كتبت صحيفة “الديار” تقول: أثبتت الإجراءات التي قام ويقوم بها مصرف لبنان على الثقة العالية التي تُعطيها الأسواق المالية للسياسة النقدية للمصرف المركزي وحاكمه رياض سلامة، فقد أدّت هذه الإجراءات إلى رفع إحتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بنسب فاقت التوقّعات. هذا الأمر دعّم الليرة اللبنانية في الأسواق إلى درجة وصل معها الطلب على الدولار الأميركي البارحة في الأسواق إلى مستويات قاربت الصفر.
هذا النجاح يأتي في ظلّ حملات تهويل في الإعلام وعلى وسائل التواصل الإجتماعي تستهدف الكيان اللبناني من خلال إشاعات تطال ما سُمّيَ بـ”إنهيار مالي ونقدي”. إلا أن الإجراءات التي قام بها مصرف لبنان أثبتت مرّة جديدة أن الثقة بالسياسية النقدية عالية ودحضت الإشاعات التي لم تستطعّ النيل من ثقة الأسواق بالليرة وتجاوبت بشكل كبير مع إجراءات المصرف المركزي.
على كلٍ هذه الإجراءات تزيد من جهوزية المصرف المركزي على مواجهة أي طارئ مهما كان نوعه، بإنتظار أن تبدأ الحكومة اللبنانية بتنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر التي من المُتوقّع أن يكون لها تداعيات إيجابية على البيئة الإستثمارية والمالية العامّة للدوّلة وحتى على الليرة اللبنانية.
الأزمة الحكومية
هذه الأجواء الإيجابية من جهة السياسة النقدّية تواجهها أجواء سلبية من ناحية السياسة المالية مع إستمرار الأزمة الحكومية بإضفاء أجواء سلبية على الواقع السياسي والإقتصادي والمالي في لبنان. إقتصاديًا، إمتناع الحكومة عن الإجتماع يؤخّر إقرار المشاريع الإستثمارية المنوي عرضها على الدول المانحة في مؤتمر سيدر لطلب تمويلها، مما يزيد من الضغوطات على النمو الإقتصادي وذلك بحكم الجمود الكبير في الإستثمارات الناتج عن التخبّط السياسي كما والوضع المالي العامّ.
هذه الضغوط على النمو الإقتصادي قدّ تؤدّي إلى تراجع إضافي في المالية العامّة نتيجة إحتمال تراجع المداخيل الضريبية بحكم أن هذه الأخيرة هي على النشاط الإقتصادي، وبالتالي كل تراجع في النشاط الإقتصادي يؤدّي إلى تراجع في مداخيل الخزينة. لذا المطلوب هو الإسراع في عقد جلسات حكومية لإقرار المشاريع وإطلاق عجلة إستثمارات مؤتمر سيدر.
لكن الجولات الماراثونية للّواء عبّاس إبراهيم لحلّ مُشكلة إحالة أحداث قبرشمون الأليمة إلى المجلس العدّلي، لم تنجّح حتى الساعة في تعديل مواقف طرفي الخلاف المُتمسكيّن بموقفهما حيال القضية. ويبقى أن الرئيس الحريري الذي ما يزال يرّفض قطعيًا إدراج إحالة القضية إلى المجلس العدّلي على جدول أعمال مجّلس الوزراء، ينوي بحسب المعلومات الدّعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء لا يكون على جدّول أعمالها إحالة أحداث قبرشمون إلى المجّلس العدّلي. فهلّ يُخاطر الحريري بهذه الدّعوة في ظل إمكانية إنفجار الحكومة وفي ظلّ موقف لن يكون هناك من سقف لتداعياته؟
على أية حال، قد تكون هذه الدّعوة تخفي في طيّاتها مخرجاً تم الإتفاق عليه بين الأطراف ولم يتمّ الإعلان عنه لحفظ ماء الوجه، أو قد تكون خطّوة من قبل الحريري لوضع كل مكونات الحكومة أمام مسؤولياتهم. فإستمرار التعطيل للحكومة سيؤثّر حتمًا على الواقع الإقتصادي والمالي في لحظّة أكثر ما نحن في حاجة إليه هو التسريع في إقرار مشاريع سيدر لدفع الإقتصاد والخروج من حالة الركود التي يعيشها الإقتصاد اللبناني خصوصًا أن تداعيات الركود الإقتصادي بدأت بالظهور في الحياة اليومية إن على صعيد المواطن أو على صعيد الشركات، وأن إستمرار هذا الركود سيؤدّي حكمًا إلى حركة إحتجاجات شعبية.
الطعن بالموازنة
على صعيد الموازنة، أصبح معلومًا أن نشرها في الجريدة الرسمية من دون إقرار قطع الحساب، هو مخالفة واضحة للدستور. وإذا كان المُعارضون يدرسون إمكانية تقديم الطعن، إلا أن الحسابات السياسية ستمنعهم من القيام بذلك نظرً إلى الثمن السياسي الباهظ الذي سيدّفعه مُقدّم الطعن خصوصًا أن الموازنة هي شرط أساسي لتحرير أموال مشاريع سيدر. فهل تُخاطر القوى السياسية المُعارضة للموازنة بتقديم الطعن؟
نصّت المادّة 87 من الدستور اللبناني والمُعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 على “إن حسابات الدائرة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات”.
ونصّت المادّة 77 من الدستور والمُعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 على أنه “يُمكن أيضًا إعادة النظر في الدستور بناء على طلب مجلس النواب فيجري الأمر حينئذ على الوجه الآتي: يحق لمجلس النواب في خلال عقد عادي وبناء على اقتراح عشرة من أعضائه على الاقل ان يبدي اقتراحه بأكثرية الثلثين من مجموع الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانونًا بإعادة النظر في الدستور…”.
من هذا المُنطلق إرتكب المجلس النيابي ثلاث مخالفات دستورية عبر إقراره قانوناً مُعجّلاً مكرّراً نصّ على نشر موازنة العام 2019 والموازنات المُلّحقة على أن تُنجز الحكومة جميع الحسابات المالية النهائية والمُدقّقة إعتبارًا من سنة 1993 حتى سنة 2017 ضمّنًا.
هذا القانون المُعجّل المكرّر عدّل المادة 87 من الدستور والتي لا يُمكن تعديلها إلا بحسب الآلية المنصوص عليها في المادّة 77 من الدستور اللبناني. على هذا الصعيد، هناك ثلاث مخالفات دستورية: الأولى هو إلزامية أن يكون المجلس النيابي في عقد عادي وهذه ليست الحالة، والثانية الإقتراح أتى من سعادة النائب آلان عون مُنفردًا في حين أن المادّة 77 تنصّ على أن يكون الإقتراح من عشرة نواب على الأقلّ. أمّا المُخالفة الثالثة فتطال نصّ المادّة 87 من الدستور بحكم أن الموازنة ستُنشر من دون قطع حساب.
بالطبع الكلمة هي للمجلس الدستوري في حالّ تمّ الطعن في قانون الموازنة، لكن أغلب الإحتمالات وعملًا بمبدأ “الإجتهاد” والقرار السابق الذي ردّ فيه الطعن بموازنة العام 2017، سيقوم المجلس الدستوري بالإعتراف بالمخالفة لكنه سيردّ الطعن نظرًا لأهمية الموازنة في الإنتظام المالي للدّولة اللبنانية.
على كلٍ أي قبول بالطعن سيكون كارثياً على الإقتصاد اللبناني من ناحية أنه سيؤدّي إلى وقف مشاريع مؤتمر سيدر تلقائيًا ولن تتمكّن الحكومة اللبنانية مع كل مشاكلها المالية من القيام بإستثمارات!
الضرائب والرسوم الجديدة
من المعروف أن النسخة النهائية عن قانون موازنة العام 2019 لم تصدر بعد، وبحسب المعلومات سيتمّ هذا الأمر هذا الأسبوع على أن يُرفع قانون الموازنة إلى فخامة رئيس الجمهورية للتوقيع عليه أو ردّه إلى المجلس النيابي (إحتمال الردّ ضئيل). مشروع قانون الموازنة الذي أرسلته الحكومة إلى المجلس النيابي والتصاريح الإعلامية خلال جلسات المناقشة في المجّلس النيابي، تسمح لنا بإستخراج البنود التي زادت من إيرادات الخزينة إن عبر الضرائب أو الرسوم. ونلاحظ أن هذه الضرائب والرسوم تستهدف بالدرجة الأولى العمالة الأجنبية ولكن أيضًا المواطن اللبناني:
العمالة الأجنبية: موازنة العام 2019 رفعت من الرسوم على العمالة الأجنبية وبالتحديد على الإقامات وإجازات العمل. فقد تمّ رفع رسم موظفي الفئة الاولى من مليون الى 3 ملايين ليرة لبنانية، موظفي الفئة الثانية من مليون الى 2 مليون ليرة لبنانية، موظفي الفئة الثالثة من 300 ألف الى مليون ليرة لبنانية، وموظفي الفئة الرابعة من 50 ألف الى 300 ألف ليرة لبنانية. وعدّلت موازنة العام 2019 الرسوم التي يستوفيها الأمن العام عن عمل الفنّانين حيث أصبحت إجازة عمل الفنانين من الفئة الأولى 700 ألف ليرة لبنانية و350 ألف ليرة لبنانية للفنّانين من الفئة الثانية. كما أصبح الرسم على كل معاملة لنقل كفالة لعامل أجنبي من كفيل إلى أخر 50 ألف ليرة لبنانية.
الدعاية: بحسب موازنة العام 2019، أصبحت إجازة عرض دعاية تجارية على التلفزيون 350 ألف ليرة لبنانية، وإجازة عرض إعلان على الطريق 50 ألف ليرة لبنانية.
المرفأ: أضاف قانون الموازنة رسماً جديداً لدخول المرفأ وهو عبارة عن تصريح شهري بقيمة 25 ألف ليرة لبنانية. كما أصبح الرسم على منح تصريح سنوي للدخول إلى المرافئ البحرية لكل عميل جمّركي 200 ألف ليرة لبنانية. أيضًا تمّ إستحداث رسم 3% على السلع والبضائع المُستوّردة الخاضعة للضريبة على القيمة المُضافة بإستثناء مادة البنزين، المواد الأولية الصناعية والزراعية والمُعدّات المستخدمة فيها.
ضرائب ورسوم على الأجور: أضاف قانون الموازنة شطراً جديداً على ضريبة الدخلّ للرواتب والأجور والمهن الحرّة والصناعية والتجارية والزراعية، وأصبحت الضريبة 25% للمداخيل التي تفوق الـ 225 مليون ليرة لبنانية، أيضًا تمّ إضافة ضريبة على رواتب المُتقاعدين تتراوح بين 1 و12.5%. من ناحية أخرى تمّ رفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 7 إلى 10% وذلك لفترة تمتدّ على ثلاث سنوات.
كما تمّ رفع الرسوم التي يتمّ إستيفاؤها على الشركات: تطبيق النظام الداخلي للشركات 100 ألف ليرة لبنانية، تطبيق نظام عمل للشركات والمؤسسات 100 ألف ليرة لبنانية، ومحضر ضبط المخالفة أصبح 5 مليون ليرة لبنانية.
السيارات: تمّ إستحداث رسم جديد على لوحات السيارات العمومية ورسوم على اللوحات المُميزة (لوحة من 3 أرقام 500 ألف ليرة لبنانية سنويًا، 4 أرقام 250 ألف ليرة لبنانية و5 أرقام 150 ألف ليرة لبنانية).
جواز السفر: تمّ تعديل الرسوم على جواز السفر ليُصبح على الشكل التالي: رسم 500 ألف ليرة لبنانية لجواز سفر 10 سنوات، 300 ألف ليرة لبنانية لجواز سفر 5 سنوات، 200 ألف ليرة لبنانية لجواز سفر 3 سنوات، و60 ألف ليرة لجواز سفر لمدّة سنة واحدة.