كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : الترقب سيّد الموقف، الى حين ظهور المفاعيل الحقيقية لتعميم مصرف لبنان، والهدوء الذي يشهده سوق الصيرفة منذ ما بعد صدور التعميم، يُقارب بحذر على مستويات سياسية واقتصادية، وبقلق لدى مختلف الفئات الشعبية من أن يكون هدوء ما قبل العاصفة.
على أهمية التعميم الذي أوجد من جهة الحصانة للسلع الثلاث: الدواء، المحروقات والطحين، بتوفير دولارات استيرادها، ومن جهة ثانية، إعادة بعض الانضباط لسوق الصيرفة، بعد التفلّت الأخير الذي شهده، الّا انّ مجموعة أسئلة تواجه السلطة الحاكمة في المقابل:
- ماذا عن مصير السلع والمواد الاستهلاكية الأخرى التي تستورد من الخارج وتتصِل مباشرة بحياة المواطنين، وتتطلب بدورها توفير الدولار لاستيرادها؟
- كيف ستتصرف هذه السلطة حيال هذه المشكلة، وهل هي بصدد اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه المشكلة من دون ان تستنزف من احتياطي مصرف لبنان؟ خصوصاً انّ صرخات التجار والمستوردين بدأت تتعالى، وتفوقها صرخات الناس ممّا هم مقبلون عليه من شح في المواد الاستهلاكية، ومن ارتفاع كبير في أسعار ما قد يتوافر منها، في وقت يجمع الخبراء الاقتصايون على الانحدار المريع في القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، وتراجعها الى حدود خطيرة، فاقت حتى الآن الـ20 في المئة.
- وهل هذه السلطة تملك في الاساس قدرة استرداد ثقة الناس التي انعدمت بها؟ وهل يصدق اللبنانيون انّ سلطة غير موثوقة، أهّلت البلد للسقوط في المحظور، بأداء تحوم حوله الشبهات، قادرة على اجتراح حل إنقاذي؟ والأسوأ من ذلك انها تحجب عمداً هذا الاداء بمحاضرات فارغة ليلاً ونهاراً، عن العفة السياسية والاقتصادية!
- هل تدرك السلطة انّ الكلام لا يعالج المشكلة القائمة، وانّ المطلوب عملاً صادقاً وجدياً وبطرق غير تقليدية، تطمئن المواطن من جهة، وتمنع هبوب عاصفة الشارع التي تتكوّن، وأوّل غيثها كان تحركات الأحد الماضي؟
من البديهي القول في ظل هذه الازمة انّ الكرة كانت وما زالت في ملعب السلطة الحاكمة، ولكن المزاج الشعبي العام لا يرى أملاً في الرهان عليها، ولعل الجواب جاء تغريدة لأحد المواطنين وفيها : “انّ حكامنا الاعزاء وفّروا علينا انتظار وكالات التصنيف، وقراراتها لإسقاط لبنان من فئة الى فئة أدنى، فقد نابوا عنها وأسقطوا اللبنانيين وبلدهم في الحضيض… شكراً ايها الحكام، فقد أصبحنا بفضلكم ضحايا مُلقاة على طريق الانهيار السريع”.
بري
منذ صدور تعميم مصرف لبنان لتنظيم فتح اعتمادات بالدولار لتأمين استيراد المحروقات والطحين والدواء، شهد السوق المحلي بعض الارتياح، وتراجعت، وإن بشكل محدود، حدّة أزمة الطلب على الدولار.
هذا التعميم تلقّاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإيجابية، وقال لـ”الجمهورية”: لاحظنا بعض الهدوء بعد صدور التعميم، وبالتالي دعونا نعطيه وقتاً، لنرى مفاعيله.
ورداً على سؤال حول عمل الحكومة، قال بري: الامور كما نراها تؤشر الى اّن هناك عملاً يحصل، واجتماعات تجري بصورة مكثفة، بما يؤشر الى حالة طوارىء، لكن المهم مع كل هذه الاجتماعات، اضافة الى تعميم مصرف لبنان، هو أن نرى النتائج. والمطلوب هو ان نصل الى نتائج سريعة بما يؤدي الى الانفراج المطلوب للأزمة.
مفاعيل التعميم
فبعد أقل من 24 ساعة على صدور التعميم، بَدت الامور متعثّرة بدليل انّ قطاعين من أصل ثلاثة شملها التعميم تحفّظت على آليته.
من جهتها، توجهت نقابة أصحاب الشركات المستوردة للنفط في لبنان الى رئيس الحكومة سعد الحريري للاعتراض على الآلية المحددة في التعميم.
وانتهى الاجتماع الى توافق على عقد اجتماع لكافة المعنيين بالتعميم، من أجل ايجاد الحلّ العملي لتنفيذ الآلية.
من جهته، أعلن تجمّع أصحاب المطاحن في لبنان انّ مشكلة استيراد القمح ما زالت قائمة، لأنّ عملية استيراده لا تخضع للاعتمادات، وبالتالي ليس بمقدور أصحاب المطاحن تأمين 115 بالمئة من قيمة المستوردات من مادة القمح، فضلاً عن عمولة مصرف لبنان البالغة 0,05 في المئة.
وكشف مصدر في القطاع لـ”الجمهورية” انّ المصارف أبلغتهم كمستوردين للقمح، انّ التعميم لا يشملهم ولا يستطيعون الافادة منه.
الهيئات والعمال
الى ذلك، كان لافتاً أمس عقد اجتماع مشترك ضم الهيئات الاقتصادية اللبنانية وهيئة مكتب الاتحاد العمالي العام، في حضور رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد. وفي بيان مشترك صدر عن الاجتماع، تمّت المطالبة بإجراءات عدة، من أبرزها مطالبة “السلطة أن تحزم أمرها وتباشر فوراً باتخاذ اجراءات اصلاحية جذرية، يأتي في طليعتها خفض حجم القطاع العام وإعادة هيكلة نفقاته وإصلاح قطاع الكهرباء، وأيضاً الضرب بيد من حديد لوقف التهريب والتهرب الضريبي والاقتصاد غير الشرعي والفساد”. بالاضافة الى رفض الزيادات الضريبية، وضرورة البدء في تنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر.
حراك… متأخر
في الصورة السياسية، تبدو السلطة وكأنها بدأت في الايام الاخيرة بحراك احتوائي للأزمة؛ ويتبدّى ذلك في زحمة اجتماعات حكومية، ولجان وزارية، وتنقيب عن اجراءات وإصلاحات، ووعد بموازنة غير كل الموازنات، الّا انه حراك بَدا انه تأخّرَ سنوات عن موعده المفترض قبل تفاقم الازمة، وبات بالتالي أشبه بحراك ما بعد خراب البصرة!
وقد حضرت هذه الازمة في اجتماع المطارنة الموارنة الشهري في بكركي، حيث اعتبروا انه “لا يمكن أن ترى الاصلاحات النور ما لم يعمل الجميع على وقف مزاريب الهدر، ووقف تهريب السلع عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، ومحاربة الفساد بشجاعة وشمول لا يقيمان وزناً إلّا للصالح العام”.
وأبدوا ارتياحهم للقرار الوسيط الذي اصدره حاكم مصرف لبنان، آملين أن يزيل هذا التدبير القلق والهلع لدى اللبنانيين، ويفتح أمام الحكومة طريق الحل للأزمة الاقتصادية والمالية.
إجتماعات
وفي سياق الحراك المتجدد، تندرج الاجتماعات المتلاحقة في السراي الحكومي، سواء حول دراسة مشروع موازنة 2020 او بحث الخطوات الاصلاحية التي تمّ تناولها في اجتماع اللجنة الوزارية، التي عقدت في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري. ووصف وزير المال علي حسن خليل الاجتماع بالمفيد جداً، والبحث تمّ في جو ايجابي جداً، خلافاً للأجواء التي تحدثت عن انقسام واختلاف داخل اللجنة حول هذا الموضوع.
خليل
وقال خليل لـ”الجمهورية”: نحن في حاجة الى مجموعة إجراءات تتوزع بين قوانين او مراسيم او قرارات، تصدر في موازاة مشروع الموازنة.
اضاف: بالنسبة لي قبل 15 تشرين الاول يجب ان تكون الموازنة في طريقها الى المجلس النيابي، وبهذا الوقت نستطيع إقرار مشاريع قوانين، أقلّه قانون المناقصات وقانون التهرب الضريبي وقانون الجمارك، وهذه هي الاصلاحات الكبيرة والمهمة، وهذه القوانين انتهينا منها، وأطالب منذ مدة طويلة بإقرارها بعد إدراجها للنقاش.
وقال: الكل يبحث بالاصلاحات، ولكن ما هي هذه الاصلاحات؟ هناك بعض الاوراق والاقتراحات يمكن وصفها بـ”الحكايا”، واذا أردنا الحديث عن سيدر او البنك الدولي او صندوق النقد، فالقوانين الثلاثة توازي كل الاصلاحات.
اضاف: اما الاجراءات التي تؤمّن مداخيل اكثر، كالضرائب او الرسوم، فهي قيد النقاش، ونحن لسنا معها على الاطلاق، ولن نسير بها كزيادة الضريبة على القيمة المضافة والبنزين وتعرفة الكهرباء.
وحول إطلاق سندات اليورو بوند، كشف خليل انّ العملية قيد التحضير، وقد اخترنا مصرفين محليين، ومصرفين أجنبيين لادارة السندات.
وعلم انّ المصرفين المحليين هما “بنك لبنان والمهجر” و”سوسيتي جنرال”، والمصرفين الاجنبيين هما “سيتي بنك” الكندي، و”ستاندرد تشارترد”، اما الاصدار فيقارب الملياري دولار.
إصدار اليوروبوند
وقد تبين انّ اسعار الفوائد المقترحة للاصدار تتراوح بين 11.5 و12.5 في المئة. وهي اسعار مقبولة برأي الخبراء قياساً بالوضع في لبنان، ودرجة تصنيفه والظروف التي يمر بها. لكنّ العبرة تبقى هوية المُكتتبين. ذلك انّ اسعار الفوائد المطروحة قد لا تكون مغرية كثيراً، وهناك احتمال بأن تتغير حسب شهية السوق، على ما يؤكد لـ”الجمهورية” كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس نسيب غبريل.
وكشف مصدر مصرفي لـ”الجمهورية” انّ المصارف المحلية ستقدم على الاكتتاب، من اجل استبدال شهادات ايداع قديمة سبق واشترتها من المصرف المركزي بفائدة أقل.
وأكد انّه “لا يمكن من اليوم تقدير نتائج الإصدار، إلّا انّ المطلوب اليوم تأمين ملياري دولار وسيتم تأمينها وأكثر، لأنّ المصارف تتشجّع للاكتتاب باليوروبوند على عكس شهادات الإيداع اذ ليس في مقدورها بيع شهادات الإيداع في الاسواق الخارجية على عكس اليوروبوند”. )
أفيوني
وقال وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني لـ”الجمهورية”: شهدنا في الأسابيع الأخيرة اجتماعات مكثفة جداً ويومية من مجلس الوزراء واللجان الوزارية، ولا شك انّ هناك عملاً جدياً والنقاشات بنّاءة، وهذا مؤشر على التصميم لتحقيق تقدم في الملفات الاساسية، مثل خطة الكهرباء والموازنة والاصلاحات المالية والاقتصادية. ونحن في سباق مع الوقت، ونحتاج الى اجراءات تُحدِث صدمة إيجابية لدى اللبنانيين ولدى الاسواق لاستعادة الثقة.
وقال: وحدها استعادة الثقة سريعاً تلجم التدهور وتؤدي الى عودة تدفق الرساميل، وبالتالي الى انخفاض الفوائد المرتفعة التي تكبّل الاقتصاد والى تخفيض العجز في ميزان المدفوعات.
تفاح في مجلس الوزراء
على صعيد وزاري، علمت “الجمهورية” انّ وزير الزراعة حسن اللقيس، سيحمل معه الى جلسة مجلس الوزراء المقرر انعقادها في القصر الجمهوري في بعبدا اليوم، كمية من صناديق التفاح المزينة على شكل هدايا، ومكتوب على كل صندوق: “تفّاح بلادك إلَك ولولادَك”.
وسيقدم اللقيس التفاح الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء، معلناً من القصر الجمهوري إطلاق يوم التفاح اللبناني، المحدد بعد غد السبت.
”القوات”
الى ذلك، دعت “القوات اللبنانية” الى وقف تقاذف المسؤوليات.
وقالت مصادر القوات لـ”الجمهورية”: تقاذف المسؤوليات لا يقدّم بل يؤخّر في الوضع الذي نعيشه، فلا يمكن معالجة هذا الواقع بتوتير الوضع السياسي، من خلال ان يحمل هذا المسؤول المسؤولية لأطراف سياسية اخرى، هذا الامر لا يغيّر في الواقع الحالي، لأننا أمام واقع معيشي مأساوي، والخروج منه يقتضي العمل بجدية بعيداً عن تقاذف المسؤوليات وفتح دفاتر الماضي.
وعن رفع المسؤوليات، وبالتالي مقاربة الامور بواقعية ومسؤولية تامة، والذهاب الى الاصلاحات المطلوبة بعيداً عن الشعارات والاجتماعات والكلام الذي يفيد، حيث انه من المؤسف جداً اننا تعوّدنا على العلاج والمسكنات بدل العلاج النهائي واستئصال المرض القائم، وانّ “القوات” لن تقبل بتاتاً باستمرار هذا الواقع، ولن توافق على الانتقاد للانتقاد إنما تريد وتعمل في اتجاه الذهاب الى عمق القضايا من خلال الاصلاح، والقوات لن توافق على اي موازنة لا تتضمن اصلاحات جدية وحقيقية، وسيكون لديها في الايام المقبلة مزيد من المواقف التصعيدية في حال استمرت الوتيرة الحالية من دون الولوج في مضمون القضايا المطروحة، لأنه من دون إصلاحات لا استثمارات، ومن دون اصلاحات لا أمل في انقاذ الوضع الاقتصادي والحالي.
الكتائب
الى ذلك يعقد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل مؤتمراً صحافياً، واوضحت مصادر كتائبية لـ”الجمهورية” ان الغاية منه شرح الازمة الاقتصادية والسياسية التي نعيشها، وتفصيل الامور التي أوصلت الامور الى هذا الحد سياسياً واقتصادياً، مع تحديد المسؤوليات ودعوة السلطة ان تحمل مسؤولياتها، ورسم خريطة طريق للخروج من الازمة السياسية والاقتصادية.
واكدت المصادر ان “لا تغيير في مقاربة الكتائب للازمة لأنها في الاساس كانت ترى هذه الازمة منذ سنوات وحذّرت منها، فمن الواضح انذ هذه التسوية التي جرت من 3 سنوات، هي التي أوصلت البلد الى المأزق السياسي والاقتصادي الذي نمر به اليوم. وبالتالي، يتحمّل اطراف هذه التسوية المسؤولية على الاداء السيئ الذي قدّموه منذ 3 سنوات حتى اليوم