كتبت صحيفة “الديار” تقول: رسم تسلّل الأحداث البارحة طريق الموازنة التي ستسلكه في مجلس النواب إذ أن عدد النواب الذين طلبوا الكلام وخطاباتهم المطوّلة تفرض تمديد الجلسات إلى نهار السبت موعد إقرار الموازنة بندًا بندًا.
وكان نهار الأمس قد شهد مداخلات عديدة توزّعت بين مجموعتين : مجموعة إنتقدت الموازنة وصوتت لصالحها، ومجموعة إنتقدت الموازنة وتُصوّت ضدّها. المداخلات في معظمها كانت شديدة اللهجة في حق الدوّلة من دون تحديد الأسماء مع تركيز على تخاذل الحكومة في الإنماء ومحاربة الفساد.
هذه المداخلات التي يتمّ نقلها مباشرة عبر التلفزيونات والراديوهات شهدت مزايدات شبيهة إلى حدٍ كبير بالمزايدات التي تمّ القيام بها خلال مناقشة مشروع موازنة العام 2018 وأظهرت أن التعيينات، الإنتخابات الرئاسية، الإنتخابات النيابية، الإنتخابات البلدية، وتصفية الحسابات، كلها حاضرة في جلسات مناقشة مشروع موازنة العام 2019.
لكن هذه الصورة الإستعراضية يواكبها مشاكل تتعلّق بتدعيم عجز موازنة العام 2019 نظرًا إلى سقوط بند قرض الـ 11 ألف مليار ليرة لبنانية بفائدة 1% بعد تقرير صندوق النقد الدوّلي الذي كان قدّ حذّر من تداعيات مثل هذه الخطوة. وبحسب المعلومات، هناك توجّه لفرض رسم إستيراد بنسبة 3% على السلع الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة مما يعني أن هناك إحتمالاً لإيرادات قد تفوق الـ 500 مليون دولار أميركي.
وتبقى معضلة قطع الحساب أم المشاكل بالنسبة للموازنة التي أصبحت تملك أغلبية الأصوات في المجلس النيابي، فإقرار قطع حساب العام 2017 من دون إقرار قطوعات حسابات الأعوام 1997 إلى 2017، يُعدّ مخالفة فاضحة للمادة 87 من الدستور اللبناني. وبحسب تصريح الوزير سليم جريصاتي، تعمل الرئاسات الثلاث على حلّ يقضي بإعطاء الحكومة مُهلة ستّة أشهر لتقديم قطوعات الحساب.
والمُلّفت أن الإتصالات الكثيفة أدّت إلى دعوة الرئيس الحريري إلى جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل مُشيرة إلى ظهور حلّ للمشكلة التي نتجت عن أحداث قبرشمون الاليمة.
وكان حاكم مصرف لبنان قد كشف في تصريح تلفزيوني أن المصرف المركزي لن يكتتب بسندات الخزينة بفائدة 1% وأن المصرف عملا بالمادّة 92 من قانون النقد والتسليف يعمل على تأمين بدائل تؤمّن الوفر نفسه مؤكّدًا على مقولته الشهيرة “الليرة مُـستقرّة وستبقى مُستقرّة”.
جلسات مناقشة الموازنة
شهدت جلسات مناقشة الموازنة في مجلس النواب البارحة كلمات للعديد من النواب الذين هاجموا الموازنة والحكومة على حدٍ سواء. فقد إعتبرت مُعظم هذه الكلمات أن الموازنة لم تُعالج المطلوب وأنها موازنة حسابية لم تحارب مكامن الفساد.
وكانت الهجومات الحادّة قد أتت من النواب بولا يعقوبيان، جورج عقيص، شامل روكز، وهبه قاطيشا، زياد حواط، سامي الجّميل، أسامة سعد وإنطوان حبّشي… ولكن المُلفت السجال بين نائبي كتلتي لبنان القوي والجمهورية القويّة آلان عون وإيدي أبي اللمع على خلفية انتقاد آلان عون لأداء كتلة القوات اللبنانية لجهة تصويتها ضد الموازنة وهي مكون في الحكومة. هذا السجال إنتقل إلى صفحات التويتر مع تغريدة النائب أسعد درغام الذي قال “مرة جديدة أثبتت القوات اللبنانية انها متخصصة بتقلب المواقف حتى الكذب والخداع. والتصويت اليوم ضد الموازنة ما هو الا تأكيد على سلوكهم السياسي القائم على الازدواجية في محاولة للتذاكي على اللبنانيين”. أما الوزير غسان حاصباني فغرّد قائلا “أبدينا تحفظنا على الموازنة في مجلس الوزراء لاننا لم نجد فيها الخطوات الكافية لمعالجة التحديات الحالية، لكن احدا لم يرد ان يسمع”.
الإنتقادات في مجلس النواب طالت الرقابة على المؤسسات العامّة والتي تمّ إعتبارها خارجة عن رقابة الدوّلة مع ما يتبع ذلك من فساد وهدر. أيضًا تمّ إنتقاد التهريب الجمركي في المرافىء والمطار والحدود الشرقية وتمّ تحميل المسؤولية إلى الحكومة. إضافة إلى إنتقاد آلية المناقصات في الدوّلة وقطع الحساب وسياسة التوظيف في الدوّلة.
البعض الأخر، إنتقد غياب السياسة الإقتصادية في الموازنة التي ستؤدّي، بسبب التقشف، إلى كارثة على الصعيد الإقتصادي. وإعتبروا أن غياب إجراءات تحفيزية ستؤدّي إلى تراجع كبير في النمو الإقتصادي. قانونيًا، إنتقد بعض النواب مناقشة الموازنة خارج المهل الدستورية ووجود فرسان الموازنة داخلها، وفقدان مبدأ الشمولية.
ويبقى اللافت كلمة النائب شامل روكز الذي وصف مشروع الموازنة بصيغته الأساسية بأنه لا يرقى إلى الطموحات الإنقاذية ووصف الحال بأنه “مزرعة” مع ما يحصل من “رداءة ووقاحة في السلب والنهب، الشواذ أصبح القاعدة والسرقة شطارة والرياء سياسة والتعصب حماية والارتهان وطنية”. وإنتقد إستهداف ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى بالضرائب غير العادلة والرسوم التي لا مبرّر لها مؤكّدًا أن “عملية غش الناس لم تعد تمرّ”.
“الثقة طارت” بحسب النائب زياد الحواط الذي قال أن الإحباط كبير والمخاوف تتعاظم على مستقبل لبنان. مُتهمًا السلطة بملئ الإدارات العامّة بالمحاسيب والأزلام.
من جهته قال النائب أسامة سعد أن “النهب المحمي بالسياسة أعاد لبنان الى زمن ما قبل الحداثة، والحكومة سلمت أمرها لمعبودها “سيدر” وكأن لبنان بلا كفاءات مبدعة”.
المناقشات أظهرت أن العديد من الملفات كانت وراء كلمات النواب وعلى رأسها ملف التعيينات، الإنتخابات الرئاسية، الإنتخابات النيابية، الإنتخابات البلدية، وتصفية الحسابات بين الأحزاب. كل هذا في ظلّ تغطية إعلامية زادت من حماسة الكلمات مما دفع الرئيس الحريري إلى القول “أكيد كان في عرض عضلات كلامية”.
هذه الأجواء رافقها إعتصام العسكريين المتقاعدين ومتعاقدي الثانوي، وإضرابات لموظّفي الإدارة العامّة حيث إلتزم موظّفو الدائرة المالية والعقارية في بعبدا إلتزاماً كاملا كما وموظّفو الإدارة العامّة في المدن الرئيسية إلى حين إنتهاء جلسات الموازنة.
على أية حال، من المُتوقّع أن يتمّ التصويت على بنود الموازنة بندًا بندًا وذلك نهار السبت بعد إنتهاء النواب من إلقاء كلماتهم.
عجز الموازنة والضرائب
على صعيد عجز الموازنة، أصبح معلومًا أن الهيئة العامّة لن تمشي في الصيغة التي أقرّتها لجنة المال والموازنة بحكم أن قرض الـ 11 ألف مليار ليرة لبنانية سقط وبالتالي زاد العجز في مشروع الموازنة بقيمة 912 مليون دولار أميركي. هذا الأمر فرض على القوى السياسية الأساسية السير برسم 3% على البضائع والسلع التي تخضع للضريبة على القيمة المُضافة والتي من المتوقّع أن تدرّ ما يزيد عن 500 مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى العمل على عدد من الحلول تسمح بتعويض قرض الـ 11 ألف مليار ليرة لبنانية كما صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
الجدل الذي حصل أوّل من أمس بين الرئيس الحريري والنائب عدوان على خلفية مهاجمة هذا الأخير لمصرف لبنان والسياسة النقدية. وهذا ما إعتبره الحريري خطر على الثبات النقدي والمالي وطالب النواب بعدم التهجّم على السياسة النقدية حفاظًا على الكيان اللبناني. وقال أننا نأخذ من توصيات صندوق النقد الدولي ما يُناسب لبنان، وأضاف أن صندوق النقد الدولي يطالب بتحرير سعر صرف الليرة وزيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 15% إضافة إلى رسم 5000 ليرة لبنانية على صفيحة البنزين.
على أية حال، مع سقوط بند قرض الـ 11 ألف مليار ليرة لبنانية بفائدة 1%، إرتاحت الأسواق المالية مع مؤشرات إيجابية تمثّلت بإرتفاع أسعار سندات الخزينة بالدولار الأميركي وزيادة الطلب على الليرة اللبنانية. هذه الأجواء الإيجابية تمّ ملاحظتها من حديث حاكم مصرف لبنان الذي صرّح أن “الليرة مُستقرّة وستبقى مُستقرّة” وشدد على أن “لا إشارة الى إمكانيّة جدولة الديون ولبنان ملتزم بتسديد استحقاقاته” وهو الذي يتمتّع بثقة كبيرة من قبل الأسواق المالية.
قطوعات الحساب والحكومة
المادّة 87 من الدستور واضحة، يجب عرض قطع الحساب على مجلس النواب قبل نشر الموازنة. أيضًا المادة 118 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنصّ على أن يقوم المجلس النيابي بالتصويت على قطع الحساب قبل الموازنة.
من هنا تأتي معضلة قطع الحساب حيث أن هناك حاجة لإقرار قطوعات الحساب من العام 1997 إلى العام 2017. لكن ديوان المحاسبة لم يُقرّ إلا قطع حساب العام 2017 من دون قطوعات الحسابات للسنين السابقة. وبالتالي هناك إستحالة لإقرار قطوعات الحساب نظرًا إلى أن دراسة قطع الحساب لسنة واحدة يحتاج إلى أربعة أشهر مما يعني أن هناك إستحالة لإقرار قطوعات الحسابات في فترة ستّة أشهر كما تنص عليها التسوية التي يعمل عليها الرؤساء الثلاث.
على كلٍ وفي ظل فرضية إقرار قطوعات الحسابات من قبل ديوان المحاسبة، هناك حاجة أن تجتمع الحكومة لإقرارها. وقد يكون إعلان الرئيس الحريري عن الدعوة لجلسة لمجلس الوزراء في الأسبوع المقبل ما هو إلا توجّه إلى إقرار قطع حساب العام 2017 بالتوازي مع طرح تمديد فترة السماح للحكومة.
هذه الدعوة إلى جلسة للحكومة تُشير إلى أن تقدّم حصل على جبهة أحداث قبرشمون الآليمة وذلك على خلفية تكثيف الإتصالات من قبل الوزير سليم جريصاتي واللواء عباس إبراهيم.