في نهاية الأسبوع الأخير من شهر رمضان لهذا العام ، أطلقت الكاتبة سنا الحاج مجموعتها القصصية الجديدة بعنوان ” يارا وفراس في شهر رمضان ” التي صدرت عن “دار البنان ” وكانت من رسوم الفنان حسين الرباعي. وهي المجموعة السادسة للكاتبة الحاج بعد مؤلفاتها في أدب الأطفال ” لا شيء يعيقني ، عكازة في العيد ، عكازة في الشارع ، نبع العصفورة وماذا تأكل الشمس “. وكما عودتنا الكاتبة سنا الحاج على أسلوبها المتميز في العملية السردية الموجهة للأطفال ، فهي تطرح من خلال هذه المجموعة “يارا وفراس في شهر رمضان ” مضموناً قصصياً واقعياً وتفاعلياً ما بين الكاتبة والطفلين المبدعين يارا وفراس ابراهيم اللذين شاركا الكاتبة في استلهام الأفكار وتأليفها ، بعناوين مختلفة ومتباينة مستوحاة من شهر رمضان المبارك تسرد فيها كيفية استقبال شهر الصوم وشوق الأطفال لعيش أيامه واجتماعهم بالعائلة ، بل وتذهب الكاتبة إلى أبعد من ذلك إذ تستنطق أذهان الأطفال وقلوبهم معاً من خلال النص فتطرح ما يدور في أذهانهم من أسئلة حول شهر الصوم بأسلوب قصصي لا يخلو من التحفيز والتشويق ، ففي الصفحة 35 تقول الكاتبة ” في بداية الأسبوع الثاني من شهر رمضان وبحماس وفرح حمل الصغار أسئلتهم وعقدوا حلقتهم الثانية مع جدتهم كما اتفقوا سابقاً وكان أول المتحمسين ريان الذي وقف في بداية الجلسة وأخرج من جيبه ورقة مكتوباً عليها ” صوموا تصحوا ” فتوجه لجدته وسألها ” جدتي ، لقد قرأت في الأنترنت “صوموا تصحوا “وأنا منذ البارحة أشعر بألم في أسناني فهل يزول الألم إن صمت ، إبتسمت الجدة وقالت لريان ، سلامة أسنانك ياحبيبي ، قد يزول الألم إن صمت عن أكل السكاكر والحلويات فقط أو عليك الذهاب إلى الطبيب لمعالجة أسنانك ، أما قول صوموا تصحوا فهو يعني أن الصيام ينظف جسمك من السموم والجراثيم ويجعلك بصحة جيدة فتصبح قوياً والصوم أيضا يقوي ذاكرتك لتحفظ دروسك”. انتهى الاقتباس .
وفي هذا المقطع إلماح ذكي من الكاتبة للمقدرة الذهنية لدى الأطفال قي عقد مقارنات ضدية إذا صح التعبير تطرح إشكاليات في بعض المواضيع الحساسة كقول ريان لجدته ” قرأت في الأنترنت صوموا تصحوا ..وأنا أشعر بالألم في أسناني منذ البارحة فهل يزول الألم إن صمت ؟. ” إلا أن جواب الجدة أرادته الكاتبة محبباً وأكثر احتواءً لحيل الصغار من خلال العبارة ” ابتسمت الجدة وقالت لريان سلامة أسنانك يا حبيبي قد يزول الألم إن صمت عن أكل السكاكر والحلويات فقط أو عليك الذهاب إلى الطبيب لمعالجة أسنانك ” وفي هذه العبارة خطاب عقلي مقنع يحاكي أفكار الطفل ويبعد الصوم عن دائرة الاستهداف العشوائي إذا صح التعبير ، ليعقد بالتالي بينه وبين قلوب الصغار بالتحديد قران المودة والقرب ، تمهيدا لدخول الصغار في بوتقة شهر الصوم رويدا رويدا ، كما في جواب الجدة في الصفحة 31 على سؤال يارا “عن الصغار هل يستطيعون أن يصوموا وهم أطفال ؟ ، الصوم ليس واجباً على الصغار ولكن يمكنهم أن يصوموا رويداً رويداً ، تصومون نصف النهار لأنكم غير مكلفين بعد .” وفي مكان أخر من النص تحمل عبارات النص تحفيزاً عقلياً للأطفال على ولوج دائرة الأسئلة المحرجة التي لا تتوانى أن تجد لها الكاتبة أجوبة لائقة ومتتمة لعملية الولوج في شهر البركة رويداً رويداً كما في جواب الجدة ” .. أن الصيام ينظف جسمك من السموم والجراثيم ..فتصبح قوياً ..ويقوي ذاكرتك لتحفظ دروسك ” .
وإذا كانت الكاتبة سنا الحاج قد طرحت إشكالية واقعية من خلال مجموعتها القصصية السابقة لا شيء يعقيني ، بتحفيزها للأطفال ذووي الإعاقة على الإبتكار والإبداع من خلال التجربة الحياتية وكسر عنصر التابو والعرف الإجتماعي بأسلوب جريء، فإنها من خلال هذه المجموعة الجديدة ” يارا وفراس في شهر رمضان ” ترفع منسوب الجرأة والتحدي بأسلوب قصصي مشوق فتأتي بهؤلاء الصغار من واقع الحياة لتحول أسئلتهم ومايدور في أذهانهم من تساؤلات ذات بعد ديني وأخلاقي وسلوكي فتضعها كما هي في وجه الكبار وتجد لها الأجوبة الشافية المشوقة في آن .فبدت وكأنها تخاطب أعمارهم ، عقولهم وقلوبهم من خلال العنصر القصصي الذي يمتلك كل الوظائف السردية التفاعلية لأدب الأطفال .وتجدر الإشارة أن ” يارا وفراس في شهر رمضان ” مزدانة برسوم وألوان زاهية من وحي المناسبة للفنان حسين الرباعي وهو فنان لبناني بلغ عدد كتبه 30 كتابا مرسوماً وهدفه الإسهام في بناء شخصية الأطفال وتنمية قدراتهم بوساطة الأولوان والأشكال المتنوعة .
زينب اسماعيل