كتبت صحيفة “النهار” تقول: كشفت مناقشات مشروع الموازنة في جلسات متتالية طويلة وشائكة، هشاشة التضامن الوزاري بعد بلوغ العلاقات بين بعض مكونات الحكومة المرحلة الأسوأ، في ظل حرص على عدم تفجير تصيب شظاياه جميع من في الحكومة، ولن يؤدي تراكم الرسوم والضرائب على المواطنين الى إصلاح حقيقي وفق القراءة الأولية لمشروع الموازنة، وهو ما يؤكّده أهل الحكم أنفسهم. وفيما شدد النائب نقولا نحاس على انه “لم ير في المطروح أننا قد دخلنا في اصلاحات أساسية، إذ ما يحصل هو تصحيح فقط، فالإصلاح يكون في الأنظمة والهيكلية والأساليب والتحفيزات”، أكد الوزير السابق رائد خوري ان ما يبحث على طاولة مجلس الوزراء لا يمكن اعتباره موازنة اصلاحية في غياب رؤية اقتصادية هدفها تحقيق النمو في الاقتصاد.
في المقابل، يمكن القول إن لبنان خرج بموازنة “بأرقام عجز مشجعة، ومسار اصلاحي حقيقي” كما غرد وزير المال علي حسن خليل، في ظل التراكمات والتعقيدات الحاصلة، وفي ظل التحركات التي حاولت ان تحاصر القرارات بدفع من بعض أهل السلطة أنفسهم. ويمكن تالياً تسجيل ثلاث نقاط ايجابية تحققت أمس في نهار واحد، وهو انجاز قلما يتحقق في لبنان.
فالموازنة بلغت شبه خواتيمها السعيدة، ويعقد مجلس الوزراء جلسة أخيرة (مبدئياً) اليوم للخروج بالصيغة النهائية مع حصر العجز في حدود 7.6 في المئة كما أوردت “النهار” أمس. وسيعقد وزير المال مؤتمراً صحافياً يتحدث فيه بعد الجلسة، في رفقة رئيس الوزراء سعد الحريري الذي سيبشر اللبنانيين بإقرار مشروع الموازنة، أو وحيداً إذا احتاج النقاش الى جلسة اضافية. وقال لـ”النهار” أمس: “غداً (اليوم) سأتحدّث لو شو ما صار”. وكان توجّه إلى الوزير جبران باسيل قائلاً: “إذا بكرا رح ترجع تعيد من الأول، سأبقى خارج الجلسة”. بينما يقول باسيل “انها ليست الأرقام التي نريدها. نحن اتفقنا على عجز 7 في المئة ويجب أن نكمل”.
وقد أشاد وزراء “القوات اللبنانية” بجهود وزير المال وفريقه التي أثمرت الوصول الى الموازنة الراهنة، لكنهم أسفوا لعدم القدرة على تضمينها إصلاحات جذرية وبنيوية، وطالبوا بإشراك القطاع الخاص في المرفأ والاتصالات وتسريع الخطوات في هذا الاتجاه، كما طالبوا بان تتعهد الحكومة خطياً إقفال المعابر غير الشرعية في غياب أي مبرر لعدم إقفالها سريعاً ووقف التهريب الجمركي، والتعاقد مع شركة متخصصة مهمتها التثبت من نوعية ما يستور من بلاد المنشأ ومن الأسعار.
وصرح وزير الصناعة وائل أبو فاعور بعد جلسة أمس بأن “اليوم هو يوم أبيض للصناعة اللبنانية والإنتاج في لبنان. فقد اتخذ مجلس الوزراء قراراً استراتيجياً غير اعتيادي بفرض رسوم نوعية على بعض المنتجات أو بعض القطاعات حماية لبعض المنتجات أو القطاعات الصناعية اللبنانية. هذا الرسم النوعي سيساهم بشكل كبير في حماية الصناعة اللبنانية، وفي تخفيف العجز بالميزان التجاري وإعادة استنهاض عدد كبير من الصناعات التي كادت أن تندثر (…)”.
وتعليقاً على الموازنة، قال خبير الأسواق الناشئة لدى “كابيتال إيكونوميكس” جيسون توفي: “إن الأرقام ستمنح المستثمرين بعض الشعور بالراحة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل”. وأضاف: “حتى إذا تمكنت السلطات من كبح العجز، فمن المرجح ألا يكون ذلك كافياً لتحقيق الاستقرار في نسبة الدين، وتزداد على ما يبدو احتمالات إجراء نوع من إعادة الهيكلة على مدى السنتين المقبلتين”.
وفي شأن ايجابي أيضاً، نجح لبنان في سداد سندات دولية بقيمة 650 مليون دولار، وقالت مصادر مطلعة إن مصرف لبنان قدم التمويل لوزارة المال لايفاء الدين. والسداد الذي جرى الإثنين مهم في ضوء تنامي قلق السوق من أزمة في شأن موازنة لبنان قد تعرقل جمعه تمويلاً جديداً، كما قالت وكالة “رويترز”.
وقال مصدر مطلع إن الحكومة سددت سنداتها الدولية بمثل طريقة سداد شريحة الخمسمئة مليون دولار في نيسان، إذ قدم المصرف المركزي الأدوات اللازمة لوزارة المال، المُصدر الأصلي للدين.
أما الايجابية الثالثة، فتمثلت في تأكيد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد للمسؤولين اللبنانيين موافقة اسرائيل على بدء التفاوض من أجل ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين، فور الاتفاق على بعض التفاصيل، كما أكد مصدران رسميان لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”.
وقد غادر ساترفيلد بيروت أمس بعد زيارة ثانية للبنان في أقل من أسبوع تخللته زيارة لاسرائيل، وذلك في إطار وساطة يضطلع بها بين البلدين لترسيم الحدود ولا سيما منها البحرية، مع استعداد لبنان لبدء التنقيب عن النفط في رقعة تضم جزءاً متنازعاً عليه بين البلدين.
وحمل ساترفيلد، كما أعلنت الرئاسة اللبنانية الأسبوع الماضي، إلى اسرائيل اقتراحاً قدّمه لبنان عن آلية التفاوض. وأشار مصدر حكومي الى إن لبنان أصرّ على تلازم مساري ترسيم الحدود البرية والبحرية.
وستجري المفاوضات “في رعاية الأمم المتحدة وبمشاركة وفدين لبناني وإسرائيلي ومتابعة أميركية، على أن تعقد الجلسات في مقر قيادة “اليونيفيل” من غير أن يكون للأخيرة أي دور في عملية التفاوض”.
وأكد مصدر لبناني آخر مطلع على مضمون المحادثات لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” موافقة إسرائيل على بدء المفاوضات فور “إيجاد مخارج لنقاط عالقة تتعلق بآلية التفاوض ومضمونها”. وقال: “بشكل عام ثمة تقدم إيجابي، ووصلت الأمور إلى التفاصيل الأخيرة قبل بدء المفاوضات”.