كتبت صحيفة “الديار” تقول: حكومة العهد الأولى مُعطّلة والسبب أحداث الجبل. هذه هي النتيجة المرّة التي وصلنا إليها اليوم. حكومة مُعطّلة في وقت يُعاني الاقتصاد اللبناني والمالية العامّة من تداعيات سنين من غياب سياسات اقتصادية ملائمة.
الخلاف الذي يدور حول إحالة أحداث الجبل إلى المجلس العدلي قسم الحكومة إلى قسمين: قسم يريد إحالة الحادثة على المجلس العدلي ويشمل وزراء التيّار الوطني الحرّ وحزب الله والوزير الغريب، وقسم يُعارض هذا الأمر ويشمل الاشتراكي، حركة أمل، المُستقبل، القوات، والمردة. وهذا يجعل الأغلبية ضد إحالة الملفّ إلى المجلس العدلي مما يُبرّر عملية التعطيل الأسبوع الماضي. هذا الانقسام وصل إلى مستويات خطرة قدّ تتعطّل معها الحكومة لفترة طويلة وهذا ما نلحظه من المؤشرات مثل سفر الحريري وتصريح الوزير باسيل في طرابلس وتصريح النائب طلال أرسلان في تشييع سامر أبي فراج وتصريح الدكتور جعجع والنائب السابق جنبلاط.
وبغضّ النظر عمن سيربح هذه الجولة، فقد تلقّت الحكومة طعنة قوية قضت على التضامن الحكومي بين الوزراء وأصبح مصيرها مُعلّقًا بيد ثلاث أو أربع مرجعيات. في هذا الوقت تتجه الأنظار إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وهو الحريص الأول على استمرار عمل الحكومة، لمعرفة توجيهاته لاستدراك الوضع واستمرار العمل الحكومي وذلك على الرغم من الموقف الأوّلي الذي أصدره عن حادثة الجبل والذي شدّد فيه على حرية تنقّل ممثلي الأمّة في كل المناطق.
بالتوازي تشهد الساحة السياسية اليوم اجتماعاً يضمّ وزير المال علي حسن خليل إلى رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان لبحث الصيغة للبنود العالقة والتي تُحدّد مصير الموازنة وعلى رأسها رسم الـ 2% على الاستيراد الذي سيؤدّي إلغاؤه إلى وضع لبنان أمام أزمة ميزان مدفوعات قد تتطوّر لتُصبح أزمة عملة!
في هذا الوقت، ما زالت الأنظار مُتجهة إلى لجنة المال والموازنة لمعرفة ما البديل عن الـ 11 ألف مليار ليرة لبنانية بفائدة 1% التي وضع عليها صندوق النقد الدولي “فيتو”. على هذا الصعيد، حمّل النائب نقولا نحّاس الحكومة مسؤولية إيجاد البديل مع اعترافه باستحالة تحميل هذا الأمر إلى مصرف لبنان بعد تقرير صندوق النقد الدولي. الجدير ذكره أن هذا الإقتراح صدر عن وزارة المال في مشروعها الأساسي وتبلغ كلفته 912 مليون دولار أميركي طلبت الحكومة تحمليها إلى مصرف لبنان وهو ما رفضه صندوق النقد الدولي.
أمّا في ما يخص بند العسكريين، فليس هناك أي معلومات حتى الساعة عن الصيغة التي ستعتمدها لجنة المال والموازنة وإذا ما سيكون هناك اقتطاع من مكتسبات العسكريين المتعاقدين أو لا إضافة إلى ضريبة الدخل على معاشات التقاعد.
الأزمة الحكومية
لم تنجح محاولات الوساطة حتى الساعة لعقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المُقبل في ظل الخلاف على إحالة أحداث الجبل على المجلس العدلي. فشل هذه المحاولات أكدتّه عدّة مؤشرات على رأسها سفر الرئيس سعد الحريري الذي نقلت عنه مصادر امتعاضه من الوضع الذي وصلنا إليه ولكن أيضًا من التداعيات الكارثية على مشاريع مؤتمر سيدر في حال تمّ تعطيل عمل الحكومة. أيضًا لحظت المصادر الخطاب العالي اللهجة لوزير الخارجية جبران باسيل خلال زيارته السبت إلى طرابلس وخطاب النائب طلال أرسلان في تشييع مرافقي الوزير صالح الغريب ولكن أيضًا تصريح رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وبعض أقطاب 14 أذار. وبحسب المصادر تتمحور محاولات التهدئة حول فصل أحداث الجبل وإحالة الملف على المجلس العدلي عن العمل الحكومي. إلا أن إعتبارات سياسية عديدة منعت من التوصّل إلى اتفاق وأصبحت المخاوف الأن تصبّ باتجاه شلّ كامل للحكومة.
فعدم إحالة الملف على المجلس العدّلي يرفضه أرسلان والتيار الوطني الحرّ وقدّ عبّروا عن ذلك الثلاثاء الماضي من خلال إسقاط نصاب جلسة مجلس الوزراء. من جهة أخرى إحالة الملفّ على المجلس العدّلي يعني احتمال احتدام الصراع داخل الحكومة خصوصا أن الرئيس برّي حدّد موقفه مع عدم الإحالة وحتى بفرضية أن يقوم حزب الله بالضغط على الوزير فرنجية للوقوف مع إحالة الملف على المجلس العدّلي، فإن احتمال استقالة وزراء الاشتراكي وحتى القوات يصبح عالياً وعندئذ يُمكن القول إن الميثاقية التي تغنّى بها لبنان منذ تسعينات القرن الماضي والتي أرساها الرئيس برّي في المجلس النيابي ستؤدّي إلى تعطيل العمل الحكومي.
على كلٍ، الوضع الحكومي صعب مع إقرار أو عدم إقرار تحويل الملف إلى المجلس العدلي وستكون هناك صعوبة كبيرة في جمع وزراء الاشتراكي والوزير الغريب ووزراء التيار الوطني الحرّ على طاولة مجلس الوزراء نظرا إلى أن أحد الجانبين سيكون رابحا والأخر خاسرا في هذه المعركة.
من هنا تأتي أهمّية تدخّل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نظرًا إلى موقعه المُترفّع فوق الانقسامات السياسية ونظرا إلى الأهمّية التي يوليها لنجاح حكومة عهده الأولى. وفي ظل هذه الأجواء تبرز إلى العلن عدد من السيناريوهات المُمكنة نذكر منها:
السيناريو الأول هو أن يعمد رئيس الجمّهورية إلى لجم طلب إحالة ملف أحداث الجبل على المجلس العدلي بحكم “مونته” على النائب طلال أرسلان وعلى الوزير باسيل. إلا أن هذا الأمر وحتى لا يظهر على أنه انكسار من قبل أرسلان وباسيل، سيكون له مُقابل وأغلب الظن في التعيينات الإدارية التي من المتوقّع أن تكون على رأس جدول الأعمال في حال عادت الحكومة إلى الاجتماع. ومما يُشجّع على هذا السيناريو أن الاشتراكي يتعاون مع اللواء عباس إبراهيم وقام بتسليم المطلوبين حتى الساعة.
السيناريو الثاني هو أن تنجح الوساطة في التئام الحكومة مع ترك موضوع تحويل الملف إلى المجلس العدلي مُعلقًا. إلا أن الأهمّية التي يُعطيها المعنيون بهذا الملف لما له من مكاسب على الصعيد السياسي قدّ تُفجّر جلسة الحكومة في أي لحظة وقد توصل إلى مواجهات نارية على طاولة مجلس الوزراء. هذا السيناريو يُعدّ من أكثر السيناريوهات خطورة نظرا إلى الانقسام والإصطفاف الحاصلين بين مكونات الحكومة.
السيناريو الثالث وهو سيناريو تشاؤمي حيث أن الاصطفاف الحاصل سيكون حادا ويشلّ عمل الحكومة بانتظار “اهتراء” الأمور لتعود بعدها التسويات إلى الظهور مع ما لهذا السيناريو من تداعيات سلبية على الاقتصاد والمالية العامّة مع خسارات فادحة تقاس بعشرات ملايين الدولارات يوميًا.
الموازنة والبنود العالقة
بالتوازي مع الأزمة الحكومية، من المُتوقّع ألا يتأثر عمل المجلس النيابي وخصوصا عمل لجنة المال والموازنة إلا في حال كانت هناك زيادة في النفقات أو إيرادات بديلة، عندئذ تُصبح موافقة الحكومة وبالتالي انعقاد مجلس الوزراء أساسياً. ويلتئم اليوم الوزير علي حسن خليل والنائب إبراهيم كنعان لوضع اللمسات الأخيرة على صيغة البنود المُعلقة والتي لها الكلمة الحاسمة في تحديد عجز الموازنة. الجدير ذكره أن اللجنة وبحسب رئيسها النائب إبراهيم كنعان انتهت من إقرار كل بنود مشروع الموازنة باستثناء البنود المُعلّقة والتي يُمكن إختصارها بثلاثة:
رسم الـ 2% على الاستيراد الذي له تداعيات كارثية على الصعيدين الاقتصادي والمالي في حال إلغائه (أنظر إلى العنوان التالي) مع أكثر من 300 مليون دولار أميركي مداخيل للخزينة العامّة. هذا البند الذي أطاحته القوى السياسية تحت ضغط أصحاب النفوذ يصعب استبداله بإجراءات لها مداخيل موازية خصوصًا أن التصريحات تؤشّر إلى اعتماد رسوم نوعية (أي على أنواع محدّدة من السلع والبضائع المُستوردة) مع استحالة أن تُعوّض هذه الرسوم المداخيل الملغاة.
ملف العسكريين وما يرافقه من تحرّك للعسكريين المتعاقدين الذين توعدوا بتحركات كبيرة بالتزامن مع انعقاد الهيئة العامّة في حال المسّ بحقوقهم. وهذا البند له وزن أساسي في عجز الموازنة الذي اعتمدته الحكومة في مشروعها والذي أحالته إلى مجلس النواب. وتأتي الضريبة على معاشات التقاعد لتزيد من الطين بلّه مع شمولها العسكريين وغير العسكريين.
قرض الـ 11 ألف مليار ليرة لبنانية بفائدة 1% والذي وضع صندوق النقد الدوّلي “فيتو” على تحميله لمصرف لبنان قائلاً بالحرف الواحد “إن تحميل القرض إلى مصرف لبنان سيكون له تأثير في قدرة مصرف لبنان على المحافظة على الثبات المالي والنقدي”! الجدير ذكره أن الوزير السابق والنائب الحالي نقولا نحّاس قال إن على الحكومة إيجاد البديل عن القرض لخفض العجز مع اعترافه الواضح باستحالة تحميل كلفة هذا القرض إلى مصرف لبنان.
إذا وكخلاصة، ما هي الصيغ التي يحملها الوزير علي حسن خليل والنائب إبراهيم كنعان؟ وهل هذه الصيغ كافية لتعويض هذه البنود التي تصل قيمتها إلى أكثر من 1.4 مليار دولار أميركي؟ وهل سيتمّ إقرارها في لجنة المال والموازنة أو سيتمّ حمّلها إلى الهيئة العامّة حيث المسؤولية موزّعة أكثر؟ كل هذه الأسئلة في ظلّ شكوك كبيرة أطلقتها وكالات التصنيف الإئتماني عن قدرة الحكومة على الالتزام بعجز 7.59% وتشكيك الرئيس برّي في هذه الشكوك لما لها من خلفيات مُتعلّقة بصفقة القرن بحسب الرئيس برّي.
ميزان المدّفوعات وكارثة في الأفق
من المعروف أن الدولة اللبنانية لم تُسجّل أي فائض تجاري في تاريخها، فنسبة التصدير إلى الاستيراد لم تتجاوز الـ 67% (الأرقام من الـ 1974 إلى 1976 غير دقيقة). وبالتالي فإن عجز الميزان التجاري هو عجز مزمن. وإذا كان هذا العجز غير مؤذ في الفترة ما قبل العام 2005، إلا أنه أصبح ومنذ العام 2013 يُشكّل خطرًا فعليًا على الكيان اللبناني (اقتصاديا، ماليا ونقديا).
وبما أن الميزان التجاري يدخل في حساب ميزان المدفوعات، أصبح ميزان المدفوعات يُشكّل خطرا فعليا. فميزان المدفوعات الذي يُشكّل نقطة تلاقي النشاط الاقتصادي، مالية الدولة والسياسة النقدية، يُستخدم في تقييم التصنيف الائتماني للدول، وبالتالي فإن تصنيف لبنان الائتماني هو نتاج العجز في ميزان المدفوعات الذي يُسبّبه عجز الميزان التجاري.
هذا الأخير يقضي على الشركات اللبنانية وعلى عمل الشباب اللبناني وما رفض رسم الـ 2% على الاستيراد إلا تجسيد لفوقية المصالح الخاصة على المصلحة العامّة. والأهم أن عجز ميزان المدفوعات ستكون له تداعيات على الليرة اللبنانية إذا ما دخلنا في أزمة ميزان مدفوعات. وتنص المعاهدات التجارية الدولية على أن الدول التي تُعاني من عجز مُزمن في ميزان المدفوعات، يحق لها تعليق العمل بالاتفاقات التجارية وإعادة فرض رسوم لتصحيح الخلل في ميزان المدفوعات. إذا لماذا لا تريد القوى السياسية إلغاء رسم الـ 2% على الاستيراد في مشروع موازنة العام 2019؟ حجة أن هذا الرسم هو ضريبة على المواطن هي حجّة ساقطة من ناحية أنه يكفي فرض رسم على كل البضائع التي لها مثيل في لبنان. وهل لبنان أهمّ من الولايات المتحدة الأميركية ليعتمد الرئيس الأميركي سياسة حمائية ولا يعتمدها لبنان؟