كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: تفاعل لبنان من أقصاه الى أقصاه امس مع رحيل البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، تعظيماً لمواقفه الوطنية والتاريخية التي التقى الجميع على التأكيد أنّها حمت لبنان ووحدته الوطنية وسيادته. معلنين اقتداءهم بها راهناً ومستقبلاً، خصوصاً انّ البطريرك الراحل كان قامة وطنية ودينية كبرى ستبقى بصماتها مميزة ومستدامة في الحياة الوطنية والسياسية على مرّ الأجيال. إذ تأثر الجميع بثباته على مواقفه واعتداله بغير ضعف وقوته بغير شدّة، حيث ظلّ على هذه المواقف طوال حياته الكنسية والبطريركية مشكّلاً مصدر إلهام لكثير من الحركات الاستقلالية والسيادية، وخصوصاً في مطلع القرن الحالي، حيث استهله بتغطية “اتفاق الطائف” الذي قاد الى إنهاء الحرب المشؤومة التي دامت 17 عاماً وصولاً الى خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005.
وكان البطريرك صفير توفي فجر أمس عن عمر يناهز الـ99 عاماً إثر تدهور وضعه الصحي ودخوله منذ أيام الى مستشفى “أوتيل ديو”.
ونعته البطريركية المارونية في بيان قالت فيه: “الكنيسة المارونية في يُتم ولبنان في حُزن. بالألم والحزن الشديدين المقرونين بالرجاء المسيحي، يعلن غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خبر وفاة المثلث الرحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، أيقونة الكرسي البطريركي وعميد الكنيسة المارونية وعماد الوطن”.
وقرّرت البطريركية المارونية تحديد مراسم دفنه الساعة الخامسة عصر الخميس المقبل، وسيُسجى جثمانه لمدة 24 ساعة في كنيسة بكركي قبل الدفن.
وستُقبل التعازي به اليوم وغداً من العاشرة والنصف قبل الظهر وحتى السادسة مساء، وسيُدفن جثمانه في مدافن البطاركة في بكركي وليس في وادي قنوبين. وأصرّ البطريرك الراعي على أن يكون الدفن مهيباً.
وأعلنت رئاسة مجلس الوزراء “الحداد الرسمي على البطريرك صفير الاربعاء والخميس المقبلين، على أن تُنكّس خلالهما الأعلام على الإدارات الرسمية وتُعدّل البرامج العادية في محطات الاذاعة والتلفزيون بما يتناسب مع الحدث الأليم. على أن يتوقف العمل في كل الإدارات العامة والبلديات والمؤسسات العامة والخاصة الخميس يوم تشييع الراحل.
الموازنة
على انّ الحِداد على البطريرك صفير والتعازي به حتى وداعه الى مثواه الاخير الخميس المقبل لن يحجبا استمرار الاهتمام بملف الموازنة 2019، إذ يُنتظر ان يشهد الاسبوع الجاري الولادة الحكومية لمشروع هذه الموازنة، ويُفترض ان تكون الجلسة المقرّرة اليوم لمجلس الوزراء الاخيرة ضمن مسلسل الجلسات التي عُقدت وتُعقد لدرس هذه الموازنة وإقرارها وإخراجها في الصيغة التي تتلاءم مع توجّه الحكومة الى خفض العجز الى ما دون 9% من الناتج المحلي.
على انّ اللافت، انّ درس الموازنة في مجلس الوزراء، يجري بالتوازي مع تسخين الحركة النقابية والعمالية لتحرّكاتها المطلبية وخطواتها الاعتراضية على مشروع الموازنة، وما تضمنته من إجراءات تخفيضية طاولت الرواتب وملحقاتها.
وكانت هيئة التنسيق النقابية قد دعت الى مواكبة مقررات جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت مساء أمس، وطلبت من الأساتذة والمعلمين والموظفين والمتقاعدين البقاء على الجهوزية التامّة للتحرّكات التصاعدية التي ستعلن في حينها إضراباً واعتصاماً وتظاهراً، وصولاً الى الإضراب المفتوح والخيارات الموجعة.
في وقت، يستعد العسكريون المتقاعدون، الذين كانوا تحرّكوا بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء السابقة وأحرقوا الإطارات وقطعوا الطرق لتصعيد تحرّكهم الاعتراضي، مع التلويح بخطوات شديدة السلبية، ليس أقلّها قطع الطرق ومنع النواب من الوصول الى ساحة النجمة.
الى ذلك، أعربت مصادر اقتصادية عن ارتياحها الى بلوغ الموازنة المراحل النهائية من الدرس في مجلس الوزراء، واقتراب إحالتها الى مجلس النواب. وقالت لـ”الجمهورية”، إنّ “من شأن ذلك، ان يبعث مزيداً من الاطمئنان في المجال الاقتصادي عموماً. واذا كانت هناك اعتراضات على ما تضمنته من خطوات صعبة تتمثل بالتخفيضات التي طاولت بعض القطاعات، فإنّ ذلك كان شراً لا بدّ منه، كون الوضع الاقتصادي والمالي يُرثى له. إلاّ انّ هذا الامر يوجب على الحكومة ان لا تكتفي بهذا الإجراء، بل يفترض ان تبادر سريعاً الى إجراءات تعويضية سواء بالنسبة الى الموظفين خصوصاً، وإجراءات إنعاشية للوضع الاقتصادي عموماً”.
وعن هذا الموضوع، قال خبير اقتصادي لـ”الجمهورية”: “واضح انّ الموازنة ستنتهي الى نسبة عجز اقل مما كانت عليه حالياً 11,5%، اي الى 8.8% من الناتج المحلي، وهو أمر جيد بالنسبة الى الحكومة، ومن شأن ذلك ان يعطي إشارة ايجابية الى جدّية الحكومة اللبنانية في خفض العجز، والإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها، خصوصاً تلك المتعلقة بمؤتمر “سيدر”. إلاّ انّ ذلك ليس كافياً على الاطلاق. فالحكومة حالياً، مهزوزة الثقة بها لدى الموظفين والمتقاعدين وكل الطبقات التي تعرّضت رواتبها للحسم، ولو بنسب معينة.
ولذلك أمام هذه الحكومة امتحان صعب هو ان تستعيد ثقة المواطن اللبناني بها، وهذا يكون في مبادرتها الى إعلان حال طوارىء اقتصادية، وإصلاحية في آن معاً، تدخل من خلالها في حرب جدّية ضد الفساد، وليس في حرب إعلامية تُدار بالمزايدات والاستفزازات”.
وكان مجلس الوزراء أنعقد في السراي الحكومي مساء أمس برئاسة الرئيس سعد الحريري لاستكمال درس مشروع الموازنة، وإستهلت الجلسة بالوقوف دقيقة صمت حداداً على البطريرك صفير.
وتزامنت الجلسة مع تحركات مطلبية في الشارع، إذ بدأ العسكريون المتقاعدون اعتصاماً أمام مصرف لبنان مطالبين بسحب المواد التي تضر بحقوقهم من مشروع موازنة 2019 وايداعها لجنة متخصصة ضمن وزارة الدفاع. فيما أقفلت مجموعة من “المجتمع المدني” المداخل المؤدية الى السراي الحكومي أمام الوزراء المتوجهين اليه للحؤول دون حضورهم جلسة مجلس الوزراء، ما ادى الى وقوع إشكال بين عناصر قوى الأمن الداخلي وعدد من المتظاهرين الذين رفضوا الابتعاد عن مدخل السراي.
وقد انتهت الجلسة قرابة الثانية فجر اليوم، على أن يعود المجلس الى الاجتماع اليوم، ثم غداً، لاستكمال درس الموازنة . وعلمت “الجمهورية” ان المجلس قرر في الجلسة خفض 15 في المئة من موازنات المؤسسات العامة.
الحسن
وقالت وزيرة الداخلية ريّا الحسن لـ”الجمهورية” انها لم تجتمع بعد مع وزير الدفاع. لكنها أوضحت “ان اقتراحه سحب التكليف من الجيش اللبناني مهمات الأمن في الداخل لا يمكن تطبيقه بسهولة، فهو إذا أراد هذا الأمر فليفصل عديداً من الجيش ليلتحق بقوى الأمن الداخلي لأننا بخمسة وعشرون الف عنصر أمني لا يمكننا أن ننفذ كل المهمات المطلوبة”.
وأضافت: “نحن نقول أننا نريد تطبيق القانون بالنسبة إلى الضمائم الحربية، أما التوزيع بين التدابير 1و2و3 فيتم بناء على اقتراح وزيري الدفاع والداخلية ويعرض على طاولة المجلس الأعلى للدفاع ثم يطرح في مجلس الوزراء للموافقة عليه. أما داخل الموازنة فلا يمكن التفكير إلاّ بتطبيق قانون الدفاع في ما يخص الضمائم الحربية. وفي ما يتعلق برواتب التقاعد فستكون هناك ضريبة دخل على الجميع”.
وقال وزير المال علي حسن خليل لـ”الجمهورية”: “الجلسة كانت منتجة جداً، ادخلنا خلالها مواد جديدة إلى الموازنة. وبدأنا بنقاشات معمقة جداً”.
وبدوره قال الوزير محمد فنيش لـ”الجمهورية”: “دخلنا في مرحلة هندسة الموازنة، ربما نحتاج إلى جلستين أو أكثر للانتهاء من درس الموازنة”.
وقال وزير العدل البير سرحان لـ”الجمهورية”: “لقد اتخذنا قراراً بخفض عشرة في المئة على صندوق تعاضد القضاة مثله مثل بقية الصناديق، وسأجتمع غداً(اليوم) للبحث في هذا الأمر، واقناعهم بالعودة عن الاضراب، الذي يعارضه مجلس القضاء الأعلى في الاساس”.