ينظر الزائرون لمتحف بيرغامون في برلين نظرة إعجاب لبوابة عشتار التاريخية التي تأخذ شكل قوس مزخرف أزرق اللون يرجع تاريخها إلى أكثر من 2500 عام، والتي كانت واحدة من بوابات الدخول إلى مدينة بابل القديمة في العراق.
وتعد رؤية هذه البوابة من الأشياء الآخاذة بالنسبة للزائرين ومؤثر في ذات الوقت، خاصة اللاجئين منهم الذين تذكرهم هذه البوابة بوطنهم، فكثير منهم جاءوا من العراق والبقية جاءت من سوريا.
وتنظم مجموعة من المتاحف الألمانية الحكومية في برلين جولات داخل أروقتها لاستعراض الكثير من الأشياء الثمينة الخاصة بتاريخ الشرق الأوسط، والموجودة حاليا في ألمانيا، مرتين كل أسبوع بالمجان بالنسبة للاجئين.
لكن الغريب في الأمر أيضا أن المرشد المصاحب في تلك الجولات لاجئ أيضا يدعى بشار،
فر بشار من سوريا إلى ألمانيا منذ ستة أشهر، بعد أن كان يعمل على مدار 20 عاما في متاحف سوريا، متخصص في الآثار، وهو حاليا واحد من طالبي اللجوء لألمانيا ويخضع لتدريبات هنا في برلين للعمل في مجال الإرشاد المتحفي.
تبلغ قيمة ساعة الإرشاد القياسية في المتحف 40 يورو خلال الجولة. ويهدف المشروع إلى مساعدة اللاجئين ودمجهم في المجتمع الألماني من خلال تسهيل عودتهم لممارسة أعمالهم واستعادة إحساسهم بقيمة الذات.
وقال بشار “أود أن أقول للاجئين أنه ينبغي لنا أن نحترم البلد الذي فتح أبوابه لنا، كما ينبغي أن نفخر بثقافتنا”.
وأضاف “عندما أتاح لي الألمان فرصة كي أكون عنصرا فاعلا وأمارس عملي الذي دأبت عليه طوال 20 عاما، لم تكن مجرد فرصة بالنسبة لي، بل هي فرصة تظهر للاجئين الآخرين أننا وجدنا أناسا طيبين يدعمون ويعطون فرصة للاندماج والبدء في حياة أفضل”.
وفوجئ القائمون على المشروع باهتمامات اللاجئين. ويقول ستيفان ويبر، مدير متحف الفن الإسلامي في برلين ومدير المشروع إن الصور ولقطات الفيديو لألمانيا بعد الحرب (العالمية الثانية) وهي مهدمة تداعب المخيلة بشكل خاص.
كما تظهر صورة ألمانيا أثناء إعادة بناء مدنها واقتصادها منذ الحرب العالمية الثانية وتبعث رسالة بأن أي بلد بإمكانه التعافي بعد الحرب.
وأضاف “الدمار الذي شهدته ألمانيا بالغ الأهمية بالنسبة لكثير من اللاجئين، لأنهم يشاهدون البلد وما كان عليه عام 1945. وذلك يمنحهم الأمل في أن الدمار بعد الحرب ليس نهاية التاريخ. وذلك بمثابة بارقة أمل بالنسبة لكثيرين بشأن مستقبل بلادهم.
ومن المشاركين في الجولة، رسن، الذي فر من العراق قبل أشهر بعد أن كان يدرس الأدب الإنجليزي ويعمل في وزارة الدفاع العراقية.
عبر رسن البحر المتوسط من تركيا إلى اليونان في زورق مطاطي مكتظ بالمهاجرين، وقضى أسبوعين يشق طريقه من البلقان إلى ألمانيا، وهو حاليا يعيش في مركز لإيواء اللاجئين في برلين.
سألته عما إذا كان يشعر بانزعاج لرؤية هذه الأشياء الثمينة المعروضة في المتحف والمأخوذة من بلده، لاسيما وأن الحكومة العراقية في الماضي طالبت ألمانيا بإعادة بوابة عشتار.
أجاب “أنا سعيد برؤية حضارة بلدي هنا، إنهم يعتنون بكل شئ وحتى إن لم تكن حضارتهم،أليس جميلا؟ إنه بعث جديد. يمكن للعالم أجمع أن يرى حضارات بلداننا هنا وأن يرى من أين جاءت. أتذكر بلادي هنا من خلال حضارتها”.
ويتفق بشار في الرأي لاسيما عندما يتعلق الأمر بالدمار الجزئي الذي لحق بمدينة تدمر على يد ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية.
وقال “بعد الذي حدث على يد تنظيم الدولة الإسلامية، جيد أن تكون مثل هذه الأشياء هنا، فنحن لدينا أزمة وحرب وحفائر غير قانونية، وهذه الأشياء بالنسبة لنا هنا رسالة بأننا نواصل رحلتنا وثقافتنا وتراثنا”.“