرقات حتى تشكيل الحكومة.
وبحسب المتظاهرين، فإن أي مطلب من مطالب الحراك الشعبي لم يتحقق، حتى ان الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة لم تبدأ بعد، معتبرين ان ما يطرح من حكومة تكنو-سياسية لا تقدّم أي حل، لأن المطلوب هو محاكمة السياسيين، لا العودة إلى توزيرهم، وهذا لا يتحقق الا بحكومة تكنوقراط صافية.
وتنفيذاً لهذه الدعوات، تمّ قطع طريق الشيفروليه ابتداء من السابعة مساء، ولحقها قطع طريق ضهرالبيدر بالاطارات المشتعلة، كذلك عادت التجمعات إلى كل من الذوق وجل الديب، اللتين شهدتا حشوداً لافتة، واقفلتا بالاطارات المشتعلة ليلاً، بالتزامن مع ساحة النور في طرابلس التي لم تهدأ منذ 17 تشرين الأوّل، لكن الطريق الدولية بقيت سالكة.
وفي تطوّر جديد يعكس اتجاه الانتفاضة إلى التصعيد، لجأت مجموعات من المتظاهرين إلى قطع مسرب من طريق جسر “الرينغ” امام برج الغزال باتجاه الحمرا، فيما بقي المسر الآخر مفتوحاً إلى الأشرفية.
واجتمعت عشائر البقاع في منزل حسن زعيتر للتشاور والتحضير لتشكيل مجموعات لحماية البقاعيين المتوجهين إلى بيروت والضاحية وحماية منتوجاتهم من الكساد.
وهددت العشائر بأنها ستفتح بالقوة طريق ضهرالبيدر- بيروت.
يُشار إلى انه تمّ اقفال طريق ضهر البيدر عند بوارج، وطريق قب الياس – ضهر البيدر، تقاطع بر الياس المرج، وطريق المصنع في مجدل عنجر وطريق شتورة – تعلبايا وطريق تعلبايا – سعدنايل.
وعمد عدد من الشبان إلى قطع طريق دار الطائفة الدرزية- فردان، لكن القوى الأمنية حضرت وأعادت فتحها.
وترددت معلومات عن اقفال المدارس والجامعات والمصارف اليوم مع بداية الأسبوع، لكن اي بيان لم يصدر لا من المصارف ولا عن وزارة التربية، وفهم ان الأمر متروك لاماكن وجود المصارف أو ا لمدارس في مناطق التوتر.
حبل مشانق رمزي في ساحة الشهداء للحرب والطائفية والفساد
مشاورات التكليف والتأليف
في غضون ذلك، تواصلت المشاورات السياسية بين قصور بعبدا وعين التينة و”بيت الوسط” عبر وسطاء لإخراج أزمة التكليف والتكليف من عنق الزجاجة، بينما دل البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية على ان الرئيس ميشال عون يتمهل في تحديد موعد للاستشارات النيابية، إلى حين نضوج الاتصالات والتوافق المسبق على كل تفاصيل عملية تشكيل الحكومة، تلافياً للوقوع في محظور نجاج التكليف وتعثر التأليف.
وفيما توقع عضو تكتل “لبنان القوي” النائب آلان عون ان يجري اليوم أوّل اتصال مباشر بين “التيار الوطني الحر” والرئيس سعد الحريري للتشاور في موضوع التكليف، قالت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا لـ “اللواء” ان رئيس الجمهورية سيجري الاستشارات النيابية الملزمة، عندما يتيقن انه سينتج عنها تسهيل في تأليف الحكومة، وان تبعثر أو انقسام أو تشرذم ينتج عنها لن يفيد لا الدولة ولا الإصلاحات المطلوبة، ولا معالجة لأسباب الأزمة ولا تداعياتها.
وأشارت مصادر رفيعة المستوى متابعة للاتصالات إلى ان كل الخيارات لازالت مفتوحة بين تكليف الحريري شخصياً أو الاتفاق على شخصية مقربة منه أو تحظى بموافقته، وبين شكل الحكومة وتوزيع القوى وتوفير التوازنات، مع مراعاة ان الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد يفرض إجراءات ومقاربات استثنائية وتضحيات أو تنازلات للخروج من المأزق
الرئيسية / سياسة / “اللواء”: أحد الوِحدة”: تصعيد بوجه “أحَد بعبدا”: الساحات تمتلئ وقطع طرقات.. وإضراب اليوم الأزمة النقدية : مطلوب زيادة رساميل المصارف … ولا اقتطاع من أموال المودعين