كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: المنطقة تشهد حراكاً على أكثر من خط، وسط تزايد وتيرة التصعيد بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران، الذي بلغ في الساعات الاخيرة ذروته في التوتر، بعد الاتهامات التي أطلقتها واشنطن ضد طهران باستخدامها ألغاماً بحرية ضد السفن التجارية قبالة ساحل دولة الامارات العربية المتحدة. في وقت تُعقد في مكّة اليوم ثلاث قمم عربية وإسلامية وخليجية لبحث التوتر المتزايد في المنطقة، والتهديد الإيراني على دول الخليج، وخصوصاً بعد استهداف منشآت نفطية سعودية.
لبنان يتابع هذا الحراك، وسيكون حاضراً في مكّة اليوم، بوفد يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي غادر بيروت برفقة الوزيرين وائل ابو فاعور وجمال الجراح، حيث عُلم انّ الحريري سيمضي إجازة عيد الفطر مع عائلته في الرياض. امّا على الخط الآخر، فيبدو انّ معركة لبنان لتثبيت حدوده البرية والبحرية الجنوبية وما تكتنزه مياهه من ثروات نفطية وغازية، التي انطلقت مع بدء الوساطة الأميركية لحلّ النزاع القائم بين لبنان واسرائيل، لن تكون سهلة، بالنظر الى حجم التعقيدات التي تعتريها، وعدم الثقة بالليونة الإسرائيلية التي عبّرت عنها تل ابيب لمساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد ساترفيلد.
مرحلة مراوحة
في معلومات “الجمهورية”، انّ المفاوضات الحدودية بين لبنان وإسرائيل يبدو انّها ستدخل في مرحلة مراوحة، بعد الزخم الذي تحقّق في الأسبوعين الماضيين. فالتقدّم الأساسي تحقّق في أربع نقاط هي:
– توازي ترسيم الحدود البرية والبحرية.
– مشاركة الجانب الأميركي في المفاوضات كطرف مشارك وراعٍ.
– تجاوب إسرائيل المبدئي حيال نقاط برية.
– إرجاء فتح ملف مزارع شبعا الملتبس لبنانياً وإسرائيلياً وسورياً (عدد الجمهوريّة 27 أيار).
بحسب المعلومات، انّ المبعوث الأميركي دايفيد ساترفيلد، المصمّم على مواصلة مهامه، بدا في جولته الأخيرة على المسؤولين اللبنانيين حذرًا لناحية استمرار الإيجابية الإسرائيلية من دون شروط سياسية.
وأشارت المعلومات، إلى أنّ “الفرملة” ظهرت لدى البحث في التفاصيل، لاسيما في ما خصّ الحدود البحرية، حيث أنّ المفاوضات بشأنها أقل سلاسة من تلك المرتبطة بالحدود البرية. ودعا ساترفيلد، حسب أحد المتصلين به في الساعات الماضية، إلى “المحافظة على الأمل من دون المبالغة في التفاؤل، لأنّ التقدّم لا يعني أننا توصلنا إلى اتفاق”.
إشكالية المِهَل
وقد غادر المبعوث الأميركي ساترفيلد بيروت ليل أمس الأول. وتتوقف عودته إليها على نوعية أجوبة الجانب الإسرائيلي. فإذا كانت جيدة سيعود، وإلّا سيبلغها إلى السفارة الأميركية في بيروت لتنقلها إلى الخارجية اللبنانية والرئيسين نبيه بري وسعد الحريري. والواضح، انّ ما يهمّ ساترفيلد هو أن تبدأ أولى اجتماعات اللجنة المشتركة، لأنّ انطلاقتها هو دليل جدّية ويقلّل من نسب المناورات.
في هذا الإطار، استغربت مصادر ديبلوماسية كيف أنّ لبنان، الذي يريد الإسراع في المفاوضات، يرفض السقف الزمني المُقترَح (6 أشهر) لإنهاء المفاوضات، ويُفضّل أن تبقى المفاوضات دون تحديد مهلة زمنية؟
غير انّ مصدراً لبنانياً رسمياً قال، إنّ إسرائيل تريد استعجال الاتفاق من أجل البدء في تلزيم حقول النفظ والغاز في منطقة الحدود المُتنازع عليها، لأنّها وجدت أنّ بعض الشركات الدولية تتردّد في خوض غمار التنقيب قبل حسم هذه الحدود، كي لا تتعرّض لارتدادات أمنية.
حنين إلى 17 أيار
وعلمت “الجمهورية”، أنّ الجانب اللبناني يتوجس من أن تستغل إسرائيل هذه المفاوضات التقنية فتحوّلها مفاوضات سياسية على غرار مفاوضات 17 أيار، بحيث تنتهي إلى اتفاق سلام ثنائي، عوض أن تظل تفاهمًا أمنيًّا يكمّل القرار 1701.
ومن المؤشرات الى ذلك، إثارةُ إسرائيل المواضيع الإشكالية التالية:
أولاً، السعي إلى أن تُعقد جلسات المفاوضات مداورة في الأراضي اللبنانية والإسرائيلية، في حين أنّ لبنان يصرّ على أن تُعقد في الناقورة في مكاتب القوات الدولية.
ثانياً، العمل على أن يكون الجانب الأميركي هو الوسيط الأساسي المفاوض وليس ممثل الأمم المتحدة.
ثالثاً، إشراك ديبلوماسيين، إلى جانب العسكريين، في الوفدين اللبناني والإسرائيلي.
رابعاً، تحويل مضمون القرار 1701 من قرار يرعى “وقف الاعتداءات”، كما هو منصوص عليه سنة 2006، إلى قرار يرعى السلام بين لبنان واسرائيل.
خامساً، المطالبة بتحديد مصير سلاح “حزب الله” في الجنوب بعد الاتفاق على ترسيم الحدود، والإصرار على سلطة القوات الدولية والجيش اللبناني فقط.
الدور الشيعي والتصميم الأميركي
في هذا الإطار، يعتقد الجانب اللبناني أنّ هذه المواقف الإسرائيلية هي مواقف السقف العالي الموضوع للمناورة قبل التفاوض الجدّي. وانّ إسرائيل ستعود عن عدد من هذه النقاط لدى بدء المحادثات الجدّية. لكن الجانبين الأميركي والإسرائيلي، يخشيان أن تُقدم أطراف لبنانية على ربط المفاوضات حول الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية بمصير التسوية في سوريا والدور الإيراني هناك.
ومساء أمس، قال مسؤول مطلَّع على مجرى المحادثات، إنّ سوريا حالت آنذاك دون الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 1996 وأخّرته إلى العام 2000، لأنّها ربطت ذاك الانسحاب بمفاوضاتها مع إسرائيل حول الجولان وحدود الرابع أو الخامس من حزيران 1967.
وأضاف هذا المسؤول، انّ المفاوضات الحالية حول الحدود البرية والبحرية تجري ظاهريّاً مع الدولة اللبنانية، لكنها عمليًّا تجري بين إسرائيل والمرجعيات الشيعية من خلال الرئيس بري، الذي أظهر حنكة في التفاوض مع دايفيد ساترفيلد ومرونة من دون المس بالثوابت.
وأكّدت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهوريّة”، أنّ واشنطن عازمة على مواجهة الصعوبات التي تعترض هذه المفاوضات، لأنّها تريد حذف جبهة من الجبهات القابلة للاشتعال في المنطقة وحماية استقرار لبنان.
بري
في هذا الوقت، تناول الرئيس بري مهمة ساترفيلد امام نواب الاربعاء امس، وقال: “الموضوع ليس ترسيم الحدود فحسب بل تثبيت الترسيم. وانّ الورقة اللبنانية الموحّدة شكّلت وتشكّل الضمانة في هذه العملية، وانه ليس بإمكان لبنان التنازل عن أي شيء فيها”. وأوضح ايضاً، “انّ الموقف الرسمي هو انّ لبنان ضد تحديد مدة للمفاوضات في هذا الشأن”، مؤكّداً على انّه يجري التعامل بكل دقّة وانتباه مع هذه المسألة.
الموازنة
في هذا الوقت، كان لبنان يرصد ردود الفعل الدولية على إقرار الموازنة لمعرفة ما إذا كان سيتقبّل التهاني أو سيحصد الانتقادات. وتبيّن أنّ تقييم مواقف الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية لمشروع الموازنة الذي يُنتظر إقراره في المجلس النيابي، لا يختلف عن تقييم الداخل اللبناني، أي الترحيب بوضع الموازنة مع إبداء تحفظات على نوعية التدابير المتخذة. فالدول المشاركة في مؤتمر “سيدر” تعتبر الموازنة بداية التغيير وليست آخره، وتبدي شكوكًا في قدرة الدولة على تحقيق الإيرادات.
وأعرب سفير إحدى الدول المعنية بالوضع اللبناني عن أسفه لكون الموازنة “مّرت بمحاذاة الإصلاح، إذ لم تلامس مكامن الهدر والفساد، ولم تُقرّ عددًا من التوصيات الواردة في مؤتمر سيدر”. لكنه أضاف: “لا نستطيع إلّا أن نرحّب بما أُنجز على أمل المزيد”.
وذكرت مصادر ديبلوماسية، أنّ المهمة الأصعب ستكون لدى انكباب مؤتمر “سيدر” على اختيار المشاريع لتمويلها، حيث أنّ هناك خلافاً لبنانياً حيال أولويات هذه المشاريع. كما أنّ الدول المانحة مصرّة على مواكبة ومراقبة كل المناقصات التي ستحصل في إطار تنفيذ المشاريع، لأنّ هذه الدول لا ثقة لها “بالآليات اللبنانية”.
وتمنّت هذه المصادر لو أنّ المجلس النيابي يحسِّن هذه الموازنة لدى مناقشتها، ويضيف عليها بعض القرارات الجريئة.
وفي السياق أيضاً، أعلن الرئيس بري انّ المجلس سيقوم بواجباته ويمارس دوره كاملاً في درس الموازنة التي يجري طبع 128 نسخة عنها لتوزيعها على النواب. وتوقّع عقد جلسة للجنة المال يوم الاثنين المقبل لدرس فذلكة الموازنة، على ان تعقد اللجنة جلساتها المتتالية بعد العيد. وقال، انّ النقاش مفتوح، في اللجنة ثم في الهيئة العامة، للموازنة وبنودها وسيأخذ مداه، مشيراً في الوقت نفسه الى انّه اعطى توجيهاته من أجل ان تعقد لجنة المال اكثر من جلسة في اليوم. واكّد الرئيس بري من جهة اخرى، انّ المجلس النيابي قادر على عقد جلسات تشريعية ورقابية خلال مناقشة الموازنة في لجنة المال، متوقعاً عقد مثل هذه الجلسات.