كتبت صحيفة “النهار ” تقول : وسط الاستعدادات الجارية لانجاز المرحلة النهائية من اقرار موازنة 2019 في مجلس النواب، قفزت أمس الى واجهة المشهد الداخلي الوساطة التي يتولاها مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد بين لبنان واسرائيل في ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية الجنوبية. واتّخذت الجولة الجديدة التي قام بها ساترفيلد على المسؤولين اللبنانيين دلالات واضحة حيال تقدم مهمته المكوكية بين لبنان واسرائيل، وسط معلومات تؤكد انه نقل الى بيروت موافقة اسرائيل على إطار الوساطة الذي اقترحه لبنان من خلال وساطة الولايات المتحدة ورعاية الأمم المتحدة لمفاوضات الترسيم.
واسترعى الانتباه ان ساترفيلد أضاف الى جدول لقاءاته أمس قائد الجيش العماد جوزف عون بما يعني ان تفاصيل لوجستية تتصل بالمفاوضات المحتملة في شأن الترسيم بدأت تطرح في الاتصالات التمهيدية.
والتقى ساترفيلد في هذا الإطار رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، في حضور وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، وتشاور معه في الاتصالات القائمة في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، في ضوء المساعي الأميركية لتوفير المناخات الملائمة للبدء بهذه العملية. واطلعه على ما تحقق حتى الآن من الاتصالات التي أجراها، والتي سوف تستمر في الايام المقبلة.
والتقى أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، حيث أفادت مصادر الرئاسة الثانية أن الديبلوماسي الأميركي “لا يزال يسجل تقدماً في حاجة الى خطوات اخرى في اطار هذه المساعي”.
كذلك أعلم رئيس الوزراء سعد الحريري الذي التقاه في السرايا الحكومية، انه “مستمر في مهمته للتوصل الى اتفاق لإطلاق محادثات ترسيم الحدود البحرية”.
وكان اجتمع بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في قصر بسترس. وأوضحت مصادر الخارجية “ان ساترفيلد نقل الى لبنان الجواب الاسرائيلي وفقاً للطرح اللبناني الدي تقدم به رئيس الجمهورية ميشال عون في موضوع المفاوضات في شأن ترسيم الحدود البحرية والبرية. والجو كان ايجابياً ولبنان تبلغ الموقف الاسرائيلي وفقاً لطرحه في هذا الصدد”.
ثم زار مساء العماد جوزف عون في قيادة الجيش باليرزة.
وقال الرئيس نبيه بري أمام زواره عن اجتماعه وساترفيلد إن “الامور تسير نحو الايجابية. ولا يمكننا في الوقت نفسه القول إن الاتجاهات النهائية قد حسمت حيال عملية الترسيم والتحضير للمفاوضات”. وأوضح أن “جملة من النقاط تحتاج الى مزيد من البحث والتدقيق وننتظر الردود عليها عبر السفير ساترفيلد. وأبلغني انه سيتصل بالاسرائيليين في هذا الخصوص هاتفياً أو سيزور تل أبيب”.
وسئل لما ذا حصل هذا التقدم من الطرف الاسرائيلي، فأجاب بري: “أولاً جرى الاتفاق من كل الاطراف على ربط الترسيم من البر والبحر في شكل متلازم على عكس ما كان يطرح الاسرائيلي ومن دون أي تجزئة بينهما. وان نقطة الخلاف الباقية مع الاسرائيلي هي انه يريد وضع سقف زمني لهذه المفاوضات يمتد على مدار ستة أشهر. ونحن من جهتنا نريدها مفتوحة ومن دون وضع سقف لهذه المفاوضات. وعلينا ان نحذر هنا من المماطلة الاسرائيلية. ونحن في النهاية أصحاب حق لن نفرط به. وهذه الثروات هي ملك الاجيال اللبنانية المقبلة”.
وشدد على ان “ثبات الموقف اللبناني اوصله الى هذه الحصيلة. وان شركات النفط في النهاية لن تقدم على الاستثمار في الجزء المحتل من الاراضي الفلسطينية قبل تأكدها من ان الجزء اللبناني قد جرى ترتيب آباره. وتعرف اسرائيل جيداً حقيقة هذا الموضوع”.
ونفى بري ان يكون تطرق وساترفيلد إلى ربط سلاح المقاومة ونزعه توازاناً مع قبول اسرائيل بترسيم الحدود البرية والبحرية، قائلاً: “هذا الامر لن يطرح وأنا في النهاية أبو المقاومة”.
ولن يشمل الترسيم عند الحدود البرية مزارع شبعا المحتلة لأنها مرتبطة بالقرار 1701.
ومن المقرر ان تعقد الاجتماعات في الناقورة ولا يعترض الاسرائيلي على هذه المسألة وستكون في رعاية الامم المتحدة وتحت علمها وهي التي ستشرف على توقيع المحاضر النهائية وسيوقعها كل الاطراف: اللبناني والاسرائيلي والوسيط الاميركي والامم المتحدة.
وفي حال تلقي الجانب اللبناني الرد النهائي من الجانب الاسرائيلي عبر ساترفيلد، سيكلّف وفد عسكري ولا مانع هنا من استعانته بخبراء في حقلي الترسيم والنفط والغاز.
وأفادت معلومات أخرى ان ساترفيلد طرح على الجانب اللبناني اقتراحاً اسرائيلياً لتحويل اللجنة العسكرية الثلاثية في الناقورة الى لجنة عسكرية – ديبلوماسية تضم شخصيات ديبلوماسية الى جانب الضباط من اجل بدء البحث في ترسيم الحدود البرية والبحرية، وتريث المسؤولون اللبنانيون في الرد على هذا الطرح.
الموازنة واصداء دولية
أما في الاستحقاقات النيابية المقبلة، فوقّع أمس الرئيس ميشال عون مرسوماً ينص على دعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي يفتتح في تاريخ 1/6/2019 ويختتم في تاريخ 21/10/2019 ضمناً. كما وقع مرسوماً ثانياً بإحالة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2019 على مجلس النواب، ومرسوماً ثالثاً بإحالة مشروع قانون على مجلس النواب يرمي الى تعديل القانون الرقم 112 تاريخ 22/3/2019 بحيث يجاز للحكومة جباية الواردات وصرف النفقات على اساس القاعدة الاثني عشرية حتى 30 حزيران المقبل.
في غضون ذلك، برزت ردود فعل دولية جديدة على اقرار الحكومة مشروع الموازنة بعجز يقدر بنسبة 7.59 في المئة. وغداة ترحيب الامم المتحدة باقرار الموازنة في مجلس الوزراء، أصدرت السفارة الفرنسية في لبنان بياناً ”رحبت” فيه بموافقة مجلس الوزراء على الموازنة لعام 2019. واعتبرت ان ذلك “يشكل مؤشراً إيجابياً لتنفيذ لبنان الالتزامات التي اتخذها خلال مؤتمر “سيدر”. وأضافت: “لن تصبح الموازنة نهائية قبل أن يعتمدها مجلس النواب. نأمل أن يتم هذا الاعتماد في أسرع وقت ممكن. تبقى فرنسا إلى جانب لبنان، تشارك بشكل كامل في تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر” التي من شأنها أن تمكن لبنان من تنفيذ الإصلاحات اللازمة لمواجهة تحديات الغد، وخصوصا في ما يتعلق بالحوكمة. يتطلب التنفيذ الفاعل لمؤتمر “سيدر” وضع آلية مراقبة صلبة وشفافة نأمل بشدة أن يبدأ العمل بها قريباً”.
وفي المقابل، صدر أول رد فعل متحفظ عن مؤسسات التصنيف الدولية اذ نقلت “رويترز” عن وكالة “ستاندارد آند بورز غلوبال” للتصنيفات الائتمانية أمس أن خطة موازنة لبنان لخفض عجزه المالي إلى 7.59 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذه السنة قد لا تكون كافية لاستعادة الثقة التي تضررت في البلد المثقل بالديون.
وقد دفعت المخاوف المتزايدة حيال مالية لبنان “ستاندارد آند بورز” إلى وضع البلاد عند تصنيف B- مع نظرة مستقبلية سلبية في أول آذار.
وقالت محللة لبنان الرئيسية لدى “ستاندارد آند بورز” ذهبية سليم جوبتا بالبريد الإلكتروني: “الإعلان (عن خفض العجز إلى 7.59 في المئة من أكثر من 11 في المئة العام الماضي) قد لا يكون كافياً في حد ذاته لتحسين ثقة المودعين والمستثمرين غير المقيمين، والتي تراجعت في الأشهر الأخيرة”.
وأضافت أن عدم تحقيق الهدف الجديد أمر وارد، خصوصاً أن أي إجراءات لخفض التكاليف ستطبق فقط في النصف الثاني من العام.
وقالت جوبتا: “تشير تقديراتنا إلى عجز مالي في 2019 عند نحو عشرة في المئة… في غياب تعزيز جوهري للإيرادات وإجراءات خفض النفقات، نتوقع أن تواصل نسبة الدين العام للبنان الارتفاع لتتجاوز 160 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2022 من 143 في المئة في 2018”