كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: في اليوم الخامس على أحداث عاليه والشحار الغربي ارتفعت وتيرة الاتصالات في مختلف الاتجاهات لتطويق ذيولها ومعالجة نتائجها، وكان محورَها القصر الجمهوري ورئاستا مجلس النواب ومجلس الوزراء، فيما بدأت الانظار تتجّه الى طرابلس من زاوية إقناع الوزير جبران باسيل بتأجيل زيارته لها المقرّرة الاحد المقبل، لكي لا يتكرّر ما حصل اثناء زيارته منطقة عاليه الاحد الماضي. وسُجّل ارتفاع في الاصوات الداعية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى وضع يده على أحداث الجبل، بدعوة المعنيين الى لقاء مصالحة برعايته في القصر الجمهوري يفضي الى حل للأزمة، بحيث يلاقي في جانب من نتائجه لقاء المصالحة الذي رعاه رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء أمس الاول في عين التينة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط.
فيما تمّ ترحيل جلسة مجلس الوزراء الى الاسبوع المقبل لتجنيب الحكومة اي تفجير من الداخل، على أمل ان تكون الاتصالات نجحت في إنهاء ذيول الاحداث ومضاعفاتها، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ””الجمهورية”، انّ المعالجات المطروحة تسير على خطين متوازيين: مقابل استبعاد إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، إجراء معالجة امنية – سياسية توفّر النتيجة المطلوبة من دون الذهاب الى المجلس العدلي، وذلك عبر تسليم القتلة وإنهاء التشنج السياسي السابق لما جرى واللاحق له، وهذا ما يعمل عليه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.
وكان ابراهيم زار أمس رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” النائب طلال إرسلان في خلدة وحضر اللقاء وزير شؤون النازحين صالح الغريب، الذي غادره متوجهاً الى عين التينة.
وإذ قال ارسلان إنّ “الامور تسير بكلّ شفافية وصدقية، اللواء ابراهيم يعمل على أمن الجبل وسلامته”. أكّد إبراهيم أنّ جنبلاط “قال كلمة أساسية وهي أنّه تحت القانون، والأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ولن أدخل في مسألة أعداد الموقوفين، والمجلس العدلي ليس عندي. فكل ما يتعلق في السياسة يبقى في السياسة”.
ومن عين التينة، شدّد الغريب بعد زيارته بري على أنّه لم يتراجع عن مطلب إحالة ما حدث في قبرشمون الى المجلس العدلي، مؤكّدا أنّه “احتراماً ونزولاً عند مطلب المشايخ الدروز تقرّر دفن الشهيدين ولا علاقة للدفن لا من قريب أو من بعيد بمسار الامور على الاطلاق”.
لقاءات
الى ذلك، عُقِد اجتماعٌ مساء أمس في “بيت الوسط” بين الحريري والوزير وائل ابو فاعور الذي زاره موفداً جنبلاطياً إثر اجتماع للحزب التقدمي الاشتراكي. وقالت مصادر إطلعت على أجواء هذا اللقاء، أنّه كان استكمالاً للقاء الثلاثي في عين التينة أمس وإعلان جنبلاط من دار الطائفة الدرزية استعداده للإنفتاح على مختلف الأفرقاء. كذلك جاء في ضوء الدور الذي يلعبه الحريري لتقريب وجهات النظر بين “التيار الوطني الحر” و”الاشتراكي” وفي ظل معلومات عن امكان رعاية عون لقاء بين الجانبين في القصر الجمهوري.
“الاشتراكي”
وأكّدت مصادر “الاشتراكي” ثقتها بجهود ابراهيم، وقالت لـ”الجمهورية”، إنّ الحزب “منفتح على الحوار مع كافة الأطراف السياسية دعماً لهذه الجهود”. وتمنّت المصادر أن “تلاقيهم الأطراف الأخرى في منتصف الطريق في ما أعلناه لاحتواء هذه الأزمة والخروج منها بالسبل القانونية السليمة وبالاحتكام في نهاية المطاف الى القضاء”.
وعن تسليم مطلقي النار، كشفت المصادر، أنّ “الاشتراكي” سلّم حتى اللحظة خمسة مطلوبين. وأضافت: “نحن على استعداد بناء للمعطيات القانونية لتسليم كل من تطلبهم الدولة، لكن في المقابل على الطرف الآخر أن يسلِّم مطلقي النار من جهته، لأنّ هذه الحادثة حصلت بين طرفين”.
وعن اللقاء الثلاثي في عين التينة، أبدت المصادرتفاؤلها، متمنية أن “يكون هذا اللقاء فاتحة للحركة السياسية التي تساهم في معالجة الأمور”.
بري
ووصف الرئيس نبيه بري اللقاء الثلاثي بينه وبين جنبلاط والحريري في عين التينة مساء أمس الاول بأنّه “ودي”، وقال: “انّ الوضع في الجبل استحوذ على ثلاثة أرباع وقت اللقاء، ويمكن القول بناء على أجواء المحادثات أنّ ما كان بين الرئيس الحريري وجنبلاط قد انتهى”.
وشدّد بري على ضرورة “الإنهاء السريع للوضع المتوتر بعد حادثة قبرشمون”، مشيراً إلى أنّه مستمر في مساعيه في هذا الاتجاه، مؤكّدا “أنّ الحل ينبغي أن يرتكز الى مثلث المعالجة، أي السياسة والأمن والقضاء”.
وحسب أجواء اللقاء، فأنّ جنبلاط أكّد تجاوبه مع كل المساعي الجارية لإنهاء التوتر، مبدياً استعداده الكامل لتسليم المطلوب، على أن يكون التسليم من جميع الأطراف.
وفُهم من الأجواء أنّ الخلاف ما زال قائماً حول موضوع إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، إذ أنّ هناك طرحاً بالإحالة الفورية على المجلس العدلي كما يدعو النائب طلال ارسلان، لكن هناك في المقابل طرحاً آخر يشدّد على أن يأخذ القضاء مجراه في التحقيقات، واذا تبين انّ هناك ما يستدعي الإحالة على المجلس العدلي فليكن.
وشدّد بري على أهمية التواصل بين كل الأطراف لإنهاء ذيول ما حصل وخصوصاً بين “الحزب التقدمي” و”الحزب الديموقراطي” و”التيار الوطني الحر”.
ورداً على سؤال حول الحكومة وعمّا إذا كانت ستجتمع في هذه الاجواء، قال بري: “كنا نحاول أن نصالح من هم خارج الحكومة، والآن نصالح الحكومة بعضها مع بعض، بالتأكيد انّ اجتماع مجلس الوزراء في اجواء اتفاق وحلول يبقى افضل بكثير من انعقاده في اجواء توتر سياسي”.
الحريري مرتاح
من جهتها، اوساط “بيت الوسط” أكّدت لـ”الجمهورية” ارتياح الحريري الى نتائج لقاء عين التينة بكل ما تضمنه من مناقشات قادت الى تفاهمات وُصفت بأنها “عميقة وجدّية”.
وفي مقابل هذه التوصيفات، تكتّمت المصادر عن التفاصيل، ولفتت الى ترحيل جلسة مجلس الوزراء الى الاسبوع المقبل “في انتظار مزيد من المشاورات لضمان إستئناف العمل الحكومي على قاعدة الحاجة الى بت كثير مما هو مطروح على جدول الأعمال، وخصوصا ما يتصل بقطوعات الحسابات للاعوام الممتدة من 2004 الى العام 2017.
بعبدا والميثاقية
في هذه الأجواء، أبدت مصادر وزارية قريبة من قصر بعبدا عبر “الجمهورية” استغرابها لما صدر من تسريبات لا هوية لمطلقيها، تتساءل عن “الميثاقية” في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع بسبب غياب الوزراء الدروز عنه. ودعت من لم يكشف عن هويته الى مراجعة قانون الدفاع الوطني الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 102 تاريخ 16 أيلول 1982(المادة 7) والذي قال بوضوح، انّ المجلس ينعقد برئاسة رئيس الجمهورية ويضمّ رئيس الوزراء نائباً للرئيس وأعضاء حُكميين هم وزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية والاقتصاد. كذلك نصّت الفقرة 2 من المادة نفسها انّه يحق لرئيس المجلس الأعلى ان يستدعي من يشاء ممن تقضي طبيعة أعمال المجلس حضورهم.
ودعت المصادر الوزارية الذين تناولوا الاجتماع الأخير للمجلس الاعلى للدفاع الى “وقف النفخ الطائفي والمذهبي والكف عن تضليل الرأي العام والعزف على اوتارهما، وافتعال إشكالات لا معنى لها ولا مضمون ولا تأتلف مع دعوات التهدئة الصادرة عن معظم القيادات الرسمية والسياسية والروحيّة بهدف معالجة ما حصل الأحد الماضي في منطقة عاليه، بما يحفظ الاستقرار الأمني ويمّكن الأجهزة القضائية من القيام بدورها من دون ضغط واستباق للتحقيقات”.
من جهة أخرى، اضافت المصادر، انّ من حضر اللقاء لديه ما يبرره في نظام المجلس الأعلى. ولذلك، ورداً على أي ملاحظات، أشارت الى ان مشاركة وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي من خارج الأعضاء الحكميين اجتماع الاثنين الماضي، جاء بناء على طلب رئيس الجمهورية، وكذلك حضور القادة الأمنيين في الجيش وقوى الامن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والمسؤولين عن المخابرات في الجيش وقوى الامن، وذلك نظراً الى طبيعة المواضيع التي طُرحت في الاجتماع الذي شارك فيه أيضاً النائب العام التمييزي بالنيابة القاضي عماد قبلان نظراً لكونه باشر التحقيقات في ما حصل.
واوضحت المصادر، انّ مشاركة القادة الأمنيين في الاجتماع مسألة طبيعية، لأنّ البحث تركّز على هذه الأحداث التي تابعتها الأجهزة الأمنية التي تقع تحت أمرتهم ولديهم التقارير المفصّلة عنها.
وعن صلاحيات المجلس ودوره قالت المصادر، انه يتخذ إما توصيات تُرفع الى مجلس الوزراء اذا كانت طبيعتها تتطلب إتخاذ قرارات في شأنها، وكذلك للمجلس أن يطلب الى القادة الأمنيين إتخاذ إجراءات تدخل في صلب مهماتهم الأمنية ولا تحتاج الى موافقة مسبقة من مجلس الوزراء، ولم يحصل ان تجاوز المجلس الأعلى، لا في اجتماع الاثنين الماضي، ولا في غيره من الاجتماعات، الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، وكل ما قيل خلاف ذلك يندرج في إطار سياسي لا صلة له بالواقع القانوني الخاص بمهمات المجلس ومسؤولياته.
زيارة باسيل لطرابلس
في غضون ذلك، وعلى رغم من رفض كثيرين من الطرابلسيين زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل لعاصمة الشمال الأحد المُقبل، وعلى رغم من التحذيرات التي تلقّاها ودعته الى إلغائها أو تأجيلها، فإنه ما زال مصرّاً حتى الآن على إتمامها.
وقالت مصادر “التيار الحر” لـ”الجمهورية”، إنّ “الزيارة قائمة الى الآن وستكون لباسيل لقاءات واجتماعات مع فاعليات طرابلسية وكذلك لقاءات شعبية”.
في المقابل، تخوّف معارضون لباسيل من أنّ تؤدي هذه الزيارة إلى تأجيج الشارع وتفلّته على غرار ما حصل في الجبل، إذ إنّ جزءاً كبيراً من الطرابلسيين مِثلُ بعض أهالي الجبل يعتبرون أنّ زيارة باسيل “إستفزازية كخطابه السياسي”.
ويقول هؤلاء، إنّ “باسيل مصرّ على زيارة طرابلس على رغم من كلّ التحذيرات وعلى رغم من أنّه سبق أن اتّهم جزءاً من الطرابلسيين بالإرهاب، لأنه يعتقد أن جمهوره يرضيه ما يعتبره تحدّياً، وليُثبت أن احداً لا يُمكنه أن يردعه وأنّ في إمكانه الذهاب إلى حيث يريد. فكلّ ما يقوله الناس والسياسيون في طرابلس لا يعنيه”.
“المستقبل”
على صعيد تيار “المستقبل”، لم يتواصل باسيل مع قياداته للتنسيق أو لإجراء لقاءات تحضيراً لزيارته الطرابلسية. وقالت مصادر “المستقبل” لـ”الجمهورية”، إنّ “طرابلس مدينة كبيرة ولا يُمكن أحدٌ أن يمنع الآخرين من الدخول إليها”. وأشارت إلى أنّ “لا توجيه من التيار لقاعدته في طرابلس لاستقبال باسيل، كذلك لا توجيه لمعارضة زيارته أو للمشاركة في تحرّكات معارضة لهذه الزيارة الأحد المقبل. فنحن لن نتدخّل نهائياً”.