كتبت صحيفة “اللواء” تقول: … وفي اليوم السابع على “انتفاضة الشعب” بوجه “الفساد وانعدام الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة”، أخذت الاحتجاجات والمواجهات على الأرض أبعاداً مثيرة للريبة، في وقت ذهبت فيه الحكومة إلى البدء بوضع اقتراحات الإجراءات الإصلاحية على الطاولة، فطلب الرئيس سعد الحريري من المعنيين، الطلب من نقابتي المحامين في بيروت والشمال تنظيم ورشة عمل خلال عشرة أيام، واستخلاص آراء المحامين بمن فيهم محامو المجتمع المدني بمشاركة وزارة العدل لاعداد مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة، واحال الرئيس نبيه برّي مشروع قانون الموازنة إلى لجنة المال للبدء بمناقشتها، وسط معلومات ترددت عن كلمة للرئيس ميشال عون يوجهها ظهر اليوم إلى اللبنانيين حول التطورات الجارية منذ بدء أسبوع آلام الانتفاضة الشعبية بوجه مظالم السلطة الحاكمة وارتفاع المديونية وتعاظم البطالة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات.
ومع ان الوضع أصبح يضغط بكل الاتجاهات، ومع ان الآلاف من اللبنانيين افترشوا الشوارع مرددين شعارات “سلمية.. سلمية” لمواجهة محاولات فتح الطرقات المغلقة، في غير منطقة، سواء في جل الديب، أو النبطية، أو الطرق الساحلية في مؤشر على بدء مناوشات أو مواجهات مدنية، قد تتفاقم وتتحول إلى دموية، إذا لم تطرح مخارج عاجلة، تعيد الانتظام إلى الحوار الداخلي، والعمل على تحقيق خرق رسمي، يسمح باحتواء “غضب الشارع المتصاعد، بتعبير وكالة الصحافة الفرنسية”.
على ان الأخطر، انقسام الموقف القضائي، إزاء ادعاء النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على الرئيس نجيب ميقاتي وابنه وشقيقه وعلى بنك عودة بتهمة الإثراء غير المشروع، من دون ان يكون مدعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات، على علم أذ لا بدّ من ان يحصل الادعاء على موافقته، قبل الإحالة إلى قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق.. بالإضافة إلى الادعاء على بنك عودة الذي نفى الاتهام وسط اتجاه القاضي عويدات لحفظ الادعاء..
توريط الجيش
.. وفي اليوم السابع لانطلاقة الانتفاضة الشعبية، سجلت مجموعة ملاحظات أبرزها قرار السلطة بفتح الطرقات الرئيسية بين العاصمة والمناطق، بحجة تسهيل انتقال المواطنين، وعهد إلى الجيش بتنفيذ القرار، لكن المتظاهرين اجهضوا القرار، بدون إراقة نقطة دم واحدة، عبر احتضان رائع للجيش لانتفاضة الشعب، على رغم القوة المؤللة الكبيرة التي نزلت إلى نهر الكلب وجل الديب والذوق، والتي كان الهدف منها إظهار حشد القوة لاستحالة استعمالها.
اما الملاحظة الثانية، فكانت استمرار الحركات الاحتجاجية امام المبنى الرئيسي لمصرف لبنان في الحمرا والتي توسعت إلى المناطق، وتحميله مسؤولية الانهيار المالي والنقدي، بينما أعلنت جمعية المصارف الاستمرار بالاقفال إلى حين استتباب الأوضاع لتمكين الموظفين من الحضور إلى أعمالهم.
ولم يحل سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة التي هطلت في فترة الغروب، دون استمرار المواطنين في التجمع في أماكن احتشادهم سواء في بيروت أو طرابلس، أو صيدا وصور والنبطية وجل الديب والذوق وصولاً إلى جبيل وعكار وزحلة والبقاع الغربي وبعلبك – الهرمل، حيث سجل توافد المزيد من المتظاهرين تحت المطر وتحت الخيم التي نصبوها في الساحات حيث يتجمعون.
وافيد بالنسبة لقرار توريط الجيش بفتح الطرقات المقطوعة، ان الرئيس ميشال عون التقى مساء أمس قائد الجيش العماد جوزاف عون، لكن المعلومات الرسمية ادرجته في إطار اللقاءات والاتصالات التي أجراها رئيس الجمهورية أمس، حول ما يتعلق بموضوع الحراك المدني، وقالت ان البحث تناول مسألة قرار فتح الطرقات من دون تعنيف أو قمع للمتظاهرين، وان مسألة فتح الطرقات يعود توقيتها لقيادة الجيش.
وكانت ثورة من الاحتجاجات العارمة عمت الشارعين الكسرواني والمتني ومحطات تجمع المتظاهرين في كل من جل الديب والذوق وغزير وجبيل والبترون، عندما حاولت قوات كبيرة من الجيش مدعمة بالآليات فتح الطرقات بغرض إفساح المجال لعودة الحياة إلى طبيعتها، وهو ما رفضه المتظاهرون، فكانت ردّات فعل شعبية عفوية وغاضبة ومستنكرة لقرار زج الجيش في صدام مع شعبه بدل حماية المتظاهرين. وانتشرت بشكل عفوي صور عناصر الجيش تعانق المتظاهرين وصورة أحد العسكريين يبكي وهو يقتحم بآلية عسكرية موقع الاعتصام في الذوق لتفريق المتظاهرين، وحصل تدافع كبير بين الجيش والمتظاهرين في جلّ الديب ضمن محاولة لفتح الطريق بالقوّة وإزاحة المتظاهرين من الطريق بعدما أعطوا الحكومة مهلة 48 ساعة قبل التصعيد.
ونزل كلّ من النوّاب سامي الجميّل، والياس حنكش الى الشارع. كما توجه النائب نعمة افرام على وجه السرعة الى بكركي ومن بعدها توجه الى الزوق للانضمام الى التظاهرة والوقوف الى جانب المتظاهرين بوجه عمليات القمع التي يتعرضون له.
وقرعت أجراس الكنائس في مناطق كسروان احتجاجاً على ما يحصل في زوق مصبح بالتزامن مع دعوة للنزول الى موقع التظاهر، لكنه في فترة بعد الظهر تم فتح طريق نهر الكلب التي تربط الشمال ببيروت. ووقف الجيش على خط تماس بين المسلك الشرقي والمسلك الغربي للاوتوستراد بعد العجز عن محاولة ردع المتظاهرين في جل الديب.
وقبل ان يستتب الوضع، عبر فتح مسرب واحد، سارعت قيادة الجيش إلى طمأنة المتظاهرين، في تغريدة على “تويتر” مؤكدة التزام الجيش حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن اقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالهم للقيام باعمال شغب”.
لجنة الإصلاحات
سياسياً، وفيما تواصلت الاتصالات بين المسؤولين لمعالجة الأوضاع على الصعيدين السياسي والحكومي والأمني، والبحث في الخيارات المطروحة بين تطعيم حكومي، أو ما يسمى بالتعديل الوزاري، أو الاستقالة المستبعدة حتى الآن، ترأس الرئيس سعد الحريري اجتماعاً في “بيت الوسط” للجنة الوزارية المكلفة درس الإصلاحات المالية والاقتصادية، من أجل مواصلة درس وإنجاز الإصلاحات المطلوبة، والتي سبق ان نوقشت في اجتماعات سابقة للجنة.
وعلمت “اللواء” من مصادر وزارية ان البحث تناول تطبيق مشروع قانون استعادة الاموال المنهوبة الذي تقدم به تكتل “لبنان القوي”، ومشروع قانون مكافحة التهرب الضريبي. وقالت مصادر اللجنة: انه تقرر فتح المجال امام المجتمع المدني لإعطاء رأيه في مشروع استعادة الاموال المنهوبة وسيتم التواصل مع ممثلين عنه للاستماع الى مقترحاته.
وبالنسبة لمشروع مكافحة التهرب الضريبي، اوضحت المصادر ان النقاش تركز على الاجراءات الواجبة لحصول وزارة المالية على المستندات والمعلومات الكافية لملاحقة المتهربين من الضرائب.
وقالت: ان النقاش تناول الجوانب التقنية وأن هناك تقدما في بحث مشروعي القانونين.
الأربعاء النيابي
وعلمت “اللواء” ان النقاشات في لقاء الاربعاء النيابي عند رئيس المجلس النيابي نبيه بري، طال امورا كثيرة عرضها هو او ردا على تساؤلات النواب. ومما قاله حسب مصادرنيابية: ان الحراك الشعبي محق في مطالبه، وهو حرّك الحكومة لتستعجل في إقرار الموازنة العامة 2020 وإقرار الاصلاحات المطلوبة بعد المماطلة التي حصلت في غير محلها. والمهم الان سرعة تنفيذ المقررات الاصلاحية، وتحضير مشاريع القوانين اللازمة واحالتها الى المجلس النيابي لدرسها وإقرارها.
واشار الرئيس بري، الى ان معلوماته تفيد ان لا استقالة للحكومة، لأنه لو حصلت الاستقالة هل يمكن ان يحتمل البلد الفراغ او الفوضى؟ وكشف انه اتصل بالرئيس الحريري ليل امس (الاول) وسأله عن صحة ما يتم ترويجه عن احتمال استقالة الحكومة، فرد الحريري بالنفي.
جولة الاشتراكي
في هذا الوقت، جال وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي على كل من الرئيسين برّي والحريري، بغرض عرض آخر المستجدات السياسية في البلد، في ضوء استمرار التظاهرات في الشارع
وحسب المعلومات المتوافرة، فقد طرح وفد الحزب مطلبه بتغيير الحكومة واعداد قانون انتخابي جديد واجراء انتخابات نيابية جديدة. فيما أفادت قناة الـ”او تي في” أن لقاء الوفد كان بمثابة جلسة مشاورات بكل الخيارات المطروحة راهنا لمعالجة الوضع. و”تمنى الحريري على وفد الاشتراكي ان يتريث في حال كان لديه توجه نحو الاستقالة من الحكومة”. وتوجه وفد “الاشتراكي” للحريري بالقول: “الشارع بلٌش يفلت” والامر لا يحل الا بصدمة ايجابية”.
وقالت مصادر سياسية متابعة للتطورات، لـ”اللواء” ان لا أفق حتى الساعة لفض التظاهرات، خصوصاً وأن المسؤولين اصبحوا على يقين ان لا ثقة للمواطنين بهم، لذلك فان الحكومة ستعمل كل ما في وسعها من اجل احداث صدمات ايجابية عملية تعيد الثقة بينها وبين المواطن.
وشددت المصادر على ان الرئيس الحريري ليس في وارد وضع القوى الامنية بكافة اجهزتها بمواجهة مع المتظاهرين ولن ينجر الى هذه الخطوة، حيث يعتبر ان مطالب المواطنين محقة.
وحول اجتماع وفد الحزب الاشتراكي مع الرئيس الحريري تشير المعلومات آلى ان البحث تناول كافة المستجدات والتطورات الاخيرة، وموقف الحزب منها خصوصا انه لا يزال لديها طروحات اساسية لم يتم الاخذ بها.واشارت المصادر الى ان التشاور مع رئيس الحكومة سيبقى مفتوحا خصوصا ان ما يجري لا يبشر بانتهاء الاعتصام في وقت قريب.
وعن امكانية تقديم الحزب استقالة وزيريه من الحكومة تقول المصادر كل الامور ستجري في وقتها وهي لم تنف او تؤكد امكانية الاستقالة، معتبرة ان لبنان حاليا في مأزق حقيقي ولا يمكن الاستهانة بمطالب الشارع الذي لا بد من تنفيذ الكثير من مطالبه المحقة.
عون يخرج عن صمته
إلى ذلك، كشفت مصادر على صلة بأجواء قصر بعبدا انه كان يفترض ان تكون للرئيس عون كلمة إلى اللبنانيين أمس، لكن هذه الكلمة تأجلت إلى اليوم وذلك لافساح المجال امام حركة المشاورات التي تتم عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بين عين التينة و”بيت الوسط” للبحث في إمكانية اجراء تعديل وزاري أو احتمال تغيير الحكومة، مشيرة إلى ان هذا القرار رهن بإرادة الرئيس الحريري الذي عليه اتخاذ خياره بالتعديل الوزاري أو الاستقالة، لافتة إلى ان تمهل الحريري سببه انه يُدرك بأن استقالة حكومته أو تعديلها يعني انه يفترض الاتيان بحكومة جديدة لا تضم وزراء استفزازيين، باتوا معروفين من كل النّاس.
نداءان من بكركي ودار الفتوى
وسط هذه الاجواء، صدرت دعوتان لاحتضان الانتفاضة، الأولى مسيحية حيث دعا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي رئيس الجمهورية “المؤتمن على الدستور الى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات الملائمة بشأن مطالب الشعب فاستمرار شلل الحياة العامة في البلاد سيؤدي الى انهيار مالي واقتصادي ما يرتد سلبا على الشعب”.
وتوجه الى الشعب المنتفض في لبنان وبلاد الانتشار طالباً منه “ان يحافظ على سلميته ويمنع اي طرف من استغلال صرخته ويحولها حركة انقلابية ويشوه وجهها الديمقراطي”. وناشد المجتمع الدولي “ان يؤدي دوره في دعم اول ديمقراطية نشأت في هذا الشرق ومساعدة لبنان في حل المشاكل”.
ودعا الراعي بعد اجتماع طارئ عقده في بكركي مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك وبمشاركة المطارنة الارثوذكس، إلى احتضان انتفاضة ابنائنا المشروعة وحمايتها وإلى ان يتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنيَّة ومنها: حكمٌ ديمقراطيّ، حكومة ذات مصداقيَّة، قضاء مستقل وعادل، أداءٌ شفَّاف، حيادٌ عن الصراعات، تطبيق اللامركزيَّة الإداريَّة، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفُرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعيَّة لمختلف فئات الناس. وقال: هذه أبسط حقوق الناس بعد مئة سنة على نشوء دولتهم”.
وقبيل الاجتماع سئل متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة عن الذين يطالبون بفتح الطرقات بهدف الذهاب إلى العمل، فقال: “هل كانوا يعملون في السابق؟”، مشيراً إلى ان “الفراغ أفضل مما نعيشه اليوم”.
ومن جهته، طالب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في بيان، “الدولة بتفهم أسباب الانتفاضة الشعبية والتعامل معها بمسؤولية عالية واحتضان مطالب الشعب والاهتمام بمعاناته واحترام هذه الوقفة الشعبية التضامنية التاريخية والوطنية التي جمعت اللبنانيين ووحدت بينهم”، مُشيداً بـ”الروح الوطنية الجامعة التي خيمت على التجمعات في المدن والقرى وفي الساحات المختلفة”، ومُعرباً عن أمل دار الفتوى في أن “تكون المقررات الأخيرة ?لمجلس الوزراء بداية للإصلاح المنشود”، ومقدّراً “موقف الجيش اللبناني في المحافظة على امن وسلامة المتظاهرين، وفي الدفاع عن الممتلكات الخاصة والعامة”.