كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: سجّلت الثورة أمس الهدف الأول في مرمى السلطة المتعنّتة التي راهنت على صمود التركيبة التي انتفض في وجهها اللبنانيون. وجاءتها الصفعة من داخلها على طريقة “من بيت ابي ضُربت”، فاستقال الرئيس سعد الحريري قالباً الطاولة التي كان وزير الخارجية جبران باسيل يلوّح بقلبها على رأس شركائه.
وبين تأكيد المحيطين بالحريري أنه بذل جهده لإجراء تعديل حكومي أو للاتفاق على حكومة جديدة تواكب الواقع السياسي المستجد الذي فرضته الساحات الثائرة، وبين استياء “الثنائي الشيعي” من خطوته بعدما طلب اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة “حزب الله” التريّث، تدخل البلاد في مرحلة ترقّب، بل خطر، حسبما قالت وزارة الخارجية الفرنسية تعليقاً على الاستقالة.
وإذ تلقت لجان التنسيق في الثورة خبر الاستقالة بشعور بالثقة، فإنها بحثت إمكان تخفيف قطع الطرقات تسهيلاً لأمور المواطنين، مع البقاء على الجهوزية الكاملة لتحقيق تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن. وذكر أمس أن عدداً عشوائياً من الناشطين في الحراك الشعبي قد يزورون بعبدا غداً الخميس للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وبدا أمس أن ردود الفعل الرسمية على استقالة الحريري غاضبة وتتجه الى الحدة، ليس تجاه الثورة فحسب، بل ايضاً تجاه الحريري والأجهزة الامنية التي رفضت إراقة دماء الشعب لارضاء الحكام، وتجاه أحد شركاء الخندق الواحد أي “حركة أمل”.
فرئيس الجمهورية رد على سؤال صحافيين كانوا يتابعون معه خبر الاستقالة من خلال التلفزيون بالقول: “”منكمل بللي بقيوا”.
وعن أداء القوى الامنية أجاب: “بعدين منتحاسب مش اليوم”. وحمَّل وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المسؤولية كونهما “أساءا إدارة الازمة كما يجب”. ووجه لوماً الى الحريري وبري لأنهما لم يشرعا في فتح باب مجلس النواب أمام التشريع تطبيقاً لما ورد في الورقة الاصلاحية.
وهكذا فإن الغموض يحكم المرحلة، والخشية تتزايد من فوضى عارمة أوحت بها “بروفا” عنيفة في وسط بيروت أمس على يد مناصرين للثنائي الشيعي. وشرّعت إستقالة الحريري الباب عملياً على شتى الاحتمالات، ومنها حصول مواجهة مفتوحة في البلد، إذ إن خطوته التي سارع “الاشتراكي” و”القوات” و”الكتائب” و”المستقبل” الى الترحيب بها، لم يستسغها “التيار”، فأبدى عدد من وزرائه ونوابه صدمتهم “كونها جاءت من دون التنسيق معنا حول ما بعد الاستقالة، لذلك فإنها خطوة في المجهول”. في وقت أعلن وزير الدفاع الياس بوصعب أن “خيار وجود رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل في الحكومة هو خيار “التيار” وحده”.
وتعني إستقالة الحريري في ما تعنيه أنه لا يمكن أن تتشكل حكومة من الطبيعة نفسها، بل يجب الذهاب الى حكومة إختصاصيين. كما تعني أن لا عودة لباسيل، فمطلب الناس حكومة غير سياسية لا يكون من ضمنها. كذلك يفهم منها أن الحريري تجاوب مع مطلب المتظاهرين، ويقول للرأي العام: هناك من لا يريد أن يتجاوب مع مطلبكم، “حزب الله” الذي يرسل عناصره لقمع المحتجين في وسط بيروت ورئيس الجمهورية الذي لم يتجاوب بالشكل المطلوب.
وبالتالي، فإن المواجهة أصبحت اليوم مباشرة بين المتظاهرين ومعهم “تيار المستقبل” وبين “حزب الله” ورئيس الجمهورية الذي إن لم يتلقف الامر ويبادر سريعاً الى تشكيل حكومة اختصاصيين تشبه الثوار وتلبي مطالبهم، فالوضع سيتّجه حتماً الى “أزمة حكم” تضع البلد أمام فصل جديد من فصول المواجهة.
“حزب الله” آثر عدم التعليق على استقالة الحريري وفضل انتظار الكلمة التي سيلقيها أمينه العام بعد غد الجمعة. لكن مصادر مطلعة على أجواء “الحزب” قالت إن استقالة الحريري حصلت من دون اتفاق مسبق وهو التقى الوزير محمد فنيش مطولاً أمس الأول وأبلغه بأن الاستقالة غير واردة. وتقول المصادر نفسها إن عودة الحريري ستكون مشروطة بقبول “الحزب” خصوصاً أنه سبق وقال له: إذا استقلت فعودتك غير مؤكدة.
الأسماء المرشحة
وفور استقالة الحريري بدأ التداول بأسماء مرشحين لخلافته وأبرزهم الرئيس السابق تمام سلام الذي رد، قبل الاستقالة، على سؤال عن استعداده لتولي المسؤولية بالقول إنه لن يطعن الحريري والموضوع يستوجب درساً. كما تردد أن عون سبق وسمّى محمد الصفدي وفؤاد مخزومي، والإسمان قد لا يرضى عنهما “حزب الله”.