كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: الانتظار سيّد الموقف حيال الموازنة، فمجلس الوزراء منهمك بعقد جلسات متتالية لوضع صيغتها النهائية التي سيتضمنها مشروع القانون الذي سيُحال الى المجلس النيابي، وتوحي الأجواء السائدة باستعجال لإنجاز هذه المهمة، وتجاوز ما باتت تسمّى العقبات والألغام التي تعتريها، خصوصاً تلك الابواب التي تضمنتها وخلقت التباساً لدى جميع اللبنانيين، وأقلقت كل الفئات الوظيفية المدنية وغير المدنية على اختلافها، والتي وضعت جميعاً تحت مقصلة الخفض بلا مقابل يعوّضه.
إهتزّت الموازنة “العملاقة” في جلسة مناقشتها الثانية، لكنّ الارباك والخوف من عدم إنقاذ الدولة منع سقوطها وشكّلت “فَشّة خلق” وزير المال علي حسن خليل قبل انعقادها، ردّاً على التسريبات وما بات يُعرف بالشعبوية في التعاطي مع بنودها، والاجراءات التقشفية المقترحة شكّلت رافعة لعودة الأمور إلى السكة.
وكشفت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” أنّ خليل ذهب أبعد من “فشّة الخلق”، وكان مجلس الوزراء أمام خطر الإطاحة بالموازنة على خلفية السجال الحاد بين خليل ووزراء “التيار الوطني الحر”، والذي هدّد وزير المال نتيجة حِدّته بالانسحاب من الجلسة لولا تدخل رئيس الحكومة سعد الحريري الذي حاول تهدئة الجو وبلهجة عالية طالباً توحيد الخطاب، الأمر الذي رفضه خليل في اعتبار أنّ الحكومة لا تضم وزيرين أو 3 لوزارة المال، قائلاً: “فليعلم القاسي والداني، أنا وزير مالية لبنان وأنا مَن يتحمّل هذه المسؤولية، وكفى مزايدات وتطاولاً وعراضات”.
وانتهى السجال بمصارحة وبتأكيد وزير الخارجية جبران باسيل أنه لا يناور، وأنه مع الاجراءات التقشفية والى جانب رئيس الحكومة ووزير المال في اتخاذ القرارات، ما مَهّد لعودة النقاش في الموازنة الى الهدوء وحصره علمياً وتقنياً وبالأرقام.
فجاءت جلسة الأمس بمناخات ودية.
وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انها تستبعد الانتهاء من مناقشة مشروع الموازنة الأحد، واضافت أنه على رغم من التشنّج الذي ساد الجلسة السابقة الّا أنها كانت أسرع، في حين أنّ جلسة الأمس كانت أبطأ “الى حدّ مضيعة الوقت على مواضيع استطرادية يمكن الاستغناء عنها لأننا نناقش على تَماس مع الوقت، والرئيس الحريري أبلغنا نيته الانتهاء مساء الأحد، وإرسال الموازنة الى رئيس المجلس النيابي ليحيلها الى اللجان، ومن ثمّ الى الهيئة العامة لإقرارها قبل نهاية هذا الشهر”.
مهمة صعبة
في هذه الاثناء بَدا واضحاً للمراقبين انّ مجلس الوزراء أمام مهمة صعبة، فهو من جهة مضغوط بالاعتراضات التي طاولت مشروع الموازنة، وكذلك بالتحركات الاحتجاجية التي بدأتها القطاعات العمالية والنقابية والتي تلوّح برفع مستوى التصعيد، الى حد الاضراب المفتوح وتعطيل المؤسسات والادارات وشَلّ الدولة بكاملها إذا ما استمر هذا المنحى، وتجاهل الابواب الاساسية الطبيعية التي يجب ولوجها لخفض العجز في الخزينة.
ومجلس الوزراء مضغوط أكثر من جهة ثانية، بما وصفت “موازنة أرقام” لا أكثر ولا أقل، تفتقد في رأي الخبراء في عالم المال والاقتصاد الى الرؤية الحقيقية لمعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، والآيلة الى الاستفحال أكثر في غياب هذه الرؤية التي يفترض ان تحدد خريطة الطريق الى إنقاذ اقتصادي سليم وسريع، وليس باللجوء الى سياسة حقن المريض بالمسكنات على ما هو معتمد في مشروع الموازنة الذي يبحث فيه مجلس الوزراء خلال جلساته الحالية. وخطورته أنه بمجرّد زوال مفعول هذه المسكنات سيعود المريض الى وجعه ويتفاقم مرضه ونعلق في الدوامة نفسها مجدداً، وعلى نحو أخطر من السابق.
حلقة الأرقام
واللافت انّ النقاش في مجلس الوزراء، يدور في حلقة الارقام فقط، وفي جَوّ شديد من التوتر ملفوح بكثير من المزايدات المتبادلة التي تزيد الرؤية غباشة وتعقيداً. واذا كان وزير المال قد أكد انّ بنود الموازنة التي أعدّها ليست مقدسة، وبالتالي يمكن إدخال تعديلات عليها بما يؤدي الى تحسينها، فإنّ ما يلفت الانتباه هو انّ النقاش الوزاري يعكس عدم توافر أيّ رؤية جدية للمعالجة الاقتصادية، وهنا تكمن العقدة، لا بل المشكلة الكبرى، على ما يقول الخبراء الاقتصاديون الذين يؤكدون أنّ خفض العجز الى ما دون 9% هو أمر مهم، ومن شأنه أن يوجّه رسالة جيدة الى الخارج مفادها أنّ لبنان جدي في السعي الى إنقاذ نفسه وخفض العجز المالي الذي يعانيه، الّا انه يبقى بلا اي جدوى إن لم يكن هناك أساس متين يرتكز عليه لتحقيق النمو المطلوب، فالارقام وحدها، سواء أكانت على شكل زيادات أو على شكل تخفيضات، لا تحلّ المشكلة، إن لم يقترن ذلك بالرؤية الاقتصادية التي تشكل وحدها الوصفة الطبية اللازمة للمرض الاقتصادي المستفحل.
حتى الآن، تمكّن مجلس الوزراء من أن يقارب مجموعة طويلة من بنود مشروع الموازنة، على ان يستكمل النقاش في جلسات متتابعة، وسط توقعات انّ الاسبوع المقبل قد يكون حاسماً على صعيد إقرار المشروع وإحالته الى مجلس النواب. الّا انّ ثمة سؤالاً ما زال عالقاً امام الحكومة، ويتمحور حول سبل تجاوز المطبّ الاساسي المتعلق بالرواتب ومتمماتها في ما خَصّ العسكريين الذين ما يزالون موجودين في الخدمة أو المتقاعدين. علماً انّ هذا الامر أربَك العلاقة بين القيّمين على الموازنة والمؤسسة العسكرية.
بري
واذا ما صَحّت التوقعات وأُحيل مشروع قانون الموازنة الى مجلس النواب خلال الاسبوع المقبل، فإنّ إقراره في الهيئة العمومية للمجلس سيكون خلال النصف الثاني من حزيران المقبل، مع الاشارة الى أنّ رئيس المجلس نبيه بري قد أعاد التأكيد أنه سيجعل من المجلس “ورشة بكل معنى الكلمة لإنجاز المشروع في لجنة المال والموازنة في اقل وقت ممكن، لا يتعدى الشهر، من خلال جلسات مكثّفة تعقد نهاراً ومساء ويومياً إذا اقتضى الأمر”.
وعندما قيل لبري انّ آخر أيار الجاري هو المهلة الاخيرة التي يحق فيها للحكومة الصرف على القاعدة الاثني عشرية، قال: “لن تكون هناك اي مشكلة، فإذا سارت الامور كما ينبغي وتمكنّا من إقرار الموازنة في المجلس خلال الاسبوع الاول او الثاني من حزيران المقبل، فساعتئذ يمكن للحكومة ان تتوقف عن الصرف على القاعدة الاثني عشرية لفترة قصيرة، وبعدها تعود الى الصرف القانوني في ظل الموازنة الجديدة”.
ورداً على سؤال، كرّر بري ترحيبه بدخول الموازنة مدار النقاش في مجلس الوزراء، مؤكداً في الوقت نفسه “اننا جميعاً مع الوصول الى موازنة تنعش الوضع وتنقذه، وإنّ الشكل الذي وضعت فيه الموازنة وأدى الى خفض العجز من 9% الى 8,8% هو أمر جيد، ويمكن البناء عليه. والموازنة كما سبق وقلت ليس قرآناً ولا إنجيلاً، ومن لديه اقتراحات لتعديلها الى الأحسن يمكن ان يقدّمها في مجلس الوزراء وايضاً في مجلس النواب”.
تبدّل المشهد
وكان المشهد الحكومي قد تبدّل من حيث الشكل على الأقل في اليوم الثالث من جلسات مناقشة مشروع قانون الموازنة في مجلس الوزراء الجارية في السراي الحكومي، وساد الصمت المُطبق بدلاً من التسريبات المتبادلة التي كادت أن تُشعل الاجواء وتهدّد التضامن الحكومي.
ولكن “الدخان الابيض” الذي تصاعَد أمس عقب جلسة مجلس الوزراء، لم يلغِ الاعتراضات الشعبية الاستباقية، ولا الانتقادات التي يوجّهها الخبراء لجهة عدم استيفاء الموازنة الاصلاحات البنيوية المطلوبة لاستعادة الثقة.
وقد أقرّت في الجلسة بعض البنود، ومن ضمنها “إلغاء الرسوم الجمركية على سيارات النواب والوزراء وتسجيلها، وإقرار فرض الرسوم على أرقام السيارات المميزة وشرائح جديدة للضريبة على المداخيل التي تزيد عن 250 مليون ليرة”، وإلغاء الإعفاءات الجمركية التي كانت معطاة لبعض الأشخاص باستثناء ذوي الاحتياجات الخاصة والمواد الزراعية لتشجيع الزراعة”.
إستمرار الإضراب
وفي الموازاة، إستمرّ الاضراب العمالي العام على رغم من الايجابية النظرية التي تمخّضت عن اجتماع ثلاثي جمعَ كلّاً من وزير المال علي حسن خليل، وزير العمل كميل ابو سليمان ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر. وقد انضَمّ أمس الى لائحة المعترضين موظفو مصرف لبنان، الذين أعلنوا بدورهم الاضراب لمدة يومين اعتراضاً على مشاريع المَس برواتبهم وحقوقهم.
وفي المقابل، تواصلت ردود الفعل المنتقدة والتي صدرت من شخصيات وهيئات اقتصادية ومصرفية، اعتبرت انّ الاصلاحات الواردة في مشروع الموازنة لا ترتقي الى مستوى الأزمة المالية والاقتصادية الخطرة التي يمر بها البلد.
وفي هذا السياق، قال الوزير السابق مروان خير الدين لـ”الجمهورية”، انّ الموازنة المطروحة “لا تُظهر للمجتمع الدولي والأسواق أنّ الدولة اللبنانية جاهزة لاتّخاذ قرارات صعبة لوَقف الهدر والفساد وتنمية الاقتصاد”، معتبراً انّ الموازنة في الشكل الذي طُرحت فيه “أظهرت انّ الدولة لا تسعى سوى الى سحب الاموال من المواطنين”.
“القوات”
وقالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية” انّ “كل الجهد في جلسات الموازنة يتركّز على ضرورة استبعاد المساس بالأمن الاجتماعي للناس، خصوصاً أنّ الأوضاع الاقتصادية صعبة جداً أساساً، وبالتالي يجب البحث في كل الأبواب الممكنة والمتاحة من أجل خفض العجز بالنسَب المطلوبة”.
وأضافت: “على رغم من انّ الوضع المالي دقيق جداً، ولكن هذا الأمر لا يعني استسهال المساس بجيوب الناس، بل يجب الشروع في مقاربة الملفات الكبرى ومعالجتها بدءاً من الكهرباء والإسراع في تنفيذ الخطة التي أقرّت ويمكن أن يستفيد لبنان في السنة الجارية من وارداتها، مروراً بالتهرّب الضريبي والمعابر غير الشرعية والجمارك، وصولاً إلى إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام والاكتتاب بفائدة متدنية لمصلحة الدولة وغيرها من الإجراءات التي يمكن أن تضع لبنان على السكة المالية الصحيحة”.
وختمت المصادر انه “عملاً بالمثل القائل: لا تكرهوا شيئاً لعله خير، فقد يشكّل هذا الضغط مدخلاً الى إصلاح قطاعات حيوية ووضع حد للفساد القائم وبناء الدولة التي يحلم بها المواطن اللبناني”.
نصرالله
الى ذلك تناول الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله موضوع الموازنة في جانب من خطابه أمس في الذكرى السنوية لأحد قادة المقاومة مصطفى بدر الدين، فركّز على نقاط ثلاث، وقاربَ مسألة الموازنة مطالباً الوزراء بالابتعاد عن السجالات الاعلامية “لأنه بذلك من الصعب الوصول الى موازنة وسنصل الى كارثة اقتصادية”، ودعاهم الى “إبقاء النقاش داخل الحكومة ولا نذهب للسجال الى خارجها”.
أمّا الجزء الأبرز من حديثه، فتمحور حول مزارع شبعا، فردّ على رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط من دون أن يسميه، قائلاً: “بالنسبة إلينا طالما انّ الدولة والحكومة والمجلس النيابي يعتبرون انّ مزارع شبعا أرض لبنانية فنحن لا مشكلة لدينا والامر محسوم”. لافتاً إلى أنه “لا مشكلة في نقاش ملف القرى السبع وعشرات آلاف الامتار التي تحتلّها اسرائيل لأهلنا في القرى الامامية”. وكَرّر “وعد المقاومة الاسلامية الجازم بأنّ الفرق والالوية الاسرائيلية التي ستفكر بالدخول الى جنوب لبنان ستدمّر وتحطّم وأمام شاشات التلفزة العالمية”، مشدّداً على “انّ زمن “الفرقة الموسيقية” التي تحتل لبنان انتهى، ولا يجوز ان يخضع اللبنانيون او يتنازلوا لا عن شبر من تراب ولا، كما يقول الرئيس بري، عن كوب من ماء”.
العقوبات
من جهة ثانية، إنتهت أمس المهلة التي منحتها واشنطن لدول عدة للكف عن استيراد النفط الإيراني تحت طائلة عقوبات اقتصادية أميركية.
وعن تأثير هذا القرار على “حزب الله” الذي يحصل على دعم مالي من إيران، أكدت مصادر قريبة من “الحزب” لـ”الجمهورية” أنّ الكلام عن تسريح عدد من عناصره أو توقّفه عن دفع رواتبهم “غير صحيح وغير دقيق”، مشيرة إلى أنّ الحزب يعتمد حالياً خطة “عصر النفقات” ولكنه لم يُسرِّح أحداً أو توقّف عن دفع رواتب أحد، إلّا أنه يتقشّف في نواحي أخرى غير مهمة أو مؤثرة، مثل الاستغناء عن بعض الأماكن المُستأجرة”. وأكدت أنّ “الحزب يمكنه الصمود لفترة طويلة”. وكذلك أكدت أن “لا تأثير مباشراً لهذا القرار الأميركي على لبنان أو “حزب الله”، بل هناك تأثير على الحركة الإقتصادية، إذ إن ضَخّ إيران الأموال يعزّز الحركة الإقتصادية والعكس صحيح”.
الحريري ومدبولي
من جهة ثانية، أقام رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الحكومي مساء أمس مأدبة عشاء على شرف نظيره المصري الدكتور مصطفى مدبولي والوفد المرافق، حضرها حشد من الشخصيات الرسمية والاقتصادية والقيادات الامنية.
وقال الحريري في المناسبة: “اننا حريصون على أفضل العلاقات مع مصر، ونطمح الى تطويرها وتعزيز التعاون في كل المجالات، خصوصاً في ظل الأزمات والتحديات التي تمر بها منطقتنا”. وأضاف: “اجتماعاتنا التي انطلقت على مستوى الخبراء منذ أسبوعين، وتتوّج غداً (اليوم) باجتماع اللجنة العليا المشتركة، هدفها واحد: إزالة العراقيل والمشكلات من أمام القطاع الخاص، أمام المستثمرين ورجال الأعمال اللبنانيين والمصريين. وبهذا المعنى، الأهم من القرارات التي سنتخذها في اجتماعاتنا، سيكون متابعة التنفيذ والتواصل الدائم بيننا لحل أي مشكلة أو عقبة تعترض القطاع الخاص في لبنان ومصر في أسرع وقت ممكن”.