كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كان الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية تمكنت بسرعة قياسية من تبديد المخاوف التي فجّرتها عملية “الذئب الارهابي المنفرد” عبد الرحمن مبسوط في هجومه الدامي ليل الاثنين – الثلثاء في طرابلس والتي تكبد فيها الجيش وقوى الأمن الداخلي ضريبة دم جديدة باستشهاد العسكريين الاربعة الملازم أول في الجيش حسن علي فرحات والمجند في الجيش ابرهيم محمد صالح والرقيب في قوى الأمن جوني ناجي الخليل والعريف في قوى الأمن يوسف علي فرج، فإن الحال بدت مختلفة تماماً من الوجهة السياسية إذ يكاد يصح القول إن الارهابي مبسوط حقق ما لم يكن في الحسبان. ذلك ان المشهد القاتم الذي سابق الصدمة التي تمثلت في عودة هاجس الارهاب ولو ضمن نطاق “هجمات الذئاب “المعروفة كبديل من عمليات التنظيمات الارهابية بعدما تلقت هزائم قوية في معظم بلدان المنطقة ومنها لبنان تمثل في اتساع التشققات السياسية على خلفية التداعيات التي فجرتها العملية الارهابية في طرابلس بحيث بدا واضحاً ان البلاد تعيش انكشافاً سياسياً كبيراً وهشاشة موغلة في اضعاف المناعة الرسمية والحكومية بما يخشى معه تفاقم متعاظم للخلافات والاحتقانات عند كل هبة ريح وأمام أي تطور أمني أو سياسي أو اقتصادي.
واسوأ ما أسفر عنه هذا التطور الارهابي هو تفجيره سجالات ومعارك كلامية واعلامية اتسمت بحدة عالية بعد ساعات قليلة فقط من افتعال بعض “المتطوعين” هذه المعارك الكلامية بإقدامهم على توجيه اتهامات مبطنة الى جهات سياسية معروفة بأنها تدور في فلك “تيار المستقبل”، كما أكمل بعض آخر هذا النمط في نبش وقائع مجتزأة عن الارهابي مبسوط ليوحي بان أجهزة أمنية معينة اضطلعت بدور في اطلاقه من السجن، في حين تبين ان الارهابي كان نفذ حكما للمحكمة العسكرية بكامله وخرج بعده. لذا لم يكن غريباً ان تستغرب أوساط سياسية بارزة معنية بمواكبة المشهدين الامني والسياسي ان يكون الخرق المزدوج الامني والسياسي للواقع الداخلي من خلال هذه العملية قد تسبب بهزتين عنيفتين ستتركان تداعياتهما لوقت مديد على الاستحقاقات المقبلة.
فمن جهة، لا يمكن تجاهل خطورة عودة الارهاب الى استهداف الساحة اللبنانية حتى لو كانت الثقة تعاظمت أكثر فأكثر بالقوى العسكرية والامنية، لكن ذلك لا يحجب خطورة هذا التطور، علماً ان التقويم النهائي لدرجة خطورته تتصل بانتهاء التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية وتحديداً مخابرات الجيش ليبنى على نتائجها التقويم الدقيق لمستويات الخطورة المحتملة.
التحقيقات
وقد وصف مصدر أمني ما أقدم عليه مبسوط بـ”العمل المنظم وليس العفوي”، معتبراً ان تسلسل الاحداث بدءاً من الاعتداء الأول الذي نفذه ضد قوى الأمن ومن ثم الجيش يظهر ان احدى محطاته كانت تستوجب مساعدة من آخرين، خصوصاً انه بعد مهاجمة دورية الجيش واحتراق الجيب انصرف سيراً بعدما ترك دراجته النارية ما يعني انه قد يكون تزود مزيداً من الذخيرة قبل ان يصل الى المبنى الذي تحصن فيه قرب مستشفى التوليد.
ورجح المصدر تلك الفرضية استناداً الى بعض الوقائع ومنها حيازة الإرهابي أكثر من 500 طلقة “كلاشنيكوف” أي ما يعادل 16 ممشطاً، إضافة الى قنابل يدوية وحزام ناسف. لكن مصادر قضائية أوضحت لـ”النهار” أن الحكم على الإرهابي السابق جاء ضمن سياق ملف انهاء أحداث باب التبانة وجبل محسن في العام 2016، وان العقوبة التي نالها كانت هي المستحقة ولم تكن مخففة أو مبالغاً فيها. وأضافت “ان قواعد وضعت في حينه لانهاء ذلك الملف ومن ثم التوصل الى مصالحة بين طرفي النزاع الذي أرهق الطرفين ومعهما طرابلس ولبنان، وان تلك القواعد صنفت المتورطين في الاحداث فئات وبحسب كل فئة كان الحكم.
وتبعاً لذلك ناقضت المصادر القضائية تقديرات المصدر الأمني، منطلقة من ان أي تنظيم ارهابي لم يعمد الى تبني تلك العملية الارهابية، وعددت أمثلة عدة عن عمليات نفذتها الذئاب المنفردة في أكثر من دولة في العالم وكانت آخرها مجزرة نيوزيلندا الرهيبة والتي عمد المنفذ الى تصويرها بعدما قتل العشرات، كما شهدت أوروبا عمليات مماثلة ولا سيما في دول متطورة ومتقدمة في مجالات الأمن والاستخبارات والاستقصاء.
من هنا أن الجزم بأي احتمال لا يزال محفوفاً بالتسرع، لكن الجديد البارز في الامر تمثل في توقيف نحو خمسة أشخاص يخضعون للتحقيقات التي تجريها مديرية المخابرات في الجيش وجاء توقيفهم بعد استجواب أفراد من عائلة الارهابي ولا سيما منهم زوجته ووالده وشقيقه. وتردد ان مبسوط كان على علاقة بالموقوفين الثمانية الذين يرتبطون بجماعة الشيخ كنعان ناجي في طرابلس.
أما في الجانب السياسي، فإن الشكوك تصاعدت بقوة في قدرة الحكم والحكومة على لملمة الفوضى المتسعة في المشهد السياسي والتي تفاقمت مع انفلات السجالات واتخاذها منحى طائفياً ومذهبياً في بعض الاحيان، الأمر الذي رسم مزيداً من التساؤلات القلقة من مستقبل الواقع الحكومي. وتوقعت أوساط سياسية مواكبة للاتصالات التي أجريت لتبريد السجالات الساخنة التي تفجرت مجدداً بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” ان تعود جهود التبريد إلى احتواء الموقف العام خصوصاً بعدما انزلقت هذه السجالات إلى اطلاق اتهامات غير مقبولة في اتجاه “المستقبل” وشخصيات كاللواء اشرف ريفي في موضوع اطلاق إسلاميين أو السعي الى إطلاقهم بما ينذر بخطورة عالية وتصعيد كبير بفعل رفض القيادات المستقبلية وعلى رأسها الرئيس سعد الحريري وكذلك القيادات السنية عموماً أي تساهل في اتهامات كهذه. وقالت المصادر نفسها إن عطلة عيد الفطر لم تحل دون الاتصالات الجارية لاحتواء التصعيد السياسي ويرجح ان تكون الأيام التي ستلي العطلة اختباراً فورياً للإرادات السياسية في احتواء التصعيد خصوصاً بعد عودة الرئيس الحريري من الخارج.
“المستقبل”
وبدا لافتاً أمس ما أوردته محطة “تلفزيون المستقبل” اذ تساءلت: “هل صحيح ان هناك أكثر من جهة داخلية وخارجية، تعمل على اضعاف الرئيس سعد الحريري ومحاصرة موقعه في المعادلة السياسية والوطنية؟”. وأضافت: “السؤالُ مبرر، في ظل ما شهدته الساحة الداخلية في الأسابيع الأخيرة، وفي ظل الهجمة التي تتعدد أطرافها وغاياتها على اختلاف مشاربها السياسية والاعلامية.
وفي الآراء التي تتردد في هذا الشأن ان هناك جهةً تريد من الرئيس سعد الحريري ان يكون جسراً تعبُر فوقه لتعود بالبلاد الى الوراء وتجدَ في التفاهم معه فرصةً للتطاول على صلاحياته وتفريغ دوره في النظام السياسي.
وهناك جهة من البيئة السياسية للرئيس سعد الحريري، تتحين الفرص لرصد هجمات الآخرين والدخول منها على خطوط التهجم عليه والاساءة الى دوره من مواقع الدفاع عنه”.
ثم قالت: “الرئيس سعد الحريري اقتحم أسوار تعطيل المؤسسات الدستورية وأقدم بشجاعةِ رجل الدولةِ المسؤول على انجاز تسويةٍ رئاسية، انتشلت البلادَ من القَعر السياسي لتضعها فوق سكة المصالحة الوطنية واعادة الاعتبار لسلطة الدولة، وهو لن يخجلَ في ما أقدم عليه ولن يتراجعَ عما أقدم عليه ولن يتردد في حماية أية فرصةٍ تتيح للبنان الخروج من المأزق الاقتصادي الذي يعانيه، لكنه في المقابل لن يتهاون في التصدي لسياسات الاستقواء واخراج التسوية عن سكة الشراكة الوطنية والعودة بها الى سكة الاستئثار ومد الأيدي على مواقع السلطة يميناً ويساراً.
تجربة الاسبوعين الأخيرين عينةٌ بسيطة عن حالة التذمر التي نشأت عن تلك السقطات السياسية والقضائية والتي وضعت الاستقرار السياسي في مهب السجالات، وعن الارادة التي يمثلها الرئيس سعد الحريري في مواجهة محاولات الالتفاف على موقع رئاسة الحكومة والحصار الذي تلتقي جهات داخلية وخارجية على القيام به.
أما الجهة التي تتصرف بما هو أدهى وأسوأ فإنها تخرج ويا للأسف الشديد من أوكارٍ اعلامية وسياسية تقيم على الرصيف السياسي لـ”بيت الوسط”، وتكاد لا تلمح تعدياً على صلاحيات رئاسة الحكومة حتى تنبريَ لرفع الصوت بدعوى الدفاع عن الصلاحيات وحماية حقوق السنة في النظام السياسي وتحميل الرئيس سعد الحريري المسؤوليةَ تجاه هذه الهجمةِ أو تلك.
ولسانُ حال الرئيس الحريري في هذا المجال الحكمةُ القائلة: “أللهم احمني من أصدقائي فأما اعدائي فانا كفيل بهم”. هناك من ينسى كيف فرشوا للرئيس سعد الحريري دروباً من الورود ليمشي فوقها الى التسوية الرئاسية وانتخاب العماد ميشال عون، وهناك من ينسى أن الرئيس سعد الحريري هو الذي دفع الاثمان الباهظة لسلوك هذا الطريق وان البعض الآخر كانوا من جناة الثمار والادوار والمواقع…”.