تناولت مجلة “فورين بوليسي” تداعيات عملية “نبع السلام” التي بدأتها تركيا في شرق الفرات، موضحةً أنّ انسحاب الولايات المتحدة من شمال سوريا أثار نقاشيْن في عواصم المنطقة: يتعلّق الأول بإمكانية الوثوق بالحكومة الأميركية كشريك، أمّا الثاني فبالطريقة التي سيصل عبرها اللاعبون المتبقون في سوريا إلى توازن سياسي جديد.
وفي تقريرها، حذّرت المجلة من أنّ الانسحاب الأميركي يزيد فوضى النزاع السوري الاستراتيجي، مستدركةً بأنّ الجهة التي ستستفيد بشكل كامل ما زالت غير واضحة، ومبينةً في الوقت نفسه أنّ بعض الشراكات يُفض في حين يتعزز بعضها الآخر.
وفي هذا الإطار، رجحت المجلة تعمّق الانقسامات بين روسيا وإيران وتركيا، مشيرةً إلى أنّ التباينات بين البلدان المذكورة حالت دون إحراز تقدّم كبير في إطار اللجنة الدستورية السورية.
على مستوى روسيا التي استوعبت ضمناً العملية التركية ودعت بشكل صريح إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضبط النفس، توقعت المجلة أن يزيد استياء الكرملين مع توسع العملية التركية بطريقة من شأنها تهديد تقدّم اللجنة الدستورية وتعريض تعزيز الرئيس السوري بشار الأسد لنفوذه للخطر.
على مستوى السعودية والإمارات، قالت المجلة إنّ أنباء الانسحاب الأميركي استُقبلت بـ”خوف”، لافتةً إلى أنّ أبو ظبي أصبحت بعد إعادة فتح سفارتها في دمشق جزءاً أساسياً من مسار الحل السوري، وذلك عبر قنوات سرية بصورة رئيسية مفتوحة مع الحكومة السورية بتشجيع روسي. في هذا الصدد، كشفت المجلة أنّ وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش رفض خلال هذا المسار خطط تركيا الرامية إلى إنشاء منطقة آمنة في سوريا بموجب الطريقة التي تعمل عليها حالياً.
في ما يختص بالسعودية، حذّرت المجلة من أنّ الانسحاب الأميركي سيفاقم التوترات مع تركيا، لافتةً إلى أنّ الرياض استثمرت ديبلوماسياً واقتصادياً لتبديد التوتر بين “قوات سوريا الديمقراطية” والقبائل العربية في شمال سوريا (زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان دير الزور في حزيران الفائت). وتابعت المجلة بأنّ الأحداث الأخيرة تسطر تأزماً حاداً للعلاقات السعودية-التركية منذ تحالفهما الوثيق في السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق عندما سعيا إلى الحؤول دون سقوط العراق بيد إيران. وأوضحت المجلة أنّ الانقسامات الطائفة أنتجت آنذاك تحالفاً عميقاً بين الرياض وأنقرة وغيرهما من “الأنظمة السنية”، متحدثة عن إمكانية حصول ذلك مجدداً، “لا سيما إذا اكتسبت المجموعات الطائفية غير الخاضعة للدولة قوة بعد الانسحاب الأميركي من سوريا”.
في ما يختص إيران، تناولت المجلة احتمال حصول مواجهة بين المجموعات المسلحة التي تدعمها طهران وعناصر “داعش” في سوريا، كما حصل قبل 4 سنوات في العراق. وفي حال اشتعال نزاع طائفي في المنطقة مجدداً، توقعت المجلة سقوط إشارات التقارب المبدئية بين إيران والسعودية.
ختاماً، رأت المجلة أنّ هذا الأسبوع شهد اتفاقاً بين دول المنطقة باستثناء تركيا، معتبراً أنّ النتيجة الأوضح للانسحاب الأميركي ليست سوى ضمانة باستمرار النزاع من دون نهاية تلوح في الأفق.