كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : ينتظر أن ينتهي مجلس الوزراء اليوم من درس مشروع الموازنة العامة لسنة 2019 ويحيلها الى مجلس النواب، لتنصرف الحكومة إلى تحصين لبنان إزاء التطورات المتلاحقة في المنطقة سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً، فيما دعت المملكة العربية السعودية إلى قمتين خليجية وعربية تنعقدان في 30 من أيار الجاري في مكة المكرمة للبحث في الاعتداءات الأخيرة التي وقعت في الخليج أخيراً، في وقت نفّذت البحرية الاميركية مناورات وتدريبات في المنطقة بقيادة حاملة الطائرات ابراهام لينكولن تزامنت مع تصاعد التوتر وتبادل التهديد بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران.
فيما عقد مجلس الوزراء مساء أمس جلسته الـ15 في السراي الحكومي ضمن جلساته المخصصة لدرس مشروع الموازنة، أكدت مصادر مطلعة انّ لبنان سيشارك في القمة العربية بوفد يترأسه رئيس الحكومة سعد الحريري. وقالت هذه المصادر لـ”الجمهورية” انّ لبنان سبق له ان تلقى دعوة سعودية للمشاركة في الدورة العادية الـ14 لقمة منظمة التعاون الإسلامي في الموعد عينه، وقد تقرر ان يكون الوفد برئاسة الحريري، وهو أمر لم يحمل جديداً لمجرد استبدال اسم القمة من إسلامية الى عربية.
وقالت مصادر رسمية انّ لبنان يتفهّم حجم وخطورة الملفات المطروحة على القمتين الخليجية والعربية، وهو يدرك مخاطرها ليس على الأمن والسلم في الخليج العربي والمنطقة العربية فقط، فالثروة النفطية مستهدفة وامداداتها العالمية في خطر جدي، وما هو متوقع من احداث في حال تطورها يشكل توغّلاً متمادياً وسريعاً في تخريب العالم العربي وتكبيده خسائر تفوق ما خسره حتى الآن من ثروات في الحروب الممتدة منذ عقدين من الزمن. فاليمن ما زال ينزف، وسوريا تدمّر وتنزف ايضاً وثلث مواطنيها ما زالوا مشتتين في العالم، والعراق بدأ يفقد ما حققه من سلم وأمن داخلي تدريجاً، والخليج العربي يغلي من مضيق باب المندب الى مضيق هرمز وبحره باتَ كما برّه ثكناً عسكرية من كل اساطيل العالم. ولكل هذه الأسباب لبنان سيشارك في القمة العربية، وسيحمل الحريري موقفاً جامعاً وموحداً ينطلق من الرؤية التي سجلها لبنان في مختلف القمم العربية التي لم يغب عن اي منها منذ ان تأسست جامعة الدول العربية وحتى الآن.
”الوجع”
وشدّد الحريري، خلال إفطار رمضاني لتيار “المستقبل” مساء أمس، على “أنّ التوافق على سياسة النأي بالنفس كان هدفه حماية لبنان من نزاعات المنطقة”، معتبراً “أنّ أي خرق لهذا التوافق دعوة مباشرة لضرب مصالح لبنان واللبنانيين في الدول العربية”.
وتطرّق الى الموازنة والأوضاع الاقتصادية والمالية، فقال: “انّ الاقتصاد اللبناني دفع ثمن التأجيل والتردد والهروب من الاصلاحات على مدى سنين طويلة”، مشيراً إلى “أننا اليوم وصلنا الى حائط ولا يمكن إلّا أن نكسره، وندخل الى إصلاحات جدية وسياسات مالية واقتصادية، تساهم في خفض العجز ومعالجة الدين ووقف الهدر”. وأضاف: “هناك مشكلة في القطاع العام يدفع ثمنها بقية اللبنانيين، ولم نعد نستطيع الاختباء وراء إصبعنا”، مذكّراً بأنّ الرئيس الراحل رفيق الحريري تحدث عنها بالتفاصيل عام 1999. وفي حين لفت إلى أنّ البعض يعتبر أنّ مجلس الوزراء تأخّر في إقرار الموازنة العامة، أوضح أنّ العمل ليس عملاً عادياً وهو يتعلق بوضع الأسس الكاملة للسنوات الخمس المقبلة. وتوقّع إحالة الموازنة إلى المجلس النيابي في اليومين المقبلين.
وأوضح الحريري أنّ “المطلوب قرار، والمجلس موجود ليقول انّ لدينا فرصة لن تضيع وخريطة طريق لضبط الهدر وتحقيق الإصلاحات. وَجع يوم ولا وجع كل يوم، وما نستطيع القيام به اليوم لا يجب أن يؤجّل”.
باسيل والتلويح بالاستقالة
ولوحظ أنّ الوزير جبران باسيل في كل مرة يعتلي فيها المنبر، يعمد الى توجيه رسائل غير مباشرة الى الحريري وغيره، وكان آخرها السبت من بطرّام حيث لَوّح بورقة الاستقالة من الحكومة، مُستنكراً تحميل “التيار” المسؤولية عن تأخير إقرار الموازنة في ضوء الاقتراحات التي قدمها في شأنها قبل أيام.
وقد أدرج عضو تكتل “لبنان القوي” النائب ألان عون هذه الرسائل “الباسيلية” في اتجاه “بيت الوسط” في إطار ”الحَضّ” على اداء حكومي أفضل، لافتاً في المقابل الى انّ الحكومة لا يمكنها أن تستمر في هذا الأداء.
وقال عون لـ”الجمهورية” انّ “موضوع الاستقالة ليس وارداً اليوم، لكنّ ذلك لا يعني أنه ليس وارداً في المطلق”. مشيراً الى “أنّ كل الاحتمالات مفتوحة في حال استمر الأداء الحكومي على ما هو عليه”.
قرداحي
الى ذلك تحدّث المستشار الإقتصادي لـ”التيار الوطني الحر” شربل قرداحي عن توقيت تقديم باسيل ورقته ”الاصلاحية”، فقال لـ”الجمهورية”: “قدّم وزير المال علي حسن خليل دراسته للموازنة مشكوراً، ولكن عندما بدأ النقاش قدّمنا مقترحاتنا”. وأضاف: “خطوة خليل أتت في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية لدرء المخاطر كلياً، ولذلك قدّمنا ورقتنا لتقوية اقتراحه”.
وعن تفاصيل هذه الورقة قال قرداحي: “انّ خطوة وزارة المال تقدّم حلاً مرحلياً، أمّا ورقة باسيل فغاصت أكثر في التفاصيل والأرقام، وحدّدت مكامن العجز وتفاصيلها”. وأضاف: “في رأي التيار انّ خطوة وزارة المال “إنعاشية” والإنعاش يدوم أشهراً، أمّا خطتنا فتواكب الانكماش بانكماش آخر توسّعي، ما يخلق في المرحلة المقبلة نمواً، ونكون بذلك قد كسرنا العجز”.
”القوات”
من جهتها مصادر “القوات اللبنانية” قالت لـ”الجمهورية” انّ “هناك أبواباً كثيرة في الموازنة يجب معالجتها بعيداً عن المساس بأوضاع الناس التي هي أساساً مزرية”. واستغربت “هذا التردد في إقفال كل المعابر غير الشرعية، وعدم معالجة ملف الجمارك ووضع حد للتهرب الضريبي”، وأسفت “لتصرّف البعض بلا مسؤولية لا لسبب سوى من أجل الكسب السياسي والعراضات الإعلامية والسياسية ولَو على حساب الناس والبلد”.
وأكدت هذه المصادر “انّ من سيطرق الباب سيسمع الجواب، ويخطئ اذا كان يعتقد انّ الساحة السياسية متروكة له ولمواقفه”. وتَمنّت “لو ينصرف الى العمل بدلاً من هذا الإدمان على الظهور السياسي والإعلامي ومن دون ان يقدّم جديداً، بل على العكس يفتعل المواجهات على طريقة “كسر مزراب العين” ليبقى حديث الناس”.
ورأت المصادر “انّ المرحلة التي يجتازها لبنان هي الأدق على المستوى المالي والاقتصادي ومنذ زمن طويل، وتتطلب كل جدية ومسؤولية لاجتياز هذه المرحلة، ولكن لا حياة لمَن تنادي، فالأداء نفسه والممارسة نفسها ولا شعور بالمسؤولية التي يجب ان تتحلى بها كل القوى السياسية، خصوصاً انّ الوقت ليس للتمريك، بل لإنقاذ البلد”. وأملت الانتهاء من درس الموازنة وإحالتها الى مجلس النواب بغية الإسراع في إقرارها، تمهيداً لوضع لبنان على السكة المالية والاقتصادية الصحيحة.
خفض فوائد الدين
الى ذلك، وفي إطار العمل على خفض العجز في الموازنة، كشف وزير المال علي حسن خليل انّ الحكومة تهدف الى استقطاع نحو 660 مليون دولار من تكاليف خدمة الدين العام في مسودة موازنة 2019 عبر إصدار سندات خزينة بفائدة 1 بالمئة.
وقال خليل لـ”رويترز” انه “سيتم الأمر من خلال التنسيق بين وزارة المال ومصرف لبنان المركزي والمصارف، بعد إقرار الموازنة لإصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية بحدود 11 ألف مليار وبفائدة 1 في المئة”.
وكان خليل غرّد في وقت سابق على “تويتر”، مؤكداً أنّ “الموازنة ستشمل خفض تكلفة خدمة الدين بنحو تريليون ليرة”، وذلك من دون أن يقدّم أي تفاصيل.
ومن المعروف انّ مبدأ الاكتتاب سبق ان تم التوافق عليه قبل اشهر بين وزارة المال ومصرف لبنان، وأعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يومها انّ تمويل الدولة لسنة 2019 قد تأمّن. لكنّ السؤال المطروح يدور حالياً حول الجهة التي ستكتتب في السندات، هل هي المصارف التجارية أم مصرف لبنان منفرداً؟ وكان الاتفاق في الاساس ينصّ على ان يتحمّل مصرف لبنان المركزي عبء الاكتتاب. ويرى الخبراء انّ نقل الاثقال من الخزينة الى حسابات مصرف لبنان قد يوحي دفتريّاً بأنّ العجز في المالية العامة قد تراجع، لكن ما يجري فعلياً هو نقل العجوزات دفترياً من مكان الى مكان آخر.
… تربوياً تشتعل!
وبالنسبة الى الملف التربوي، فإنّ إضراباً عاماً وشاملاً ستشهده اليوم المدارس الرسمية في لبنان. فعند العاشرة صباح اليوم ستبدأ التحركات المطلبية الاحتجاجية في محيط وزارة التربية مع حراك المتعاقدين في التعليم الثانوي والأساسي والمهني والإجرائي والمُستعان بهم، احتجاجاً واستنكاراً لعدم احتساب حقهم في ساعات التعاقد، والمراقبة، والتثبيت والضمان وبدل النقل.
وعند الثالثة بعد الظهر، ستشارك رابطة التعليم الثانوي بالاعتصام الذي دعت إليه هيئة التنسيق النقابية في ساحة رياض الصلح. في هذا الإطار، يوضح رئيس الرابطة نزيه جباوي لـ”الجمهورية”: “دعونا للإضراب وللمشاركة الكثيفة، مواكبة لِما ستحمله الموازنة من استباحة لمكتسباتنا ولحقوقنا التي بَذلنا الدم لأجلها. سننزل إلى الشارع لنعلن رفضنا لتحويلنا كبش محرقة أو فداء على مذبح الفساد والتهرّب الضريبي الذي نَخر لبنان”، مشيراً إلى انّ “الرابطة ستعقد اجتماعاً بعد التحرّك لتبني على الشيء مقتضاه، وتحدد الخطوات التصعيدية اللاحقة”.
واقع التلامذة في المدارس الخاصة لن يكون أفضل حالاً، إذ دعت نقابة المعلمين للمشاركة أيضاً بالتحرك والاعتصام في ساحة رياض الصلح. وفي هذا السياق، أكّد نقيب المعلمين رودولف عبود لـ”الجمهورية”: “انّ الإضراب يشمل المطالب المعيشية القديمة الجديدة، ولكن بالدرجة الاولى لتأكيد رفض الأساتذة لِما يُطرح بقوة حول وحدة التشريع بين قطاع التعليم الخاص والرسمي”.
في المقابل “المدارس الكاثوليكية لن تقفل أبوابها”، وفق ما أكّد أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار لـ”الجمهورية”، موضحاً انّ “من حق التلامذة التعلّم، ومن حق الاهالي الإطمئنان إلى انّ أولادهم في المدرسة”. مشيراً إلى “انه ترك لإدارات المدارس حرية التفاهم مع الاساتذة حول دخولهم الصف والتدريس”