علمت “الجمهورية” أنّ الوساطة التي يقوم ساترفيلد بين لبنان وإسرائيل تتناول الحدود البرية والبحرية معاً. ولاحظت المراجع اللبنانية وجود قرار أميركي ـ إسرائيلي بإحراز تقدم مع لبنان في إطار سَعي واشنطن إلى إعطاء انطباع للرأي العام العربي والدولي مفاده أنّ مشروع “صفقة القرن” يتقدم تدريجاً. ذلك أنّ واشنطن تنظر إلى المفاوضات بين لبنان وإسرائيل كجزء من هذا المشروع، وليس كجزء من تعزيز تنفيذ القرار الأممي الرقم 1701. وتأمل في أن يؤدي التقدم في ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى خلق مناخ سلام يشجّع لاحقاً على انخراط لبنان في مشروع السلام الجديد.
وأولى علامات التقدّم في هذا المجال بروز تفاهم بين الجانبين على إبقاء منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر خارج الترسيم الحدودي الحالي، على أن تتركّز المفاوضات على الانتقال من حدود “الخط الأزرق” الذي رُسِم بعد حرب 2006 إلى حدود الهدنة التي شرّعتها اتفاقات سنة 1949 وجَدّدت إسرائيل الاعتراف بها أثناء مفاوضات اتفاق 17 أيار 1983. وعُلمَ أنّ الحكومة اللبنانية ـ “حزب الله” ضمناً، أبلغت الى الوسيط الأميركي موافقتها على هذا الاقتراح الذي “يعفي” لبنان من طلب وثيقة ملكية هذه المنطقة من الحكومة السورية التي تبدي رفضاً في هذا الشأن. كما تعطي “حزب الله” ذريعةَ القول إن التحرير غير ناجز، فيبرر بقاء السلاح.
وعلمت “الجمهورية” أيضاً أنّ ساترفيلد نقل إلى الحكومة اللبنانية، في زيارته الأخيرة، موافقة إسرائيل على الموقف اللبناني من النقاط الخلافية الـ 13 على الحدود الوسطى بين البلدين، والتي تشكل مساحتها نحو 5 كلم². إذ كانت إسرائيل حتى الآن تعتبر هذه النقاط جزءاً من حدودها (منطقة الجليل). وأبلغت الولايات المتحدة الأميركية الى الجانب اللبناني أنّ عليه، مقابل تقدم المفاوضات، أن يعزّز دور الجيش اللبناني في الجنوب ويضبط الخروقات وينفذ القرار 1701 تنفيذاً صارماً في انتظار الحل النهائي. وسيُعقد اجتماع بين قيادتي الجيش والقوات الدولية (اليونيفيل) في اليومين المقبلين لتعزيز التعاون واستكشاف نقاط التمركز الجديدة.
وذكرت معلومات أنّ واشنطن ضغطت على إسرائيل لتليين موقفها في مفاوضات ترسيم الحدود، مقابل وعد من الحكومة اللبنانية بالشروع قريباً في وضع استراتيجية دفاعية تعالج من خلالها وضع سلاح “حزب الله”.
أما بالنسبة إلى الحدود البحرية، فينتظر أن تقدّم واشنطن في زيارة ساترفيلد المنتظرة غداً خريطة جديدة تأخذ في الاعتبار مصالح لبنان، مقابل تساهل لبناني في خلق تعاون دولي من خلال تلزيم الآبار وتسويق إنتاجها.
الموازنة
وعلى وقع الاستعداد لاستقبال ساترفيلد غداً، ينعقد مجلس الوزراء في القصر الجمهوري اليوم لإقرار الصيغة النهائية لمشروع موازنة 2019 وإحالته الى مجلس النواب ليدرسه ويقرّه بعد أسابيع، ما يعني انّ المهلة القانونية للإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية ستنتهي في 31 أيار الجاري من دون ان تكون الموازنة قد أقرّت، ما سيستوجب معالجة قانونية موقتة لهذا الأمر.
وتحدثت معلومات عن انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يكون الوحيد في طرح تعديلات على الموازنة في جلسة اليوم، وأنّ هناك أفرقاء آخرين لديهم تعديلات ايضاً أحجموا عن طرحها في الجلسات الماراتونية لتعجيل إقرار الموازنة حكومياً، ما يعني أنّ جلسة مجلس الوزراء اليوم قد لا تكون نهائية الّا في حال ارتأى هؤلاء عدم النقاش الطويل في تعديلاتهم، وترك الموازنة لمجلس النواب.
الحريري
وعشيّة الجلسة أكد رئيس الحكومة سعد الحريري انّ “موازنة 2019 ليست نهاية المطاف. هذه الموازنة بداية لطريق طويل قررنا أن نسير فيه، حتى يصل الاقتصاد اللبناني إلى بر الأمان”. وقال انّ “موازنة 2019 هي تقريباً بداية مسار لاستكمال ما سنقوم به في الأعوام 2020 و2021 و2022 و2023”. وأضاف انّ الموازنة “رسالة في كل الاتجاهات، للبنانيين بالدرجة الأولى وللقطاعات الاقتصادية وللأسواق المالية، ورسالة للأصدقاء في المجتمع الدولي، أنّ الحكومة اللبنانية مُصرّة على معالجة أوجه الضعف والخلل والهدر في القطاع العام”. وأشار الى انّ موازنة 2020 ”لن تأخذ هذا الوقت لأننا بتنا نعرف ماذا نريد أن نفعل”.
”القوات”
وفي هذا الاطار قالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية” انّ جلسة مجلس الوزراء اليوم “يجب ان تكون حاسمة وتَتويجية لكل النقاش حول ملف الموازنة من أجل إقرارها وإحالتها إلى مجلس النواب، الذي سيتولى بدوره درسها في غضون شهر وحيث ستُدلي كل كتلة بدلوها. وبالتالي، لم يعد من الجائز مواصلة المماطلة، خصوصاً انّ مزراب العين قد كُسِر والناس “شافِت وحكيت”، فكفى مراوغة ومماطلة”.
إجراءات وتساؤلات وقلق
في هذا السياق قال اقتصاديون انّ الحكومة قد تكون نجحت في خفض العجز -على الورق حتى الآن- في موازنة 2019، لكنها نجحت أيضاً في بَث الخلافات بين القطاعات الاقتصادية (الصناعيون والتجار)، وزرعت الشكوك حول ما سيتحمّله المواطن من ارتفاع في اسعار السلع لدى المباشرة في تطبيق مندرجات البنود التي وردت في الموازنة. إذ لا تزال مسألة رسم الـ2% على كل المستوردات تثير تساؤلات حول نسبة ارتفاع اسعار السلع بسبب هذا الرسم. ويقدّر اقتصاديون أن تصل نسبة الارتفاع الى 6%، بما يعني انّ المواطن سيدفع ضريبة مرتفعة في إطار تحسين واردات الخزينة، أكثر بكثير من رفع الضريبة على القيمة المضافة بين 2 و3%. كذلك هناك شكوك في موضوع الرسم النوعي الذي سيفرض على سلع معينة من ناحيتين: أولاً، هل تمّ اختيار السلع لخدمة مصالح نواب وجهات نافذة تمتلك صناعات وتريد زيادة أرباحها؟ وثانياً، هل ستلتزم المصانع “المحميّة” عدم رفع أسعار منتجاتها؟)
الى ذلك، ترى مصادر اقتصادية انّ الموازنة، وفور صدورها، ستتحول الى أوراق اعتماد تقدّمها الدولة اللبنانية الى الدول المانحة. وهناك خشية من صدور تقييم سلبي بما يعني عدم الافراج عن أموال “سيدر”. وهنا ستصبح الأزمة مصيبة، لأنّ خسائر لبنان لن تقتصر على خسارة أموال القروض الميسّرة لتمويل مشاريع بنى تحتية، بل سيخسر البلد ثقة الداخل والخارج، بما يعني المزيد من التراجع في حجم تدفّق الاموال، وارتفاع في هروب الودائع. والوضع المالي والاقتصادي لا يحتمل مثل هذا السيناريو.
التوطين والنازحون
من جهة ثانية تفاعلت المواقف التي أعلنها الامين العام لـ”حزب الله” أمس الاول لمناسبة عيد المقاومة والتحرير، ولفتَ فيها الى انّ توطين الفلسطينيين في لبنان خطر جدي ويقترب، وانّ الاميركيين مع حلفائهم لا يريدون عودة النازحين السوريين الى حين الانتخابات الرئاسية في سوريا سنة 2021.
وقال نصرالله: “انّ لبنان معني بمواجهة خطة تسوية القضية الفلسطينية التي تطرحها الولايات المتحدة، والمعروفة بـ”صفقة القرن”. ووصف “مؤتمر المنامة” الذي دعت الولايات المتحدة الى عقده الشهر المقبل بأنه “الخطوة الأولى من “صفقة القرن”. وقال “انّ أهم مسألة قد يؤدي إليها المؤتمر الاقتصادي في البحرين والتوجه الاقتصادي الذي يُراد نقاشه هناك وبعض أشكال الترغيب والإغراءات المالية هنا وهناك، كل هذه الأمور قد تفتح الباب عريضاً وواسعاً أمام مسألة توطين الإخوة الفلسطينيين في لبنان وفي بقية البلدان التي يوجدون فيها”. واذ أشار الى إجماع اللبنانيين والفلسطينيين على رفض التوطين، قال: “الآن نحن أصبحنا في مرحلة لا يكفي فيها أن يقال اننا جميعاً ضد التوطين. خطر التوطين يبدو أنه يقترب بقوة (…). ولذلك أدعو إلى لقاء سريع لا يحتاج إلى مطوّلات ولا إلى طاولة حوار، ولا إلى مؤتمرات، ولا إلى أيام طويلة، بل إلى عقد جلسة بين المسؤولين اللبنانيين والمسؤولين الفلسطينيين في لبنان لمناقشة جَادّة، ووضع خطة لمواجهة خطر التوطين الزاحف والآتي”.
واعتبر نصرالله “انّ السبب الحقيقي لعدم عودة النازحين السوريين هو سبب سياسي، الأمر يرتبط بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، لأنّ ولاية الرئيس بشار الأسد ستنتهي عام 2021 “. وقال: “انّ الأميركي والغربي وبعض دول الخليج لا تريد للنازحيين السوريين أن يعودوا إلى بلدهم بالحد الأدنى قبل الانتخابات الرئاسية السورية”.
”السماوات والقبوات”
وفي هذا الإطار، لاحظت مصادر “القوات اللبنانية” انه “في كل مرة يريدون فيها تغطية “السماوات بالقباوات” من أجل تهريب ملفات معينة، يعيدون التوتير من باب ملف النازحين بمزايدات لا طائل منها، لأنّ الجميع في لبنان يريدون عودتهم اليوم قبل الغد. و”القوات” دعمت مبادرة رئيس الجمهورية وزيارته الى موسكو التي رأى الجميع كيف انتهت لجهة إقرار روسيا انّ عودتهم غير ممكنة من دون قرار دولي ومساعدة عربية ودولية، ولو كانت المسألة تقتصر على قرار من النظام السوري لكانوا عادوا منذ سنوات، ولكن لا النظام يريد إعادتهم، ولا في مقدورهم إعادتهم. وبالتالي، من المستغرب إعادة النقاش في كل مرة الى النقطة الصفر لاعتبارات تَسييسية وتطبيعية”.
وأكدت المصادر نفسها “انّ التوطين غير مطروح لـ3 أسباب أساسية: لأنّ مقدمة الدستور تنصّ في وضوح ان “لا توطين ولا تجزئة ولا تقسيم”، ولأنّ رفض التوطين من المواضيع القليلة التي تحظى بإجماع لبناني، ولأنّ قرار من هذا النوع هو قرار سيادي بامتياز، ولا توجد اي قوة في العالم تستطيع فرض التوطين على لبنان واللبنانيين”.
”حماس” ترحّب
ورحّبت حركة “حماس” بدعوة السيد نصرالله، لإطلاق حوار لبناني فلسطيني لمواجهة “صفقة القرن” ورفض التوطين والتمسّك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وقال رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة، رأفت مُرّة، إنّ هذه الدعوة “جاءت في وقتها”، مؤكداً “أنّ الحوار اللبناني ـ الفلسطيني هو أفضل وأقوى وسيلة للتصدي لصفقة القرن ومواجهة تداعياتها، وخصوصاً محاولات فرض التوطين وإنهاء حق العودة”. ودعا إلى “أن يشمل الحوار أيضاً منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم الاجتماعية والتعاون في تكريس الأمن والاستقرار”. وشدّد على “تمسّك اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بهويتهم الوطنية، والتزامهم الكامل بمشروع مقاومة الاحتلال، وبعودتهم إلى وطنهم”.