كتبت صحيفة “اللواء” تقول: أخطر ما في المظهر ان مناقشات موازنة العام 2019 في المجلس النيابي كشفت عن ظمأ نيابي إلى “الخطابية” التي تغطي “القباوات بالسموات”، في مبارزة شعبوية، تتجاوز أرقام الموازنة، وابوابها وارقامها من الزاوية الرقمية أو التقنية، فضلاً عن الخطة الاقتصادية، والانعكاسات المالية والنقدية والاجتماعية، سواء في ما خص التنمية أو النمو الاقتصادي أو الحد من العجز وارقام المديونية الآخذة بالتزايد..
هكذا لم تحظ الكلمات بالاهتمام المطلوب، وكأنها من ضمن “سيناريو” الديمقراطية البرلمانية، التي كان يزهو بها البلد قبل نكبة الأزمات المتتالية.
وفي المشهد الخلفي، كانت الطبخات والعمل جاريين من أجل ضمان عودة الحكومة إلى عقد جلساتها، بعد فكفكة عقد المجلس العدلي، واحداث قبرشمون، فضلاً عن المخرج اللائق لارقام الموازنة، قبل ان تصبح قانوناً صالحاً للنشر في الجريدة الرسمية.
واستأثر وصول المدير العام للأمن العام، الوسيط المكلف بإيجاد حل لازمة احداث قبرشمون، ومعه وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، اتين من خلدة، حيث تباحثا مع الأمير طلال أرسلان في المخرج الملائم، والمقبول لمعالجة ذيول حوادث الجبل المؤلمة..
وعلى الفور، اختلى الرئيس سعد الحريري الذي كان يتابع وقائع الجلسة، قبل ان يعطى حق الرد على المداخلات، وتقديم اقتراح المخرج لقطع الحساب باضافة مادة إلى الموازنة تقضي بمنح الحكومة إجازة ستة أشهر لقطع الحساب عن العام 2017.
على ان النتيجة السياسية الفاقعة من جرّاء مناقشات الموازنة، وإعلان
“القوات اللبنانية” عن امتناعها على التصويت لصالح الموازنة، هي عودة عقارب الساعة إلى الوراء مع التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل..
فبالكاد تمكن الرئيس نبيه برّي من السيطرة على اندفاعة النائب “العوني” آلان عون من طرح أسئلة هجومية على مواقف نواب “القوات اللبنانية” سواء عندما كانوا يؤيدون الموازنة، ثم تراجعوا عن هذا التأييد.
مشاورات خارج القاعة
صحيح ان النواب، تابعوا لليوم الثاني أمس، صولاتهم وجولاتهم في مناقشة مشروع الموازنة، من دون ان يفهم أحد من الرأي العام، في خارج البرلمان ماذا يقولون، إلا ان “الشغل” الأساسي كانت تدور وقائعه داخل قاعات المجلس، وكان يتم وضع الرئيس نبيه برّي في صورة التفاصيل، وظهرت وقائع هذه المشاورات على الهواء مباشرة، حيث كان الرئيس الحريري يقف إلى جانب الرئيس برّي، في أكثر من مشهد، فيما كان النواب يدلون بدلوهم بحسب ما تيسر لهم من قوة خطابة وبلاغة لغوية.
وبحسب ما تيسر من معلومات بالنسبة لهذه المشاورات، فإنها تركزت حول مسألة المواد العالقة في مشروع الموازنة بالنسبة إلى الإيرادات، إلى جانب مسألة قطع الحساب، والتي يبدو انها حسمت لصالح الاقتراح الذي قدمه الوزير جريصاتي إلى الرئيس برّي أمس الأوّل، ووافق عليه الرئيس الحريري لاحقاً، باعتماد نفس صيغة الحل التي اعتمد في موازنة 2019، أي بتمديد المهلة للحكومة ستة أشهر إضافية.
اما البارز في هذه المشاورات فكان الاجتماع الذي جمع الرئيس الحريري مع رئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان ووزراء المال علي حسن خليل والصناعة وائل أبو فاعور والاشغال يوسف فنيانوس وشارك فيه ايضا عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، وقد خصص هذا الاجتماع، بحسب ما سرب من معلومات على المادة المتعلقة بفرض رسم 2 في المائة على السلع المستوردة، في ضوء المعارضة الشديدة لها التي عبّر عنها نواب “حزب الله” وكان الهدف هو البحث في بدائل توفّر للخزينة نفس الإيرادات المقدرة من خلال فرض الضريبة قبل استيراد البضائع.
وترددت معلومات، انه تمّ الاتفاق على فرض رسم استيراد بنسبة 3 في المائة على السلع الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة T.V.A، وان هذا الرسم أصبح بحكم المتوافق عليه من قبل الأكثرية النيابية.
وتردد ايضا ان النائب كنعان سيقترح إضافة مادة قانونية على الموازنة تلزم الحكومة ملء الشغور في ديوان المحاسبة خلال شهر، وزيادة استثنائية في اعتماداته لتمكينه من إنجاز مهمته في تدقيق الحسابات خلال مهلة ستة أشهر.
قبرشمون حاضرة
وإلى جانب مسألتي قطع الحساب والمواد العالقة في مشروع الموازنة، بقي الاهتمام منصباً، ومن خلال هذه المشاورات الجانبية، على تطويق تداعيات وذبول حادثة قبرشمون، وظهر هذا الاهتمام واضحاً أمس الأوّل وأمس، في “كلمة السر” التي أعطيت للنواب بعدم التطرق في مداخلاتهم إلى حادثة الجبل، حرصاً على إبقاء جلسات الموازنة هادئة، وبالفعل التزم النواب بهذا “التعميم الضمني”، كما انه ظهر في حضور المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى المجلس، واجتمع إلى الرئيس الحريري في قاعة جانبية في حضور الوزير جريصاتي، واطلعهما على حصيلة لقائه رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان في خلدة.
ولم يشأ اللواء إبراهيم الكشف عن مضمون الصيغة التي يعمل عليها، واكتفى القول: “لا شيء سلبياً”، في حين عاد الحريري واطلع برّي على ما حصل، ثم اجتمع بالوزير ابوفاعور لنقل وقائع ما ذكره إبراهيم إلى رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط.
وعقب هذه المشاورات، قال الحريري في دردشة مع الاعلاميين: “اننا نعمل على حل أزمة قبرشمون والأمور تسير بإيجابية”.
اضاف: “هناك مادة لها علاقة بمهلة إنجاز قطوعات الحسابات، وستكون هناك جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل بعد الموازنة”.
ورداً على سؤال قال: “وزير العمل يطبق القانون، وهو تشدد في بعض الأمور قليلا، لكنه يقوم بمعالجة الأمر بالتنسيق مع السفير الفلسطيني”.
اضاف: “رجاء ما تكبروا الموضوع لانو الوزير عم يتعب فعلاً”.
وأكدت مصادر نيابية، انه خلافاً للأجواء الإيجابية لدى الحريري، فإن الأمور ما تزال مفتوحة على مزيد من الاتصالات، وان لا شيء نهائياً حتى الآن، لكن تجري محاولات حثيثة لتأمين المناخات الملائمة لعقد جلسة الحكومة الأسبوع المقبل.
وعلمت “اللواء” ان اللجوء الى خيار المحكمة العسكرية في حادثة قبر شمون لا يزال يشكل محور أخذ ورد وان اللواء عباس ابراهيم يتابع مهمته.
اما بالنسبة الى انعفاد جلسة مجلس الوزرإء الأسبوع المقبل فإن لا شيء جديدا حولها و لم يعرف بعد ما اذا كانت ستعقد في قصر بعبدا او السرايا بإنتظار الدعوة اليها.
وقالت مصادر رسمية ان الجلسة إذا عقدت، ستكون لمناقشة جدول أعمال عادي وإقرار بعض الأمور الطارئة والعالقة، خاصة وان موضوع قبرشمون بات على ما يبدو مفصولاً عن سبل الحل السياسي له.
الا ان اللافت كان جواب النائب ارسلان حول هذه النقطة، إذ شدّد في تغريدة له عبر “تويتر” على ان تكون الجلسة الحكومية خاصة باحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي.
وقال: “ليكن معلوماً، ان التسويف لن يُجدي نفعاً والحلول السياسية غير قابلة للبحث على حساب دم الناس”
وعلى صعيد مهمة اللواء إبراهيم علمت “اللواء” ان تقدماً حصل، لكن طفيف، وان الأولوية الآن لتحديد عدد المطلوبين من الطرفين.
وقائع اليوم الثاني
اما بالنسبة لوقائع الجلستين الصباحية والمسائية لليوم الثاني من جلسات مناقشة الموازنة، فلم تختلف عمّا اتسم به اليوم الأوّل من هدوء غابت عنه السجالات، باستثناء واقعة سجالين في الجلسة المسائية، الأولى بين وزير الدفاع الياس بوصعب والوزير أبوفاعور على خلفية دور الجيش على الحدود لمنع التهريب، حيث دعا بوصعب إلى التخفيف من المسلحين في الشوارع ليقوم الجيش بدوره، في إشارة ضمنية إلى ما حصل في قبرشمون، ما استدعى رداً مباشراً من ابوفاعور الذي كان يقف إلى جانب الرئيس برّي في منصة الرئاسة، وقال: “انه يجب اراحة الجيش من الاستفزازيين الطائفيين، وحبذا لو تقوم بدورك كوزير دفاع بدلا من جولات المواكبة”. في إشارة إلى موافقة بوصعب للوزير جبران باسيل في زيارته الأخيرة للجبل.
وعاد بوصعب ليقول: “رضي القتيل ولم يرضَ القاتل”.
وهنا تدخل برّي مانعاً توسع رقعة السجال.
اما السجال الثاني فكان على خلفية ما اعتبره عضو تكتل “لبنان القوي” آلان عون انقلاباً قواتياً على الموازنة، وقال متسائلاً: “كيف تكون “القوات” ممثلة في الحكومة ويصوت نوابها ضد الموازنة”.
فرد عليه النائبان القواتيان جورج عقيص وبيار الدكاش.
إلا ان نواب “التيار الوطني الحر” الذين كان لهم الحيز الأكبر من مداخلات الجلسة المسائية، واصلوا العزف على مسألة انتقاد “القوات” للموازنة، في حين كان لنواب “القوات” الحصة الكبيرة في مداخلات الجلسة الصباحية والذين شددوا على انتقاد غياب قطع الحساب وانتقاد الموازنة للرؤية الاقتصادية، بينما أعلن عضو كتلة “لبنان القوي” النائب شامل روكز انه سيتعاطى مع الموازنة على القطعة.
اما رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، فكان نجم الجلسة المسائية، لا سيما عندما أعلن انه يتعامل مع الموازنة على انها لزوم ما لا يلزم، مشيرا إلى ان رئيس الحكومة ووزير المال وحدهما يدافعان عن الموازنة في وقت تبرأ منها الجميع، وكرر دعوته لاجراء انتخابات نيابية مبكرة وتشكيل حكومة جديدة.
ولوحظ ان الرئيس برّي أشار بعد ان أعلن رفع الجلسة مساءً، إلى ان الجلسة ستعقد عند العاشرة والنصف صباحاً، وليس في الحادية عشرة كما جرت العادة، وفسر تبكير موعد الجلسة إلى رغبة رئيس المجلس في إنهاء النقاش اليوم والبدء بالتصويت على مواد المشروع، علماً انه بقي على لائحة طالبي الكلام اليوم 19 نائباً.
لكن معلومات نقلت عن لسان النائب كنعان توقعت ان لا يتمكن المجلس من التصويت على الموازنة مساء اليوم، وان الأمر قد يحتاج إلى تمديد إضافي لما بعد ظهر الجمعة.
دعم سعودي وتهديد إيراني
وسط الانشغالات اللبنانية بالموازنة، برز وصول مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الخارجية أمير عبد اللهيان إلى بيروت، حيث زار الرئيس برّي في مكتبه في ساحة النجمة. وقال بعد اللقاء “الجمهورية الإيرانية على قناعة بأن أمن لبنان يعني أمن المنطقة وأمن الجمهورية الإسلامية”، مضيفا “نرى بعض التهديدات والتحركات الإسرائيلية التي ينظمها نتنياهو والتي ليست لصالح الأمن في المنطقة”. واضاف “الجمهورية الإيرانية لن تسمح لإسرائيل بأن تلعب بأمن المنطقة”.
وفي المقابل، أكد الرئيس فؤاد السنيورة انه والرئيسين تمام سلام ونجيب ميقاتي “لم يذهبوا إلى المملكة ممثلين لفريق من اللبنانيين، بل ذهبوا ممثلين لجميع اللبنانيين الذين يرغبون دائما في أن تكون علاقتهم علاقة عربية صحيحة مع المملكة العربية السعودية ومع جميع الدول العربية، وبالتالي يحرصون على أن يكون لبنان دائما بعيدا عن مخاطر ما يسمى ممرات الأفيال، لأن لا مصلحة للبنان واللبنانيين في تعريض لبنان لمخاطر صراعات القوى الإقليمية والدولية على أرضه”.
وقال: “ربما طرأ على العلاقة بعض الانشغالات التي قد تكون حالت لفترة وجيزة دون تعبير المملكة عن اهتمامها بلبنان، ولكن عندما ذهبنا البارحة واجتمعنا مع خادم الحرمين الشريفين سررنا بما عبر عنه من اهتمام حقيقي بلبنان وباستمراره كبلد موحد حضاري يؤمن بالعيش المشترك، وان المملكة العربية السعودية ستستمر في دعم لبنان وستوقع معه إن شاء الله كما سمعنا عددا من الاتفاقيات، وستظل حريصة على دعم استقلاله وسيادته وحرية أبنائه ودعم اقتصاده”.
من جهة ثانية، شددت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، مورغان أورتاغوس، على أن “من فرضت عليهم العقوبات في لبنان، يعملون على تقويض الحكومة اللبنانية”.
ولفتت في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، الى أن “العقوبات الأخيرة على لبنانيين، استهدفت داعمين لمنظمة مصنفة إرهابية ويقومون بمساعدة إيران في سلوكها المزعزع وهذا ما لن نتسامح معه”.وشددت على أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، لديه مصلحة في الحفاظ على استقرار وأمن لبنان.