كتبت صحيفة “اللواء” تقول: ماذا بعد رفض منظمي التظاهرات من بيروت إلى طرابلس وصيدا واقضية الجنوب وجبل لبنان والبقاع قرارات مجلس الوزراء، التي وصفت بانها “قرارات إصلاحية تاريخية”، وباقرار مشروع موازنة 2020 من دون ضرائب إضافية وبعجز 0.63?، وتخفيض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب 50?. واعداد مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة وإنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد قبل نهاية السنة، إلى آخر ما تضمنته الورقة الإصلاحية، والتي تكرست بكلام للرئيس سعد الحريري، والذي خاطب المتظاهرين من بعبدا بالقول: ان الإجراءات المتفق عليها قد لا تُلبّي المطالب، ولكنها “خطوة أولى لنبدأ بالحلول”، معتبراً ان الخطوات ليست لإخراج النّاس من الشارع ويجب على الحكومة ان تعمل لاستعادة ثقة النّاس.
لكن الثقة المفقودة أسقطت ورقة الإصلاحات، ووضعت الطبقة السياسية امام المأزق.. ففي حين كانت الدوائر الإعلامية تنفي على لسان النائب السابق وليد جنبلاط استقالة وزرائه من الحكومة، وعلى لسان المكتب الإعلامي في الرئاسة الأولى، من ان صحة الرئيس ميشال عون في تدهور، فضلاً عن مسارعة الجهات الإعلامية بنفي ان تكون حركة “امل” أو حزب الله معنيين بالدراجات النارية، التي ذهبت إلى الوسط التجاري، حيث يعتصم المتظاهرون ومنعهم الجيش اللبناني من الاشتباك مع المتظاهرين.
على ان غياب الثقة، وفقا لمصادر دبلوماسية متابعة للحدث الكبير الذي يلف لبنان، أبلغت “اللواء” ان سنوات طويلة من انعدام الثقة لا يُمكن كسبها بـ72 ساعة، أو أكثر، موضحة ان الطبقة السياسية امام المأزق الكبير، وانه لا يُمكن تجاهل حجم المشاركين في التظاهرات، ودورهم في أية خطة سياسية جديدة للإنقاذ، على الرغم من التلويح بالعصيان المدني أو إعلان حالة الطوارئ.
رفض شعبي لقرارات الحكومة
في هذا الوقت، لم يطرأ أي تحول على مسار الحراك المدني في يومه الخامس على التوالي، على الرغم من إصدار حكومة الرئيس سعد الحريري مجموعة قرارات وإجراءات ووعود، وصفت بالاصلاحية، بالتزامن مع إقرار الموازنة الجديدة للعام 2020 بنسبة عجز تبلغ صفر في المائة تقريباً، غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، غير ان اللافت ان المتظاهرين تضاعفت اعدادهم في أماكن تجمعاتهم في بيروت وطرابلس وجونيه وصيدا وصور وبعلبك والنبطية في ما يشبه الرد الواضح على رفضهم القرارات الحكومية، أو بالأحرى الوعود، لأن معظم بنود الورقة الإصلاحية تتخذ صفة المؤجل وليس المعجل الذي يطالب به المتظاهرون، معتبرين انها لا تتضمن أية أفعال، وسبق للوعود ان تكررت في بنود مؤتمر “سيدر” وخطة ماكينزي والبيان الوزاري.
وأضيف إلى استمرار التظاهرات وتزايد اعدادها ولا سيما في طرابلس تطوّر آخر طرأ على صعيد ما يمكن تسميته “المواجهة السياسية”، تمثل بعودة ظهور مجموعات من الدرجات النارية التي دأبت على التجول في شوارع العاصمة، منذ بدء التحركات الاحتجاجية، بالتزامن مع إحراق اطارات السيّارات وقطع الطرقات، لكنها هذه المرة ظهرت وهي ترفع اعلام “حزب الله” وحركة “أمل” وتهتف للرئيس نبيه برّي والأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله وللشياح والغبيري، في ما يشبه التحدي الواضح للمتظاهرين والمتجمعين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، أو محاولة الاحتكاك بهم لاستفزازهم تمهيداً لاخراجهم من الشارع، الا ان هذه المجموعات لم تحاول الاقتراب من أماكن تجمع المتظاهرين، واكتفت بالتجول في شوارع رأس النبع وفردان والطريق الجديدة، وكورنيش المزرعة، وصولاً إلى سليم سلام وبشارة الخوري وجسر الرينغ، حيث نقطة تجمعهم.
وقالت مصادر قيادية مسؤولة في حركة “أمل” تعليقا على المسيرات التي انطلقت في بيروت بالدراجات النارية: ان لا قرار رسميا من الحركة والحزب بتسيير اي تظاهرة، وما جرى تحرك عفوي تلقائي، ونحن نحترم حق التعبير والتظاهر للجميع، شرط التزام القوانين وعدم التعرض للممتلكات والاشخاص والرموز الوطنية والدينية، من منطلق حرصنا على الاستقرار الامني والسياسي. والبدء بتنفيذ خطة الاصلاحات التي اقرها مجلس الوزراء اليوم (أمس).
مسيرة الدراجات النارية المناوئة للتظاهرة في وسط بيروت
كذلك نفت العلاقات الإعلامية في حزب الله ان تكون لها علاقة بمسيرة الدراجات.
وذكرت المعلومات ان الجيش اللبناني منع المسيرة من النزول باتجاه ساحات الاعتصام واوقفها في شارع مونو.
وأفاد موقع “مستقبل ويب” الناطق بلسان تيّار “المستقبل” ان للرئيس الحريري اتصل بقائد الجيش العماد جوزف عون وعرض معه التطورات الأمنية، وأنه “شدّد خلال الإتصال على وجوب حماية المتظاهرين وعدم السماح بالمساس بأيّ منهم، مع التأكيد على وجوب فتح الطرقات إفساحاً في المجال أمام حرية تنقل المواطنين في كلّ المناطق وتأمين الخدمات الصحية والمعيشية”.
وافادت محطة الـ”ام تي في” ان قيادة الجيش ليست بوارد التحرك وفتح الطرقات بالقوة ونقلت عن مصدر عسكري رفيع قوله : “إن طلبت الناس نجدتنا ومساعدتنا فسنلبي نداءها فقط في هذه الحالة نساعدها بفتح الطريق”.
كما نقلت عن مصدر في قوى الأمن الداخلي تأكيده: لن نفتح الطرقات بالقوّة وهذا الأمر ليس وارداً”.
وأصدرت قيادة الجيش بياناً أكدت فيه انها غير معنية بأي خبر لا يصدر عنها.
ونقلت قناة “العربية” عن مصدر حكومي ان هناك اتجاهاً لاعلان حالة الطوارئ في البلاد، لكن مصدراً في رئاسة الحكومة سارع إلى نفي هذا الخبر.
تزامناً، كشف سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري انه تمّ اجلاء 870 مواطناً سعودياً من لبنان منذ يوم السبت الماضي وحتى مساء أمس، ولفت إلى ان هناك خمس طائرات تابعة للطيران السعودي ولطيران الشرق الأوسط تنقل يومياً الرعايا السعوديين من بيروت إلى المملكة، وان هناك رعايا سعوديين فضلوا المغادرة إلى القاهرة أو دبي.
وتمنى السفير بخاري ان يعود الأمان والسلام إلى ربوع لبنان في أسرع وقت ممكن.
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء أقر في جلسته امس في قصربعبدا التي استمرت اربع ساعات، مشروع موازنة 2020 بنسبة عجز صفر فاصل 63، ووقعه رئيس الجمهورية ميشال عون فوراً واحاله الى المجلس النيابي، فيما اقر المجلس ورقة الاصلاحات الاقتصادية والمالية من 25 بنداً، وجرى حولها نقاش مستفيض وسجال بين وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر،وانتهت الجلسة على توافق مع تحفظات لوزيري الاشتراكي، اللذين خرجا من الجلسة قبل انتهائها، واعلنا انهما ينسحبان من الجلسة وليس من الحكومة، وهو ما أكد عليه ليلاً رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط لقناة “الميادين”.
وذكرت مصادر وزارية ان السجال جرى حول بندي تجديد ولاية اعضاء هيئة ادارة قطاع البترول، وتعيين مجلس ادارة كهرباء لبنان، حيث اصر الاشتراكي على تعيين هيئة قطاع النفط قبل تعديل القانون الخاص بها، لا التمديد، وعلى الاسراع في تعيين مجلس ادارة الكهرباء.كماطلب اعتماد بعض البنود الواردة في ورقته الاصلاحية والتي لم يؤخذ ببعضها.علما انه تم الاخذ بالكثير مما ورد في الورقة لا سيماخفض عجز الكهرباء واستيفاء مخالفات الاملاك البحرية والنهرية، والضريبة التصاعدية.
ووصف وزير شؤون النازحين صالح غريب جو النقاش بالايجابي، وقال لـ”اللواء”: ان كل الاطراف مقتنعة بضرورة الاصلاح، وان اقرار الورقة الاصلاحية جاء تلبية لمطالب الناس، بل بالحقيقة الناس هي التي فرضت الاصلاحات ولا فضل للطبقة السياسية. فالاستمرار في الوضع الذي كنا فيه يمثل غرقاً بطيئاً والاستقالة من الحكومة يمثل غرقاً وسيعاً.
وحول توقعه لمدى استجابة المواطنين المحتجين لمااقره مجلس الوزراء؟ قال: علينا انتظار يومين أو ثلاثة، ان الناس محقة في مطالبها، لكن بعض المطالب تؤذي الناس مثل استقالة الحكومة والدخول في الفراغ، ومحاولة بعض القوى السياسية تشريع بعض الساحات في حملات لا نعرف الى اين تؤدي امر خطير. لكن الناس هي التي دفعت باتجاه اقرار الاصلاحات وهي حققت الانجاز وهي صنعت الاصلاحات.
وقال وزيرالدولة لشؤون الاستثمار والمعلوماتية عادل افيوني لـ”اللواء”: المواطنون الذين يتظاهرون في كل لبنان اهلنا، وجعهم وجعنا وهم يعبرون بوطنية ووعي ورقي عن آلامهم ويجب ان نستمع الى مطالبهم لأنها محقة وشرعية. لكن واجبنا تجاه المواطنين كذلك هو ان نتحمل مسؤوليتنا وان نؤمن الاستمرارية والاستقرار، لا سيما الاستقرار المالي ومن هنا اهمية الاجراءات والقرارات التي اتخذت بغض النظر عن مصير الحكومة الحالية .
واضاف: الورقة الاصلاحية التي اقرت ايجابية وهي كانت مطلباً اساسياً منذ تشكيل الحكومة واقرارها ضرورة. والحق يقال ان الحراك الشعبي كان عاملا فعالا في تسريع الموافقة عليها من كل الافرقاء. اما الموازنة فهي واجب وكان ضروري الالتزام بهذا الواجب ضمن المهل الدستورية، وهي شرط مهم لتأمين استمرارية الدولة والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي.
وتابع: في المضمون هناك عناوين إيجابية من شانها اذا تم تنفيذها ان تضع الاقتصاد والبلد على سكة الإنقاذ والنمو، ومن اهم هذه العناوين: تصفير العجز في 2020 من دون زيادة اي رسوم او ضرائب، وهذا امر غير مسبوق يعطينا فسحة لإستعادة ثقة الاسواق والانخفاض في الفوائد، ولتنفيذ الاصلاحات البنيوية مثل خطة الكهرباء والتشركة ومكافحة التهرب الجمركي والضريبي في اسرع وقت.
المقررات الإصلاحية
ومن ابرز المقررات التي اتخذها مجلس الوزراء في جلسته برئاسة الرئيس عون وغياب وزراء “القوات اللبنانية” الذين كانوا تقدموا باستقالتهم من الحكومة: مساهمة القطاع المصرفي ومصرف لبنان بخفض العجز بقيمة 5100 مليار ليرة وزيادة الضريبة على ارباح المصارف، وخفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50%، وخفض موازنات مجلس الانماء والاعمار وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب بنسبة 70%، واعداد مشروع استعادة الاموال المنهوبة، وقانون انشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد قبل آخر السنة الحالية، واقرار مشاريع المرحلة الاولى من مؤتمر “سيدر” وقيمتها 11 مليار دولار خلال ثلاثة اسابيع.
وشدد الرئيس عون في مستهل الجلسة على “ان ما يجري في الشارع، يعبّر عن وجع الناس ولكن تعميم الفساد على الجميع فيه ظلم كبير، لذلك يجب ان نبدأ باعتماد رفع السرية المصرفية عن حسابات كل من يتولى مسؤولية وزارية حاضراً ومستقبلاً”.
من جهته، تحدث الرئيس الحريري بعد انتهاء الجلسة، مشيداً بالتحرك الشعبي الذي عزا اليه سبب التوافق على هذه القرارات في مجلس الوزراء، ومشيراً الى انها “ليست للمقايضة او للطلب من الناس مغادرة الشارع، فهم من يحدد ذلك”.
واكد الرئيس الحريري وقوفه شخصياً مع مطلب اجراء انتخابات نيابية مبكرة، معتبراً ان اللبنانيين كسروا كل الحواجز وهزوا كل الاحزاب والتيارات والقيادات والاهم انهم كسروا حاجز الولاء الطائفي الاعمى، آملاً ان يشكل هذا الامر بداية نهاية النظام الطائفي في لبنان. (التفاصيل ص3).
نفي شائعات
وليلاً، أعلن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ان “لا صحة إطلاقًا للشائعات التي وزعت مساء امس حول صحة الرئيس عون. ودعا المكتب إلى التنبه من مثل هذه الأكاذيب التي تروجها جهات معروفة بقصد احداث بلبلة في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد.
كذلك نفت وكالة “رويترز” ان تكون نقلت خبراً عن وفاة الرئيس عون اثر اصابته بذبحة قلبية، أو ان جنبلاط صرّح لها بأن حزبه قرّر الاستقالة من الحكومة، وان ورقة الحريري مرفوضة.
وقالت الوكالة ان هذه الاخبار المنسوبة إليها كاذبة وعارية تماماً عن الصحة، ولم ترد عن نشرتها أي اخبار بهذا المعنى، وإنما تناقلتها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم “رويترز” بشكل زائف.
وتمنت على المشتركين ان يتابعوا اخبار نشراتها على الموقع الرسمي للوكالة على الانترنت.
إلى ذلك، وفي مؤشر غير مطمئن، هوت السندات الحكومية للبنان بمقدار سنت واحد أو أكثر اليوم عقب الاحتجاجات العارمة وهوى إصدار 2025 بمقدار 1.34 سنتا في الدولار ليجري تداوله عند 65.5 سنتات، حسبما أظهرته بيانات تريدويب، لتصل خسائر السندات في يومين إلى حوالي أربعة سنتات. الى ذلك، افادت تريدويب ان سندات لبنان الدولارية تواصل هبوطها مع اجتماع الحكومة لبحث إصلاحات اقتصادية في اليوم الخامس للاحتجاجات وإصدار 2022 يهبط 2.7 سنت لمستوى قياسي منخفض عند 69.75 سنت.