كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن مستقبل النّشر الصّحفي والصحافة الورقية مع التّطور المتسارع في وسائل الإعلام. يشهد العالم العربي مرحلة تحوّل نحو الإعلام الإلكتروني وتطوّرات ملحوظة نحو التّقنيات الحديثة. فما مدى ديمومة الصحافة المكتوبة ومستقبل الصحافة الورقية في ظلّ وجود الصحافة الإلكترونية؟ وهل فعلًا النّشر الصحفي في مأزق حاليّاً؟
كانت الصحافة مرآة لكل الأحداث وجزءاً لا يتجزّء من حياة النّاس وتاريخ المجتمعات. ولكن مع منتصف التّسعينات، وخلال العقود الخمسة الماضية، بدأت المنافسة الإلكترونية تواجه الصحافة الورقية، ممّا أدّى إلى فتح آفاق لأجيال جديدة تعيش في عالم إفتراضي تفاعلي غير محدود. وتزايدت أهميّة الصحافة الإلكترونية مع توالي الأعوام وانتشار الإنترنت، فأصبحت غالبية وسائل الإعلام تمتلك مواقع إلكترونية لمطبوعاتها الورقية.
الخبر المفاجئ الذي طغى على سطح الأحداث المحلية عن قضية توقّف بعض الصّحف اللّبنانية عن الصّدور ورقيّاً لصالح صدورها إلكترونيّاً، وإغلاقها لأسباب ماليّة معروفة، أثار جدلًا واسعاً وحزناً لدى روّاد قرّاء الصّحف في لبنان.
الصحف مهدّدة بالإغلاق، ربّما هي كارثة وطنيّة، فالصّحف هي علامة على التّعدّدية وحرية التّعبير والآراء وتداول الأفكار. إنّ وضع الصحافة الورقية اليوم دقيق وخطير ومُعرّض للإنقراض إذا لم يتمّ السّعي لصوغ شكل جديد من الصحافة، يتحدّى الظّروف الإقتصادية والثقافية والتّطور التّكنولوجي الحاصل. كما وأنّ الصحيفة تلعب دوراً مهمّا وبارزاً، فهي تقدّم نفسها على أنّها تاريخ ومكان وحيّز ثقافي له نظامه وتراتبيته وعوالمه السياسية والإجتماعية والعلمية… إنّها جسم ثقافي تجمعه قيم أخلاقية ومهنية وسياسية واحدة وتعدّد بالآراء.
من جهة أخرى إنّ الجيل الحالي من الشباب المطّلع على أحداث اليوم ومجرياتها اليومية، يكاد يعتمد على الصحف الإلكترونية بشكل كبير، بشتّى وبمختلف الطّرق التي تناسبهم وهذا سبب رئيسي على إقبال البعض على هذه الوسيلة خصوصاً في اقتناء آخر الأخبار الفورية والعاجلة.
أصبحنا اليوم لا نستغني عن جهاز الحاسب الآلي للإطّلاع على الأخبار في بعض الصّحف الإلكترونية، فالأخبار المصوّرة تتميّز بها تلك المواقع الإلكترونية، تدعم أخبارها بالصوت والصورة والفيديو. ولا ننسى مشاركة القارئ والمشاهد في صنع وتحرير ونشر بعض الأخبار، والتّعليق عليها والوصول السّريع مع إبداء رأيه حيال الخبر المنشور. كما إنّ زيادة إستخدام التجارة الإلكترونية بالإضافة إلى ارتفاع أعداد مستخدمي الإنترنت بشكل عام وانخفاض تكلفة أسعار النّشر الإلكتروني مقارنة بأسعار النّشر الورقي، ميزات تنفرد فيها الصحف الإلكترونية وتتميّز بها عن الصحافة المكتوبة، ولكن هذا لا يعني الإستغناء عن هذه الأخيرة.
في المقابل هناك بعض المواقع والصحف الإلكترونية تفتقد للمصداقية والثّبات، ففي الأغلب نجد أخباراً مغلوطة ومفبركة ولا تتحلّى بالصدق في نقل أخبارها، حيث تحرص على السّبق دون الإهتمام بالمهنية، لأهداف ومصالح خاصّة.
إنّ الإعلام الإلكتروني خيار آخر للمتلقي وليس بديلًا للإعلام المطبوع، فهو فتح أبواب ربح كبيرة للمؤسّسات الصحفية. الإنقراض احتمال وارد للوسائل الغير قادرة على التّغيير والحل الوحيد للنّجاة على المدى الطّويل يتمثّل بتعديل الأساليب الإنتاجية…
لا يمكن إنكار تأثير الإعلام الإلكتروني على الصحافة المطبوعة ولكن يمكن الفصل بينهما. هناك مجالات للنشر سواء الإلكتروني أو غيره. لذلك فإنّ المادّة المطبوعة على ورق أو المادة الإلكترونية هي التي تحدّد الهويّة والرسالة ومستوى المؤسسة. الصحافة الورقية، لن تتأثّر بشكل مباشر، فإذا كانت ناجحة على الورق فإنّها ستنجح إلكترونيّاً، لأنّ هذا يعتمد على المادة والرّؤية والمستوى المهني لدى الصحفي. كما وأنّ بسبب الإعلام الإلكتروني بعض المؤسسات المطبوعة توسّعت ولديها قرّاء خارج نطاق الحدود.
إذاً يمكن القول أنّ الصحافة المطبوعة مهدّدة أمام الإعلام الإلكتروني إذا لم تتّجه الصحافة إلى التّعامل مع التّكنولوجيا ووسائل الإتصالات الحديثة بتطوّر وواقعيّة ومواكبة هذا التّطور عبر إنشاء المواقع وتطوير الإعلام الإلكتروني وتحديث للأخبار على مواقع الصحف الورقية.
كخلاصة يمكن القول أنّ تزايد قوّة وفاعليّة الصحافة الإلكترونية لا يعني انقراض الصحافة الورقية في المستقبل المنظور. فالصحافة الرقمية والصحافة الورقية يمكن أن يتعايشا مع بعضهما البعض خاصة أن لكل منهما قرّاءه ومصادره في استقاء الأخبار. من هنا يجب أن تكون العلاقة بينهما قائمة على التّكامل وليس التّنافس.
اعداد: سينتيا الخوري
مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية