كتبت صحيفة “النهار ” تقول : مع ان الاستعدادات الجارية ليومي الوداع الكبير للبطريرك الماروني السابق الراحل مار نصرالله بطرس صفير غداً والخميس في بكركي بدأت تطغى على المشهد السياسي الداخلي، فان ذلك لم يحجب الاستغراب الواسع للبطء المتمادي في الجلسات السلحفاتية لمجلس الوزراء في مناقشاته الماراتونية للموازنة التي لا يبدو ان 11 جلسة حتى البارحة ستكون كافية لجعل المجلس ينجز في جلسته الـ12 اليوم هذه المهمة الشاقة. ذلك ان الجلسة الـ10 التي عقدها المجلس ليل الاحد واستمرت حتى فجر الاثنين لم تكن مثمرة بالقدر الكافي لخفض سقف العجز الذي تطمح اليه الحكومة، كما ان جلسته أمس لم تؤد الغاية نفسها بعد بما يمكن الحكومة من عدم المس بملف الرواتب والتعويضات في القطاع العام. لذا ستتسم الجلسة الـ12 التي تنعقد ظهر اليوم بأهمية مفصلية من حيث الاطلاع تفصيلاً من وزير المال علي حسن خليل على قراءة بالارقام والنسب لمجموع الخفوضات التي تمكنت الحكومة في الجلسات السابقة من تحقيقها والبحث في الابواب المتبقية الممكنة لتحقيق مجمل الخفوضات المطلوبة للعجز.
واذ تعتقد غالبية الوزراء ان بلوغ هذا الهدف صعب جدا من دون البحث في الرواتب في القطاع العام فان تعقيدات جديدة برزت في الساعات الاخيرة مع ما حملته مناقشات الجلسة الـ11 من مواقف من مجمل ما حصل حتى الآن في الجلسات. اذ أفادت معلومات ان وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أبلغ مجلس الوزراء أمس انه لن يسير بالموازنة ما لم تتخذ الحكومة خطوات اصلاحية جدية خصوصاً في مساهمات الدولة في تمويل الجمعيات، علماً ان هذا الموضوع استأثر أمس بساعات طويلة من النقاش. واعلن باسيل في الجلسة انه سيقدم في جلسة مجلس الوزراء اليوم سلة من المقترحات الاصلاحية التي تساهم في خفض النفقات ومنها في مجال التهرب الضريبي والجمركي ومعالجة خدمة الدين العام.
وفي سياق المناقشات أيضاً كان المجلس الأعلى اللبناني السوري مدار جدل للمرة الثانية على طاولة مجلس الوزراء في إطار البحث عن خفض النفقات. وقد أكدت مصادر وزارية لـ”النهار” أن وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق ووزير الشؤون الإجتماعية ريشار قيومجيان طلبا إلغاء بند تمويل المجلس الاعلى من الموازنة باعتبار أن التمثيل الديبلوماسي قائم بين البلدين على مستوى السفارات وتالياً بات المجلس الأعلى اللبناني – السوري من لزوم ما لا يلزم ويكبّد الخزينة أموالاً طائلة ولا طائل منها، وقد أيّد الوزير وائل أبو فاعور مطلب زميليه.
هذا الطرح استفز وزراء الثنائي الشيعي الذين اعترضوا على البحث في هذا البند أو المساس به باعتباره من صلب المعاهدات القائمة بين لبنان وسوريا وأنه طرح سياسي فيما المطلوب حصر النقاش في جلسات الموازنة بالشق المالي. عندها تدخّل وزير العمل كميل أبو سليمان ليطالب بخفض نفقاته أسوة بالبنود الأخرى من الموازنة، ونتيجة للبحث تقرر خفض نفقاته بنسبة خمسة في المئة وسط اعتراض وزراء “القوات” والإشتراكي.
وأوضح وزير الاعلام جمال الجراح ان المجلس استكمل في جلسته البارحة البحث في التقديمات للمؤسسات والجمعيات والهيئات التي تحصل على مساهمات من الدولة “وكان المجلس حريصاً جداً على عدم المس بالتقديمات للجمعيات والهيئات الجدية والأساسية في حياة المواطنين، أهمها مركز سرطان الأطفال، مركز نقي العظم، كاريتاس، الصليب الأحمر وغيرها من المؤسسات التي تقدم خدمات طبية وتربوية وصحية للمواطنين. هذه المؤسسات لم يمس بالتقديمات التي تحصل عليها، ولو كانت هناك إمكانات لكنا زدنا هذه التقديمات رغم الوضع الصعب، لكن حافظنا على ما كانت الدولة تقدمه لها، لأنها تقدم خدمات للمواطنين خاصة في هذه الظروف الصعبة، وهي بحاجة لهذه التقديمات لكي تستمر في عملها وكفاءتها، وهي أثبتت وجودها وعلاقتها بالناس. في المقابل، حصل تخفيض لتقديمات بعض الجمعيات والهيئات والمؤسسات، لكن التخفيض كان بسيطاً أيضاً، بحدود الـ10% أو 15% بالحد الأقصى، لكي تستمر هذه المؤسسات في خدمة المواطنين”.
وأضاف: “غداً (اليوم) نتجه نحو اقتراحات اقتصادية وإصلاحات، ووزير المال سيقدم ملخصا لكل ما قمنا به في الفترة الماضية، بمعنى نتائجه المالية والتخفيضات، وإلى أين وصلنا وعلى أي أرض مالية نقف”.
أما وزير الدفاع الياس بو صعب الذي كان اجتمع قبل الجلسة في وزارة الدفاع بلجنة تمثل العسكريين المتقاعدين الذين استمروا أمس في الاعتصامات أمام مصرف لبنان في شارع الحمراء وفروعه في المناطق، فصرح بان “ليس هناك أي حديث عن المس برواتبهم، بأشكالها المختلفة، لا للعسكر ولا للمتقاعدين. وحين أقول المتقاعدين في الجيش والعسكر وقوى الأمن الداخلي، فإن لديهم تعويضات يحصلون عليها إضافة إلى الراتب، وهذه أيضا لم يتم المس بها. وحين سقط البند الذي تحدثت عنه ويتعلق بالتجهيزات العسكرية، فإنه كان أحد البنود التي، لو تم السير به، سيمس بتعويضاتهم التقاعدية. لكن هذا الموضوع لم يعد مطروحاً، وأنا طمأنتهم اليوم إلى أنه لم يعد موجوداً. وإن كانت هناك أي بنود أخرى يشعرون أنها تطالهم في مكان ما فقد ناقشناها اليوم. البند الوحيد الذي قلت لهم إنه أقر، هو ما يتعلق بمحسومات بنسبة 3% على الطبابة. وهذا ليس فقط للعسكر والجيش، بل يطبق وسيطبق على كل موظفي الدولة. لكن للعسكر والجيش والمتقاعدين ومن هم في الخدمة الفعلية، قلنا أن هذه النسبة سيتم تعويضها في مكان آخر. هي عبارة عن حسومات للخدمات الطبية”.
بكركي وترتيبات الوداع
في غضون ذلك، اتشحت بكركي بالسواد حداداً على البطريرك الراحل صفير، وبدأت استعداداتها للمأتم الوطني الكبير الخامسة عصر الخميس، واستقبال الجثمان غداً.
وتبين أن مراسم الجنازة حُددت الخميس من أجل إتاحة الوقت لوصول الشخصيات والوفود من الخارج ولاسيما منها وفد فاتيكاني رفيع المستوى، ولإصرار بكركي على أن يُسجّى الجثمان مدة 24 ساعة على الأقل إكراماً لهالة الراحل الجليل.
وطلب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ان تكون التحضيرات في الباحة الخارجية للصرح، شبيهة بالتحضيرات التي رافقت استقبال البابا بينيديكتوس السادس عشر.
ومن المقرر أن ينقل الجثمان من مستشفى أوتيل ديو صباح غد ويصل قرابة العاشرة الى بكركي حيث يسجى في الكنيسة الصغيرة التي ستكون مفتوحة أمام كل من يريد إلقاء النظرة الأخيرة عليه، حتى موعد الجنازة عصر اليوم التالي. وأعلن المسؤول الاعلامي المحامي وليد غياض “أن الموكب لن يتوقف عند أي محطة في طريقه، من أجل الوصول الى بكركي في الوقت المحدد”، متمنياً على المواطنين عدم رفع الاعلام الحزبية.
ويتوقع المنظمون مشاركة شعبية حاشدة في وداع صفير، يتقدمها رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة.
وأعلنت بكركي أنها ستضع باصات في تصرف الراغبين في المشاركة بمراسم الجنازة، في مواقف محدَّدة، وتمنى غياض على كل الذين يريدون التوجّه الى الصرح البطريركي عدم استخدام السيارات الخاصة.
ويجري تجهيز سبعة آلاف كرسي لوضعها في الباحة الخارجية، على أن يُثبَّت المذبح أمام المدخل الخارجي مباشرة، على غرار الترتيبات للإحتفال بالذبيحة الالهية إبان الزيارة التاريخية للبابا بينيديكتوس.
كما بدأت التحضيرات لتصنيع سبعة آلاف قبعة تتوسطها صورة البطريرك الكبير، سيخلعها المؤمنون إجلالاً للجثمان فور وصوله الى الصرح