كتبت صحيفة “النهار” تقول: مع ان مشهد الاعتراض الشعبي والحزبي على اقامة محرقة للنفايات في بيروت كاد أن يتصدر واجهة التطورات الداخلية أمس، فإن ملف حادث قبرشمون وتداعياته الامنية والسياسية ظلّ متقدماً الانشغالات الرسمية والسياسية والحزبية في ظل انتظار المعالجات الامنية لمسألة تسليم المطلوبين التي يتوقف عليها الانتقال الى المعالجات السياسية. وبدا واضحاً في هذا السياق ان “فك الحصار” عن جلسات مجلس الوزراء ربط ببلوغ التحرك الذي يتولاه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم الذي يتحرك مكوكياً بين افرقاء الازمة الحزبيين والمسؤولين الكبار من اجل تحقيق هدف أساسي هو تسليم جميع المطلوبين الذين أدرجت أسماؤهم في لوائح للاجهزة الامنية المعنية.
وثبت أمس ان عدد المطلوبين الذين تسلمتهم شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي التي ناط بها القضاء التحقيق في الحادث لم يتبدل وهو خمسة بما يعني ان ثمة تعقيدات لا تزال تعترض اللواء ابرهيم في تسلم المطلوبين الآخرين والذين لم يعرف تماماً عددهم وإن يكن بعض المعلومات تحدث عن عشرات تورطوا في الحادث من الفريقين. وأفادت المعلومات ان تطوراً ايجابياً سجّل في الساعات الاخيرة وتمثل في قرار رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان وعائلتي الضحيتين رامي أكرم سلمان وسامر نديم أبي فراج تعيين موعدين لتشييعهما في مأتمين حزبيين وشعبيين في مسقطي رأسيهما اليوم وغداً. وأعلن الحزب الديموقراطي ان “هذه الخطوة لن تثنينا عن المطالبة والإصرار على تسليم جميع المطلوبين والمتورطين والمحرضين إلى الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة، حيث أن دماء الشهيدين والجرحى الذين سقطوا نتيجة الكمين المسلح لن تذهب سدى وهي امانة في اعناقنا، ولا حل لهذه المشكلة إلا باتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة ومحاسبة كل من يثبته التحقيق متورطاً في محاولة الإغتيال التي حصلت”.
لكن المعلومات التي توافرت لدى “النهار” عن التحركات التي حصلت أمس، أظهرت أنّه كان يفترض المضي في تسليم الدفعة الثانية من المطلوبين، لكن ذلك تعّثر نتيجة تضارب المواقف لدى الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني حيال ظروف الحادث خصوصاً لجهة رفض الفريق الارسلاني التسليم بأن لديه أيضاً مطلوبين يجب ان يسلمهم. وعلم ان قيادة “الحزب التقدمي الاشتراكي” عقدت اجتماعاً أمس في كليمنصو برئاسة رئيس الحزب وليد جنبلاط ثم أوفد جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور الى السرايا حيث التقى رئيس الوزراء سعد الحريري وعرضا آفاق الحلول المطروحة.
وفهم ان الاشتراكي الذي انفتح على الحلول وأبدى مرونة حيال مهمة اللواء ابرهيم، يطالب بدوره بان يسلم النائب ارسلان مطلوبين كانوا ضمن موكب الوزير صالح الغريب، في حين يرفض الفريق الارسلاني اعتبارهم مطلوبين. وبذلك عاد الخلاف على اشده بين الفريقين على ظروف الحادث، الامر الذي ينسحب أيضاً على موضوع احالة الحادث على المجلس العدلي الذي ادى الخلاف حوله الى اطاحة جلسة مجلس الوزراء الاخيرة وعدم الاتفاق بعد على موعد جديد لها. وأوضحت المعلومات أن الرئيس الحريري يقوم بمسعى انطلاقا من التوافق الذي ساد اللقاء الثلاثي في عين التينة بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري وجنبلاط لحل المشكلة، كما يقوم بمسعى لردم الهوة بين الاشتراكي و”التيار الوطني الحر”. وزار الرئيس فؤاد السنيورة مساء أمس جنبلاط في دارته وعرض معه مجمل التطورات.
بري واللقاء الثلاثي
وأمس أعرب الرئيس بري أمام زواره عن ارتياحه إلى لقاء عين التينة قائلاً انه ارتكز على النقاط الآتية:
لم يأخذ اللقاء وقتا طويلا لترتيب العلاقة بين الحريري وجنبلاط والسعي إلى عودتها لتسير في شكل طبيعي بين الطرفين. وأخذ حادث قبرشمون المساحة الكبرى من اللقاء، وشدد رئيس للمجلس على ضرورة توفر ثالوث المعالجة في السياسة والقضاء والأمن. وأبدى جنبلاط كل استعداد للاستجابة لمطلب بري تسليم سائر المطلوبين من الطرفين وإن يشمل هذا الإجراء الجميع.
وأبلغ بري الموقف نفسه إلى الوزير صالح الغريب الذي نقله بدوره إلى النائب طلال ارسلان.
وفي خصوص المجلس العدلي ثمّة رأيان: الاول يتمثل في العمل على إحالة الملف مباشرة على المجلس العدلي بناء على طلب ارسلان. ونقل بري انفتاح جنبلاط إلى ارسلان وسيستمر رئيس المجلس بهذا التحرك الذي وضع أسسه في اجتماع عين التينة.
الرأي الثاني وهو الغالب عند أكثر الأفرقاء يقضي بإجراء التحقيقات المطلوبة واذا اظهرت المعطيات أن ثمة حاجة إلى إحالة هذا الملف على المجلس العدلي يتم هذا الامر بناء على الخلاصات التي يتوصل اليها التحقيق.
ورأى بري أن أن تطبيق الأمن على الأرض أمر مهم، لكنه لا يكفي ما لم يقترن بتفاهم سياسي بين الافرقاء.
وتساءل: هل في الإمكان وضع عسكري أمام كل منزل؟ إن الحل النهائي يكون في السياسة. ويجب ان تقترن المعالجة في السياسة بين الحزبين التقدمي الإشتراكي والديموقراطي وصولاً إلى “التيار الوطني الحر”. وهذا ما تم التركيز عليه في لقاء عين التينة.
وكشف أن اللقاء كان مقرراً من أجل ترطيب العلاقة بين الحزب التقدمي الاشتراكي و”تيار المستقبل” وكان النائب مروان حمادة همزة الوصل في ترتيبه إلى أن حصل حادث قبرشمون وكان جنبلاط في الكويت. وثمة من طلب تأجيل الموعد” لكنني أصررت على عقده في موعده منعاً لحصول أي تأويلات. وما حصل في الجبل أوجب عقد مثل هذا الاجتماع”.
وسئل عن حال الحكومة وجلساتها؟، فأجاب بري: “أصبحنا في حاجة إلى تصالح اطراف الحكومة أي مجلس الوزراء بعضه مع البعض. تعالج هذه المسألة بهدوء. لكن ما يهمني هو تثبيت السلم الأهلي والحفاظ عليه. ويجب وضع هذه النقطة في الدرجة الأولى. ولا شك في أن المعالجة السياسية تساعد في انعقاد الحكومة. ومن غير المستحسن ان تلتئم جلساتها والأزمة قائمة”.
الى ذلك، أبدت مصادر وزارية استغرابها لما صدر من مواقف تناولت اجتماع المجلس الأعلى للدفاع والتوصيفات التي اطلقها البعض ولا سيما منها الحديث عن عدم ميثاقية المجلس، فذكرّت بان تشكيل المجلس الأعلى للدفاع نص عليه قانون الدفاع الوطني الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 102 الصادر في 16 أيلول 1982 (المادة 7) وهو برئاسة رئيس الجمهورية ويضم رئيس الوزراء نائباً للرئيس وأعضاء حكميين هم وزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية والاقتصاد. ونصت الفقرة 2 من المادة نفسها على انه يحق لرئيس المجلس الأعلى ان يستدعي من يشاء ممن تقضي طبيعة أعمال المجلس حضورهم.
وقالت المصادر إن حضور وزيرين من خارج الأعضاء الحكميين اجتماع الاثنين الماضي جاء بطلب من رئيس الجمهورية، وكذلك حضور القادة الأمنيين وذلك نظراً إلى طبيعة المواضيع التي طرحت في الاجتماع الذي شارك فيه أيضاً النائب العام التمييزي بالنيابة القاضي عماد قبلان نظراً إلى كونه باشر التحقيقات في الأحداث التي حصلت في منطقة عاليه.
ولفتت المصادر الوزارية الى ان المجلس الأعلى للدفاع يتخذ توصيات ترفع الى محلس الوزراء اذا كانت تتطلب طبيعتها قرارات من مجلس الوزراء، كما له ان يطلب من القادة الأمنيين اتخاذ إجراءات تدخل في صلب مهماتهم الأمنية ولا تحتاج الى موافقة مسبقة من مجلس الوزراء. ولم يحصل ان تجاوز المجلس الأعلى، لا في اجتماع الاثنين الماضي ولا في غيره من الاجتماعات، الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، وكل ما قيل خلاف ذلك يندرج في إطار سياسي لا صلة له بالواقع القانوني الخاص بمهمات المجلس الاعلى للدفاع ومسؤولياته.
المحرقة وموقف “القوات”
وسط هذه الاجواء اتخذت حركة الاعتصام رفضاً لاقامة محرقة للنفايات في بيروت بعداً بارزاً، خصوصاً بعدما طلب حزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” من مجلس بلدية بيروت إرجاء درس دفتر الشروط لادخال تعديلات عليه. كما ان حزب الكتائب ممثلاً بالنائبين نديم الجميل والياس حنكش تقدم مع “حزب سبعة” والنائبة بولا يعقوبيان حركة الاحتجاج الرافضة للمحرقة.
واذ أعلن رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني توقيف المشروع في انتظار ملاحظات “القوات” و”التيار”، اتخذ رئيس حزب “القوات” سمير جعجع في كلمة القاها في مؤتمر لدعم الصناعة اللبنانية في معراب موقفاً وسطياً من المشكلة اذ قال “إن الجميع يتشكون من مشكلة النفايات ولكن أي حل من الممكن أن يطرح مرفوض من البعض فلا المطامر مقبولة ولا معامل التفكك الحراري، إلا أنه في نهاية المطاف علينا إيجاد حل منطقي وعملي لهذه المشكلة وليس كالذي يطرحه البعض من حلول غير منطقيّة كالفرز من المصدر الذي يتم تطبيقه في بلدان عدّة منذ عشرات السنوات ولم تصل حتى اليوم نسبة الفرز فيها إلى أكثر من 30% فقط”. وأضاف: “معامل التفكك الحراري إحد الحلول ولكن ليس أي معامل تفكك حراري. وفي هذا الإطار هناك فريق من حزب “القوّات اللبنانيّة” رافق إعداد دفتر الشروط المقترح من بلديّة بيروت لذا نحن نعتبر أن هذا الدفتر لا يستوفي الشروط إلا أن هذا الموقف لا يعني أننا ضد معامل التفكك الحراري فنحن نريد حلولاً جذريّة لمشكلة النفايات لذا أدعو بلديّة بيروت إلى إعادة النظر في بعض الشروط المرتبطة بمعمل التفكك الحراري من أجل أن يصبح مستوفياً للشروط المطلوبة”.