كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كان “اقتحام ” أنصار “حزب الله” الساحة الرئيسية لانتفاضة الغضب، ساحة رياض الصلح، طبع ميدانياً اليوم الثامن من الاحتجاجات والاعتصامات والتظاهرات التي تعم لبنان من دون تراجع أو تهاون، فان هذا التطور لم يحجب التطور السياسي الابرز منذ بدء الانتفاضة والذي تمثل في وضع الواقع الحكومي على طاولة اعادة النظر تعديلاً للحكومة أو تبديلاً شاملاً لها. هذا الواقع اكتسب دلالات مهمة من شأنها ان تضع للمرة الاولى المواجهة الجارية بين السلطة السياسية والانتفاضة الاحتجاجية الشعبية أمام اختبار حساس ومحك حاسم يتوقف عليهما تقرير مصير الحكومة كما الانتفاضة في الايام المقبلة.
فحتى البارحة، لم تكن الانتفاضة الماضية بوتيرة الزخم التصاعدي نفسه على رغم هطول الامطار الغزيرة واغراق الطرق وساحات الاعتصامات بالسيول قد اطلقت أي اشارة أو مؤشرالى تلقف الرسائل والمبادرات التي تأتيها من جانب العهد والحكومة والمسؤولين. وهو الامر الذي تكرر أمس في ردة الفعل السلبية للمنتفضين والمتظاهرين والمعتصمين على الكلمة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اسوة بردة فعلهم الاولى على الخطة الاقتصادية والمالية الاصلاحية التي اعلنها رئيس الوزراء سعد الحريري والتي تبناها مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة.
وبدا واضحاً أن لغة التخاطب والمقاربات الحوارية بين السلطة والمنتفضين لا تزال منعدمة حتى الآن بما يعني ان المنتفضين لن يتراجعوا قبل تلقيهم مبادرة سياسية كبيرة وملموسة بحجم تغيير الحكومة وليس أقل من ذلك. لكن هذا المسار، وان لم يتبلور بعد ما اذا كان اركان السلطة والقوى السياسية شرعوا فعلا في تداوله كخيار حتمي أو ان لديهم خياراً بديلاً يمكن ان يقنع المنتفضين، بدا كأنه بات مطروحاً ضمناً في خلفية المشاورات السرية الجارية بعيداً من الاضواء منذ أيام وخصوصاً بعدما شكلت كلمة الرئيس عون اضاءة للاشارة الخضراء أمام انطلاق البحث جدياً في الواقع الحكومي وترحيب الرئيس الحريري بالموقف الرئاسي.
وفي المعلومات المتوافرة لدى “النهار” في هذا السياق ان المشاورات لم ترس بعد على خيارات ثابتة، لكنها تدور حول جملة خيارات منها اجراء تعديل وزاري يشمل تعيين أربعة وزراء مكان وزراء “القوات اللبنانية”، بالاضافة الى استبدال ثلاثة أو أربعة وزراء آخرين من أبرزهم الوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل ومحمد شقير. كما ان ثمة خياراً طرح باستقالة الوزراء من تلقائهم مع وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي وائل بو فاعور واكرم شهيب في ظل اتجاه رئيس الحزب وليد جنبلاط الى هذه الخطوة، ويجري تعيين وزراء جدد مكانهم. واذا كان هذان الخياران لايزالان يثيران تساؤلات وشكوكاً حيال ردود الفعل المحتملة عليهما، فان الخيار الثالث المطروح يبقى أبرز الخيارات لانه يتناول التبديل الحكومي الشامل على قاعدة المجيء بحكومة تكنوقراط مصغرة لا يكون اعضاؤها من القوى السياسية وبرئاسة الرئيس الحريري نفسه. ومجمل هذه الخيارات لن تتبلور صورة المواقف منها قبل أيام، في وقت يبدو المشهد العام للازمة أشبه بسباق مع الوقت في ظل تصاعد التداعيات السلبية الناشئة عن ثمانية أيام حتى يوم أمس من اقفال الطرق وشلل الحركة واقفال المؤسسات والقطاعات والمصارف ناهيك بتصاعد حوادث الاحتكاكات والصدامات في بعض ساحات الاعتصام على غرار ما حصل أمس في وسط بيروت.
عون والردود
وكان الرئيس عون توجه في كلمته الاولى الى اللبنانيين منذ بدء الانتفاضة، معتبراً ان “المشهد الذي نراه يؤكد ان الشعب اللبناني شعب حي، قادر على ان ينتفض ويغير ويوصل صوته، ويؤكد أيضاً أن الحريات في لبنان لا تزال بألف خير. لكن ويا للأسف هذا المشهد ما كان يجب ان يكون، وصرختكم كان ينبغي ان تكون صرخة فرح بتحقيق طموحاتكم واحلامكم، لا صرخة وجع”.
وقال: “تعرفون جيداً اننا في بلد شراكة وديموقراطية، ورئيس الجمهورية، خصوصا بعد الطائف، في حاجة الى تعاون كل الأطراف في الحكومة ومجلس النواب ليحقق خطط العمل والاصلاح والانقاذ ويفي بالوعود التي قطعها في خطاب القسم. أنا رئيس ومسؤول، ولم أترك وسيلة الا واستعملتها لتحقيق الاصلاح والنهوض بلبنان. لكن الحقيقة، ان العراقيل كثيرة والمصالح الشخصية متحكمة بالعقليات، وهناك اطراف اعتبروا ان الشعب لا كلمة عنده يقولها”.
وأكد “انني من يطالب باستعادة الاموال المنهوبة، وأنا من قدم قانوناً لاستعادتها، وحتى اليوم ظهرت مليارات من الموازنات السابقة يدقق فيها في ديوان المحاسبة. كل من سرق المال العام يجب ان يحاسب، ولكن المهم ألا تحميه طائفته وتدافع عنه.
وأضاف: “لأن الإصلاح هو عمل سياسي بامتياز، أصبح من الضروري إعادة النظر في الواقع الحكومي الحالي حتى تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول بها”.
ثم قال “سمعت كثيراً دعوات لإسقاط النظام، الا أن النظام لا يتغيّر في الساحات، وصحيح ان نظامنا أصبح في حاجة الى تطوير الا أن هذا الامر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية”. وخاطب عون الى المتظاهرين. قائلاً: “أنا حاضر لالتقي ممثلين لكم يحملون هواجسكم ويحددون مطالبكم وأنتم تسمعون منا عن مخاوفنا من الانهيار الاقتصادي وما يجب فعله لتحقيق أهدافكم من غير ان نسبب الانهيار ونفتح حواراً بنّاء يوصل الى نتيجة، فالحوار هو دائماً الطريق الأسلم للإنقاذ”.
وفور انتهاء الرئيس عون من القاء كلمته، غرّد الرئيس الحريري على “تويتر”: “اتصلت بفخامة رئيس الجمهورية ورحّبت بدعوته الى ضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي من خلال الآليات الدستورية المعمول بها”.
كذلك رحّب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بكلمة الرئيس عون “التي خاطب فيها اللبنانيين بوضوح وصراحة واضعًا اصبعه على جرح معاناتهم”. وشدد على “ان المطلوب اليوم هو حكومة مصغرة حيادية كفوءة تنقذ لبنان وتولّد الثقة لدى المواطنين”، لافتًا الى ان “الحركة الشعبية ومطالبها المحقّة بدأت تعطي ثمارها”.
كما غرّد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط: “بعد سماع كلمة الرئيس عون وبما اننا، في هذا المركب نفسه الذي يغرق وكوننا نشاطره الخوف من الانهيار الاقتصادي نجد ان أفضل حل يكمن في الإسراع في التعديل الحكومي والدعوة لاحقاً الى انتخابات نيابية وفق قانون عصري لا طائفي”.
القمصان السود!
وسط هذه المواقف، برزت ردود الفعل الرافضة لكلمة الرئيس عون والتي ترجمها المنتفضون بالمضي في تصعيد اعتصاماتهم في كل ساحات الاعتصام كما في عدم التراجع عن قطع الطرق. لكن تطوراً سلبياً سجّ مساء في ساحة رياض الصلح حين دخلت مجموعة من مناصري “حزب الله” على خط الاعتصام من باب رفض التعرض بالشعارات للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله. واذ أطلقت مجموعات من المحتجين على هذه المجموعة تسمية “القمصان السود”، حصلت مواجهة حادة بالعراك والتضارب بين المجموعة الحزبية والمجموعات الاخرى أدت الى تدخل قوى الامن الداخلي والفصل بينها وسط اجواء من التوتر الشديد.