كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: على نحو مثير للاستغراب، وبالتزامن مع ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة، أقدَمت الولايات المتحدة الأميركية على خطوة باتجاه هندسة مشروع تفاوضي بين لبنان وكيان العدو، عنوانه إنهاء “النزاع الحدودي”، وغايته الوصول إلى اتفاق يضمن بيئة آمنة للتنقيب عن النفط والغاز. فاستكمالاً للمهمة التي بدأها فريدريك هوف عام 2012، ولحق به مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتين، يجول مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد ذهاباً وإياباً بين بيروت وتل أبيب لنقل الرسائل، مؤدّياً دور الوسيط “للتوفيق” بين طرفي النزاع حول الآلية التي وضعها لبنان كشرط للبدء بالتفاوض.
وبداية الأسبوع، نقل ساترفيلد “أجواء إيجابية”، من قادة العدو، على الطرح اللبناني المتعلق بترسيم الحدود البرية والبحرية، مع تأكيد أن “المسألة لا تزال بحاجة الى لمسات أخيرة”. وتَرَدّد أن “إسرائيل” وافقت على طلب لبنان رعاية الأمم المتحدة للمفاوضات عبر تطوير عمل اللجنة الثلاثية القائمة استناداً إلى القرار 1701، على أن تحضر الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات كوسيطٍ، فضلاً عن عدم ممانعتها تلازُم التفاوض على ترسيم الحدود البرية والبحرية معاً.
ويبدو أن تل أبيب وواشنطن يلعبان أوراقهما في مناورات خادعة ليسَ الهدف منها سوى الاستيلاء على مزيد من الأراضي، وخاصة تلك التي تعتبر أساساً للانطلاق نحو ترسيم الحدود البحرية. فبعدَ يومين على إشاعة أجواء إيجابية في ما يتعلق بهذا الملف، رُصد تحرك إسرائيلي على الحدود البرية في نقطة الـb1 (أقصى الجنوب اللباني، قرب رأس الناقورة). وعبّرت مصادر سياسية رفيعة المستوى عن الخشية من أن “يغطس الجانب اللبناني في سكرة الوعود والإيجابيات التي يأتي بها الموفد الأميركي كل مرة، فيما يستكمل الجانب الإسرائيلي عمله الميداني وقضمه للأراضي التي يزعم أنها ليست لبنانية، ولا يعود “للمخدوعين” قانون دولي يحميهم”!
تحركات جيش الاحتلال فجرَ أمس في نقطة الـb1، التي من شأنها تغيير مسار خط الحدود البحرية، بررتها “اليونيفيل” بأن “الجانب الإسرائيلي يعمل على تنظيف الأرض وترميم السياج التقني، ولا نية لديه للقيام بأي عمل في نقطة التحفظ”. وفيما نفت مصادر سياسية لبنانية دخول جيش العدو إلى نقطة التحفظ، أكدت مصادر متابعة “دخول 3 جرافات لقوات الاحتلال إليها”، بعدما ادعى الجانب الإسرائيلي منذ نحو أسبوعين بأنه يريد تغيير البوابة الإلكترونية. وقد قوبل هذا الطلب باعتراض لبناني، إذ لوّح لبنان بأن هذه التحركات من شأنها تهديد “المسار التفاوضي”، بعدما تبيّن أن “إسرائيل” تسعى من خلالها الى وضع “كتل اسمنتية” كتلك التي أقيمت قرب مستوطنات محاذية للحدود مثل المطلة ومسكاف عام.
الخطورة في الأمر أن هذه المنطقة لا تزال غير مرئية للجيش اللبناني، ولا تزال خارج السيادة اللبنانية، إذ يتمّ التعامل معها كما لو أنها “منطقة لا أحد” أو “NO MAN’S LAND”، علماً بأنها بقعة لبنانية تستوجب حضوراً عسكرياً لبنانياً. مع ذلك، يضطر الضباط اللبنانيون عند الدخول إليها إلى ترك أسلحتهم في عهدة القوات الدولية. وهذه المعلومات، إن صحّت، فهي تؤكّد أن “إسرائيل تعمل على إلهاء لبنان بموضوع التفاوض، وفي المقابل تستمر في فرض وقائع ميدانية قد تخسّر لبنان نقطة من نقاط قوته، تماماً كما حصل حين استأنفت العمل في تركيب البلوكات الاسمنتية لاستكمال بناء الجدار الاسمنتي ضمن النقاط التي تم تحديدها في المناطق المتحفّظ عليها لبنانياً باعتبارها محتلة”، فضلاً عن إجرائها تعديلات على صخرة “تخيليت” التي تقع داخل المياه الإقليمية الفلسطينية، قرب الحدود مع لبنان، في محاولة للإيحاء بأنها جزيرة قابلة للاستثمار بهدف التأثير على خط الحدود في أي عملية ترسيم جديدة مستقبلاً. لكن خطورة الأمر هنا أكبر لأن ما يسعى إليه الإسرائيلي هو فرض أمر واقع في البرّ ستكون له نتائج كارثية بالنسبة الى لبنان من ناحية البحر.
في هذا الإطار، عبّر مسؤولون سياسيون رفيعو المستوى عن “عدم الاطمئنان لكل مسار التفاوض الذي يجري”. وقال المسؤولون إنهم “غير مقتنعين حتى الآن بأن العدو وافق على التلازم بين البحر والبر، لأن الوقائع تشير إلى عكس ذلك”. وقد يكون الوسيط الأميركي، الذي هو سفير “إسرائيل” في هذه العملية، هو من نقل هذه الرسالة بالاتفاق مع تل أبيب لكسب الوقت وإراحة لبنان مؤقتاً، بهدف تنفيذ المخطط الإسرائيلي على الحدود للسيطرة على بعض النقاط، بحيث لا تعود للبنان القدرة على التفاوض عليها لاحقاً، بعدما تصبح السيطرة الإسرائيلية عليها أمراً واقعاً”.