كتبت صحيفة “النهار” تقول: اكتسبت وتيرة الاتصالات والاجتماعات الكثيفة التي عقدت بين قصر بعبدا والسرايا الحكومية طوال يوم أمس دلالات بارزة لجهة ما وصف بقرار كبير تبلورت معالمه في الايام الاخيرة للخروج من المأزق المزدوج الذي حاصر الحكم والحكومة ومجمل الوضع الداخلي بفعل تداعيات حادث البساتين التي علقت جلسات مجلس الوزراء من جهة والعقبة الطارئة في توقيع قانون الموازنة التي علقت نشر الموازنة من جهة اخرى. وبينما ذلّل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عقبة توقيع الموازنة باخراج اقتضى توجيه رسالة الى مجلس النواب لتفسير المادة 95 من الدستور، بدت الحركة التي واكبت هذا الاجراء على صعيد السعي الى انهاء شلل جلسات مجلس الوزراء كأنها فتحت الباب “نصف فتحة” أمام احتمال التوصل الى مخرج يؤمن انعقاد مجلس الوزراء في غضون ايام وعلى الارجح في الاسبوع المقبل.
ووصف مصدر سياسي بارز مواكب للحركة التي سجلت امس عبر “النهار” مسار المشهد السياسي ونتائج التحرك بانه بداية حذرة للغاية للخروج من المأزقين “على رؤوس الاصابع”، ملمحاً بذلك الى ان الايجابيات التي بدأت تظهر في البحث عن حل لتداعيات حادث البساتين قضائياً وسياسياً لا تزال في اطار محدود ولا يمكن الجزم بان انفراجاً حصل فعلاً قبل جلاء نتائج التحرك المكوكي الجديد الذي باشره امس المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم بين المراجع الرئاسية والمسؤولين السياسيين المعنيين والذي يفترض ان تظهر نتائجه في الساعات المقبلة. ولمح المصدر الى ان الاجتماع المطول الذي انعقد أمس في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون وضم النائب طلال ارسلان والوزير صالح الغريب في حضور الوزيرين سليم جريصاتي والياس بو صعب واللواء عباس ابرهيم كان على جانب من الاهمية اذ رشح ان رئيس الجمهورية اعاد الدفع نحو ترك القضاء العسكري يستكمل عمله في ملف حادث البساتين ومن ثم يجري البحث في موضوع احالة الملف على المجلس العدلي متى استكملت التحقيقات وصدر القرار الظني عن القضاء العسكري. وتعززت احتمالات هذا المخرج الذي يرتكز على احالة القضية على القضاء العسكري وتسليم جميع المطلوبين على ان يتخذ قرار الاحالة على المجلس العدلي او عدمه في ضوء نتائج التحقيقات العسكرية، مع ادعاء مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم أمس على 21 شخصاً في حادث قبرشمون – البساتين، بينهم أربعة موقوفين، بجرم إطلاق النار من أسلحة حربية غير مرخصة، وقتل ومحاولة قتل مدنيين. وأحال الملف مع الموقوفين على قاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان، طالباً إستجواب المدعى عليهم، وإصدار المذكرات القضائية اللازمة في حقهم. وقام اللواء ابرهيم بحركة دائرية واسعة اذ التقى رئيس الوزراء سعد الحريري أولاً، ثم شارك في لقاء القصر الجمهوري وعاد وزار الرئيس الحريري ومن ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما التقى ليلا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وأوحت حركته الدائرية هذه بان ملامح الخروج من المأزق بدأت تتشكل وان الساعات المقبلة ستشهد على الارجح موعداً حاسماً لتبيان طبيعة الحل الذي يفترض ان يقترن بتوافق المعنيين.
تفاؤل حذر
وأشيعت اجواء تفاؤلية عقب اجتماع بعبدا، وتحدثت المصادر عن إمكان عقد جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع أو مطلع الاسبوع المقبل، على ان تطرح فيها طرح قضية قبرشمون، كما يطرح موضوع الاحالة على المجلس العدلي اذا لم يكن بالحوار فبالتصويت في حال الضرورة، ويقبل جميع الاطراف نتيجة هذا التصويت.
وعلم ان اللواء ابرهيم كان مصراً أمس على انتاج المخرج الكفيل بمعاودة جلسات مجلس الوزراء. وفِي السياق نفسه، كانت زيارة الوزير وائل بو فاعور للرئيس الحريري مساء أمس موفداً من جنبلاط.
وقالت المصادر المواكبة لهذه الحركة المكوكية ان هذه تقوم على قاعدة ضرورة انعقاد مجلس الوزراء وإدراك جميع الاطراف الظرف الاستثنائي الذي يمر به البلد والتحديات والاستحقاقات التي تواجهه.
وفيما تكتمت بعبدا على تفاصيل الحل الذي استجاب له ارسلان والغريب، قالت مصادر أخرى مطلعة إن رئيس الجمهورية يعمل على قاعدة استمرار قضية قبرشمون في مسارها القضائي في المحكمة العسكرية، وبعد صدور القرار الظني يعرف ما اذا كانت ثمة ضرورة للإحالة على المجلس العدلي.
وأوضحت المصادر ان ارسلان قبل بهذا الطرح شرط الحصول على ضمان لطرح الإحالة لاحقاً، لكن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كان رفض ذلك
وفي السرايا، ظلّ التفاؤل حذراً، خصوصاً ان الرئيس الحريري كان يتحفظ عن اَي طرح يقود حكومته الى التصويت وتالياً الى انقسام داخلي، مصراً على انها حكومة توافقية. لذلك كان التكتم سيد الموقف، في انتظار نتيجة زيارة اللواء ابرهيم للرئيس بري كما لجنبلاط.
وفِي سياق مؤشرات الحلحلة على أكثر من صعيد ، كان اللقاء البعيد عن الاعلام بين الرئيس الحريري والوزير جبران باسيل امس الى مائدة الغداء في “بيت الوسط”. وعلم من المصادر ان اللقاء يصب في اطار اعادة تفعيل عمل الحكومة والتعاون بين الطرفين وازالة كل رواسب التشنج التي ظهرت في المرحلة الاخيرة.
واعتبرت مصادر “التيار الوطني الحر” ان هذا اللقاء يؤكد ان لا خلاف بين الحريري وباسيل على عكس تمنيات البعض.
رسالة عون
وفي ملف الموازنة وقع الرئيس عون قبل ظهر أمس القانون الرقم 143 المتعلق بنشر الموازنة لسنة 2019 وانجاز قطوعات الحسابات وتأمين الموارد اللازمة لديوان المحاسبة. كذلك وقع القانون الرقم 144 المتضمن الموازنة العامة والموازنات الملحقة لسنة 2019. وكان مجلس النواب أقر القانونين في جلسته يوم الجمعة 19 تموز.
في موازاة ذلك، وجّه الرئيس عون الى الرئيس بري رسالة إلى أعضاء مجلس النواب طلب فيها تفسير المادة 95 من الدستور.
ولاحظت الرسالة “حصول نقاش مستفيض بين المكونات السياسية حول الخلل الميثاقي في اعتماد نتائج المباريات التي تضمنتها المادة الثمانون المذكورة من قانون موازنة عام 2019 وابتكرت حلولاً – أو كانت في طور الابتكار – لتفادي هذا الخلل، قبل تدخل المشترع على النحو المذكور، فضلا عن اللغط الذي حصل عند اقرار المادة المذكورة”، واضافت: “بما ان مشاريع المراسيم المعنية لم تصدر بسبب الخلل المذكور الذي شابها بشكل فاضح، من هذه المنطلقات جميعها، نتوجه إليكم بهذه الرسالة لمناقشتها في مجلس النواب الكريم وفقا للأصول واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار بشأنها، ما يستدعي تفسير الدستور، وتحديداً المادة 95 منه معطوفة على الفقرة “ي” من مقدمته، وفقا لقواعد التفسير الدستوري، وذلك حفاظاً على ميثاقنا ووفاقنا الوطني وعيشنا المشترك، وهي مرتكزات كيانية لوجود لبنان وتسمو فوق كل اعتبار، مع حفظ حقنا وواجبنا الدستوريين من موقعنا ودورنا وقسمنا، باتخاذ التدبير الذي نراه متوافقا والدستور في المسائل التي أثرنا في رسالتنا هذه، عل تفسير مجلسكم الكريم يساهم في الإضاءة الوافية لنا ولأي سلطة دستورية معنية بالمسائل المذكورة “.
وكشفت مصادر نيابية ان امكانات عقد جلسة نيابية لتلاوة رسالة الرئيس عون تبدو صعبة خلال الدورة الاستثنائية الراهنة، مما يعني عملياً ان تلاوة هذه الرسالة مرجأة الى الدورة العادية في اول ثلثاء يلي الخامس عشر من تشرين الاول المقبل
وفي رأي المصادر نفسها ان تفسير المادة 95 قد يؤدي الى تعديل في الدستور وهو أمر له قواعده وشروطه غير المتوافرة في الدورة الاستثنائية المفتوحة حالياً.
وصدر مساء امس عدد خاص من الجريدة الرسمية حمل الرقم 36، ونشر فيه القانون 143 المتعلق بالموازنة العامة لسنة 2019 وإنجاز قطوعات الحسابات وتأمين الموارد اللازمة لديوان المحاسبة، والقانون 144 المتعلق بالموازنة العامة والموازنات الملحقة لسنة 2019.