كتبت صحيفة “النهار ” تقول : الى أين تتجه البلاد في ظل تصاعد المواجهة السياسية بين العهد والحزب التقدمي الاشتراكي وحلفاء كل منهما، بعدما صار العهد فريقاً مباشراً فيها؟ وأي مرجع مؤهل لاحتواء الأزمة الخطيرة الآخذة في الاحتدام، خصوصاً بعد اتساع التعقيدات وارتفاع سقف التحدي بحيث يصعب “كسر” فريق يتهم رئيس الجمهورية وفريقه بالتدخل في القضاء لمحاصرته وتنفيذ حكم سياسي استباقي فيه، كما يصعب أكثر تراجع الحكم عن اتهامات كبيرة جداً للحزب التقدمي الاشتراكي بالاعداد لمكمن للرجل الأقرب والأكثر التصاقاً برئيس الجمهورية أي وزير الخارجية جبران باسيل بعدما بدل كلام الرئيس العماد ميشال عون الذي نشرته “النهار” قبل يومين الصورة الشاملة للازمة من خلال هذا الاتهام؟
والأهم من الاسئلة التي سبقت، أي مصير يترصد الحكومة ورئيسها سعد الحريري العائد ربما في الساعات المقبلة الى بيروت من اجازة عائلية في الخارج بحيث سيواجه زيادة تصلب التعقيدات التي شلت امكانات انعقاد مجلس الوزراء خشية انقسام يتسبب به مطلب احالة حادث قبرشمون على المجلس العدلي، فلما سقط هذا المطلب وباتت القضية أمام المحكمة العسكرية صارت الحكومة برمتها أمام خطر الانفجار بفعل اتساع المواجهة واحتدامها بين فريقين أساسيين فيها تحولت علاقتهما الى حرب سياسية واعلامية وقضائية بالغة الحدة والخطورة؟
مجمل هذه التساؤلات والمخاوف طرحت بقوة في الساعات الأخيرة بلا أجوبة وبلا أي آفاق حيال وساطات وجهود جديدة بعدما ارتفعت أصوات المواجهة وحدها وخلت الساحة من أي تحرك وسيط بما ينذر بتداعيات بالغة السلبية في الفترة المقبلة. وقد صحت التوقعات عن رفع الحزب التقدمي الاشتراكي سقف المواجهة ضد العهد وبعض وزرائه، كما لم يوفر التصعيد رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد. ويمكن النظر الى المؤتمر الصحافي الذي عقدته قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي أمس والذي تحدث فيه باسمها وزير الصناعة وائل أبو فاعور بانه شكل تطوراً مفصلياً في المواجهة المباشرة مع العهد لجهة الرد أولاً على الاتهامات التي طاولت الحزب في الاعداد لمحاولة اغتيال وزير، ومن ثم لجهة اعلان ما يشبه المضبطة الاتهامية لفريق وزاري – قضائي لصيق بالعهد اتهمه الحزب بالتدخل السافر المباشر في القضاء.
وقد حمل أبو فاعور رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير باسيل “المسؤولية المعنوية والسياسية والقانونية عن حادث قبرشمون من ألفه الى يائه”، سائلاً رئيس الجمهورية “من باب المصارحة: هل تقدّر يا فخامة الرئيس حجم المخاطر على لبنان وسلمه الأهلي واستقراره الأمني والسياسي المتأتية من الخطاب الطائفي المتعصب التدميري الذي يعتمده وارثك السياسي الوزير جبران باسيل والبعض في تياره، على مستقبل البلاد من موقع أبوتك الروحية لهذا التيار ومن موقع قسمك الدستوري؟ وما هي الخطوات التي ستتخذها من موقعك الدستوري لتدارك الأمور بدل الإيغال في منطق تصعيد الانقسام؟”.
وتحدث عن “عملية تزوير وتآمر في المحكمة العسكرية: وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي يصل الى حد تهديد القاضي كلود غانم لإجباره على الادعاء على الموقوفين من الحزب التقدمي بالمادتين الثانية والثالثة إرهاب لضمان الحصول على اتهام سياسي يستطيعون عبره اتهام مسؤولين في الحزب بالحادث، وربما كما يحلمون بسحب رخصة الحزب.
وزير الدفاع الياس بو صعب بدوره يمارس ضغوطاً على القاضي غانم للادعاء بالمادتين الثانية والثالثة إرهاب للسير في المسار الانتقامي نفسه. رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد يطرح ضرورة الادعاء بالمادتين الثانية والثالثة إرهاب في اجتماع مجلس القضاء الأعلى، محاولاً الحصول على غطاء المجلس لتمرير الأمر بخبث شديد، فيكون الجواب استغراباً واستنكاراً لعدد من الأعضاء، لا بل أن أحد الأعضاء قال للقاضي فهد: هل تريد أن تأخذ البلاد الى حرب أهلية؟”.
وسارع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد المؤتمر الى التغريد عبر “تويتر”: “سنبقى صامدين في الحزب ومعنا أصدقاء كثر، في وجه الارهاب المنظم لقسم ممّن يدّعي الحكم ويعيش في الماضي المظلم المبني على منطق حروب الالغاء”.
الرد العوني
وعلم ان الوزير باسيل سيرد اليوم على الاشتراكي في احتفال يقيمه “التيار” في ضبية في ذكرى 7 آب، بينما صرح النائب ابرهيم كنعان عقب الاجتماع الاسبوعي لـ”تكتل لبنان القوي”: “المؤتمرات الصحافية والسجالات والتجاذبات لن تغير الوقائع الموجودة عند القضاء والتكتل متمسك بالعدالة والديموقراطية”. وأضاف: “طريق العدالة واحدة وهي القضاء، ونرفض أي تدخل بالقضاء من أي جهة، وندعو السلطة القضائية الى عدم الاكتراث باأي تجاذب سياسي، وان تلتفت فقط الى احقاق العدالة لنربح أنفسنا كلبنانيين ودولتنا ومجتمعنا، وهو أهم من كل النقاط التي يسعى هذا الطرف أو ذاك الى تسجيلها”.
ورد الوزير سليم جريصاتي على الاشتراكي فأبلغ “النهار” أن القضاء هو الذي سيحسم كل ما يتعلق بأحداث الجبل. وقال: “لا سياسة في حضرة القضاء والى القضاء در يا وائل”. وقال: “سنحتكم للقضاء سواء كان عدلياً أو عسكرياً أو جزائياً”.
كما رد مجلس القضاء الأعلى على المؤتمر الصحافي الذي عقده “أحد الوزراء”، معتبراً أن مناقشة المجلس قضايا معروضة أمام القضاء “يدخل ضمن اختصاصه عملاً بأحكام المادة الرابعة من قانون القضاء العدلي، التي ناطت به مهمة السهر على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم. وهو إذ ينفي في هذا الخصوص صحة ما ورد على لسان الوزير المقصود، فهو لن يدخل في تفاصيل الرد حرصاً على سرية مداولاته”. وقال: “أن ما ورد على لسان الوزير حول مضمون الكلام المتداول بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل وقاضي التحقيق الأول لدى المحكمة العسكرية بالإنابة يفتقر إلى الصحة جملة وتفصيلاً”.
ورأى “ان مضمون بعض فقرات المؤتمر الصحافي يشكل تدخلاً غير مشروع في العمل القضائي، وهو يعلن أن القضاء في لبنان مصر على أن يؤدي دوره كاملاً في مسار تطبيق القانون وإحقاق العدالة بعيدا من أي محاولة للتأثير فيه او التشويش على عمله”.
”المستقبل”
وأعربت كتلة “المستقبل” عن “شديد القلق من تصاعد حدة السجالات الكلامية وتراشق الاتهامات”، منبّهة عقب اجتماعها الاسبوعي الى “مخاطر الاستمرار في هذا المسار التصعيدي”، ومهيبة بالقيادات المعنية وعي دقة المرحلة واعطاء فرصة جدية لجهود المصالحة التي يعمل عليها بصمت الرئيس نبيه بري، بمواكبة الرئيس الحريري.
ودعت الى “وقف مسلسل التراشق، وتجنيب البلاد خطر الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه. فما يتابعه اللبنانيون على الشاشات يمثّل أعلى درجات الشحن السياسي، ما يوجب أعلى درجات المسؤولية والحكمة والتزام المنطق والعقل من أولياء الامر المكلفين إطفاء الحرائق السياسية وعدم صب الزيت على نارها”.
وأضافت: “ان الاحتكام الى القضاء في القضايا الخلافية، لا يمكن ان يقع في موقعه الطبيعي بمعزل عن حياد السلطات القضائية والامتناع عن التدخل السياسي في الملفات القضائية ومسار التحقيقات التي تولتها الجهات الامنية المختصة”. ونبهت الى “ان محاولات التشكيك في نتائج التحقيقات التي يتولاها فرع المعلومات، باتت سياسة مكشوفة الأهداف يقوم بترويجها وزراء ونواب ومواقع اخبارية، يتناوبون على تهشيم صورة الفرع وتضليل الرأي العام تجاه كل ما يتولاه من مسؤوليات، وهي سياسة وصلت بعد حادثة قبرشمون الى حدود غير مقبولة مع ما يتردد عن تدخلات للقفز فوق نتائج التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات والولوج الى مسار تحقيقي جديد على خلفية الاتهامات الجاهزة”.