كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: يسير قطار المعالجات بين النقاط السياسية والأمنية لاحتواء حادثة قبرشمون، ولكن من دون ان يبلغ محطة الحل النهائي بعد، بالنظر الى عمق التوتر القائم بين أطراف هذه الحادثة والاحتقان الكبير، الذي يُخرج المشهد الدرزي من دائرة الاحتمالات الصعبة وخصوصاً، انّ مكونات هذا المشهد، ما زالت تسير في اتجاه تصاعدي، ولم تستجب بشكل كامل لحركة الجهود التي تجري لنزع فتيل التوتر، بل انّها انصرفت الى حشد الدعم المذهبي والسياسي لمواقفها.
سياسياً، يبدو انّ جلسة مجلس الوزراء مؤجّلة الى اجل غير مسمّى، بالنظر الى الانقسام السياسي، الذي أفرزته حادثة قبرشمون والخلاف المستحكم بين مكونات الحكومة على إحالة هذه الحادثة على المجلس العدلي.
عشاء المصالحة
في هذه الاجواء، برز “عشاء المصالحة” في عين التينة مساء امس، الذي جمع فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري كلاً من رئيس الحكومة سعد الحريري، والنائب السابق وليد جنبلاط. وكان هذا العشاء ضمن لقاء ثلاثي استمر من الثامنة والنصف مساء امس، واستمر الى ما بعد العاشرة ليلاً، واكّدت خلاله المعلومات عن اللقاء، بأنّ بري والحريري وجنبلاط عرضوا آخر التطورات والمستجدات السياسية والامنية إضافة الى الخطوات ا?يلة لتصليب الوحدة الوطنية وتعزيز السلم الاهلي. واكّدت مصادر المجتمعين “انّ ما اعترى العلاقات بين الجانبين من شوائب في المرحلة السابقة تمّ تبديدها وباتت من الماضي”.
والمعلوم انّ هذا العشاء كان مقرراً قبل حادثة قبرشمون، واراد من خلاله رئيس المجلس، إطفاء حريق السجال السياسي الذي احتدم بشكل غير مسبوق قبل ايام بين “تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، ومن خلفية انّ الوضع الراهن في لبنان، وربطاً بالتطورات المتسارعة في المنطقة تستوجب، كما اكّد بري، تبريد الساحة الداخلية، والتوافق بين كل المكونات وعلى وجه التحديد بين الرئيس الحريري والنائب جنبلاط.
تعثر الحكومة
يأتي هذا الاجتماع، غداة تعثر إنعقاد جلسة مجلس الوزراء امس الاول، من دون تحديد موعد للجلسة المقبلة.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ اسباب تعثر الحكومة ما زالت قائمة، والاساس فيها هو الانقسام بين مكوناتها حول موضوع إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، حيث ينقسم مجلس الوزراء بين فريق يصرّ على الإحالة، ويتمثل بـ”التيار الوطني الحر” ومعه الوزير صالح الغريب، (مع الاشارة هنا الى انّ “حزب الله” لم يعبّر عن موقف علني داعم للاحالة)، وبين فريق رافض، يبدأ من “الحزب التقدمي الاشتراكي”، وينسحب على سائر المكونات التي تدعو الى المقاربة الموضوعية للحادثة، وترك القضاء يأخذ مجراه فيها، قبل الشروع في اي خطوة اخرى.
وعلمت “الجمهورية”، انّ بعض الوزراء أبلغوا زملاءهم في الحكومة، انه في حال الإصرار على إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، سيكون هناك اصرار في المقابل على إحالة حادثة الشويفات على المجلس العدلي، “وما حدا احسن من حدا”.
الحكومة تجلد نفسها
وفيما اظهرت تطورات الساعات الاخيرة وضعاً حكومياً غير مستقر، قال مرجع سياسي كبير لـ”الجمهورية”: “انّ الحكومة ليست في احسن حالاتها، فبالإضافة الى انّ السهام تُطلق عليها من خارجها، مع الاسف، فإنّها تشارك الآخرين عليها وتساهم في جلد نفسها”.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت خطوة عدم حضور وزراء “التيار الوطني الحر” الى السراي الحكومي، رسالة سلبية الى الحريري، وتطرح مصير الحكومة على بساط البحث، اكتفى المرجع بالقول: “ما قيل حول هذا الموضوع مجاف للحقيقة وبعيد جداً عن سبب تعطيل مجلس الوزراء”.
الّا انّ المعلومات التي توافرت لـ”الجمهورية”، كشفت انّ اتصالات مكثفة، سبقت الموعد الذي كان مقرراً لعقد جلسة مجلس الوزراء في السراي امس الاول، وتوزعت الاتصالات بين عين التينة وبيت الوسط و”حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.
وعلمت “الجمهورية”، انّ الحريري أجرى اتصالاً بـ”حزب الله”، وتحادث مع المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” الحاج حسين خليل، وجرى التداول حول موضوع عقد الجلسة. وكان رأي الحزب بضرورة التريث في عقد الجلسة لأنّ انعقادها في هذه الأجواء، قد يؤدي الى نتائج سلبية، إذ ليس ثمة ما يضمن ان تشهد مداولات مجلس الوزراء سجالات حادة وتصعيدية بين الوزراء المعنيين بالحادثة (اكرم شهيب، وائل ابو فاعور وصالح الغريب ووزراء التيار)، فعندها ستتطور الامور الى الاسوأ.
وبحسب المعلومات، فإنّ الحريري، ابقى على موعد الجلسة قائماً، فيما تواصل الوزير باسيل مع “حزب الله”، حيث وُضِع وزير الخارجية في أجواء الحديث بين الحزب والحريري، فأبلغ أنّه سيعقد اجتماعاً لوزراء التيار في وزارة الخارجية، من دون ان يتوجهوا الى السراي الحكومي في انتظار ما ستسفر عنه الاتصالات.
وتضيف المعلومات، انّه بعد وصول الحريري ومجموعة من الوزراء الى السراي، جرت حركة اتصالات بين الحريري وباسيل، وشارك فيها وزير المال علي حسن خليل، الذي كان على تواصل مستمر مع الرئيس بري، خلصت في النهاية الى صرف النظر عن الجلسة على ان يُحدّد موعدها تبعاً للتطورات التي تلي.
جنبلاط: مواجهة التطويق
وتحت عنوان الانقسام في البيت الدرزي، انعقد الاجتماع الاستثنائي للمجلس المذهبي الدرزي، في حضور رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وقاطعه رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” طلال ارسلان، الذي توجّه مع الوزير صالح الغريب، بالتزامن مع انعقاد المجلس الى وزارة الدفاع.
وعلمت “الجمهورية”، انّ “نظرية الكمين”، كانت عنوان البحث الاساس في اجتماع المجلس الدرزي واجتماع اليرزة. وبحسب معلومات موثوقة، فإنّ جنبلاط، قدّم خلال اجتماع المجلس الدرزي عرضاً لما حصل، شارحاً كل ملابساته، مشيراً الى انّ هناك اموراً غير بريئة تحصل ضدنا. وهو ما لا يمكن القبول به، مشدداً في هذا المجال على رفض سياسة الاستهداف والتطويق، وعلى مواجهتها.
وإذ نفى جنبلاط امام الحاضرين فرضية الكمين، اعلن انّ “الحزب التقدمي الاشتراكي” هو تحت سقف القانون، وتحت سقف القضاء. ومؤكّداً في الوقت نفسه، على استيعاب الوضع على قاعدة الثوابت، وفي مقدّمها وحدة الطائفة الدرزية، على محاولات إشعال الفتنة وعلى قاعدة قطع الطريق.
وتشير المعلومات الى انّ مداخلات عديدة جرت في الاجتماع، ولاسيما لكل من الوزير اكرم شهيب والنائبين مروان حمادة وانور الخليل، والنائب السابق غازي العريضي، وعدد من المشايخ، وأجمع هؤلاء على الوفاق، واعتبروا انّ القوى الامنية هي لكل الناس، واستغربوا “الزيارات” ( زيارات باسيل) التي تجري بمواكبة قوى امنية كبرى ومدججة بالسماح.
شهيب: نكتة الموسم
من جهته، قال الوزير اكرم شهيب لـ”الجمهورية”: “ما يُقال عن وجود كمين، هو نكتة الموسم”. وأضاف: “الجهود متواصلة، ويتولاها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، فهو رجل يقرّب المسافات ويسعى الى الوفاق، وهذا هو نهجنا منذ اليوم الاول. نحن تحت سقف القانون، وضد اخذ قرارات قضائية مسبقة من اي مسؤول، وضد تركيب حالات أمنية لم تحصل، ولم يفكر احدٌ بها اصلاً، ما حصل كنا بغنى عنه، وتسبب به الكيد لدى البعض لإثبات فائض قوة”.
ارسلان: الكمين
في المقابل، كان ارسلان قد حمل معه الى وزارة الدفاع، مجموعة “فيديوهات” حول حادثة قبرشمون، اضافة الى كثير من التفاصيل، ومعلومات وصفها بـ”الدقيقة” حول ما وصفه بـ “الكمين المحكم لاغتيال الوزير صالح الغريب”. واللافت للانتباه في تكتل لبنان القوي لـ”نظرية الكمين” كما عبّر وزير الدفاع الياس بو صعب بقوله: “لقد كنا على مسافة 5 دقائق عن مكان اطلاق النار في عاليه، والوقائع تظهر ان ما حصل في المنطقة هو مكمن وعرقلة، ولكن لا اريد ان استبق التحقيق او توجيهه في اتجاه معين، ولن اقول شيئاً لم يقله التحقيق بعد، وسننتظر النتيجة من الاجهزة الامنية”.
وردّ عليه مفوض الاعلام في الحزب التقدمي رامي الريس بتغريدة قال فيها: “اضاف وزير الدفاع منصباً جديداً الى جانب موقعه كمدير المكتب الاعلامي لوزير الخارجية، وهو منصب قاضي التحقيق .. مبروك”.
تشكيك
واذا كان جنبلاط قد سأل بعد اجتماع المجلس المذهبي الدرزي: “كيف عرف (الوزير جبران) باسيل ان هناك كميناً، واطالب رئيس الجمهورية بوضع حد للتصرفات “الصبيانية”، فإنّ معلومات “الجمهورية” التي استقتها من مصادر امنية معينة شككت بفرضية الكمين واستبعدتها، وهو ما اكّدته لـ”الجمهورية” ايضاً جهة سياسية حليفة للنائب ارسلان بقولها: “نحن تابعنا ما جرى، والمعطيات التي توفرت لدينا، لم تبين لنا وجود كمين، بل كان هناك توتر شعبي، وغليان شعبي غير منضبط. وفي رأيي فليُترك الامر للتحقيق القضائي الذي سيوضح كل الأمور في نهاية المطاف”.
وكان اللواء ابراهيم قد واصل امس تحرّكه بين الجهات المعنية بحادثة قبرشمون، واثمر هذا التحرّك تسليماً لمزيد من المطلوبين، في وقت لوحظ امس، انّ الجيش اللبناني بدأ بتنفيذ اجراءات امنية مشددة في العديد من المناطق.
بكركي
الى ذلك، قالت مصادر بكركي لـ”الجمهورية”، إنّ “بكركي تحمل همّ الوطن وجميع أبنائه، وتعتبر أنّ أي خلل يصيب أي منطقة في لبنان أو طائفة من طوائفها يصيبها هي أيضاً بالصميم. والمطلوب اليوم وحدة وطنية أكثر من أي وقت مضى، وتفاهم ومد الجسور بين اللبنانيين جميعاً، أكانوا من داخل الطائفة الواحدة أو من طوائف وأديان مختلفة”.
واكّدت المصادر، “ان بكركي ترفض أي خلل يحدث بين الدروز أنفسهم أو بين المسيحيين والدروز، وانها لن توفّر أي جهد لتثبيت المصالحة وقطع أي طرق لمحاولة زعزعتها”.
ميقاتي
من جهة ثانية، وفي موازاة الزيارة المرتقبة للوزير باسيل الى طرابلس، قالت مصادر الرئيس نجيب ميقاتي لـ”الجمهورية”: “في المبدأ يحق لكل مواطن لبناني ان يزور أي منطقة في لبنان، فكيف اذا كان الزائر مسؤولاً او وزيراً، ولكن بشرط ان يحترم هذا الزائر – الضيف خصوصيات المنطقة التي يزورها ويراعي في خطابه السياسي حساسية الوضع، خصوصاً بعد الاحداث التي حصلت الاسبوع الماضي، والتي هي نتيجة تراكمات ومواقف سياسية وتشنجات سبق لنا ان حذّرنا منها”.
ورداً على سؤال، قالت مصادر ميقاتي: “إن طرابلس لا تقفل ابوابها في وجه أحد وهي مثال، وستبقى مثالاً للعيش الواحد على رغم الحروب التي مرّت عليها وكل المحاولات التي جرت لتشويه صورتها”.