كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: في خضم الإنشغال بمعالجة مضاعفات الهجوم الارهابي على الجيش وقوى الامن الداخلي عشية عيد الفطر في طرابلس، وما تركه من تأثيرات وتداعيات على الاستقرار العام، خرق رئيس الحكومة سعد الحريري عطلة العيد ليشنّ عبر مقدمة نشرة الأخبار المسائية لقناة “المستقبل” هجوماً مركّزاً في مختلف الاتجاهات، لم يسلم منه محيطه، ما طرح علامات استفهام كبيرة حول الأبعاد والخلفيات، في وقت لم تخرج البلاد بعد من حمّى الموازنة، التي يُنتظر أن ترتفع مع بدء درسها في اللجان النيابية المختصة، في ظل أجواء تشير الى انّ إقرارها لن يكون قريباً، وانّ السجال والجدال والمناكفا في شأنها ستتصاعد نيابياً في قابل الأيام لتفوق بمنسوبها تلك التي رافقت درسها في مجلس الوزراء قبل إحالتها الى المجلس النيابي.
بدا من مقدمة تلفزيون “المستقبل” انّ الحريري أراد الرد على “محاولات لإضعافه تشنّها اكثر من جهة داخلية وخارجية” بغية “محاصرة موقعه في المعادلة السياسية الوطنية”، حسب المقدّمة التي قالت إنّ “هناك جهة تريد من الرئيس سعد الحريري ان يكون جسراً تعبر فوقه لتعود بالبلاد الى الوراء وتجد في التفاهم معه فرصة للتطاول على صلاحياته وتفريغ دوره في النظام السياسي”. واشارت الى انّ “هناك جهة من البيئة السياسية للرئيس سعد الحريري تتحيّن الفرص لرصد هجمات الآخرين والدخول منها على خطوط التهجّم عليه والاساءة الى دوره من مواقع الدفاع عنه”.
واكّدت المقدّمة “المستقبلية” أيضاً تمسّك الحريري بالتسوية الرئاسية وأنّه “لن يتهاون في التصدّي لسياسات الاستقواء وإخراج التسوية عن سكة الشراكة الوطنية والعودة بها الى سكّة الاستئثار ومد الأيدي على مواقع السلطة يميناً ويساراً”. ولفتت الى انّ “الجهة التي تتصرّف بما هو أدهى وأسوأ فإنّها تخرج مع الاسف الشديد من أوكارٍ إعلامية وسياسية تقيم على الرصيف السياسي لـ”بيت الوسط”، ولا تكاد أن تلمح تعدياً على صلاحيات رئاسة الحكومة حتى تنبريَ لرفع الصوت بدعوى الدفاع عن الصلاحيات وحماية حقوق السُنّة في النظام السياسي وتحميل الرئيس سعد الحريري المسؤوليةَ تجاه هذه الهجمةِ او تلك. ولسانُ حال الرئيس الحريري في هذا المجال الحكمةُ القائلة: “أللهمّ احمني من أصدقائي فأما اعدائي فأنا كفيل بهم”. (راجع صفحة 9)
بندان
الى ذلك، تعطلت السياسة في عيد الفطر، وانصرف أهلها الى إجازاتهم الخاصة، في انتظار ان يبدأ الشغل الاسبوع المقبل، حيث يُفترض ايضاً أن تكتمل الصورة الرئاسية بعودة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت خلال ايام.
وكانت العملية الإرهابية التي استهدفت مؤسستي الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، قد خطفت فرحة العيد، وشكّلت العنوان الأبرز للمواقف السياسية، وكذلك خطب العيد، التي دانت هذا العمل الارهابي، ودعت الى اليقظة والحذر مما يبيّته الارهابيون ضد لبنان. لكن جدول اعمال مرحلة ما بعد العيد، تتمحور حول بندين رئيسيين:
ـ الأول، العملية الإرهابية التي استهدفت عناصر الجيش وقوى الامن الداخلي في طرابلس، حيث راجت معلومات في الساعات الماضية حول فكرة دعوة المجلس الأعلى للدفاع الى الانعقاد خلال الأيام المقبلة، لدرس أبعاد وخلفيات هذا العمل الارهابي واتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الخصوص.
وقال مسؤول كبير لـ”الجمهورية”، “انّ ما حصل في طرابلس، يوجب مقاربته بما يتطلبه من اجراءات، واتخاذ الدولة الخطوات اللازمة وعلى أعلى مستوياتها السياسية والأمنية، للحؤول دون تكراره، ليس في طرابلس وحسب، بل في مناطق لبنانية أخرى. فما جرى ينبغي أن يشكّل صدمة للسياسيين، لكي يشعروا بجسامته وخطورته، وكذلك صدمة أكبر للجهات الأمنية على اختلافها، لكي تفتح أعينها اكثر، وتُشعر المواطنين اللبنانيين بأنّها موجودة على الارض ولا تكتفي بالقول بين حين وآخر إنّ الامن ممسوك”.
واكّد المسؤول الكبير: “انّ ما هو اسوأ من الجريمة، هو ان يأتي أحد ما، ويوجِد عن قصد او عن غير قصد، مبرراً لها”، وقال: “هذا أمر خطير يوجب المساءلة والمحاسبة”. وأضاف: “انّ الارهاب ما زال يهدّد لبنان، وما حصل في طرابلس لا يمكن اعتباره واحدة من الخلايا الارهابية النائمة، بل اكاد اقول إنّه واحدة من الخلايا الارهابية اليقظة، التي تهدّد بخطرها كل لبنان. إذ يُخشى ان يكون هذا الاسلوب الذي اعتُمد في طرابلس هو اسلوبهم من الآن فصاعداً في سائر المناطق”.
مصدر عسكري
وفي هذا السياق، قال مصدر عسكري لـ”الجمهورية”، ان “هناك فارقاً كبيراً بين ان يكون عبد الرحمن مبسوط “ذئباً منفرداً” كما يوحي تصرّفه، وبين أن يقول البعض إنّ ما قام به هو عمل فردي، لأنّ من شأن ذلك تبسيط الجريمة التي ارتكبها والتخفيف من دوافعها ودلالاتها”.
كذلك، استغرب المصدر التفسير الذي يربط تصرّف مبسوط بـ”خلل نفسي لديه”، في حين انّ سجله الحافل يُظهر انّه صاحب خبرة في مجال الارهاب والقتال، وانّه مشبع بالعداء للجيش والقوى الامنية انطلاقاً من اعتباراته الايديولوجية.
ولفت المصدر العسكري نفسه، الى “انّ مستنقع الإرهاب لم يجف كلياً بعد، إلاّ انّ الجيش جاهز للتعامل مع كل الاحتمالات وهو يعمل في اتجاه تفعيل الامن الاستباقي وتحصينه، آخذاً في الاعتبار الدروس المستقاة من الاعتداء الاخير”.
وأضاف المصدر في “رسالة الى من يعنيه الامر”: “بصراحة، نحن نعتبر انّ بعض السياسيين يريد أيضاً ان يذبح العسكر، كما فعل مبسوط في طرابلس، وإنما بوسائل أخرى. للاسف هناك أكثر من مبسوط في الطبقة الحاكمة التي يوجد في داخلها من يسعى الى استهداف الجيش مباشرة من خلال التضييق المالي الذي تشمل مفاعيله الرواتب والآليات والصيانة والطبابة والتغذية وغيرها من الامور”.
ونبّه المصدر الى “انّ اي إضعاف للجيش يستفيد “داعش” منه تلقائياً، وهذه معادلة محسومة”، مشدداً على “انّ المطلوب تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، وليس تقليصها، عبر بنود مجحفة في مشروع الموازنة”.
الموازنة
على انّ البند الثاني في مرحلة ما بعد العيد، فمتعدّد الوجوه، بدءاً من الانطلاقة الفعلية للجنة المال والموازنة، في عقد الجلسات المكثفة لدرس مشروع قانون موازنة 2019. وذلك بالتوازي مع إعادة الحيوية الى الحكومة، والانتقال بمجلس الوزراء الى جلساته العادية، ومقاربة الملفات المتراكمة امامه، ولاسيما منها تلك التي تراكمت خلال الاسابيع التي امضاها في درس الموازنة قبل إحالتها الى مجلس النواب.
التشقق الحكومي
على انّ الأساس في هذا السياق، انّ امام الحكومة مهمة رئيسية في الايام المقبلة، وهي ما وصفتها مصادر وزارية، إعادة ترميم نفسها، بعد التشققات التي حصلت فيها، بفعل الاشتباكات السياسية بين مكوناتها، وخصوصاً بين طرفي التسوية السياسية والرئاسية “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل”، وبين “التيار” و”القوات اللبنانية”.
“القوات”
وقالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية”، انّها تنكّب في هذه المرحلة على مواكبة عمل لجنة المال والموازنة، وهي تعقد اجتماعات في معراب لتكتل “الجمهورية القوية” بمعدل اجتماعين في الاسبوع لدرس كل البنود ومواكبة عمل اللجنة. لأنّ “القوات” تعوّل كثيراً على موضوع الموازنة وضرورة خفض العجز فيها، انطلاقاً من حرصها على المالية العامة، وانّ تشكّل الموازنة ايضاً فرصة لتصحيح الموازنة وتصحيح الوضع المالي من جهة، والدخول في إصلاحات جدّية من جهة ثانية، ومكافحة الفساد من جهة ثالثة، وإقفال المعابر غير الشرعية من جهة رابعة.
وأضافت المصادر، أنّه “في موازاة هذا الاهتمام المتعلق بالموازنة تأسف “القوات اللبنانية” لأنّ السجال السياسي يأخذ ابعاداً، إما طائفية من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وهو أمر مؤسف جداً، وإما احياناً يأخذ طابع فتح الملفات وجروح الحرب اللبنانية، وهذا امر ايضاً مؤسف جداً، حيث انّ المطلوب حصر التباين ضمن الملفات المُختلف حولها وعدم توتير الوضع السياسي في لبنان، والذي توتر في الاسابيع الاخيرة نتيجة إصرار البعض على فتح نقاشات سياسية لأهداف ذاتية مصلحية تستثير الغرائز لدى الناس، من خلال الكلام عن مسائل طائفية، او الكلام عن حقبة يُفترض أن تكون طُويَت الى غير رجعة. طبعاً هذا الوضع أثّر على الثقة العامة لدى الرأي العام في لبنان. فيما أساساً ثقة الناس مهزوزة بالوضع السياسي القائم نتيجة الاوضاع الاقتصادية والمالية الدقيقة والصعبة، ونتيجة هذه الأجواء المشحونة النقمة الشعبية تضاعفت بمقدار كبير. وبالتالي المطلوب الكف نهائياً عن التداول في مواقف من هذا النوع وفي خطابات من هذا النوع، والذهاب جدّياً الى مناقشة جادة ومسؤولة للوضع الاقتصادي، لإخراج لبنان من الوضع الذي وصلنا اليه، حيث انّ غياب المسؤولية الوطنية في مقاربة الأمور أوصلت الوضع الى ما وصلنا اليه، الأمر الذي يجب وضع حد نهائي له حرصاً على الاستقرار وعلى الاقتصاد” .
وأكّدت المصادر، “انّ “القوات” مع تمسّكها التام بالتسوية القائمة وحرصها على الاستقرار والانتظام، تعتبر أنّ الممارسة السياسية الموجودة لا ترتقي الى المستوى المطلوب. فهناك ممارسة واداء مرفوضان في أكثر من ملف وجانب، وهذا الامر في حال استمر فإن “القوات اللبنانية” لم ولن تسكت، عنه فهي متمّسكة بالتسوية، ولكن لديها اعتراض شديد اللهجة على الممارسة القائمة التي لا ترتقي الى مستوى تطلعات الناس”.
التعيينات
وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”، انّ التعيينات ستكون على نار حامية خلال الفترة المقبلة، ولاسيما منها إكمال تعيينات حاكمية مصرف لبنان، حيث انّ مقاعد نواب الحاكم الأربعة شاغرة منذ نحو شهر، وايضاً، تعيينات المجلس الدستوري والمجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع.
ورداً على سؤال حول تعيينات الهيئة الناظمة للكهرباء، قالت المصادر: “هذا الأمر كان ينبغي ان يحصل منذ فترة طويلة، والآن ربما يكون حافز التعيين أقوى، بعدما ابطل المجلس الدستوري جزءاً من القانون المتعلّق بخطة الكهرباء”.
عون و”الطاقة الاغترابية”
من جهة ثانية، يرعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عند العاشرة قبل ظهر اليوم افتتاح مؤتمر “الطاقة الإغترابية اللبنانية” السادس، وذلك في مجمع البيال ـ فرن الشباك، والمنعقد بدعوة من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تحت عنوان “الانتشار يفعل… حول العالم في ست سنوات وبعد”.
وعلمت “الجمهورية”، انّ عون سيخصص جزءاً من كلمته في المناسبة للحديث مع المغتربين وإجراء مقاربة لهمومهم، ويدعوهم الى البقاء على تواصل مع الجذور ولبنان. ثم يتحدث عن الجديد في القضايا الداخلية وتطورات الأوضاع على اكثر من مستوى سياسي واقتصادي، فيتناول الجهود المبذولة لإقرار موازنة تعطي الأهمية لتحسين الوضع الإقتصادي. وسيتحدث عون أيضاً عن التطورات الإقليمية والمخاطر التي تهدّد لبنان، وسيشدّد على الثوابت التي حكمت المواقف اللبنانية من ترسيم الحدود مع اسرائيل براً وبحراً والقضايا العربية والوضع في سوريا والمساعي المبذولة لإعادة النازحين السوريين، ملمحاً الى النتائج التي ترتبت عن وجودهم في لبنان على الأوضاع الإقتصادية، وسيدعو المجتمع الدولي تكراراً الى مساعدة لبنان لإعادتهم سريعاً الى بلادهم.